المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
حي الزيتون في مدينة غزة، أول من أمس. (أ.ف.ب)
  • كلمة في البداية
  • 359
  • أنطوان شلحت

إلى ماذا تشير آخر التقديرات في إسرائيل فيما يتعلق بمخططاتها حيال الحرب التي استأنفتها ضد قطاع غزة منذ يوم 18 آذار الماضي؟ وما الذي تخبئه الأيام المقبلة بهذا الشأن؟ وهل تنفرد إسرائيل في اعتماد المخططات التي بحيازتها والدفع بها قدماً أم أنها تحظى بموافقة الإدارة الأميركية والرئيس دونالد ترامب؟ وما هو موقف الرئيس الأميركي الذي يدرك الجميع أنه الآمر الناهي في هذا الصدد؟

بغية تقديم إجابة شافية عن هذه التساؤلات ينبغي أن ننوّه بما يلي:

أولاً، من الواضح أن الرئيس ترامب ما زال يُبقي الخيارات مفتوحةً، وقد يحسم موقفه لاحقاً. ولكنه حتى الآن لم يعبّر عن موقف واضح وصريح. ونعيد التذكير بأن ترامب طرح خطة لتهجير سكان القطاع وطرح العرب خطة بديلة. ولم يوضّح ترامب موقفه على نحو جليّ للغاية حيال الخطة التي قدّمها العرب، كما أنه لم يتراجع كليّاً عن خطة التهجير.  

ثانياً، يصوّر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو استمرار الحرب ضد قطاع غزة التي تتضمن عمليات إبادة وتجويع بأنها بمثابة تحضير عملياتي لخطة التهجير. وفي ما يخص علاقة نتنياهو مع البيت الأبيض، أشارت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخراً إلى أن ترامب منح نتنياهو أسابيع قليلة فقط لمواصلة القتال، ومن ثمّ سيطلب وقف الحرب والاتجاه نحو صفقة شاملة. وبحسب وسائل الإعلام نفسها فإن هذا هو التفسير لتبليغ ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة الذين التقى بهم أن "هناك صفقة جادة للغاية قيد المناقشة، والأمر يتعلق بعدة أيام فقط"!

وربما ينبغي أن نشير هنا أيضاً إلى ما أفادت به قناة التلفزة الإسرائيلية 13، وهو أنه بعد ساعات قليلة من عودة نتنياهو من زيارته الخاطفة إلى العاصمة الأميركية واشنطن، عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) اجتماعاً لمناقشة آخر التطورات، من دون رؤساء المؤسسة الأمنية. وركّز النقاش على نتائج زيارة رئيس الحكومة العاجلة إلى العاصمة الأميركية. وبلغ نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي يدير المفاوضات (وهناك من يؤكد أنه يضع العصي في دواليبها)، أعضاء الكابينيت بأنه "طرأت تغييرات وتقدّم في موقف حماس بشأن صفقة جديدة".

ثالثاً، بموازاة توجّه الأنظار نحو ما سيؤول إليه موقف الإدارة الأميركية في الفترة المقبلة، يُطرح السؤال بشأن موقف الحكومة الإسرائيلية. في هذا الصدد بالوسع تسجيل ما يلي: 1- بموجب ما يؤكد الباحث الجامعي الإسرائيلي ميخائيل ميلشتاين، وهو ضابط عسكري سابق، فإن الحرب في إسرائيل تحوّلت إلى واقع ثابت، ومن منظور صانعي القرار الحاليين فإنها الإجابة عن السؤال المستمر: ما هي الاستراتيجيا في الواقع القائم؟ في إشارة إلى أن الحرب هي الاستراتيجيا في الوقت الحالي. وبرأيه فإن القيادة نفسها التي كانت تعتمد في السابق على الاحتواء، وكذلك على السلام الاقتصادي وإدارة الصراعات، قررت أن تنتهج تغييراً حاداً يُقدَّم على أنه استخلاص الدرس من الفشل الذي جسّده هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومؤدى هذا التغيير الحادّ هو الحفاظ على الصراع، من دون تحديد هدف واضح، أو إطار زمني. ويتعلق الأمر بإصرار مبدئي على عدم تطوير استراتيجيا، وهو يتم في الوقت عينه من منطلق الإدراك بأن مناقشة الموضوع ستثير قضايا معقدة، وستتطلب قرارات قد تقوّض وحدة الائتلاف الحكومي ("يديعوت أحرونوت"، 8/4/2025)؛ 2- عاد في الآونة الأخيرة عنصر جديد- قديم إلى السياسة الإسرائيلية، وهو الاستيلاء على الأراضي. وهذا ما نشهده أخيراً في قطاع غزة وسورية، وبدرجة أقلّ في لبنان. وتقف وراء ذلك مبررات أمنيّة توصف بأنها استراتيجية؛ 3- بخصوص موضوع الاستيلاء على مزيد من الأراضي في الضفة الغربية تختبئ الدوافع الأيديولوجية- الدينية المتعلقة بفكرة "أرض إسرائيل الكبرى" أيضاً وراء المبررات الأمنية، ووفقاً لعديد التحليلات، يتضح هذا الأمر بشكل جلي في تصريحات قادة الصهيونية الدينية، وعلى رأسهم وزير المالية والوزير الثاني في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش الذي أوضح فعلاً أن هدفه هو تغيير الـDNA للضفة الغربية.

رابعاً، ما تسعى إليه إسرائيل حالياً من خلال استمرار الحرب على قطاع غزة هو زيادة الضغط العسكري على حركة حماس من أجل التأدية إلى تغيير موقفها. وثمة تقارير إسرائيلية متطابقة تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي بات مسيطراً على أكثر من ثلث مساحة القطاع. وبموجب إفادات من غزة (بينها إفادة الصديق حلمي موسى) يقوم الجيش الإسرائيلي وتنفيذاً لتعليمات سياسية بزيادة مساحة ما يسميها المنطقة الأمنية العازلة ويقتطع المزيد من الأراضي في القطاع لصالح هذه المنطقة. وبعد أن عمد إلى إخلاء أغلب مساحات شمال غزة في بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا من سكانها وسع حدود المنطقة العازلة الشرقية من بيت حانون إلى رفح مروراً بأحياء غزة الشرقية كالتفاح والشجاعية والزيتون وكذلك البريج والمغازي وشرقي دير البلح وخان يونس. ولم يكتف بذلك بل عاد إلى نظرية احتلال محاور الفصل والبتر. وبعد محور "مفلاسيم" الذي يفصل شمال غزة عن مدينة غزة، أعلن مؤخراً عن اكتمال احتلال محور "موراغ" الذي يفصل بشكل تام بين خان يونس ورفح. وكان قد أعاد احتلال محور "نيتساريم" الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه. وبحسب الإعلانات الإسرائيلية  تم احتلال ما يقرب من أربعين بالمئة من أراضي القطاع، والاحتلال هنا يعني أيضاً إخلاء السكان. كما أن احتلال هذه النسبة لا يعني أن السكان يعيشون في الـ60 بالمئة الباقية، إذ تفرض إسرائيل على جوار المنطقة العازلة مناطق موت تمنع فيها أي حركة وتطلق النار قتلاً على كل من يتحرّك فيها. وفيما يخص تعليمات إطلاق النار، أشار أحد ضباط الاحتياط في لواء المدرعات إلى أنه لا يوجد نظام واضح لتعليمات إطلاق النار في أيّ مرحلة. وأضاف: "قررنا أن أيّ حركة لأشخاص هي حركة مشبوهة. وفي حال العثور على أيّ شخص يتحرّك، كنا نطلق النار عليه من دون أيّ تمييز بين مدني ومقاتل. ولم يكترث أحد في الجيش لهذا الأمر. وقررنا أن الجميع مشتبه فيهم، ولا توجد أيّ تعليمات، أو مؤشرات إلى التمييز بين الفلسطينيين".

ولا شك في أن عملية حشر السكان في أضيق منطقة هي جزء من مخطط جعل قطاع غزة منطقة لا تصلح للعيش. ويحاول نتنياهو طوال الوقت تأكيد أن هذه التحركات تندرج ضمن تنفيذ الخطة الرامية إلى تهجير سكان القطاع وفق ما طرحه ترامب.

وفي هذا الصدد أكد المراسل السياسي لقناة التلفزة الإسرائيلية 12 أن هذه الخطة تحظى بموافقة رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال إيال زامير. وأورد المراسل (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 10/4/2025) تأكيد مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى أن الجيش الإسرائيلي سيسيطر عملياً على 40 بالمئة من أراضي قطاع غزة، والهدف هو ليس الاستيلاء على الأرض فقط إنما تضييق الخناق على حركة حماس وعلى السكان. وبرأي المصدر نفسه إذا لم يسفر ذلك عن خنوع حماس وإطلاق الأسرى الإسرائيليين، فسيتم الانتقال إلى المرحلة المقبلة وهي مرحلة المناورة البريّة والعودة إلى القتال المكثّف.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات