موسوعة المصطلحات

مدار - بيديا موسوعة مصطلحات تحوي أكثر من 5000 مصطلح اسرائيلي

ولد هرتسل في بودابست العام 1860 لأب ثري قدم لإبنه الدعم المالي والمعنوي في كافة نشاطاته. وتلقى هرتسل تربية وتنشئة المانية من جهة والدته، وتعلم في مدرسة تابعة للجالية اليهودية. أظهر اهتماماً في المواضيع العلمية بشكل ملفت للانتباه، ولكنه كان ميالاً إلى الادب والكتابة. هاجرت اسرته من بودابست واستقرت في فيينا في النمسا، وكان له من العمر ثمانية عشر عاماً، وإثر وفاة شقيقته والتي تركت أثراً عليه، التحق بكلية الحقوق ونال الدكتوراه في القانون، وأخذ يعمل في المرافعات في إحدى محاكم النمسا، إلا أنه أُصيب بالملل، فقدم استقالته وحمل قلمه وشرع بالكتابة الصحافية كمراسل لإحدى الصحف النمساوية في باريس. دخل عالم السياسة من بابه الواسع فالتقى الشخصيات البارزة التي كانت تلعب أدوارها السياسية وأقام معها علاقات ودية، بحكم مهنته الصحافية.

والملاحظ بشكل واضح أنه خلال نشاطه الصحافي في باريس ولمدة أربع سنوات كان بعيداً عن القضايا والشؤون اليهودية، وأكثر من ذلك لم يُظهر اهتماماً بها على الاطلاق، ولكن التحول حصل عندما وقعت قضية الضابط الفرنسي درايفوس العام 1894. هذه القضية أثرّت على مواقفه السياسية والفكرية بشكل واضح للغاية عبر عنها من خلال كتاباته وتحركاته السياسية.

امّا درايفوس هذا فكان ضابطا في الجيش الفرنسي وهو يهودي المذهب، واتهم بنقل أسرار حربية إلى الألمان، فحوكم بنزع رتبه العسكرية وإهانته وسجنه. فكتب هرتسل: (طموح الأغلبية الساحقة في فرنسا إبادة وقتل اليهود من خلال درايفوس، وأين؟ هنا في فرنسا الجمهورية والمتحضرة، مئة عام بعد الإعلان عن حقوق الإنسان).

ومن هذا الباب أصبح هرتسل اكثر اطلاعاً ومعرفة بالمشكلة اليهودية وانتشار مظاهر اللاسامية في أوروبا، وهذا الوضع دفعه إلى القيام بسلسلة من اللقاءات مع زعماء اليهود لإيجاد حلول مناسبة ومخارج للمشكلة اليهودية. فكان لقاؤه العام 1895 مع البارون هيرش، ولم يتمخض هذا اللقاء عن فائدة. والتقى مع أحد أفراد عائلة روتشيلد والنتيجة مشابهة. ولم يُصب هرتسل بيأس فتابع لقاءاته مع الزعماء اليهود في لندن، ولكن تجاوبهم كان بارداً.

وقام هرتسل بنشر كتابه (دولة اليهود) في فيينا العام 1896 والذي احدث ضجة كبيرة وجدلاً واسعاً في الأوساط اليهودية، وهنا نجح هرتسل في إثارة عدة تيارات وأفراد أخذوا بالانضمام إليه وقدموا له الدعم اللازم في سبيل عقد أول مؤتمر صهيوني في بازل، وهو المؤتمر الذي رسم مصير القضية اليهودية.

وأعلن هرتسل قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عن رغبته في امتلاك فلسطين بواسطة شرعية دولية، فأجرى سلسلة من اللقاءات مع بعض الشخصيات السياسية في عدد من الدول التي اعتقد أنها مركزية ولها دور في صياغة وتشكيل العالم. فالتقى مع مستشار القيصر الألماني الذي أظهر تعاطفاً مع مواقف وتطلعات هرتسل، وتحول إلى صديق حميم له. وكان لهرتسل لقاء مع الصدر الأعظم العثماني في العاصمة العثمانية اسطنبول وطلب منه السماح لإستيطان يهودي في فلسطين تحت رعاية الدولة العثمانية. ونقل الصدر الأعظم تلميحا من السلطان بأنه على استعداد لدراسة هذا الطلب إذا دبر هرتسل مبلغاً من المال يصل إلى مليوني جنيه استرليني، ونجح هرتسل في جذب عدد من أغنياء اليهود في لندن لمساعدته في توفير هذا المبلغ إلا أن معارضة شديدة حصلت في بعض الأوساط اليهودية التي خافت على مصالحها ومنجزاتها في بريطانيا نتيجة هذه التحركات التي يقوم بها هرتسل.

ورغم هذا الوضع فإن هرتسل قرر البدء بالتحضير لعقد مؤتمر عام وعالمي لليهود يجري فيه البحث في أهم وأكبر القضايا التي يواجهها اليهود في العالم.

وافتتح المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا في 29 آب 1897 بحضور 197 مندوباً عن الجاليات اليهودية، ودعا هرتسل رجال السياسة والصحافة وألقى خطاباً مطولاً شدّد فيه على ضرورة التفاوض من أجل تحقيق المطالب اليهودية. وأعلن أن شكل الاستيطان القائم في فلسطين غير عملي على وجه الإطلاق، وعرض مشروعاً على المؤتمرين عُرف بـ (مشروع بازل).

أما بقية حياة هرتسل فيمكن تقسيمها إلى مرحلتين: الأولى من بازل وحتى العام 1901 والثانية من 1902 وحتى 1904.

ففي المرحلة الأولى ركّز جهوده على الالتقاء مع الزعماء السياسيين في العالم بشكل مباشر ودون وسطاء، ووجه عنايته إلى التقاء القيصر الالماني فيلهلم الثاني والسلطان العثماني عبد الحميد الثاني مستفيداً من التقارب السياسي والعسكري والاقتصادي العثماني - الالماني. وكان اعتقاد هرتسل أن حلّ المشكلة اليهودية يمر عن طريق هذين الزعيمين. وانتهز هرتسل فرصة إعلان القيصر الألماني فيلهلم الثاني عن نيته زيارة العاصمة العثمانية اسطنبول والأرض المقدسة في فلسطين، فقام مستشار القيصر وصديق هرتسل بترتيب لقاء له مع القيصر في اسطنبول. وطلب هرتسل في لقائه مع القيصر ان يُحصّل له امتيازاً من السلطان العثماني يُجيز لليهود الاستيطان في فلسطين وإقامة حكم ذاتي (اوتونوميا)

فيها تحت إشراف الماني.

ورغم نظرة القيصر اللاسامية فإنه أظهر تعاطفاً مع فكرة هرتسل وحدد لقاء مجدداً بينهما في فلسطين في مستوطنة (مكفيه يسرائيل) ثم في القدس، حيث قدم هرتسل ومؤيدوه مشروعاً مفصلاً للقيصر الالماني والذي قدم بدوره جواباً بأن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحقيق. والواقع أن القيصر لم يرفض ما قدمه هرتسل، ولذلك لم يُصب هرتسل باليأس.

ولكن هرتسل أُصيب بنوع من خيبة الأمل من موقف وجواب السلطان العثماني عبد الحميد الثاني الذي رفض أي مطلب صهيوني من هرتسل وغيره.

ورغم هذا الجواب فإن هرتسل نجح في العام 1901 بعد سلسلة من الجهود ودفع البرطيل والرشاوى أن يلتقي بالسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، حيث طلب منه بقحة منحه امتيازاً يسمح لليهود بالهجرة والاستيطان في فلسطين، وألمح السلطان عن حاجته لسدّ عجز خزينة سلطنته. وفهم هرتسل التلميح فتوجه إلى اثرياء اليهود الذين خيبوا آماله، فكتب عن هذا الموقف بمرارة: (سيقفون على قبورهم ويبصقون بعد خمسين عاماً عندما يعرفون أني كنت على وشك الاتفاق مع السلطان، ولكني لم أنجح لعدم تمكني من تحصيل المال الحقير).

وتابع هرتسل مساعيه لدى السلطات العثمانية واستُدعي بعد تسعة أشهر إلى اسطنبول حيث قام بإجراء سلسلة من المباحثات مع السلطان وكان اقتراح الصدر الأعظم أن يدفع اليهود ديون السلطنة مقابل نيلهم امتيازاً لاستغلال مناجم في الدولة العثمانية، وأن يسمح لليهود في الاستيطان في كل مكان من السلطنة العثمانية ما عدا فلسطين.

أما المرحلة الثانية فتمثلت بتوجهه إلى بريطانيا في أعقاب فشل كل محاولاته مع المانيا وتركيا. وكان هدفه من هذا التوجه الحصول على امتياز من بريطانيا لتوطين اليهود في قبرص أو شبه جزيرة سيناء بشكل مؤقت، ريثما تُحل القضية اليهودية جذرياً، فوافق وزير المستعمرات البريطاني تشمبرلن على توطين اليهود في منطقة العريش شمالي سيناء. ولقد قوبل هذا الاقتراح بموافقة واسعة وكبيرة من الأوساط الصهيونية لأن العريش قريبة من فلسطين، إلا أن هذا الاقتراح وضع جانباً بسبب التقرير السلبي الذي قدمته لجنة مختصة أرسلها المؤتمر الصهيوني لفحص الموقع فتبين لها أن مسألة تزويد العريش بالمياه ستقف حاجزاً أمام تحقيق هذا المشروع.

وهنا تقدم تشمبرلن وأعلن عن مشروع جديد وهو منح اليهود اوغندا في افريقيا لإقامة مستعمرة يهودية تكون تابعة للتاج البريطاني مع توفير امتيازات حكم ذاتي. وعارض هرتسل بنفسه المشروع في البداية، إلا أن اضطرابات كيشنييف العام 1903 دفعته إلى قبول المشروع واصفاً إياه بأنه (ملجأ ليلي).

وعرض هرتسل هذا المشروع على المؤتمر الصهيوني السادس العام 1903، فانقسم المؤتمرون إلى معارضين ومؤيدين. أمّا المعارضون فقد أطلقوا على أنفسهم (صهيونيو صهيون)، وانفصلوا عن المؤتمر واجتمعوا في قاعة جانبية وأخذوا يبكون خراب اورشليم وفقدان الأمل بالخلاص. عندها أرسل هرتسل تجديد جلسات المؤتمر ووقف مخاطباً الحضور معلنا تنازله عن المشروع بقوله:(اذا نسيتك يا اورشليم فلتنسني يميني).

ومات هرتسل العام 1904 إثر نوبة قلبية ودفن في فيينا، ونقل رفاته ليدفن في القدس العام 1949،

وضع هرتسل سلسلة من الكتب منها المسرحيات والروايات والمقالات والابحاث، ومن اشهرها (دولة اليهود) و(التنويلاند) (الأرض القديمة - الجديدة).

ويعتبر هرتسل واضع الأُسس العقائدية للحركة الصهيونية، وصاحب نبوءة قيام دولة اليهود بعد خمسين عاماً من انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول في بازل، وهو الذي نجح في جعل القضية اليهودية دولية وسياسية غير محصورة في إطار ديني.

أُطلق اسمه على شوارع كثيرة في المدن المركزية في اسرائيل، وكذلك على بعض المؤسسات التعليمية والتربوية.