المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1964
  • أفنير بن عاموس

قبل حوالي ثلاثة أسابيع شارك وزير التربية والتعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، رئيس "البيت اليهودي"، على صفحته الرسمية في شبكة "فيسبوك" رسم كاريكاتير لشاي تشركا من صحيفة "مكور ريشون" يظهر فيه وهو يمسك ممسحة ويمحو الخط الأخضر بمساعدتها. وعلى قنينة سائل التنظيف الموضوعة جانباً كتب بأحرف كبيرة "التسوية"، والقصد طبعاً هو أن "قانون التسوية"، الذي مر، من ضمن أمور أخرى، بفضل الجهود الحثيثة للوزير، يؤدي عملياً إلى محو الخط الأخضر لأنه يسمح بتدخل الكنيست في ما يحدث في الأراضي المحتلة.

ربما يعتبر بينيت بالدرجة الاولى وزير المستوطنات ومن يدفع باتجاه ضم الأراضي المحتلة، لكن ممنوع أن ننسى أنه أيضاً وزير تربية كل أولاد إسرائيل. لهذا، حتى اذا ما قررت محكمة العدل العليا في نهاية المطاف إلغاء القانون ستبقى للوزير قبعته الثانية التي يستطيع من خلالها الاستمرار في تشجيع محو الخط الأخضر وكينونة الاحتلال من وعي التلاميذ.

قبل بضعة أشهر، كما نذكر، أعلن بينيت أن تلاميذ إسرائيل لن يتعلموا عن الخط الأخضر أو عن الفروقات بين البلدات التي تتواجد ما بعد الخط الأخضر وتلك التي تتواجد داخله. وقال: "لا يوجد خط أخضر. هناك إسرائيل واحدة. لا فرق بين ولد في كرني شومرون، نتيفوت، أريئيل أو عوفرا. أنا وزير تربيتهم جميعاً. نحن نعلم عن مجمل بلاد إسرائيل دون تفرقة".

إن الذكرى الخمسين لـ"حرب أيام الستة" (حزيران 1967) التي ستحل قريباً هي فرصة جيدة لنفحص كيف يعرض جهاز التربية الرسمي قضية الأخط الأخضر وما يجري في الأراضي التي احتلت عام 1967.

أين من المحتمل أن نجد تطرقا لهذه المواضيع في جهاز التربية؟

من بين مواضيع التعليم، من المفترض أن تتواجد هذه القضايا في ثلاثة مجالات تتعلق بالسكان الإسرائيليين، وبالزمن والحيز الذي يتواجد به هؤلاء: التربية للمواطنة (المدنيات)- الموضوع الذي يتعاطى من ضمن أمور أخرى مع قضايا السيطرة السياسية، وحقوق المواطن والديمقراطية؛ التاريخ الذي يشمل الثلث الأخير من القرن العشرين أيضاً؛ والجغرافيا التي تشمل الحيز بين البحر المتوسط ونهر الأردن.

إن نظرة سريعة لما يقدم في هذه المواضيع في السنوات العشرين الأخيرة تظهر أن الخط الأخضر والاحتلال لم يختفيا عنها تماماً ولكنهما يعرضان بطريقة سطحية، منقوصة ومشوهة.

تعليم المواطنة، الذي يعتبر تعريف دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية عموده الفقري، يركز بشكل حصري تقريباً على السكان الإسرائيليين داخل الخط الأخضر. في مناهج التعليم لموضوع المدنيات للسنوات 2002 -2011 يذكر الاحتلال بشكل عابر فقط، مثلاً بواسطة ذكر "غوش إيمونيم" و"السلام الآن" في معرض الفصل الذي يتحدث عن الحركات غير البرلمانية، أو في معرض التطرق لمكانة محكمة العدل العليا في الأراضي المحتلة والعلاقة بين العرب في إسرائيل والفلسطينيين. في كتب التعليم المعدة للمرحلة الثانوية، يظهر الاحتلال بشكل عام بطريقة غير مباشرة، في الفصل الذي يتناول الشرخ الأيديولوجي- السياسي والنقاش بين "اليمين" و"اليسار" حول مستقبل الأراضي المحتلة. ويأتي تركيز الفصل على المواقف المختلفة وسط المجتمع الإسرائيلي وكيف يعبر عنها بينما الاحتلال نفسه، السكان الفلسطينيون والتغييرات التي طرأت على الأراضي المحتلة منذ 1967 تبقى في منطقة الظل. ومن المثير للانتباه أنه في امتحانات البجروت (التوجيهي) في موضوع المواطنة التي أجريت بين السنوات 2000- 2016 لم يظهر أي سؤال حول الشرخ الأيديولوجي- السياسي. معنى ذلك أن المعلمين لن يهتموا بتدريس هذه المادة حتى عندما يظهر الفصل في كتاب التعليم.


تعليم التاريخ: على الرغم من أن الحديث عن ماض يعتبره المؤرخون قريباً نسبياً، فإن منهاج التعليم في موضوع التاريخ للمرحلة الثانوية يشمل الفترة التي تقع بين حرب الأيام الستة ومنتصف سنوات التسعينات من القرن العشرين. المنهاج للعام 2003 يذكر "صعود السؤال الفلسطيني"، "علاقات إسرائيل والفلسطينيين" و"اتفاقيات أوسلو". أما منهاج 2015 فيقلص هذه القضايا ويركز على حربي 1967 و1973 واتفاقيات السلام مع مصر والأردن، ويذكر الفلسطينيين بشكل عابر كما يمتنع عن التطرق لاتفاقيات أوسلو. بما يتوافق مع ذلك، أيضاً كتب تعليم التاريخ التي صدرت في سنوات التسعين والعقد الأول من القرن الـ21 تتعاطى باقتضاب مع التغييرات التي طرأت على الأراضي المحتلة بعد 1967، وبتوسع أكبر مع الصراع السياسي حول مستقبل هذه الأراضي. من مراجعة أسئلة امتحانات البجروت في موضوع التاريخ التي أجريت بين الأعوام 2000- 2016 يتضح أن السؤال الوحيد الذي كانت له علاقة- غير مباشرة- بالاحتلال تطرق إلى تأثيرات حرب 1967 على دولة إسرائيل. أيضاً في هذه الحالة تم إقصاء الاحتلال إلى هوامش الوعي ليبقى النقاش الأيديولوجي في المجتمع الإسرائيلي داخل الخط الأخضر بمثابة مركز النقاش التاريخي.

بخلاف المواطنة والتاريخ، وهما من المواضيع الإلزامية للحصول على شهادة بجروت، فإن موضوع الجغرافيا هو من بين المواضيع الاختيارية. مع ذلك هناك أهمية لمراجعة الخرائط التي تظهر في كتب الجغرافيا لأنها تعبر عن رؤية وزارة التربية المكانية- السياسية بخصوص المنطقة الممتدة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، وهي تؤثر أيضاً على الطريقة التي يتصور بها التلاميذ هذه المنطقة. يجب أن نعير اهتماماً خاصاً لقضية الخط الأخضر، لوجوده أو غيابه عن الخرائط في كتب التعليم. هذا الخط محي من الخرائط الرسمية بحسب قرار حكومة إسرائيل من العام 1967 ولكن في العام 2006 طلبت وزيرة التربية في حينه، يولي تامير (حزب العمل)، إرجاعه لكتب التعليم، وهي الخطوة التي أثارت خلافاً سياسياً شديداً ولكنها لم تغير شيئاً في الكتب نفسها.

صحيح أن المنهاج التعليمي في موضوع الجغرافيا للمرحلة الثانوية يتطرق لتاريخ حدود أرض إسرائيل ودولة إسرائيل، ويذكر الخط الأخضر حتى، إلا أن كتب التعليم في الجغرافيا تعرض صورة مختلفة. مراجعة خريطة الدولة التي تظهر في ثلاثة كتب تعليمية في موضوع الجغرافيا تظهر نتائج شبيهة: في كتاب معد للمرحلة الابتدائية لا يظهر الخط الأخضر اطلاقاً أما مناطق أ للسلطة الفلسطينية فتظهر كبقع منعزلة؛ الكتب المعدة للمرحلتين الإعدادية والثانوية تشمل بعض الخرائط التي تظهر تاريخ الحدود السياسية لإسرائيل بما يشمل الخط الأخضر ولكن الخريطة التي تظهر إسرائيل الحالية تشبه تلك المعتمدة في المرحلة الابتدائية. بحسب هذه الخرائط، دولة إٍسرائيل تمتد عملياً من البحر حتى الأردن باستثناء بعض الجيوب الفلسطينية الصغيرة التي توصف كبقع مغبشة.

حضور الاحتلال الضئيل في مواضيع التعليم ذات الصلة لم يبدأ اذن بالأمس. فهذه سياسة تربوية مستمرة ومتعمدة تنطوي على الكثير من التحايل. فهي لا تنكر سيطرة دولة إسرائيل على الأراضي المحتلة لكنها تحول هذه القضية إلى شأن يخص الشعب اليهودي. الفلسطينيون يبقون خلف الستار ويثبون من ورائه فقط في دور إرهابيين أو عندما يعيقون مساعي الاستيطان اليهودي. والاستيطان يوصف في كتب التعليم كـ"توسيع السيطرة" أو "السيطرة على أراضي يهودا والسامرة وقطاع غزة"، كما أنه يبدو طبيعياً للغاية. هكذا يصبح بالإمكان تجاهل الواقع اليومي السائد في الأراضي المحتلة- مضايقة السكان الفلسطينيين، سرقة الأراضي، أعمال القتل غير المبررة- وتحويل الأنظار جانباً. بهذا تساهم وزارة التربية والتعليم مساهمة كبيرة في استمرار سيطرة إسرائيل العنيفة على الأراضي المحتلة. وبما أن الاحتلال غير معرف كهذا، فلا يمكن مناقشته، وكم بالحري محاربته!.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات