رام الله: صدر حديثًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" عدد جديد من فصلية "قضايا إسرائيلية"، يضم محورًا موسعًا تحت عنوان "علاقات إسرائيل- ألمانيا: تاريخ، ذاكرة وسياسة"، يعالج مجموعة من مفاصل العلاقة، حيث يقف على خصوصيتها التاريخية، وماهيتها، ويكشف عن ما تخفيه، وما يكتنفها من تغييب للمسألة العربية، إلى جانب تفكيك خطابها فيما يتعلق باللاسامية والقطع معها.
ففي مقال "كيف تحوّل اليهود أخيرًا إلى ألمان؟ السياسة الألمانيّة تجاه إسرائيل وتحوّل اللاساميّة"، يبحث الكاتب دانييل مارويكي كيف أعادت جمهوريّة ألمانيا الاتحاديّة، تصوّر مفهوم اليهوديّ الآخر من خلال علاقتها مع الدولة الإسرائيليّة، عبر بحث الاستمراريّة المجازيّة لـ"القوة اليهوديّة" في السياسة الألمانيّة- الإسرائيليّة، وكيف تمّت إعادة تصوّر اليهود الإسرائيليّين كألمان.
وتناقش مقالة "الهجرة وما تولّده من استياء: الإسرائيليون في برلين والسياسة القومية" ليائيل ألموغ بعض الافتراضات الإثنية والعرقية التي ترتكز عليها النقاشات التي تتناول هجرة الإسرائيليين إلى ألمانيا مؤخرًا، ولا سيما وصف وجود الإسرائيليين في برلين على أنه يشير في دلالته إلى "عودة" اليهود إلى أوروبا بعد المحرقة ويعبّر عنها".
ويكتب عاموس غولدبيرغ عن "الرواية اليهودية" في متحف "ياد فاشيم" العالمي للمحرقة، مقالة نقدية لا تركز على النهاية الصهيونية التي يبلغها المتحف، بل هي موجهة للنظر في النهاية المُحكمة التي تصل رواية المتحف إليها، والتي تخلق مشكلة في مسألة "الآخر" والوعي بالآليات الثقافية والسياسية والنفسية التي تفضي إلى الفاشية.
وفي العدد مقال بعنوان "بصيغة ثالثة: الحوار الألمانيّ- اليهوديّ وسؤال العربيّة"، لجاليلي شاحر، يعيد طرح السؤال حول العلاقات الألمانيّة-الإسرائيليّة عبر صياغة أخرى تصل السؤال بتاريخ الشعبين، الألمانيّ واليهوديّ، في القرون الأخيرة، والخطاب اللاساميّ والعنصريّة، ومشاريع الإبادة خلال الحرب العالميّة الثانيّة، وكذلك، رؤية هذا التاريخ على ضوء مشاريع التأهيل والتعويض الألمانيّة في العقود الأخيرة.
كما يضم العدد تحت المحور ذاته ترجمة أنجزها وئام بلعوم لمادة أرشيفية تعالج النقاش الإسرائيلي حول اتفاق التعويضات بين إسرائيل وألمانيا، تكشف ما واكب الاتفاقية من جدل ساخن.
وفي العدد تكتب هنيدة غانم مقالاً عن "تقاطعات المحرقة والنكبة في ظل الصهيونية"، يسلّط الضوء على تقاطعات النكبة والمحرقة في لحظة تأسيس "الدولة اليهودية" على أنقاض فلسطين، ويقرأ انعكاس هذا التقاطع على علاقة الفلسطيني بالمحرقة كما تم التعبير عنها في تقاطعين: أولاً، التقاطع الزمكاني، حيث إقامة مجمع "ياد فشيم" منذ منتصف الأربعينيات وتقدمه بموازاة النكبة حتى إقراره مؤسسة رسمية في دولة إسرائيل، لينتقل المقال إلى مسألة التقاطع الوجودي بين المحرقة والنكبة في فلسطين/ إسرائيل كما عبر عنها راشد حسين في قصيدته "الحب والجيتو" (1963) التي كانت من أوائل المنتجات الأدبية الفلسطينية التي تتناول اللقاء بين المحرقة والنكبة في فلسطين، عبر قصة اللقاء بين الشاعر ويافا اليهودية الناجية من المحرقة، في مدينة يافا المدمّرة.
وفي العدد مقال بعنوان "من التوثيق إلى الأرشفة-الأرشيفات الصهيونية كمصدر للمعرفة" لفادي عاصلة،
عبارة عن تجربة استكشافية أولية في الإرث الفلسطيني الموجود في الأرشيفات الصهيونية، تحاول فهم آليات الجمع والتوثيق التي قامت بها المؤسسات الصهيونية حول فلسطين والفلسطينيين، ومن ثم كيف تحول هذا المخزون إلى مادة أرشيفية تقبع في أقبية الأرشيفات الصهيونية.
وفي مقال "السياسة المكانيّة- الحيويّة التي تنفّذها إسرائيل: الأرض، والديمغرافيا والسيطرة الفعلية"
يطرح الكاتبان ينون كوهين ونيف غوردون فرضيتين: تتناول أولاهما الإستراتيجيات المكانيّة- الحيويّة، بما تشمله من إنشاء حيِّز بوصفه فئة مصنَّفة على أساس الانتماء العرقي، بينما تقف ثانيهما على الإستراتيجيات التاريخية.
ويبيّن المقال أن الدعائم المكانيّة- الحيويّة المحدّدة التي يقوم المشروع الكولونيالي الإسرائيلي في أساسه عليها توظّف إستراتيجيات مماثلة تُعنى بنزع الملكية والاستيطان في عموم أنحاء الأراضي الممتدة بين منطقة الأغوار والبحر المتوسط. في الوقت ذاته، يحدّد المقال العلاقة القائمة بين هذه الإستراتيجيات والتصنيفات الإحصائية وأساليب التعداد المستخدمة في توجيه المساعي التي تبذلها إسرائيل في سبيل تصنيف الحيِّز الذي تضع يدها عليه على أساس عرقي.
ويضم العدد مقالاً ليهودا شنهاف ـ شهرباني بعنوان "تصحيح الاسم" إلى جانب مراجعة لكتاب "حكومات إسرائيل المتعاقبة: قرارات حكيمة وقرارات غبية"، لدان كورن ويحيئيل (حيليك)غوتمان/ أعدها علي حيدر، ولكتاب "اليهود العرب: قراءة ما بعد كولونيالية في القومية والديانة والإثنية" ليهودا شنهاف شهرباني، أعدها أحمد عز الدين أسعد.
وجاء في مقدمة مدير التحرير رائف زريق للعدد:
"بداية، لم يكن هناك أي إجماع داخل إسرائيل حول كيفية التعامل مع الدولة الألمانية بعد اندماج النازية. توجهت إسرائيل بداية إلى دول الحلفاء بطلب التعويضات من ألمانيا، دون أن تكون راغبة في إجراء مفاوضات مباشرة معها. إلا أن الولايات المتحدة والغرب الذي بدأ يشعر برياح الحرب الباردة، كان معنيًا بضم ألمانيا الغربية إلى حلف شمال الأطلسي، وكان لدفع التعويضات من قبلها، أن يمهد الطريق إلى هذا الانضمام.
هذا وقد التقى الوضع الاقتصادي في إسرائيل التي قررت استيعاب مئات آلاف المهاجرين اليهود من الدول العربية، التقى مع رغبة ألمانيا في العودة إلى الساحة الدولية ذات سيادة، وعليه انطلقت المفاوضات بشأن التعويضات.
شكل خطاب المستشار الألماني اديناور أمام البرلمان الألماني نقطة البداية في هذه المفاوضات، كان الخطاب قصيرًا جدًا ومقتضبًا في مضمونه: لم يعترف اديناور بمسؤولية الشعب الألماني، على اعتبار أنه بغالبيته قد عارض وقاوم النظام النازي، لكنه مع ذلك اعترف بالجرائم التي حصلت ضد اليهود وضد ممتلكاتهم.
لقد كان هذا الخطاب كافيًا لبدء المفاوضات حول التعويضات، ومن ثم دفعها، وبداية لعلاقات اقتصادية وعسكرية بين الطرفين.
لم يولد استحواذ "الكارثة" على الخطاب الأخلاقي والسياسي في ألمانيا في الخمسينيات، وإنما جاء ونشأ وتطور في مراحل لاحقة، ولا شك في أنه كان للولايات المتحدة دور أساسي في ترسيخ "الكارثة" كعلاقة فكرية أخلاقية فارقة في القرن العشرين.
على أي حال، من المثير للانتباه إلى أن التعاون الاقتصادي والعسكري بين ألمانيا وإسرائيل قد سبق عملية الاعتذار وتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية والسياسية.
هل ستبقى علاقات إسرائيل وألمانيا محكومة بظل "الكارثة"؟
لا تزال ذكرى "الكارثة" علامة فارقة، وأمن إسرائيل ووجودها ومستقبلها هو ركن من أركان السياسة الخارجية الألمانية، على الرغم من ذلك ليس من الواضح، ولا المفهوم ضمنيًا، ما هو المقصود بأمن إسرائيل ووجودها، وأين هي حدود إسرائيل هذه، وما علاقة الاحتلال بالأمن؟"