مع أن وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغف (الليكود) كرّرت، أمس (الأربعاء)، لازمة فحواها أن سبب قرار اتحاد كرة القدم الأرجنتيني القاضي بإلغاء المباراة الودية مع منتخب إسرائيل، التي كان من المقرر إجراؤها يوم السبت المقبل في مدينة القدس، يعود إلى "تهديدات أمنية"، ونفت أن تكون حركة المقاطعة الدولية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات
على إسرائيل (BDS)قد أثرت على هذا القرار، بقدر ما أثر عليه موقف اتحاد كرة القدم الفلسطيني، إلا إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ألمح إلى أن الضغوط السياسية التي تُمارس في مختلف أنحاء العالم من شأنها أن تؤدي إلى إلغاء فعاليات ونشاطات أخرى من المقرر إقامتها في المدينة، في إشارة إلى احتمال إلغاء مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن"، التي من المتوقع أن تقام في إسرائيل العام المقبل.
وأشير في تعليقات أخرى إلى أن إلغاء المباراة هو بمثابة إعصار سياسي أو كرة ثلج قد تتدحرج.
ووصف نتنياهو، في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام في ختام الاجتماع الذي عقده مع رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي ووزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في لندن مساء أمس، قرار اتحاد كرة القدم الأرجنتيني بأنه مخيب للآمال ومؤسف. وأضاف أنه في ضوء التطورات، التي أفضت إلى إلغاء هذه المباراة، يتعيّن على إسرائيل أن تستعد لمواجهة ضغوط دولية مماثلة أخرى. واعتبر أن طلب نقل المباراة من حيفا إلى القدس كان طبيعياً.
كما تم الإلماح إلى السبب السياسي في سياق إعلان الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم رسمياً عن إلغاء مباراة منتخب بلاده الودية مع إسرائيل. وقال كلاوديو تابيا، رئيس هذا الاتحاد، في مؤتمر صحافي عُقد أمس في برشلونة حيث يجري المنتخب الأرجنتيني تدريباته قبل انطلاق مباريات كأس العالم في روسيا يوم 14 حزيران الحالي، إنه "للأسف لا يمكننا الحضور إلى إسرائيل في الوضع الحالي".
وأضاف تابيا أنه لا يوجد أي شيء ضد المجتمع الإسرائيلي، وأعرب عن أمله بأن يعتبر الجميع القرار كمساهمة للسلام.
وقالت المجموعة الدولية، التي نظمت الاحتجاجات على هذه المباراة، في بيان نشرته في شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أمس، إن إلغاء المباراة كان بمثابة بادرة تضامن مع الشعب الفلسطيني. وأضافت: "سنتذكر المنتخب الأرجنتيني وميسي لأنهما قالا ليس باسمنا".
وأعرب رئيس اتحاد كرة القدم في إسرائيل، عوفر عيني، عن أسفه لقرار الاتحاد الأرجنتيني، وقال إنه ينوي تقديم شكوى رسمية إلى اتحاد كرة القدم الدولي [الفيفا] ضد رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني جبريل الرجوب، بعد أن دعا هذا الأخير جميع العرب في أنحاء المعمورة إلى إحراق قميص نجم منتخب الأرجنتين ونادي برشلونة ليونيل ميسي.
بطاقة حمراء لسياسة تطبيع الاحتلال
توالت ردود الفعل في إسرائيل على قرار إلغاء مباراة منتخبي الأرجنتين وإسرائيل في القدس.
ولوحظ أن ردود الفعل هذه ركزت على غايتين: الأولى، انتقاد سياسة الحكومة الإسرائيلية إزاء المسألة الفلسطينية؛ الثانية، مهاجمة سياسة وزيرة الثقافة التي تتبنى النهج المكارثيّ.
وقالت عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش من "المعسكر الصهيوني" إن ريغف حاولت أن تغتصب المنتخب الأرجنتيني كي يكون جزءاً من فعاليات إحياء الذكرى الـ70 لإقامة دولة إسرائيل، التي حوّلتها أيضاً إلى حفل من السياسة الرخيصة، وأكدت أن من دفع الثمن في نهاية المطاف هي إسرائيل.
وطالب عضوا الكنيست إيتسيك شمولي وستاف شافير (من "المعسكر الصهيوني") باستقالة ريغف بعد هذا الفشل المدوّي.
ووصف رئيس المعارضة عضو الكنيست إسحاق هيرتسوغ ("المعسكر الصهيوني") إلغاء المباراة بأنه هدف ذاتي لكل من يدعّي بأن وضع إسرائيل السياسي ممتاز، كما أنه فشل مدوٍ للحكومة التي تدفن رأسها في الرمال ولا تقرأ الواقع على نحو صحيح.
وأكدت عضو الكنيست كسينيا سفيتلوفا "(المعسكر الصهيوني") أن إلغاء المباراة يشكل بطاقة حمراء لإسرائيل وريغف. وأشارت إلى أن قرار منتخب الأرجنتين إلغاء زيارته إلى إسرائيل كان متوقعاً مسبقاً، وذلك منذ اللحظة التي أصبحت فيها هذه المباراة قضية سياسية من جهة وزيرة الثقافة، التي أكثر ما أثار اهتمامها هو أن تقرر في أي مدينة ستُجرى هذه المباراة، ومن سيتبادل المصافحات.
واتهم رئيس حزب العمل وتحالف "المعسكر الصهيوني" آفي غباي رئيس الحكومة نتنياهو والوزيرة ريغف بالمسؤولية عما حصل. وقال غباي إن لغما انفجر في وجه إسرائيل نتيجة لذلك، مؤكداً أن المسألة ليست رياضة فحسب، بل نحن أمام إعصار سياسي.
أما عضو الكنيست يائير لبيد، رئيس حزب "يوجد مستقبل"، فقال إن المشكلة الأكبر لهذه الحكومة هي أن كل تعاملها مع حركة المقاطعة يتم بإهمال!.
ورأت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن إلغاء المباراة دفع مقربين من رئيس الحكومة إلى اتهام الوزيرة ريغف بأن لها دوراً في إلغائها بعد إصرارها على عقد المباراة في القدس بدلاً من التخطيط الأصلي بعقدها في حيفا. وقال هؤلاء إن الوزيرة عقّدت الأمور وخلطت السياسة بالرياضة، مما أدى إلى إلغاء المباراة في النهاية.
ومما جاء في الصحيفة: بعد مرور عدة أيام كان يُفترض أن تقام مباراة ودية بين منتخبي إسرائيل والأرجنتين. وكان من المتوقع أن تتصدر هذه المباراة العناوين الرئيسة بصفتها جزءاً من نشاطات وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغف: "ليو ميسي في ستاد القدس"؛ لكن بدلا من إجراء مباراة احتفالية يشارك فيها أحد كبار لاعبي كرة القدم في العالم، فقد تعرض الإسرائيليون إلى "هدف ذاتي" خاطئ ومحرج، وهم يلقون معظم المسؤولية على الوزيرة ريغف، التي اعتقدت أنها ستظهر كبطلة كبيرة في الاحتفال إلى جانب ميسي.
وأضافت الصحيفة: بدأ الإسرائيليون يعربون عن غضبهم بعد أن عرفوا أن الوزيرة ريغف احتفظت بمئات البطاقات من أجل العاملين في مكتبها، وأنه عُرِض ربع البطاقات للبيع فقط. بعد ذلك، بدأت ريغف تتحدث عن السيلفي الذي ستلتقطه إلى جانب ميسي أثناء المباراة، وإضافة إلى الضجات الإعلامية التي نجحت في إثارتها، بدأ الفلسطينيون بالضغط على منتخب الأرجنتين لإلغاء المباراة لأن ريغف أصرت على أن تجرى المباراة في القدس وليس في حيفا. ولقد أصيب الإسرائيليون المتحمسون بالإحباط عندما أعلن منتخب الأرجنتين عن إلغاء زيارته إلى إسرائيل، وبدأوا يتهمون الوزيرة ريغف بذلك.
ولفتت تحليلات وتقارير أخرى إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها ريغف انتقاداً جماهيرياً عارماً، لكن هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها للانتقادات من حزبها أيضاً. وبدأ المقربون من رئيس الحكومة، نتنياهو، بوصف ريغف بأنها شعبوية وتعاني من الحماسة المفرطة. وقبل بضعة أيام، بمناسبة مرور 70 عاماً على إقامة إسرائيل، صعدت ريغف إلى منصة أثناء احتفال جرى في أكبر ميادين نيويورك ("تايمز سكوير")، وتحدثت كثيرا بحماسة، ولم تنقل مكبّر الصوت إلى أعضاء كنيست آخرين كانوا على المنصة. وبالإضافة إلى ذلك، جرى خلاف بين ريغف منذ أن بدأت تشغل منصب وزيرة الثقافة والرياضة وبين الكثير من الفنانين في إسرائيل. كما تدخلت كثيراً في اختيار المحتويات الخاصة بالمهرجانات الفنية والأفلام، وهددت بإلغاء الميزانيات المعدّة لاحتفالات ثقافية لا تتماشى مع آرائها.
على صعيد آخر أشارت صحيفة "هآرتس"، نقلا عن مصادر مطلعة، إلى قلق مسؤولي هيئة الإذاعة والبث الأوروبية من احتمال تنظيم المسابقة الغنائية "يوروفيجن" في مدينة القدس العام المقبل، وأكدت الصحيفة أن المنظمين يخشون من "الضرر الذي قد يلحق بالمنافسة والعلامة التجارية الخاصة بها بسبب النزاعات السياسية" على المدينة المحتلة.
وكشفت الصحيفة أن الجهة المنظمة طلبت من الجانب الإسرائيلي تقديم عرض استضافة مفصل، توضح من خلاله التاريخ المقترح لتنظيم المسابقة والموقع المحدد لها، وسط تلميحات إلى أن القدس قد تكون مكاناً غير مناسب لتنظيم المسابقة الأوروبية في عام 2019 المقبل.
وأكدت الصحيفة، في سياق مقال افتتاحي، أن قرار منتخب الأرجنتين وآخر التطورات المتعلقة بمسابقة "يوروفيجن" هما بمثابة بطاقة حمراء من طرف جهات دولية لسياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تحاول أن تستقوي بوجود إدارة أميركية مؤيدة لها، على غرار إدارة دونالد ترامب، من أجل تطبيع الاحتلال في أراضي 1967 وإسقاط موضوع القدس من جدول الأعمال. وتؤكد هذه البطاقة، من ضمن أمور أخرى، أن موضوع القدس ما يزال في صلب الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.
وبرأي المعلق في "هآرتس" أوري مسغاف فإن قرار منتخب الأرجنتين كان خطوة صحيحة في الوقت الصحيح. وهو يتواصل مع تحذيرات وُجهّت إلى نتنياهو خلال جولته الأوروبية الراهنة في كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، التي انتهت أمس.
تجدر الإشارة هنا إلى أن زعماء هذه الدول الثلاث انتقدوا أعمال التصعيد التي تشهدها منطقة الحدود مع قطاع غزة منذ أكثر من شهرين. فقد انتقدت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي سقوط ضحايا فلسطينيين في غزة، وأكدت ضرورة مناقشة كيفية تسهيل الوضع في القطاع، وكيفية العودة إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وانتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطوة نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وأكد أنها تسبّبت بموجة جديدة من سفك الدماء، وأن من الصعب تثمين خطوة كهذه عندما يسقط الكثير من القتلى الفلسطينيين. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن هناك اختلافات في وجهات النظر بين ألمانيا وإسرائيل، وإنه لا اتفاق على كل شيء. وردّاً على سؤال بشأن موقف ألمانيا من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، قالت ميركل إنها تعتقد أن مسألة القدس ونقل السفارة يجب أن يتم ترتيبهما في إطار اتفاق حل الدولتين.
المصطلحات المستخدمة:
كرة القدم, يديعوت أحرونوت, هآرتس, دورا, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, شيلي يحيموفيتش, إيتسيك شمولي