المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 3635

لقي ستة عمال بناء مصرعهم وأصيب 19 آخرون بإصابات خطيرة في ورشات بناء، خلال شهر كانون الثاني الفائت.

وهذا العدد هو ضعفا المعدل الشهري لمصرع عمال في ورشات بناء في السنوات الخمس الأخيرة. ورغم اعتراف الجهات الرسمية، وخاصة وزارة الاقتصاد، بأن الإهمال هو السبب الرئيس لحوادث العمل هذه، إلا أن هذه الوزارة، المسؤولة عن مراقبة وتطبيق أنظمة الأمان في ورشات البناء، تؤكد أنه لم يتم فتح أي تحقيق جنائي في أعقاب الحوادث بشبهة إهمال أنظمة العمل. كما يتبين من معطيات الوزارة أن مراقبة تطبيق أنظمة الأمان تتم بصورة جزئية وحسب، بسبب نقص المراقبين والمفتشين في أماكن عمل كهذه.

وتفيد المعطيات بأن 60% من القتلى في فرع البناء، خلال العام الماضي، سقطوا من مكان مرتفع لدى تنفيذهم أعمال على الأسطح أو سقالة أو ثغرات في المبنى. وسبب آخر لمصرع عمال بناء هو انهيار مبنى أو حائط أو آليات هندسية، مثل رافعة، أو جراء تماس كهربائي أو إصابة بحجارة أو بمعادن. وسبب الوفاة في الغالبية العظمى من حوادث العمل هذه نابع من انعدام الحرص على تطبيق أنظمة الأمان.

وقالت رئيسة مديرية الأمان ومفتشة العمل الرئيسة في وزارة الاقتصاد، فاردا إدواردس، لصحيفة "هآرتس" الأسبوع الماضي، إنه "إذا سقط أحد، فإنه كان هناك إهمال على الأغلب". وأشارت إلى أن سبب حوادث العمل في أغلب الحالات هو إهمال المسؤولين عن ورشة العمل، الذين لا يهتمون بالشكل الكافي بتطبيق أنظمة الأمان، ويخالفون هذه الأنظمة التي ينص عليها القانون.

وأضافت إدواردس "إننا نعلم أنه يوجد عدد كبير من العمال الذين يعملون بشكل مخالف لتعليمات القانون وبصورة غير آمنة، والنتيجة تكون غالبا مؤسفة جدا. والحوادث الصعبة الأكثر انتشارا في ورشات البناء هي السقوط من مكان مرتفع، وهي تحدث في أماكن لا توجد فيها وسائل أمان. وتقع الحوادث نتيجة عمل غير صحيح وعدم الوقاية من المخاطر من جانب المقاول والمسؤولين في ورشة البناء، لأنه إذا تم تطبيق أنظمتنا فإن العمل سيجري بصورة آمنة ويكون احتمال الإصابة ضئيلا".

مصرع مئات العمال والمقاولون لم يعاقبوا

لقي 34 عامل بناء مصرعهم خلال العام الماضي وستة عمال خلال الشهر الماضي. وخلال السنوات العشر الماضية، من العام 2006 وحتى العام 2016، لقي 302 عامل مصرعهم في ورشات البناء. رغم ذلك، فإنه لم يعاقب أي مقاول بناء، وفقا لمسجل المقاولين في وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية، أمنون كوهين، الذي شارك في اجتماع للجنة العمل والرفاه والصحة التابعة للكنيست، عُقد يوم الثلاثاء الماضي، من أجل بحث موضوع حوادث العمل في فرع البناء.

وقال كوهين، المسؤول عن تسجيل مقاولي البناء وإصدار تراخيص عمل، إنه خلال السنوات العشر الماضية لم يدن أي مقاول في أعقاب حادث عمل في فرع البناء. وكان هذا الاجتماع الثالث الذي تخصصه اللجنة البرلمانية لبحث تزايد حوادث العمل في فرع البناء. وانتقد أعضاء الكنيست وزارة الاقتصاد، لأنها لا تخصص عددا كافيا من مراقبي فرع البناء وتمنع نشر أسماء المقاولين الذين تقع الحوادث في ورشاتهم. وشارك في اجتماع اللجنة البرلمانية مندوبون عن الشرطة ووزارة الاقتصاد واتحاد المقاولين والائتلاف لمحاربة حوادث البناء.

ووفقا لكوهين، فإن عدد مفتشي العمل القليل يضع صعوبات أمام تطبيق أنظمة الأمان. وقال إنه خلال العام الأخير تلقى 383 بلاغا حول إصدار أوامر أمان لورش عمل، ما يعني أنه تم تشخيص خطر حقيقي على العمال فيها أثناء زيارة مفتش لإحدى الورش. وأضاف أنه يوجد حاليا 17 مفتشا يتعين عليهم مراقبة تطبيق أنظمة الأمان في حوالي 12 ورشة بناء، أي على كل واحد من هؤلاء المفتشين أن يراقب 700 ورشة بناء.

وأشارت مديرة الائتلاف لمحاربة حوادث البناء، هداس تاغري، إلى أنه "وفقا لتقديراتنا الأكثر حذرا، يتعرض 1000 عامل بناء لإصابات خطيرة، و7000 آخرون يتعرضون لإصابات متفاوتة أقل خطورة. ومواطنو الدولة يمولون مخصصات ضحايا العمل بمبلغ إجمالي يصل إلى أربعة مليارات شيكل في السنة". وتساءلت "لماذا وزارة الاقتصاد ليست شفافة ولا تكشف عن أسماء المقاولين وورش البناء التي وقعت فيها حوادث العمل؟".

وقالت إدواردس إن "مديرية الأمان التابعة لوزارة الاقتصاد تنفذ عمليات استيضاح مهنية لحوادث العمل"، لكن معطيات هذه المديرية تشير إلى وجود سبعة محققين للتدقيق في قرابة 50 ألف حادث عمل في السنة، ولا يتمكنون من التحقيق في غالبية الحالات. ويتبين أيضا أنه حتى في الحالات التي تم خلالها التدقيق في ظروف حوادث العمل، التي تسفر عن وفاة عامل أو إصابات خطيرة، فإنه في غالبية الحالات لا يجري فتح تحقيق جنائي ولا تقدم لوائح اتهام.

فبين الأعوام 2010 – 2015 لقي 185 عامل بناء مصرعهم في حوادث عمل، بينما فتحت الشرطة مئة ملف تحقيق وجرى تقديم 11 لائحة اتهام فقط حول التسبب بالموت نتيجة الإهمال. وخلال هذه الأعوام جرى فتح 87 ملف تحقيق بشبهة التسبب بإصابة خطيرة جراء الإهمال في ورشات بناء، لكن تم تقديم سبع لوائح اتهام فقط.

وقالت إدواردس إنه "كنا نريد أن يكون عدد التحقيقات أكبر، لكي يعرف المسؤولون عن ورشات العمل أنهم سيتعرضون للمحاكمة في حال عدم التقيد بأنظمة الأمان. فكلما مارسنا تطبيق القانون بصرامة أكثر سيعرف المقاولون أنهم سيتعرضون للعقاب والتحقيق، وأنا أؤمن أنهم سيستوعبون بعد ذلك الحاجة إلى حماية العمال".

ولفتت إلى أنه في الورش التي يتقيد العمال فيها بالأنظمة وتوجد فيها جدران، بموجب المواصفات والأنظمة، لا تحدث فيها تقريبا حوادث سقوط من مكان مرتفع. وبلغت نسبة الوفيات جراء السقوط من مكان مرتفع 53% بين الأعوام 2010 – 2015، علما أنه بموجب أنظمة الأمان يجب أن تخضع كل ورشة بناء للمراقبة التي يجري خلالها التدقيق في العوامل التي يمكن أن تشكل خطرا على العمال والتأكد من تطبيق الأنظمة.

ويتبين من المعلومات المتوفرة حول حوادث العمل التي أسفرت عن مصرع ستة عمال، الشهر الماضي، أن ثلاث ورشات من بين خمس خضعت للتدقيق قبل هذه الحوادث. وأكد تقرير صادر عن مركز المعلومات التابع للكنيست، أنه خلال العام 2015 لم يخضع أكثر من نصف ورشات العمل لتدقيق من خلال زيارة مفتشين بهدف منع حوادث عمل. وتشير المعطيات إلى أن 52% من ورشات العمل لم يزرها مفتش، بينما هذه النسبة كانت 32% في العام 2012.
ويشار إلى أن وزارة الاقتصاد تمتنع عن نشر أسماء المقاولين الذين وقعت حوادث عمل مميتة وخطيرة في ورشاتهم، الأمر الذي يمنع نقدا عاما تجاههم. كما أن هذه الوزارة تمتنع عن نشر أسماء العمال المتوفين نتيجة حوادث عمل، خلافا للذين يتوفون نتيجة حادث طرق، الذين تُنشر أسماؤهم فورا.

وقالت مديرية الأمان ردا على استجواب قدمه عضو الكنيست دوف حنين من القائمة المشتركة، إنه "بموجب تعليمات قانونية نحن ممنوعون من نشر أسماء القتلى في حوادث عمل، وذلك لاعتبارات تتعلق بمنع المس بالخصوصية وأيضا من أجل عدم المس بمجريات تحقيق لشرطة إسرائيل". رغم ذلك، تسعى جهات في الكنيست وخارجه في هذه الأثناء إلى تغيير هذا الوضع والسماح بنشر أسماء المقاولين والعمال المتوفين.

"الكارثة المقبلة هي مسألة وقت وحسب"

قاسم أبو راس (34 عاما)، من قرية عيلوط قرب الناصرة، هو آخر ضحايا حوادث العمل، الذي لقي مصرعه بالسقوط داخل بئر لمصعد في مجمع تجاري في مدينة حيفا. ورغم أنه بمصرعه ينذر بسنة دموية في فرع البناء، إلا أن العمل في ورشة البناء هذه استؤنف في الغداة كالمعتاد، وكأن شيئا لم يحدث.

وأشارت "هآرتس" في افتتاحية عددها قبل أسبوعين، إلى أن الأحوال الجوية العاصفة التي سادت البلاد في نهاية الشهر الماضي كان من شأنها أن تدفع مقاولي البناء إلى وقف العمل في ورش العمل، وبذلك عدم إرغام عمال البناء على الوقوف على السقالات، خاصة وأنه قبل ذلك بأيام لقي أشرف طه مصرعه في ورشة بناء بسبب حالة الطقس العاصفة.

وأردفت الصحيفة "لكن المقاولين يمارسون ضغوطا من أجل تنفيذ العمل بموجب جدول زمني وبكل ثمن، بينما يشكو عمال البناء، وبينهم عاملون على رافعات كبيرة، من أنه على الرغم من أنظمة الأمان في العمل التي وضعتها وزارة الاقتصاد، إلا أنهم يتعرضون للتهديد بالفصل من العمل في حال عدم الامتثال في ورشة البناء". وحذرت الصحيفة من أنه "إضافة إلى سقوط ضحايا حوادث العمل، فإن إسرائيل تدفع مقابل التوفير الضئيل برواتب المفتشين مليارات الشواكل سنويا كمخصصات لقاء فقدان القدرة على العمل لعمال بناء أصيبوا أو تحولوا إلى معاقين طوال حياتهم".

ولفتت الصحيفة إلى أن "أكثر من 30 عامل بناء يلقون مصرعهم سنويا في إسرائيل، ومعظمهم عرب، وهناك عمال أجانب ويهود. وهذا ليس قضاء وقدرا، إذ أن احتمال مصرع عامل بناء في إسرائيل أعلى بسبع مرات من بريطانيا. ويصعب الاقتناع بأن وضعا كهذا كان سيُقابل بهدوء كهذا، لو كان الجمهور في إسرائيل سيعرف أن 300 يهودي سيموتون عبثا في السنوات العشر القريبة".

من جانبه، قال المسؤول عن الأمان في منظمة عاملي الرافعات في فرع البناء، حسين عبد الحميد، للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، إن الكثير من عمال البناء هم فلسطينيون من الضفة الغربية الذين يعملون من دون أن تكون بحوزتهم تصاريح عمل ودخول إلى إسرائيل. "وعندما يُصابون ويتعرضون لحادث عمل خطير فإنه يتم إخفاء ذلك. يعيدون العامل إلى بيته الواقع وراء الخط الأخضر من أجل عدم فتح ملف في الشرطة".

وتنص أنظمة عمل عمال الرافعات على أن يتم توجيههم من قبل عامل مهني موجود على الأرض. إلا أن تقرير القناة الثانية قال إنه في عدد كبير من ورش البناء يقوم عامل فلسطيني أو أجنبي، لا يتحدث اللغة العبرية، بتوجيه عامل الرافعة، وهذه الحال تسبب حوادث خطيرة. فمن أجل أن يعمل شخص كمشغّل رافعة ينبغي أن يخضع لفترة تأهيل لهذا النوع من العمل، وفي نهايتها يحصل على رخصة من وزارة المواصلات. لكن ما يحدث في الواقع، بحسب تحقيق القناة الثانية، هو أن الكثيرين يدفعون مقابل تأهيل لا يخضعون له أو يزيفون رخصة مشغل رافعة.

ويطالب مشغل الرافعة بأن يكون مركزا إلى أقصى حد في عمله، الذي يتم في شروط صعبة. لكن الواقع الحاصل في فرع العمل هذا هو أن شروط العمل لا تحتمل، بدءا من ورديات تستمر ساعات أطول مما يسمح به القانون وحتى عدم الحصول على استراحة عمل، "لدرجة أن مشغلي الرافعات لا يجدون وقتا لقضاء حاجتهم". وقال مشغل رافعة إنه في غرفة قيادة الرافعة "لا يوجد هواء، ولا جهاز تبريد، ولا تهوية، وفي الطقس الحار تتحول غرفة القيادة إلى محرقة جنونية، تخرجك عن التركيز، والعمل يتباطأ وهذا يثير عصبية الأفراد على الأرض وتسبب هذه الحال وقوع حوادث".

وتصف تقارير العمل في فرع البناء بأنه "أشبه بالغرب المتوحش"، لأن العاملين فيه يأتون من شرائح اجتماعية مستضعفة، ولأن المشغلين لا يحرصون على تطبيق الأنظمة، ورقابة الدولة ضعيفة، ولذلك فإن "الكارثة المقبلة هي مسألة وقت وحسب".

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, هآرتس, الكنيست, دوف حنين

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات