تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1356

أقرت الحكومة الإسرائيلية بإجماع كل وزرائها، في جلستها الأسبوعية أمس الأحد، الاقتراح الذي تقدم به وزير الزراعة أوري أريئيل (من حزب "البيت اليهودي") بشأن استئناف عمل "شعبة الاستيطان" بكونها أحد الأقسام في وزارة أريئيل هذه (وُضعت تحت مسؤوليته كجزء من الاتفاق الائتلافي لدى تشكيل

الحكومة الحالية)، وذلك بعد تجميد عمل هذه الشعبة منذ نحو سنتين على خلفية خلافات، شبهات واتهامات قانونية حالت دون رصد وتحويل الميزانيات الحكومية لها. ويعني هذا القرار استعادة الدولة (الحكومة وأذرعها المختلفة) الوسيلة المركزية لتعميق، توسيع وتطوير الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة ("يهودا والسامرة")، أساساً، إضافة إلى النقب والجليل.

يشار، بداية، إلى أن "شعبة الاستيطان" هذه أنشئت في العام 1971 كهيئة في إطار "المنظمة الصهيونية العالمية" لتشكل ذراعاً تنفيذية مكلفة بتطبيق السياسيات الحكومية الإسرائيلية في مجالات الاستيطان، الزراعي والجماهيري، في المناطق الفلسطينية المحتلة (ما وراء "الخط الأخضر")، ثم في منطقتي النقب والجليل أيضا ابتداء من العام 2004. وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية هي التي تمول "شعبة الاستيطان" وهي التي تخصص كل ميزانياتها، من الأموال العامة، إلا أنها تمتعت طوال سنوات عديدة بحريّة تامة في العمل والصرف، دون أية رقابة حكومية أو قانونية أيا كانت، ما أوصل إلى شبهات واتهامات عديدة أحاطت بعمل "شعبة الاستيطان"، نشاطاتها ومصروفاتها، تراوحت بين عدم الشفافية والدعم المالي غير القانوني للمستوطنات في الضفة الغربية وحتى الفساد، الإداري والمالي.

تجميد اضطراري وقانون للالتفاف!

خلال السنتين الأخيرتين، وعلى الخلفية المذكورة، تم تجميد نشاط "شعبة الاستيطان" بصورة جزئية وذلك في أعقاب وجهة نظر قانونية قدمتها نائبة المستشار القانوني للحكومة، المحامية دينا زيلبر، في شباط 2015، وضمنتها نقدا شديدا وحاداً لـ"شعبة الاستيطان" على خلفية انعدام الرقابة على عملها، وخصوصا في مجالي اتخاذ القرارات وصرف الميزانيات، وختمته بأمر صريح يمنع الحكومة من مواصلة "نقل مجالات عمل مختلفة إلى شعبة الاستيطان وتخويلها صلاحية العمل باسم الحكومة ونيابة عنها"، كما يمنعها من "رصد الميزانيات العامة لهذه الشعبة وتمويل أنشطتها".

وأكدت زيلبر آنذاك أن "الشعبة حصلت، في الواقع، على صلاحيات وضع وتحديد السياسات، ولم يقتصر أداؤها على كونها مقاولا ثانويا لتنفيذ سياسة الحكومة، وهو ما مسّ بقدرة الحكومة على أن تحدد بنفسها سياستها الرسمية في مجال الاستيطان"! ولهذا، رأت زيلبر أنه "على الدولة أن تستعيد لنفسها جميع تلك الأعمال التي نفذتها شعبة الاستيطان، والتي تجسد في جوهرها وضع ورسم سياسات، وضع وتحديد سلم الأولويات". وأضافت: "إذا ما أرادت سلطات الدولة المعنية الاستعانة بشعبة الاستيطان كجسم تنفيذي من أجل تنفيذ مهماتها، فينبغي أن تتم هذه التعاقدات طبقا للقوانين، وخاصة قانون المناقصات، دون أن تشمل هذه التعاقدات نقل صلاحيات رسمية ترتبط بتحديد ورسم السياسات لهذه الشعبة"!

وفي أعقاب هذا الرأي القانوني وفي محاولة "قانونية" لتجاوزه والالتفاف عليه وإفراغه من مضمونه، أقر الكنيست في شهر كانون الأول الماضي "قانون شعبة الاستيطان"، بناء على مشروع القانون الذي قدمته كتلة حزب "البيت اليهودي" (حزب أريئيل نفسه، بواسطة عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش) بغية "تنظيم مكانة شعبة الاستيطان باعتبارها الذراع التنفيذية للحكومة في كل ما يتعلق بتطوير ودعم الاستيطان والمستوطنات"! ويخوّل القانون الحكومة صلاحية وضع مجالات معينة تحت مسؤولية "شعبة الاستيطان" وتوكيلها بمهمة العمل فيها، بما يوجبه ذلك من تخويلها الصلاحيات "الحكومية" المطلوبة. ونص القانون، في أحد بنوده، على ضرورة "التوقيع على اتفاق بين الحكومة وشعبة الاستيطان بشأن الصلاحيات التي سيتم نقلها إليها"! وخلال الأشهر الأخيرة، بذل الوزير أريئيل جهوداً متواصلة ومكثفة لدى المستشار القانوني الجديد للحكومة، أفيحاي مندلبليت، حتى تم التوصل بين الطرفين إلى صيغة تشكل "حلا وسطاً" بين موقف الوزير أريئيل و"شعبة الاستيطان" من جهة، وموقف نائبة المستشار القانوني للحكومة، دينا زيلبر، من جهة أخرى. وهي صيغة تنظم عمل "شعبة الاستيطان" وتسمح للحكومة باستئناف ضخ الأموال لها وتتيح استئناف عملها بصورة كاملة "في مختلف أنحاء البلاد"، أي في الضفة الغربية المحتلة وفي النقب والجليل.

وتقضي هذه الصيغة ـ وهي التي أقرتها الحكومة بالإجماع في جلستها الأسبوعية أمس الأحد ـ بتنظيم مكانة "شعبة الاستيطان" كجسم حكومي رسمي (تابع لوزارة الزراعة، التي يترأسها أوري أريئيل) وبتحديد قواعد وأنظمة للإدارة السليمة والرقابة الناجعة. ويمنح قرار الحكومة "شعبة الاستيطان" حرية العمل في كل المجال القروي، وليس فقط ضمن مناطق "المجالس الإقليمية"، كما يشمل بنداً يكلّف "شعبة الاستيطان" بمهمة "إدارة أراضي الدولة في القطاع القروي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)". وستكون "شعبة الاستيطان"، طبقا لقرار الحكومة، مسؤولةعن "التخطيط لإقامة تجمعات سكنية قروية جديدة"، إضافة إلى "تنفيذ ما يلزم من أجل إقامة تجمعات سكنية جديدة في القطاع القروي بموجب قرارات الحكومة، ومن بينها شق طرق، إقامة بنى تحتية، إقامة معسكرات مؤقتة لمجموعات من المستوطنين، تنفيذ أعمال تخطيط وتطوير وترميم بنى تحتية في تجمعات قروية". والصلاحيات المذكورة هنا، التي تقرر تخويل "شعبة الاستيطان" بها كانت، حتى الآن، ضمن صلاحيات "وحدة الرقابة" التابعة لجهاز "الإدارة المدنية" في الضفة الغربية، المسؤول عن "المحافظة على أراضي الدولة والمناطق المفتوحة"!

واعتبر قرار الحكومة أن ما ورد في نصه هو عبارة عن "اتفاق بين الحكومة وشعبة الاستيطان يسري لمدة خمس سنوات ويمكن تمديده لاحقاً، لمدة أقصاها 15 سنة". وطبقا للقرار، تم تجديد تخويل "شعبة الاستيطان" بوصفها "الجسم المختص الذي يقدم المشورة للحكومة ويساعدها في مجال الاستيطان ويقوم هو بتنفيذ أعمال في هذا المجال"!

وعلى خلفية الانتقادات الحادة التي تعرضت لها "شعبة الاستيطان" قبل تجميد نشاطها، وخاصة عدم الشفافية في عملها، قررت الحكومة إخضاع عمل "الشعبة" لمراقبة المحاسِبة العامة في وزارة المالية والمستشار القانوني لوزارة الزراعة، كما قررت سريان قانون "حرية المعلومات" عليها، خلافاً لما كان في السابق.

وضمن هذه "القيود"، تستطيع "شعبة الاستيطان" العودة إلى تنفيذ سلسلة طويلة من العمليات التي كانت تقوم بها سابقا، مثل التخطيط لمستوطنات جديدة، إقامة مستوطنات جديدة، شق طرق وشوارع، إنشاء بنى تحتية مختلفة، تقوية وتطوير المستوطنات القائمة وغير ذلك. وإضافة إلى ذلك، تواصل "الشعبة" ما يسمى "إدارة أراضي المستوطنات الإسرائيلية في القطاع القروي" في الضفة الغربية، أي: توزيع الأراضي على المستوطنين اليهود في الضفة الغربية! وهو ما تقوم به هذه "الشعبة" منذ العام 1967. وتواصل هذه الشعبة القيام بذلك إلى أن تنتهي "لجنة المدراء" الخاصة التي تفحص هذه المسألة من مداولاتها، وهو ما ينتظر حدوثه خلال الأيام القريبة.

وقررت الحكومة تخصيص ميزانية سنوية لهذا الجسم تبلغ 36 مليون شيكل، يتم تحويلها بواسطة وزارة الزراعة ومن خلالها، وهي (الميزانية) تشمل "تغطية رواتب الموظفين والعاملين في الجسم والمصروفات الإدارية المختلفة". لكن الحكومة قررت منح هذا الجسم مبلغاً فوريا بقيمة 200 مليون شيكل "من أجل تنفيذ خطط عمل" سيتم تحويله إليه "قبل نهاية العام الجاري"!

دوس القوانين في خدمة الاحتلال!

جاء في نص اقتراح القرار الذي قدمه الوزير أوري أريئيل إلى الحكومة أمس: "قرار الحكومة، كما هو مُقترَح، يعني عمليا إلغاء القيد الجغرافي على عمل شعبة الاستيطان وحصره فقط في نطاق المجالس الإقليمية، بل توسيعه ليشمل كل المجال القروي أيضا".

وفي تفسير هذا "القيد" وماهيته، أوضح الوزير أريئيل (في حديث لموقع اليمين الاستيطاني المتدين ـ "عروتس 7"، أمس بعد صدور قرار الحكومة) أنه "خلال السنوات الأخيرة، كانت هناك محاولات مختلفة من جانب أوساط قانونية لإغلاق شعبة الاستيطان التي تنشط في مجال تطوير بلدات الضواحي في جميع أنحاء البلاد. في أعقاب وجهة النظر القانونية التي قدمتها نائبة المستشار القانوني للحكومة، دينا زيلبر، لم يكن بمقدور الحكومة العمل بواسطة شعبة الاستيطان في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)... ورداً على ذلك، عملنا خلال الفترة الأخيرة من أجل إعادة شعبة الاستيطان إلى مستوى النشاط الكامل، مع دعم حكومي رسمي، بحيث يكون بالإمكان استئناف وتطوير البناء الاستيطاني في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في يهودا والسامرة"!

وقال أريئيل: "إنني أومن وآمل بأن تعود شعبة الاستيطان إلى كامل نشاطها وعملها بما يمكّن من تلبية المتطلبات والاحتياجات الكبيرة جدا للسكان في الميدان، سواء في إقامة مبانٍ وبنى تحتية جديدة أو في تحسين أوضاع السكان وتعزيز المجتمع في المستوطنات. لهذا الغرض تم انتخابُنا ولهذا الغرض أقيم قسم الاستيطان قبل عشرات السنين"!

ونقل موقع ("عروتس 7") عن إدارة "شعبة الاستيطان" تعقيبها على قرار الحكومة بالقول إنها "تعتبر قرار الحكومة الصادر اليوم تفويضا مُجدداً لرفع علَم الاستيطان في مختلف أنحاء دولة إسرائيل وستواصل الشعبة دورها كرأس حربة في تكريس وتعزيز التشبث بالأرض في الضواحي، الأمنية والاستيطانية"!

وفي ردود الفعل المعارضة لقرار الحكومة هذا ولما يترتب عليه، قالت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية إنه "بدلا من إغلاق شعبة الاستيطان، تكلّف الحكومة قِطّاً بحراسة الحليب". وأضافت: "تلجأ الحكومة إلى حيل قانونية لتعيين أوري أريئيل، أحد مصممي وواضعي الطرق المشكوك في أمرها، مسؤولاً عن الفوضى، السياسية والمالية. وإضافة إلى تعيين أريئيل "وزيراً للمستوطنات"، تعتمد الحكومة عدم الشفافية وتسعى إلى زيادة ميزانية شعبة الاستيطان بمبلغ غير معروف"!

وعقبت عضو الكنيست تمار زاندبرغ (من "ميرتس") على قرار الحكومة هذا بالقول إنه "إذا لم يكن بناء مستوطنة جديدة، أو دعم أكثر من 20 عضو كنيست لنهب الأراضي في عمونه، كافيين لكشف توجهات هذه الحكومة وتأكيد مبادئها، فها هي تعود الآن عصّارة الأموال لصالح المستوطنات"! وأضافت زاندبرغ: "مرة أخرى، تقرر حكومة إسرائيل تجاوز القوانين والدوس عليها لمصلحة الاحتلال وفي خدمته".

وبين معارضي القرار، أيضا، أوساط من المستوطنين ومن أحزاب اليمين الإسرائيلي عبّر عنهم "رئيس مجلس إقليمي كبير" في الضفة الغربية، إذ قال لصحيفة "هآرتس" دون أن يكشف عن هويته: "أوري أريئيل تخلى عن الاستيطان. هذا القرار سيقيم جهازا بيروقراطيا معقدا جداً، وأشك في أننا سنرى أية أموال في غضون سنتين، لأن المستشارين القانونيين سيوقفون كل شيء. لقد انتصرت دينا زيلبر في نهاية الأمر"!

زيادات خيالية في ميزانيات "الشعبة" لصالح المستوطنين!

تجدر الإشارة إلى أن وجهة النظر القانونية التي وضعتها نائبة المستشار القانوني للحكومة، دينا زيلبر، وأشرنا إلى مضمونها المركزي أعلاه، لم تأت من فراغ بالطبع، بل يمكن القول إنها كانت اضطرارية لا مهرب منها على ضوء ما تكشف من حقائق وأرقام عن "شعبة الاستيطان" (قبل تجميد عملها!)، ليس على صعيد الفساد، الإداري والمالي فقط، وإنما على صعيد النشاط الاستيطاني أيضا، وخاصة تفضيل المستوطنات والمستوطنين اليهود في الضفة الغربية على جميع "بلدات التطوير" في النقب والجليل!

فقد كانت "لجنة رقابة الدولة" في الكنيست أفردت إحدى جلساتها للبحث في عمل "شعبة الاستيطان"، وذلك على خلفية بحث شامل أجراه ونشره آنذاك مركز "مولاد ـ لتجديد الديمقراطية في إسرائيل" (في الأسبوع الأخير من كانون الأول 2015). وعشية جلسة اللجنة المذكورة، أجرى "مركز الأبحاث والمعلومات" التابع للكنيست تحليلاً لبحث مركز "مولاد" وما تضمنه من نتائج، توصل في نهايته إلى النتيجة المركزية التالية: "ميزانيات التنفيذ المخصصة لشعبة الاستيطان تزداد بعدة أضعاف عن الميزانية المقررة سنوياً... في كل واحدة من السنوات الثلاث الأخيرة، كانت ميزانية شعبة الاستيطان الأساسية بضع عشرات من ملايين الشواكل فقط، بينما ازدادت الميزانية خلال السنة أضعافاً مضاعفة، بسبب التحويلات المالية المتكررة إليها من وزارات وهيئات حكومية مختلفة"! وبيّن التحليل المذكور ما يلي: في العام 2012، قفزت ميزانية "شعبة الاستيطان" من 77,7 مليون شيكل إلى 458 مليون شيكل ـ زيادة بنسبة 590%؛ وفي العام 2013، ارتفعت الميزانية من 82,8 مليون شيكل إلى 653,5 مليون شيكل ـ زيادة بنسية 790%؛ وفي العام 2014، سُجل رقم قياسي، إذ ازدادت الميزانية بنسبة 950%!!

أما المستفيد الأول والأكبر من هذه الزيادة المتكررة في ميزانيات "الشعبة" هذه فكان "لواء المركز" ـ أي: "يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وجبل الخليل"، حسبما يؤكد البحث والتحليل، إذ ازدادت الميزانية المخصصة لهذا "اللواء" بنسبة 2300% في العام 2013 وبنسبة 2500% في العام 2014!!