المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أصدر معهد "مِتافيم" (مسارات)، "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية"، في نهاية كانون الأول الأخير، ورقة "تقدير موقف" يحدد فيها "التوجهات الأبرز في سياسة إسرائيل الخارجية" خلال الأشهر الستة الأخيرة، وذلك بالاستناد إلى معطيات الأعداد الشهرية الستة الأخيرة من "التقرير الدبلوماسي" الذي ينشره هذا المركز كل شهر ويستعرض فيه التطورات الأخيرة التي حصلت، خلال شهر، على صعيد علاقات إسرائيل مع كل من: الشعب الفلسطيني، الشرق الأوسط، أوروبا وحوض البحر المتوسط؛ كما يستعرض أداء أذرع السياسة الخارجية الإسرائيلية المختلفة.

وقد أجمل تقرير "مِتافيم" المناحي الأبرز في السياسة الخارجية الإقليمية الإسرائيلية خلال الفترة المذكورة بما يلي:

1. الانتقال من الدفع نحو الضم الزاحف في الضفة الغربية إلى إعلان النوايا بشأن الضم الرسمي. ففي إطار حملاته الانتخابية الأخيرة، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أولاً، عن نيته ضم مناطق غور الأردن وشمال البحر الميت. ثم قام لاحقاً بتوسيع نوايا الضم لديه لتشمل، أيضاً، جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وفي أعقاب ذلك، تواترت التصريحات في النقاش العام الإسرائيلي التي تؤيد الضم بصورة علنية ورسمية. وفيما تجنبت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، معارضة تصريحات نتنياهو العلنية هذه، فقد تصدت لنوايا الضم هذه أوساط غير قليلة في الخارطة السياسية الأميركية، شملت أيضاً مرشحين للرئاسة الأميركية من الحزب الديمقراطي، فضلاً عن جهات دولية عديدة. وفي المقابل، واصلت حكومة إسرائيل الدفع نحو الضم الزاحف، وهو ما تجسد في استمرار وتكثيف البناء في المستوطنات، رصد موارد وإجراء تغييرات وتعديلات إدارية تخدم نوايا الضم وذات صلة بالموضوع.

2. جهود مكثفة لتجنب اندلاع "مواجهة عسكرية" في قطاع غزة وللتوصل إلى تسوية طويلة الأمد مع حركة "حماس"، إلى جانب العمل على تعميق ضعف السلطة الفلسطينية، دون إيصالها إلى درجة الانهيار التام. فقد أجرت إسرائيل و"حماس" اتصالات غير مباشرة، بوساطة قطَر ومصر ومبعوث الأمم المتحدة الخاص، بغية التوصل إلى تفاهمات تضمن فترة طويلة من الهدوء والعمل على ترميم وتطوير قطاع غزة. وعلى الرغم من استمرار تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة، من حين إلى آخر، إلا أن إسرائيل اختارت ـ كما هو واضح تماماً ـ الامتناع عن التدحرج نحو جولة جديدة إضافية من القتال الواسع في قطاع غزة، بل عملت حثيثاً من أجل التقدم في مسار التوصل إلى التفاهمات والشروع في تطبيقها. في المقابل، حوّلت إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية الأموال التي كانت خصمتها من مستحقاتها في الماضي، وذلك بهدف منع وصول السلطة إلى حالة من الانهيار، إلى جانب الامتناع عن تقويتها وتعزيزها سياسياً، من جهة، وتكريس حالة الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني الداخلي، من جهة أخرى.

3. معارضة الانتقادات الدولية ضد الاحتلال والاستيطان والتصدي لها، من خلال الاتكاء على إدارة أميركية يميزها الضعف، بشكل عام. فقد واصلت إسرائيل محاربة حركة المقاطعة، سواء على الصعيد القانوني ـ القضائي، أو النشاط على شبكات التواصل الاجتماعي أو منع دخول أعضائها ونشطائها إلى إسرائيل. وقد تعرضت إسرائيل إلى موجة متصاعدة ومتسعة من النقد للاحتلال والاستيطان، شملت أيضاً قرار المحكمة الأوروبية بشأن منتجات المستوطنات الإسرائيلية وقرار المدّعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بشأن التحقيق في جرائم حرب محتملة ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. وشملت حملات الرد والتصدي الإسرائيلية شن هجمات شخصية ضد المنتقدين، الاعتراض على صلاحية المحكمة الدولية، نزع الشرعية عن الادعاءات التي طُرحت والاعتماد على إدارة الرئيس ترامب، رغم تأثيرها الدولي الأقل بصورة واضحة عما كان عليه تأثير الإدارات الأميركية السابقة.

4. أزمات في العلاقات مع الأردن وقطيعة بين قيادتهما، دون ردّ جدي من جانب الحكومة الإسرائيلية. فقد نشأت بين الأردن وإسرائيل أزمة ثقة حادة شملت حصول قطيعة بين قادة الدولتين وتصريحات أدلى بها ملك الأردن مفادها أن العلاقات مع إسرائيل الآن في أسوأ فترة لها. المناطق الخاصة في "الغَمر" ("تسوفار" بالعبرية ـ منطقة أردنية حدودية، تقع ضمن محافظة العقبة جنوب البحر الميت. كانت تعدّ أحد بنود النزاع الحدودي بين الأردن وإسرائيل ووردت في الملحق الأول من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية العام 1994) والباقورة ("نهرايم" بالعبرية ـ بلدة أردنيّة حدوديّة تقع شرق نهر الأردن ضمن لواء الأغوار الشماليّة التابع لمحافظة إربد. كانت تعدّ أحد بنود النزاع بين الأردن وإسرائيل منذ عقود لوقوعها على الحدود، حيث وردت في الملحق الأول من اتفاقية وادي عربة في القسم الثاني ب من معاهدة السلام بين البلدين) أعيدت إلى السيادة الأردنية الكاملة، لكن حملة من الاحتجاج الواسعة عمت الأردن، في البرلمان وفي الأوساط الشعبية، ضد اتفاقية تصدير الغاز من إسرائيل إلى الأردن وضد علاقات السلام بين البلدين أصلاً. ثم جاء الاعتقال الإداري بحق المواطنَيْن الأردنيين في إسرائيل ليزيد الأمور تعقيداً في هذه المرحلة الحرجة بالذات، بينما اعتبر الأردن تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بشأن نيته ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت إلى السيادة الإسرائيلية رسمياً بمثابة كسرٍ جدي وخطير لأدوات وقواعد التعامل بين البلدين. وقد تجند رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، محاولاً تهدئة الخواطر والتجسير على الخلافات، سعياً إلى ترميم الثقة بين الطرفين وتوسيع قنوات الاتصال والحوار بين الدولتين.

5. محاولات لرفع مستوى العلاقات مع دول الخليج وجعلها علنية. فقد تعمدت إسرائيل خلال الفترة الأخيرة النشر العلني عن التطورات التي حصلت على صعيد العلاقات مع دول الخليج، مؤخراً بشكل خاص: زيارات مسؤولين إسرائيليين، رسميين كبار، ومشاركتهم في أحداث دولية نُظّمت وجرت في دول الخليج، مداخلات إيجابية على شبكات التواصل الاجتماعي، مشارَكات في مسابقات ومنافسات رياضية وزيارات وفود رسمية. وقد استعدت إسرائيل للمشاركة في معرض "إكسبو" 2020 في دبيّ واهتبال الفرص الكامنة فيه. وصرّح وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، بعزمه على الدفع نحو التوقيع على اتفاقيات عدم الاعتداء وعدم القتال مع دول الخليج التي أكدت، من جانبها، على الحاجة إلى التقدم بين إسرائيل والفلسطينيين كشرط للتطبيع التام. وكل هذا، على خلفية العدائية الإيرانية المتصاعدة حيال بعض الدول في الخليج، والتي لم تحظ بأيّ رد أميركي.

6. تحركات سياسية وعسكرية ضد التمركز الإيراني على الحدود الإسرائيلية (في سورية) وضد الاتفاق النووي. فقد بذلت إسرائيل جهوداً واضحة لدى دول في أوروبا الغربية كي تشدد من سياساتها حيال إيران وتؤيد إعادة نظام العقوبات الاقتصادية ضدها، لكن دون أن تثمر هذه الجهود عن نتائج جدية. كما شاركت إسرائيل في محاولة إنشاء قوة حراسة دولية في الخليج وعملت، بنجاح نسبي، لتشجيع دول إضافية أخرى على اعتبار حزب الله اللبناني والحرس الثوري الجمهوري الإيراني منظمتين إرهابيتين. وعلى الصعيد العسكري، واصلت إسرائيل قصف أهداف إيرانية في سورية، كما وسعت نطاق هجماتها على لبنان والعراق. وفي مقابل النقد الروسي المتصاعد على هذه الهجمات، سعت إسرائيل لحفظ وتعزيز منظومة التنسيق الأمني مع روسيا.

7. تتحرك العلاقات الثنائية بين إسرائيل وأوروبا على خيط ما بين التعاون والخلافات، فيما تتراجع وتيرة العلاقات مع "مجموعة فيسغراد" (تحالف ثقافي وسياسي لأربع دول في وسط أوروبا هي: تشيكيا، المجر/ هنغاريا، بولندا وسلوفاكيا وجميعها أعضاء في "الاتحاد الأوروبي" و"حلف ناتو"). فقط بقي الاتحاد الأوروبي شريك إسرائيل الأكبر في مجال التبادل التجاري وتم التوقيع على اتفاقيات جديدة، إضافية، كثيرة، معه. وكانت قيادة جديدة قد استلمت مهامها في "الاتحاد" فعبرت عن استمرار التزامها بحل الدولتين للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وبتحسين العلاقات مع إسرائيل حينما يتحقق السلام في الشرق الأوسط. لكن الحكومة الإسرائيلية اعتمدت توجهاً سلبياً حيال مواقف الاتحاد الأوروبي وتغلغل هذا إلى الرأي العام الإسرائيلي الذي أصبح يعتبر "الاتحاد" خصماً وغريماً لإسرائيل، أكثر بكثير من كونه صديقاً. العلاقات الدافئة التي كانت لنتنياهو مع دول فيسغراد وقادتها قبل أشهر اختفت تماماً من النقاش العام، بينما تصاعدت حدة التوتر مع بولندا حول مسألة ذكرى الهولوكوست.

8. توطيد التحالفات في شرق حوض المتوسط حول موضوع الطاقة، إلى جانب بذل الجهود اللازمة من أجل المحافظة على قناة مفتوحة مع تركيا أيضاً. فقط واصلت إسرائيل تعميق وتوطيد تعاونها مع قبرص، اليونان ومصر في شرق حوض البحر المتوسط، بما في ذلك عبر المشاركة في "منتدى الغاز" الشرق أوسطي الذي أقيم في القاهرة مطلع العام 2019. وقد بدأت تظهر تأثيرات العزلة التي تعاني منها تركيا، والتي تزداد تعمقاً، وكذلك نتائجها، على السياسات الإسرائيلية. ورغم تجنبها هذا في السابق، إلا أن إسرائيل جنحت إلى دعم كل من اليونان وقبرص ـ على نحو متزايد ومتصاعد ـ في نزاعاتهما البحرية مع تركيا. في المقابل، حافظت إسرائيل على قناة اتصال مع تركيا، رغم التوترات بين البلدين حول الشأن الفلسطيني، وخصوصاً حول مدينة القدس، قطاع غزة ونشاط حركة "حماس" في تركيا.

9. يسخّر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قضايا من السياسة الخارجية في حملاته الانتخابية، غير أن صورته في العالم قد تأذت. فكما فعل نتنياهو في بداية 2019 (الانتخابات للكنيست الـ 21، التي جرت يوم 9 نيسان)، عاد وحاول عرض نجاحاته وإنجازاته على الصعيد الدولي عشية الانتخابات التي جرت يوم 17 أيلول 2019 أيضاً (انتخابات الكنيست الـ 22)، أيضاً. فقد حدد (وألغى، في بعض الأحيان) زيارات ولقاءات دولية في محاولة منه لتحسين إنجازه في صناديق الاقتراع ودعم جهوده لتشكيل ائتلاف حكومي وإقامة حكومة جديدة. وفي إطار محاولاته تلك، لجأ نتنياهو إلى إبراز قضايا إشكالية، مثل ضم غور الأردن وشمال البحر الميت، الصراع مع إيران ومع قطاع غزة، نقل السفارات إلى القدس وفكرة الحلف الدفاعي مع الولايات المتحدة. لكنّ تجاوب قادة الدول الأجنبية ـ ومن ضمنهم دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، أيضاً ـ مع نتنياهو ومحاولاته واحتياجاته السياسية ـ الحزبية الداخلية كان أقل مما كان عليه في الماضي، وذلك على ضوء التراجع في قوته السياسية ـ الحزبية أيضاً. ولم تكن عملية السلام موضوعاً مركزياً في المعركة الانتخابية.

10. على الرغم من تعيين وزير للخارجية بوظيفة كاملة، إلا أن وزارة الخارجية تواجه أزمة حادة تعصف بها وبمكانتها. فبعد أربع سنوات أشغل نتنياهو نفسه خلالها منصب وزير الخارجية، تم تعيين وزير للخارجية بوظيفة كاملة (هو يسرائيل كاتس). لكن هذا لم يساعد في معالجة الأزمة التي تعاني منها الوزارة وفي خلفيتها ـ أساساً ـ النقص الحاد في الميزانيات ونزاعات العمل مع وزارة المالية. هذا الوضع ـ الذي تأثر بالواقع السياسي ـ الحزبي الاستثنائي أيضاً ـ سبب ضرراً واضحاً لعمل وزارة الخارجية وأداء طواقمها وقدرتها على القيام بالمهمات الملقاة على عاتقها. وكجزء من انعكاسات الأزمة وتردداتها، لم تقم إسرائيل بتعيين سفراء جدد في دول مركزية في العالم، مثل فرنسا، روسيا، كندا، وكذلك في الأمم المتحدة، كما أبقت السفارة في مصر دون مسؤول ثابت (رغم أن تعيين السفير هناك قد أقرّ في وزارة الخارجية). هذا كله، في الوقت الذي واصلت فيه الأجهزة الأمنية لعب دور مركزي ومقرر في قضايا السياسة الخارجية.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات