تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1390
  • برهوم جرايسي

هل يستعد يائير نتنياهو "لخلافة" والده في زعامة الليكود؟ كان هذا السؤال المركزي في تقرير بثته القناة التلفزيونية العامة الإسرائيلية قبل أيام، كثُرت فيه الأصوات مجهولة الهوية، التي كثير منها من تحدث سلبا، وآخرون إيجابا. ويتضح من التقرير أن هناك ماكنة خفيّة تعمل من وراء الكواليس، لصناعة "شخصية الزعيم القوي"، لدى يائير (28 عاما)، بضمنها "جمعية" صهيونية ناشطة في الولايات المتحدة الأميركية.

ويائير هو الابن البكر من زوجة بنيامين نتنياهو الثانية، سارة، وله أخت ليست شقيقة من زوجة أبيه الأولى، ويُقال إنها باتت متدينة. وليائير شقيق أصغر يدعى أفنير، وهو ما زال خارج الأضواء الإعلامية السياسية.

وحينما وصل بنيامين نتنياهو لرئاسة الحكومة لأول مرّة في العام 1996، كان يائير ابن 5 سنوات. وحينما بلغ سن 18 عاما، كان والده في السنة الأولى لعودته إلى رئاسة الحكومة في العام 2009. وخدم يائير ضمن الخدمة العسكرية الإلزامية، في مكتب الناطق بلسان الجيش. وظهرت في حينه انتقادات لاختيار هذه الخدمة البعيدة عن القتالية.

واستذكر التقرير التلفزيوني الأخير تلك الانتقادات. إلا أن هناك من قال إن يائير قام بمهمته بمهنية. ولكن من هناك كانت طريقه قصيرة، نحو مستشاري والده الإعلاميين. فمعروف عن بنيامين نتنياهو هوسه الإعلامي، واتهامه لغالبية وسائل الإعلام والإعلاميين بأنهم يلاحقونه ويريدون اسقاطه عن الحكم.

في السنوات القليلة الأخيرة، تكثّف نشر اسم يائير نتنياهو في وسائل الإعلام، ارتباطا بقضايا الفساد التي تلاحق بنيامين وزوجته سارة. ولكن بموازاة ذلك، فإن يائير بدأ يظهر في الإعلام السياسي بمبادرته، دفاعا عن والده، وفي غالب الأحيان مهاجما خصومه ومعارضيه، بمنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، طغى على كثير منها طابع الفظاظة، وفي أكثر من حالة اضطر يائير لشطب المنشور لاحقا.

في الأيام الأخيرة، أعلن أفيغدور ليبرمان زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، أنه سيقبل برئاسة الليكود للحكومة المقبلة، ولكن ليس شخص بنيامين نتنياهو، وإنما مثلا، رئيس الكنيست الحالي يولي إدلشتاين. وفي الحال نشر يائير نتنياهو تغريدة في تويتر، معتبرا تصريح ليبرمان "مؤامرة" حيكت مع إدلشتاين، لإسقاط نتنياهو عن الحكم. وفي اليوم التالي ظهرت المبادرة لإلزام المرشحين الـ 40 الأوائل في قائمة حزب الليكود، ليتعهدوا أن مرشحهم لرئاسة الحكومة هو بنيامين نتنياهو فقط. وهو أمر غير مسبوق في تاريخ السياسة الإسرائيلية.

ويشار إلى أنه في سياق الولاية البرلمانية الـ 20، ظهرت بعض المشاحنات بين بنيامين نتنياهو ورئيس الكنيست إدلشتاين، وكان فيها جانب شخصي. وبلغت ذروة هذه المشاحنة، حينما حاول نتنياهو، من خلال وزيرة الثقافة، رئيسة لجنة المراسم، ميري ريغف، كسر البرتوكول "لاحتفالات الاستقلال"، في العام الماضي 2018، بأن أرادت منح كلمة لرئيس الحكومة في حفل اضاءة المشاعل. وحسب النظام، فإن الكلمة هي فقط لرئيس الكنيست، الذي هدد بعدم إلقاء كلمة، إذا ما تم منح نتنياهو كلمة في ذلك الحفل.

ولكن هذه المشاحنات لم تقف في طريق إدلشتاين، الذي تم انتخابه مجددا رئيسا للكنيست بعد انتخابات نيسان الماضي، وبموافقة بنيامين نتنياهو.

التقارب من حيتان المال
في التقرير التلفزيوني المذكور جرى تسليط الضوء على أنه يتم تقريب يائير نتنياهو من حيتان المال، أصدقاء والده، ومنهم كبار الداعمين لنتنياهو ليبقى في الحكم. وكانت العديد من التقارير الصحافية الإسرائيلية قد أبرزت في السنوات الأخيرة، علاقة يائير بكبار الأثرياء، خاصة اليهود الأميركان منهم، داعمي والده.

وليس هذا وحده، بل كما يبدو هناك من بدأ يتحرك لتسويق يائير سياسيا في العالم، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، وقيل في التقرير إن منظمة صهيونية باسم "إستي" نظمت ليائير نتنياهو جولة لقاءات في الولايات المتحدة، تضمنت إلقاء خطاب مركزي في أحد المؤتمرات، عرض فيه "رؤيته السياسية"، وبضمنها "لا وجود لشعب فلسطيني في التاريخ".

وحسب التقرير التلفزيوني الإسرائيلي، فإن تفاصيل منظمة "إستي" ليست واضحة، ولكن أحد الأثرياء يقف من خلفها. فمثلا في العام الماضي سجلت هذه المنظمة مداخيل بقيمة 52 ألف دولار، ولكن ما صرفته كان ألفي دولار فقط.
غالبية الإعلاميين والمحللين الذي ظهروا في التقرير على قناعة بأنه تتم تهيئة يائير نتنياهو لخلافة والده مستقبلا. وأحدهم قال إنه يسير على درب والده، الذي ظهر في السياسة في جيل مبكر نسبيا.

واقعية الخلافة
ولكن يُسأل السؤال: هل حقا سيكون بالإمكان تحقيق هدف كهذا، في حال وُجد أصلا؟ الإجابة على هذا السؤال ليست حاسمة، فهناك عدة سياقات تجعل لكل جواب احتمال جدي.

الاحتمال الأول: يمكن القول إنه على الرغم من سطوة بنيامين نتنياهو على حزب الليكود منذ نهاية العام 2005، وتصفية كل الشخصيات البارزة، ذات النجومية السياسية، أو أنها كانت مرشحة للنجومية لتُنافس نتنياهو مستقبلا، فتم إبعادها، أو إقصاؤها، وفي أحسن أحوالها بقيت في الساحة السياسية، ولكنها ضعيفة أمام شخصية نتنياهو؛ إلا أن حزب الليكود يبقى حزب مؤسسات، وما تزال فيه شخصيات ستكون معنية بالمنافسة على رئاسة الحزب، في حال نزل نتنياهو عن كرسيه، بفعل المحاكمة، أو الاستقالة الطوعية أو لأي سبب كان.

الاحتمال الثاني: هو أن الأحزاب الكبرى، وخاصة الليكود، باتت رهينة لحيتان المال، ومنها من يسيطر على وسائل الإعلام المركزية، ومن الممكن جدا أن تدفع بيائير نتنياهو للواجهة أكثر، من أجل بناء قاعدة شعبية له، تدفعه نحو رأس الهرم الحاكم بعد والده.

الاحتمال الثالث: أن يائير نتنياهو ابن الأعوام الـ 28 ما زال صغيرا على الحكم، وقد يدخل إلى السياسة في "مسار طبيعي"، بمعنى الترشح لعضوية الكنيست، ومن هناك يبدأ بالتدرج نحو الأعلى.

لقد عرفت السياسة الإسرائيلية، منذ سنوات السبعين الأخيرة، ظاهرة "أمراء السياسة"، والمقصود أبناء سياسيين سابقين ساروا على دروب آبائهم أو أمهاتهم، ومن بينهم من كانوا في مسارات سياسية مختلفة وحتى نقيضة.

ونذكر منهم أبراهم بورغ، عضو الكنيست ورئيس الكنيست الأسبق عن حزب العمل، فهو نجل الوزير الأسبق يوسف بورغ، الزعيم التاريخي لحزب المفدال الديني اليميني، إلا أن نجله كان في الصف المقابل صهيونيا.

وأيضا تسيبي ليفني، وهي ابنة عضو كنيست سابق من حزب حيروت، الذي أسس حزب الليكود لاحقا. والوزير الحالي تساحي هنغبي، ابن غيئولا كوهين، من قادة الاستيطان والمستوطنين.

أما وزير الخارجية الأسبق دافيد ليفي، فقد جاء من بعده الى الكنيست نجله جاكي ليفي، الذي كان عضو كنيست عن حزب الليكود في الولاية الـ 20، وغادر الكنيست عائداً لرئاسة بلدية مدينة بيسان، وابنته أورلي ليفي- أبكسيس، التي دخلت الكنيست من خلال حزب "يسرائيل بيتينو" في العام 2009، وانشقت عن الحزب في 2016، وهي تخوض الانتخابات حاليا متحالفة مع حزب العمل، بعد أن أحيت من جديد اسم الحزب الذي أقامه والدها في النصف الثاني من سنوات التسعين. في تلك السنين كان دافيد ليفي وشقيقه مكسيم شريكان في الحزب، ويمثلانه في الكنيست.

وقائمة "الأمراء" تطول، ولكنها ظاهرة آخذة بالتلاشي.