تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1439
  • برهوم جرايسي

ظهر الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، ومن بعده الشرطة، بأنهما باتا غارقين أكثر في القضايا الصدامية المتعلقة بمظاهر الإكراه الديني، نظرا للارتفاع المتواصل في أعداد المتدينين في صفوفهما، وفي ضوء تسلم هؤلاء مناصب عليا في الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى.

فقد صدرت مؤخرا تعليمات جديدة عن رئيس هيئة أركان الجيش، تشكل في ظاهرها تسهيلات للجنود المتدينين، لإبعادهم عن التواصل المباشر مع المجنّدات، والظهور في برامج تتناقض وعقيدتهم. في حين كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن أن الحاخام الرئيسي الجديد الذي تم تعيينه في الشرطة في الأيام الأخيرة يحمل آراء متشددة، منها ما يمنع سفر شرطي وشرطية لوحدهما في سيارة شرطة، وغيره من الآراء.

وكان رئيس هيئة الأركان غادي آيزنكوت قد أصدر الأسبوع الماضي تعليمات جديدة لكافة الوحدات، تهدف إلى تنظيم الخدمة العسكرية المشتركة للرجال والنساء.

وبموجب هذه التعليمات، باستطاعة الجنود المتدينين أن يطلبوا الامتناع عن الحراسة أو السفر بسيارة سوية مع مجنّدات، وأيضا يمكن أن يتحرر الجنود من تدريبات ودورات تأهيل تقدمها نساء. وهذه التعليمات لا تتعلق بالجنود المتدينين المتزمتين "الحريديم"، الذين يعملون أصلا في وحدات خاصة بهم، وهم بانفصال تام عن المجنّدات.

وتقضي التعليمات الجديدة بأن كل جندي شاب يشارك في دورات تأهيل وتدريبات تشارك فيها مجنّدات، مع وجود احتمال لاتصال جسدي بين الجنسين، أو يكون عرضة للباس ليس محتشما بموجب التعاليم الدينية، من حقه على الضابط أن يشرح له مسبقا ما سيواجهه، ثم أن يسأله ما إذا سيشعر بالمس بمعتقداته الدينية. وفي حال أعلن الجندي أن في هذا ما يمس بمعتقداته، يحق له الامتناع عن المشاركة، وعلى الجيش أن يجد له البديل.

وكما ذكر، يحق للجنود المتدينين رفض العمل مع مجنّدات في أعمال حراسة، أو السفر مع مجنّدات في ذات المركبة. وبحسب ما نشر فإن هذه التعليمات لا تسري على العمليات القتالية.

وتزامن صدور هذه التعليمات مع ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن آراء الحاخام الجديد للشرطة الإسرائيلية، الذي تم تعيينه رسميا في الأسبوع الماضي، وهو الحاخام رحاميم بركياهو، من التيار المتزمت "الحريدي". فقد كان أعرب في مقابلة صحافية قبل نحو عام، عن معارضته للخدمة المشتركة بين الرجال والنساء في سلك الشرطة، إذ كان يومها يرأس معهدا دينيا، يقدم الارشادات لأفراد الشرطة المتدينين. وشدد بركياهو في تلك المقابلة على رفضه سفر شرطي وشرطية وحدهما في سيارة شرطة، طالبا الفصل بين الجنسين في العمل الجاري في الشرطة.

كما رصدت الصحيفة مواقف أخرى لبركياهو، مثل موقفه من مثليي الجنس الذين يعتبرهم شاذين ويرفض خدمتهم العسكرية. وهذه واحدة من القضايا التي تثير جدالات ساخنة في الشارع الإسرائيلي.

محاولة للتوازنات

يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عاموس هرئيل، إن التعليمات الجديدة الصادرة عن الجيش، تعكس محاولات رئيس الأركان غادي آيزنكوت لإيجاد التوازنات بين توجهين متناقضين في الجيش في سنوات العقد الأخير. الأول هو الارتفاع الحاد في نسبة المقاتلين والضباط المتدينين في الوحدات الميدانية. والثاني متعلق بإقامة وحدات ووظائف، في خطوط العمل الأمامية، في خدمة النساء في الجيش. واللقاء بين التوجهين ترافقه أحيانا احتكاكات لا يمكن منعها. وطوال الفترة السابقة سعت قيادة الجيش للسير بين النقاط، وامتنعت عن بلورة أوامر عامة لتنظيم الأمور في هذا المجال.

وتابع هرئيل أن التعليمات الأخيرة استغرقت بلورتها خمس سنوات، إذ كانت تطرح للتداول من حين إلى آخر، وكان هناك من يمتنع عن حسم أمرها. ولكن يبدو أن الصيغة النهائية لن يتم استقبالها بحرارة لدى أي من الأطراف في الجيش، ولكنها تبدو تعليمات معقولة ومنطقية.

ويقول هرئيل إن تعليمات الجيش تشير إلى أي مدى بات الجيش واقعا في قبضة قضايا "الدين والدولة"، وأشار إلى أن آيزنكوت يصر على أن يأخذ ليديه هذه القضية، التي تهرّب منها سابقوه في قيادة الجيش. وبعد هذا ما زال أمامه لغم كبير عليه أن يفككه، وهو مسألة تقديم الخدمات التربوية في الجيش على أيدي أجسام خارجية، إذ أن منظمات يمينية شرعت بحملة واسعة النطاق لاستبعاد الجهات الحالية التي تقدم خدماتها التربوية للجيش، بادعاء أنها "مؤسسات يسارية خطيرة". وتبلور تلك الجهات اليمينية اقتراحا لتقديم الخدمات بأدنى ما يمكن من أسعار كي تفوز بالمناقصة المقبلة حول تقديم هذه الخدمات التربوية. وبرأيه هذه قضية خطيرة، وسيكون رئيس الأركان مطالبا بالتعامل معها بكل الحكمة كي يفكك هذا اللغم.

الجيش في مسار التدين 

وتنقل صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، في تقرير لها، عن أكاديميين مختصين قولهم إن الجيش الإسرائيلي دخل منذ فترة في مسار التدين، في إشارة إلى ارتفاع نسبة المتدينين فيه. بينما، حسب الصحيفة، يدعّي المتدينون في الجيش بأن الجيش يمس بعقيدتهم. وبناء على هذا، فإن "الجيش واقع بين المطرقة والسندان، يحاول الظهور بمكانة رسمية، بعيدا عن الجدالات في الشؤون الدينية".

وتقول المحللة غيلي كوهين في الصحيفة ذاتها إن العام الأخير كان عاما عاصفا في الجيش، في كل ما يتعلق بالدين، وتقريبا هذا الأمر مس بالكثير من قطاعات عمل الجيش، مثل إخراج مهمة التثقيف من الحاخامية العسكرية، وفرض قيود على طول وحجم لحى المتدينين، وتجنيد شبان الحريديم، وتعيين الحاخام إيال كريم حاخاما رئيسيا للجيش، برغم تصريحاته وآرائه التي هي محط خلاف. وكل هذا وضع الجيش في قلب معركة علاقة الدين بالدولة.

وترى كوهين أن الجيش يسعى في السنوات الأخيرة إلى رفع نسبة المجنّدين، أمام واقع تراجع نسبة المجنّدين سنويا لمختلف الأسباب.

وبموجب المعطيات التي نشرتها "ذي ماركر"، فإن نسبة المجندين من بين الذكور لا تتجاوز 75% وغالبيتهم بسبب التدين، بمعنى "حريديم"، بينما نسبة التجند بين الشابات لا تتجاوز 60%، وهنا أيضا على خلفية التدين. ولذا فإن الجيش يتوجه إلى جمهور المتدينين المتزمتين، ويمنحهم ظروفا تتناسب مع خصوصيات حياتهم. وبحسب إحصائيات الجيش، يوجد حاليا 5 آلاف مجنّد في الجيش من "الحريديم"، مقابل عشرات آلاف الحريديم الذين يرفضون التجند.

وتشير كوهين إلى أن مسألة الظروف المناسبة للمتدينين لا تتعلق بالحريديم الذين لهم وحداتهم الخاصة، بل أكثر منهم تتعلق بالمتدينين من التيار الديني الصهيوني، وخاصة شبان المعاهد الدينية، الذين يختارون مسار التجند المختصر من 17 شهرا فقط، ويتجهون إلى وحدات خدماتية في الجيش. وفي المقابل، اتسعت في السنوات الأخيرة ظاهرة إقبال المتدينات اليهوديات من التيار الديني الصهيوني على الخدمة العسكرية، برغم أن القانون يمنحهن إعفاء فوريا بفعل تدينهن، ولكنهن بتن يخترن الجندية بلباس خاص بهن، ففي عام التجنيد السابق 2015/ 2016 تجندت ألفا شابة متدينة، وهنّ أيضا في وظائف ادارية وخدماتية.

وهذه الأجواء تدفع إلى اتخاذ قرارات عامة تشمل كافة وحدات الجيش، بينما كانت مثل هذه القرارات في الماضي عينية وفي حالات استثنائية صادرة عن ضباط الوحدات.

وتقول كوهين إن أجواء التدين في الجيش لا تنحصر فقط في مسألة إجراءات الفصل بين الجنسين، بل أيضا على مستوى الطعام، إذ يجب أن يكون الطعام حلالا بموجب الشرائع اليهودية، مع تشديدات أكثر في السنوات الأخيرة. كما أنه يتم إلزام الجنود بإدلاء القسم على كتاب التوراة لليهود، وعلى كتابي الإنجيل والقرآن للمجندين العرب، أو المسيحيين من غير العرب (من عائلات يهودية).

أعداد "الحريديم" المجندين أقل من المخطط

في سياق متصل، قال تقرير جديد صدر في الأيام الأخيرة إن أعداد المجندين من بين المتدينين المتزمتين "الحريديم" إن كان في الجيش أم في الخدمة الموازية المسماة "الخدمة المدنية"، أقل مما تم التخطيط له في السنوات الأخيرة. كما تبين من تقرير لصحيفة "هآرتس" أن الإحصائيات التي ينشرها الجيش تبقى غير دقيقة وأقل مما هو معلن.

وكانت حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، التي استبعدت كتلتي "الحريديم" في الكنيست، قد أقدمت على تعديلات قانونية، وسن قانون جديد يلزم شبان "الحريديم" بالخدمة العسكرية، وبشكل تدريجي حتى ما بعد العام 2020. وأثار الأمر غضب "الحريديم" الذين يمتنعون في غالبيتهم الساحقة جدا عن أداء الخدمة العسكرية لأسباب دينية، برغم مواقفهم اليمينية المتشددة. وفي ظل الحكومة الحالية اشترطت كتلتا الحريديم "شاس" و"يهدوت هتوراة" تعديل القانون بشكل يفرغه من مضمونه، بحيث تم شطب بند التجريم الجنائي والغرامات، ما يجعل التجنيد ليس ملزما، ومخالفة القانون ليست جنحة، وهذا ما أدى إلى توقف "الحريديم" عن التوجه إلى مكاتب التجنيد رغم أن نسبة المجندين بينهم كانت قليلة.

ويقول التقرير إن نسبة المجنّدين "الحريديم" في عام التجنيد 2015- 2016، الذي انتهى في شهر تموز الماضي، أقل بنسبة 30% من الهدف الأعلى، وحتى أقل بنسبة 9% من هدف الحد الأدنى للتجنيد، فيما تدل المؤشرات على أن عام التجنيد الجديد الذي بدأ قبل شهرين سيدل على نسبة تجنّد أقل، بفعل التعديلات القانونية. وكشف التقرير عن أن أعداد المجنّدين بلغ 2475 مجنّدا، بدلا من الهدف- 2700 مجنّد. واتجه إلى ما يسمى "الخدمة المدنية" الموازية للخدمة العسكرية 728 شخصا، بدلا من هدف 1800. وتبقى هذه كلها نسبا هامشية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الأعداد هي من الشريحة العمرية من 22 إلى 28 عاما، وربما أكثر، وهذا يعني أن أعداد المجندين من أصل أكثر من 60 ألفا من الذكور، حوالي 4% إلى 5%.

لكن الصحيفة تشير إلى أن عدد المجنّدين في الجيش ليس دقيقا، وهو لا يصل إلى 2100 مجنّد، إذ أن التقرير لم يأخذ بعين الاعتبار أعداد المتسربين لاحقا من الجندية، حيث أن التسرب من الخدمة لم يعد بالنسبة للحريديم مخالفة يُعاقب عليها القانون، خلافا لباقي المجندين، الذين ينطبق عليهم قانون التجنيد الإلزامي كاملا. وبحسب التقديرات، فإن نسبة التسرب من الخدمة بين "الحريديم" تصل إلى 8%، علما أن الفترة الزمنية للخدمة لهم هي في حدود 18 شهرا، وهي نصف الفترة المفروضة على باقي الشبان اليهود (36 شهرا) مقابل 24 شهرا للفتيات.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الكنيست, بنيامين نتنياهو