تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
×

تحذير

Joomla\CMS\Cache\Storage\FileStorage::_deleteFolder فشل الحذف index.html

  • تقارير خاصة
  • 2383
  • انطوان شلحت

 مع اقتراب الانتخابات النصفية، التي ستجري في الولايات المتحدة في تشرين الثاني المقبل، تتزايد في إسرائيل الأصوات التي تحذّر من مغبة قيام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتعميق الانقسام مع الحزب الديمقراطي، وأساساً من طريق تعزيز تحالفه مع عتاة المسيحيين الأفنجيليين من قادة وأنصار الحزب الجمهوريّ، والذين يعتبرهم مؤيدين متحمسين لإسرائيل وسياستها الإقليمية ولا سيما حيال المسألة الفلسطينية وسبيل تسويتها.

 

ورأى بعض هذه الأصوات أن الأفنجيليين كانوا مؤيدين للحركة الصهيونية على الدوام، لكن في السنوات الأخيرة تحول هذا التأييد إلى مكوّن أساس في معتقداتهم. وفي الواقع بدأت حكومات إسرائيل بتطوير العلاقات بهم بعد حرب حزيران 1967، غير أن ما يمكن ملاحظته في السنوات الأخيرة أنه كلما اتجهت إسرائيل نحو اليمين، ازداد تأثير الأفنجيليين في العلاقات بين الدولتين. وأدّى انتخاب دونالد ترامب إلى وصول هذا التأثير إلى الذروة، وذلك كما ثبت من خلال الجمهور الذي حضر الاحتفال غير المسبوق بنقل السفارة الأميركية إلى القدس يوم 14 أيار 2018. كما يسعى السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون دريمر، الذين انضم إليه مؤخراً نظيره في إسرائيل ديفيد فريدمان، لأن يكون التأييد الأميركي لإسرائيل معتمداً حصرياً على الأفنجيليين، الذين يدعمون السياسة الصقرية والرافضة لإسرائيل إزاء الفلسطينيين. وبرأي تلك الأصوات، فإن هذا التضافر يتسبب بتآكل إضافي في مكانة إسرائيل وسط مراكز قواها التقليدية، وفي طليعتها يهود الولايات المتحدة، الذين يعتبرون الأفنجيليين خطراً حقيقياً على قيمهم. وبهذا الشأن قال السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، في حديث أدلى به إلى صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، مؤخراً، إن الحضور البارز لمؤيدي إسرائيل من المسيحيين الأفنجيليين في مراسم افتتاح السفارة الأميركية في القدس، يؤكد أن هؤلاء يدعمون إسرائيل بحماسة وإخلاص أكبر من الكثيرين في الجالية اليهودية الأميركية.

وأقر فريدمان بأنه وجه دعوة شخصية إلى جون هيغي، الذي ألقى كلمة ختامية خلال ذلك الحدث، وإلى القس روبرت جيفريس، الذي ألقى كلمة افتتاحية. ووصفهما بأنهما من أبرز قادة الأفنجيليين.

وجيفريس هو من أشد أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكان عضوا في مجلسه الاستشاري الأفنجيلي، وحذر مرة من أن الشعب اليهودي سيذهب إلى الجحيم، وقال إن "هتلر هو جزء من خطة الرب لعودة اليهود إلى إسرائيل". وكان من أبرز المنتقدين لاختياره للتحدث في المراسم المرشح الرئاسي السابق ميت رومني، الذي وصف جيفريس بأنه متعصب ديني.

وردّد السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون دريمر تصريحات مماثلة لتصريحات نظيره الأميركي مشيداً بالمجتمع المسيحي الأفنجيلي، وقال للصحيفة إن المسيحيين المتدينين أصبحوا العمود الفقري في دعم الولايات المتحدة لإسرائيل. وأضاف دريمر أن الحديث يدور حول ربع ثابت من السكان، وقد يكون ذلك أكبر بـ10 أو 20 أو 30 مرة من عدد السكان اليهود.
وحذر عضو الكنيست يائير لبيد، رئيس حزب "يوجد مستقبل" المعارض، من أن نتنياهو يقوم على نحو خطر بربط حكومته بفصائل محافظة وأفنجيلية في الحزب الجمهوري، ويزيد من الانقسام مع الديمقراطيين. وقال لبيد إن حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتفق تماماً مع الفصيل المحافظ والأفنجيلي في الحزب الجمهوري خطرة. وأضاف أنه إذا ما تم انتخاب رئيس وكونغرس ديمقراطيين في العام 2020، سيشكل ذلك مشكلة خطرة لإسرائيل في حال استمرار بقاء نتنياهو في السلطة.

تحالف متنام

وجاء في تقرير "نيويورك تايمز" المُشار إليه أعلاه، والذي نُشر تحت عنوان "إسرائيل والأفنجيليون: السفارة الأميركية الجديدة هي مؤشر على التحالف المتنامي"، أن افتتاح السفارة هو بمثابة أكبر اعتراف علني حتى الآن بالأهمية المتزايدة التي توليها حكومة نتنياهو في الوقت الحالي لحلفائها المسيحيين المحافظين، حتى لو اتُهم البعض منهم بالإدلاء بتصريحات معادية للسامية.

وأضافت الصحيفة أن ذلك يمثل تحولا تاريخيا واستراتيجيا، قوامه الاعتماد على قاعدة أكبر من المسيحيين الأفنجيليين، حتى لو كان ذلك عبر المجازفة بإبعاد اليهود الأميركيين الذين قد يكونون يشعرون بالانزعاج من تشويه بعض الأفنجيليين لدينهم.

وقالت الصحيفة إن المفارقة معروفة جدا، فمعتقدات الكثير من المسيحيين الأفنجيليين بأن إسرائيل مميزة عند الرب تقود الكثيرين إلى دعم متشدد للدولة اليهودية بينما يصرون في الوقت نفسه على أن الخلاص لا ينتظر سوى أولئك الذين يقبلون بالمسيح كمخلص لهم. ونتيجة للروابط الوثيقة بشكل متزايد بين اليمين الإسرائيلي واليمين المسيحي فإن الاستقطاب يشهد تسارعا مُحولا الدعم لإسرائيل إلى مسألة حزبية في الولايات المتحدة.

من ناحية أخرى رأت صحيفة "هآرتس"، في مقال افتتاحي نشرته مؤخراً تحت العنوان "الحلف غير المقدس بين إسرائيل والأفنجيليين الأميركيين"، أن قرار الرئيس الأميركي ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس يهدف، أولاً وقبل أي كل شيء، إلى مكافأة الأفنجيليين على تأييدهم الحماسي لانتخابه ولولايته.
وأضافت أن احتفال نقل السفارة، الذي شارك فيه اثنان من الدعاة الأفنجيليين المتطرفين، وهما موضع خلاف من الأفنجيليين، وسبق أن أدليا بتصريحات عنصرية ضد اليهود، يمثل ذروة هذا الحلف غير المقدس.

وتابعت: تضم الحركة الأفنجيلية في الولايات المتحدة عشرات الملايين من الناس، الجزء الأكبر منهم يؤمن بأن دولة إسرائيل تقرّب الظهور الثاني للمسيح المنتظر، وبأن إقامة مملكة إسرائيل وبناء الهيكل هما شرطان مسبقان لتحقيق نبوءتهم: حرب يأجوج ومأجوج يعقبها تدمير اليهود بصورة جماعية وتحولهم إلى الديانة المسيحية. وتقودهم معتقداتهم إلى التمسك بأكثر العناصر هذياناً في السياسة الإسرائيلية، وإلى تشجيع إسرائيل على انتهاج سياسات متطرفة تعمل على تقريب أهدافهم.

وجزمت الصحيفة بأن ما يجري هو رهان خطر ومزدوج: فمن جهة، تتنكر إسرائيل لمؤيدين لها يمكن أن تحتاج إليهم بعد انتخابات تشرين الثاني المقبل، إذا ما سيطر الديمقراطيون على أحد مجلسي الكونغرس. ومن ناحية أُخرى، تثبت استطلاعات الرأي أن الأفنجيليين من الشباب يعارضون التأييد الأعمى لإسرائيل.

ولا بُدّ هنا من الإشارة إلى أن التقارب الجدي، أو ما يمكن اعتباره علاقة صداقة مباشرة، بين أوساط رفيعة جدا في الحلبة السياسية الإسرائيلية، في مؤسسات مختلفة، من جهة، وجماعة المسيحيين الأفنجيليين في الولايات المتحدة الأميركية، من جهة أخرى، بدأت منذ أكثر من عقدين من الزمن، وذلك من خلال اتصالات ولقاءات مباشرة أجراها رئيس الحكومة، نتنياهو، في فترة ولايته الأولى في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، في منتصف تسعينيات القرن الماضي. وقد شكّلت تلك اللقاءات العلنية مع الأفنجيليين، بالنسبة إلى نتنياهو وفي منظوره، وسيلة بين يديه لممارسة الضغط على الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون (وخاصة بعد المواجهات التي تلت حفر النفق تحت المسجد الأقصى في القدس في أيلول 1996). وفي إطار تلك الاتصالات واللقاءات، أصبح الزعيم الديني الأبرز في مجموعات الأفنجيليين المحافظين، جون هيغي، الشخصية الأقرب إلى نتنياهو، علماً بأن هيغي هذا هو صديق مقرب من الثري اليهودي الأمريكي، شيلدون أديلسون، صديق نتنياهو الشخصي وصاحب صحيفة "يسرائيل هيوم" التي تصدر يوميا في إسرائيل منذ سنوات وتوزع مجانا وتشكل البوق المركزي لنتنياهو وسياسته.

ومنذ ذلك الحين، يواصل نتنياهو التقرب من هؤلاء الأفنجيليين وزعمائهم وتوثيق العلاقات معهم، ليس على الصعيد الشخصي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الرسمي، الحكومي والبرلماني، من خلال ضم مسؤولين سياسيين إسرائيليين آخرين إلى هذه الدائرة باستمرار. وقد صرح نتنياهو، أكثر من مرة، بأن "المسيحيين الأفنجيليين هم أصدقاء إسرائيل الأكثر إخلاصا ووفاء"!

الجمهوريون لن يبقوا في السلطة إلى الأبد

وانسحب تحذير لبيد السالف من مغبّة تحويل إسرائيل تحت وطأة هيمنة اليمين إلى لاعب حزبي محسوب على الحزب الجمهوري، على ما يعنيه هذا في حال تغير الإدارة الأميركية في المستقبل، على الكثير من التحليلات الإسرائيلية الأخيرة، ومن أبرزها التحليل الذي كتبه ليئور فاينتروب، الموظف السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وظهر في صحيفة "مكور ريشون" اليمينية، وقال فيه إن التسليم بابتعاد الحزب الديمقراطي عن إسرائيل سيكون مدعاة للندم الشديد.

وكتب فاينتروب: هذا العام من المفيد جداً، لكل من يعرف الحلف بين إسرائيل والولايات المتحدة ويعتز به ويدرك الأهمية الاستراتيجية لتأييد الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة للدولة اليهودية، أن ينتبه جيداً لما سيحدث في الانتخابات النصفية [التي ستجري في تشرين الثاني المقبل]: المرشحون، الحوار، الاتجاهات والنتائج. وقد يبدو غريباً الحديث عن ذلك في ذروة شهر عسل علاقاتنا بالولايات المتحدة، وفي الوقت الذي نستفيد فيه من ثمار العلاقة الحميمة غير المسبوقة بين إدارة دونالد ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو، ويشهد العالم كله الرأي الموحد المطلق إزاء كل الموضوعات الملتهبة في المنطقة: إيران، العملية السياسية، الحرب على الإرهاب، الدعم لإسرائيل في ساحة الأمم المتحدة تحت إدارة السفيرة نيكي هايلي، وطبعاً انتقال السفارة إلى القدس، وفي الوقت عينه، اختفى الكلام السيء الذي ملأ آلاف المقالات وأوراق المواقف خلال ثماني سنوات من رئاسة باراك أوباما؛ لكن الآن تحديداً، وفي وقت حرارة العاطفة تجاهنا هي مفرحة وربما مسكرة، يجب أن نتذكر أن الرئيس أوباما لم يكن المصدر الوحيد للسياسة التي أثارت كثيرين من الإسرائيليين ضده، واعتُبرت كضعف وسذاجة، وفي أحيان أيضاً معادية لإسرائيل. لقد كان أوباما ممثلاً حقيقياً لمزاج وقيَم ورغبة نصف الأميركيين. هذا النصف من أميركا لا يتفق مع إسرائيل بشأن علاقتها بالفلسطينيين، ويعتقد أن الاتفاق النووي هو الأمر الوحيد الذي يقف بين أميركا وبين حرب أُخرى في الشرق الأوسط، ويربط بغير حق بين أزمة العمال المهاجرين في إسرائيل وبين الجدل المتشنج بشأن الهجرة إلى الولايات المتحدة، ويشمئز من مبادرات تشريع في إسرائيل يعتبرها تتعارض مع قيم الديمقراطية. يضاف إلى ذلك موقف اليهود الأميركيين من قضايا الدين والدولة، ووقوفهم ضد كل من يتماهى مع إدارة ترامب، وطبعاً، ضد تصاعد العداء للسامية، ونحن نعرف أن الديمقراطيين ليسوا شركاء في الابتهاج بشهر العسل هذا.

ومضى قائلاً: تشير نسبة تأييد إسرائيل وسط عموم الجمهور الأميركي كله إلى الثبات، وخصوصاً بعد الارتفاع الكبير في تأييد الجمهوريين بعد هجمات 11 أيلول 2001. لكن تشير أبحاث معمقة بثبات إلى أنه في الجانب الديمقراطي، وخصوصاً وسط الجيل الشاب وقطاع الأقليات، هناك تآكل في التأييد لإسرائيل. وبالاستناد إلى استطلاع أجراه معهد "بيو" في كانون الثاني الماضي، تبيّن أن 79% من الجمهوريين يتماهون مع إسرائيل أكثر مما مع الشعب الفلسطيني، بينما تبلغ نسبة التأييد لنا وسط الديمقراطيين 27%.

وهناك من يقول إن هذه الفجوات في وجهات النظر قد تجاوزت نقطة اللاعودة وتفرض التفكير بمسار جديد على الساحة الأميركية. وفي رأي هؤلاء يتعين على إسرائيل التوقف عن العمل على إرضاء الذين لا يتفقون معنا ولا يؤيدوننا، وأن عليها أن تحوّل كل محبتها نحو أصدقائها من اليمين ومن الجالية اليهودية الأرثوذكسية والجمهور الأفنجيلي. إن هذا خطأ كبير جداً. لقد كانت نتائج الانتخابات الأميركية في العام 2016 متقاربة جداً، فهل هناك من هو مستعد للمجازفة بجميع أرصدة إسرائيل الاستراتيجية والمراهنة على أن الجمهوريين سيبقون في السلطة إلى الأبد؟ إن عقارب الساعة السياسية الأميركية ستميل بالتأكيد نحو الاتجاه الديمقراطي عاجلاً أو آجلاً.

وأضاف فاينتروب أنه خلال عمله كدبلوماسي في واشنطن يتذكر مصاعب التأقلم الصادمة خلال مرحلة تبادل الرئاسة بين جورج بوش وأوباما. ومع أن وجود كونغرس ديمقراطي ودود جداً خفف الصدمات، لكنه لم يمنعها كلياً. واليوم، فإن الفلسطينيين وإيران وآخرين مضطرون إلى التكيف وفق الواقع الجديد. لكن في المرة المقبلة التي سيسيطر فيها الديمقراطيون على البيت الأبيض، سيكون التأييد والتفهم للتحديات التي تواجه إسرائيل أقل مما كانا عليه في كانون الثاني 2009، وسنشتاق إلى فترة أوباما. وهناك حجة إضافية يجب أن نعرضها على مؤيدي "خطة الانفصال عن الديمقراطيين" هي أن تأييد الثنائي الحزبي في الولايات المتحدة لإسرائيل هو أشبه بمعركة سباق إيجابي على مستوى الالتزام بأمن إسرائيل وفهم تحدياتها. وإذا ضعُف الجانب الديمقراطي بصورة كبيرة سيختفي أيضاً السباق الإيجابي من جانب الجمهوريين.

وبالعودة إلى الانتخابات النصفية، يشير الكاتب إلى أنه بحسب التوقعات سيخسر الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب لمصلحة الديمقراطيين، ويبدو أن مجلس الشيوخ سيبقى في يد الجمهوريين. وبالتالي فإن هذه الانتخابات يجب أن تشكل مؤشراً لإسرائيل إلى أن لا شيء محصنا. و"يجب علينا، تحديداً الآن، العمل بثبات وحكمة على بناء جسور، والتحاور مع جزء من الجمهور الأميركي تضامن في الماضي عاطفياً وأخلاقياً مع المشروع الصهيوني. وسيكون التسليم بالابتعاد الديمقراطي عن إسرائيل كقدر من السماء مدعاة للندم الشديد. وهو سيؤثر سلبياً في قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها والإبحار في مياه دولية هائجة".