من المتوقع أن يقوم رئيس الحكومة الروسية، ديمتري ميدفيديف، بزيارة رسمية إلى إسرائيل تبدأ في العاشر من تشرين الثاني القريب، وفق ما جاء في بيان رسمي أصدرته السفارة الروسية في تل أبيب بمناسبة الذكرى الـ 25 لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي حلت رسميا يوم 18 تشرين الأول الجاري.
وأوضحت السفارة الروسية أن ميدفيديف سوف يركّز خلال زيارته المرتقبة على "تعزيز التعاون بين البلدين وخاصة في المجال الاقتصادي".
وأشار البيان إلى أن "الحوار السياسي بين البلدين تعزز خلال العام الجاري، 2016، وانعكس ذلك في سلسلة من اللقاءات الثنائية على مستويات رفيعة"، بما في ذلك زيارة الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، وزيارتا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى العاصمة الروسية وعدة محادثات هاتفية جرت بين نتنياهو والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وأشار البيان إلى أن "الدولتين وشعبيهما نجحوا، خلال سنوات، في إنهاء فترة مؤسفة من الجفاء المتبادل والتحول إلى شركاء حقيقيين يدركون ويجيدون احترام مصالح كل من الطرفين"! لافتاً إلى أن "للعلاقات بين إسرائيل وروسيا اليوم طابعاً مميزاً، وخاصة في ضوء حقيقة أن إسرائيل أصبحت تشكل بيتاً لأكثر من مليون شخص من أبناء وطننا"! وأشار البيان إلى دور هذه المجموعة السكانية، من المهاجرين الروس إلى إسرائيل، في كونها "محفزاً قوياً لتطوير العلاقات السياسية، الاقتصادية والثقافية... فروسيا تولي أهمية كبرى لاستعادة الوجود الروسي التاريخي في الأراضي المقدسة، إذ تجري في هذه الأيام أيضا أعمال استعادة ساحة سيرغي في القدس".
تعزيز منهجيّ متواصل
وكان الكرملين في موسكو قد أصدر، يوم الجمعة الأخير (21 الجاري)، بياناً خاصاً حول محادثة هاتفية جرت بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مساء اليوم نفسه، قال فيه إن الزعيمين "جددا خلالها التزامهما بمواصلة تعزيز العلاقات بين الدولتين"، مشيراً إلى أن هذه هي المحادثة الهاتفية السادسة بين الرجلين منذ بداية العام الجاري.
وأجرى نتنياهو هذه السنة زيارتين رسميتين إلى موسكو في نيسان، ثم في حزيران. وكانت الزيارة الثانية برسم إحياء ذكرى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتقى خلالها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للمرة الرابعة منذ بدء السنة الحالية، في ما يؤكد ما أسماه بعض المراقبين "قصة حب، لم تبلغها هذه العلاقات من قبل قَط"، في وصف سيرورة متواصلة من تعزيز وتوثيق العلاقات بين البلدين، تعكسها نطاقات واسعة جدا من التعاون في المجالين التجاري والسياحي، إلى جانب ذروة من التنسيق الأمني والسياسي. وقد عبر نتنياهو عن ذلك بقوله إنه "عشية حرب الأيام الستة (حزيران 1967)، تم تسليح الجيوش من حولنا، تدريبها، تزويدها ودعمها من قِبل الاتحاد السوفييتي السابق، بينما يمكننا رؤية الفارق الكبير الحاصل والذي تحقق خلال السنوات الأخيرة".
ومن المؤشرات البارزة على هذا التحسن في العلاقات الثنائية بين إسرائيل وروسيا وعلى الأهمية الكبرى التي يوليها رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو لهذه العلاقات، قرار الرئيس الإسرائيلي، رؤوبين ريفلين، إلغاء زيارة مقررة له إلى أستراليا لصالح زيارة رسمية أخرى إلى روسيا ولقاء مع الرئيس بوتين، في آذار الأخير، وذلك "في أعقاب لقاء مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أوضح الأخير خلاله أن اللقاء مع بوتين أكثر أهمية من الناحية السياسية في الوقت الحالي"، كما أوضح مصدر رسمي في ديوان رئاسة الدولة الإسرائيلية، في أواخر شباط الماضي.
وقد جاء قرار ريفلين هذا قبل عشرة أيام من الموعد المقرر لزيارته إلى أستراليا، على الرغم من كونها الزيارة الرسمية الأولى لرئيس إسرائيلي إلى أستراليا من العام 2005 وعلى الرغم من أن الدعوة إلى ريفلين لزيارة روسيا لم تصل سوى قبل أربعة أيام فقط من إعلان قرار تلبيتها، بينما الزيارة إلى أستراليا كانت مقررة قبل ذلك بأسبوعين. ولم يأبه نتنياهو وريفلين بما أثاره قرار الإلغاء هذا من غضب شديد لدى السلطات الأسترالية التي "عبرت عن استياء عارم من أن الرئيس ريفلين فضّل زيارة موسكو والتقاء بوتين على زيارة كانبرا والتقاء قادة إحدى الدول الأقرب إلى إسرائيل والأكثر صداقة معها"!
ويذكّر المراقبون بأن العلاقات الإسرائيلية ـ الروسية تسير على خط منهجي متواصل من التعميق والتعزيز منذ العام 2009، تحديداً، ويعيدون الفضل في ذلك إلى وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، أفيغدور ليبرمان (وزير الدفاع الحالي)، رغم أن الزيارة الرسمية التاريخية التي قام بها الرئيس الروسي، بوتين، إلى إسرائيل في العام 2005 شكّلت دفعة قوية لهذا الخط. لكنّ هذه السيرورة شهدت قفزة نوعية، جوهرية وكبيرة، خلال السنة الأخيرة على خلفية التدخل الروسي العسكري النشط في كل ما يجري على الساحة السورية، بما في ذلك إرسالها قوات عسكرية وأسلحة روسية متطورة إلى هناك، مما جعل تعزيز العلاقات بين البلدين "ضرورة ماسة لكلا الجانبين، إذ أصبحنا ـ نحن والروس ـ جيراناً، بكل ما يعنيه ذلك وبكل ما يترتب عليه"، بحسب ما صرّح به "مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى يعمل في مجال العلاقات بين الدولتين" ("هآرتس"، 7/6/2016).
ومما لا شك فيه أن تعزيز التواجد الروسي، العسكري خاصة، على الأراضي السورية خلال السنة الأخيرة بوجه خاص، بما أحدثه من تغييرات جوهرية في معطيات الواقع الاستراتيجي في المنطقة، شكّل دافعاً مركزيا لتعزيز وتوثيق العلاقات بين البلدين، إذ أقاما منظومة خاصة للتنسيق العسكري ـ الأمني لتجنب أية صدامات بين أسلحة الجو والبحر التابعة للدولتين في الإقليم، وخاصة في أعقاب نصب الروس منظومات صاروخية دفاعية متقدمة في طرطوس، ما أدى إلى تقييد حركة سلاح الجو الإسرائيلي في المنطقة.
محاولة ابتزاز ومصلحة إستراتيجية
غير أن ثمة جانباً آخر للعلاقات الروسية ـ الإسرائيلية الراهنة، التي تشهد تحسناً وتوثيقاً واضحين، يتمثل أساساً في إجراءات وخطوات روسية، سياسية وأمنية، "تمسّ بمصالح إسرائيلية حيوية بصورة خطيرة"، وفق ما يلاحظ مراقبون آخرون.
ويلفت هؤلاء، بشكل خاص، إلى ما يلي: تزويد روسيا إيران ببطاريات صواريخ "إس 300" و"إس 400" المتطورة، مع الاستعداد الروسي لبيع أسلحة أخرى عديدة للجمهورية الإيرانية؛ القتال الروسي المباشر في سورية إلى جانب قوات حزب الله وغض الطرف الروسي النظر عن شحنات الأسلحة التي يتم نقلها إلى حزب الله عبر الأراضي السورية؛ تصويت روسيا إلى جانب "قرارات مصيرية" في هيئات الأمم المتحدة المختلفة، من بينها: تأييدها، في أيلول 2015، مشروع القرار المصري في الوكالة الدولية للطاقة الذرية والداعي إلى فرض الرقابة الدولية على المنشآت النووية في إسرائيل؛ تأييدها، في آذار 2016، مشروع قرار فلسطيني في مجلس حقوق الإنسان دعا إلى إعداد "قائمة سوداء" بالشركات التي تتعامل مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة؛ تأييدها، مؤخراً، مشروع القرار الفلسطيني في منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) الذي نفى أية علاقة بين الشعب اليهودي و"جبل الهيكل" (الحرم القدسي الشريف).
ويشدد المراقبون على حقيقة أن حكومة إسرائيل، ورغم هذه الخطوات والقرارات الروسية، لم تجرؤ على توجيه أي انتقاد للحكومة الروسية وسياستها، مثلما فعلت حيال التأييد الفرنسي لقرار "اليونسكو" المذكور أو حيال الموقف الأميركي في مسألة الاتفاق النووي مع إيران.
وفي هذا المنظور، يعتبر المراقبون أن التقارب الإسرائيلي ـ الروسي الحثيث، مؤخرا تحديدا، هو خيار فرضته الظروف الناشئة والوقائع المستجدة وأن إسرائيل "اضطرت إلى القبول به والتساوق معه منذ اللحظة التي قرر فيها الدب الروسي التواجد في ساحتها الخلفية". لكنّ هؤلاء لا يُسقطون، في المقابل، احتمال "السياسة الصغيرة" التي يُتَهَم نتنياهو باعتمادها وتطبيقها، بمعنى محاولته "ابتزاز" إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما و"ممارسة الضغط عليها، من خلال تقرّبه اللافت إلى روسيا ورئيسها، بوتين، باستغلال العلاقات المتوترة التي طفت على السطح بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما في جهة، وبين بوتين وأوباما في جهة أخرى".
وفي هذا السياق، يشار هنا إلى ما كان رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود باراك، قد وجهه من اتهام لنتنياهو بأنه "يسبب ضرراً حقيقياً وجدياً لأمن الدولة ومصالحها الاستراتيجية"، على خلفية العلاقات المتوترة بينه (نتنياهو) وبين أوباما. وقد ذهب كثيرون من السياسيين والمحللين الإسرائيليين إلى تفسير اتهام باراك هذا بأنه "جاء (أيضا) على خلفية التقارب غير الطبيعي، من حيث وتيرته ونطاقه، بين إسرائيل وروسيا"!
وتلتقي الرغبة الإسرائيلية الرسمية في تمتين العلاقات الثنائية مع روسيا، سواء بدافع مصالحها الإقليمية في المنطقة أو بدافع "الانتقام" و"الابتزاز" من الإدارة الأميركية الحالية، مع المصالح الاستراتيجية الروسية التي يصب التقارب مع إسرائيل في خدمتها، وفي مقدمتها كسر العزلة الدولية وإحباط فاعلية العقوبات المفروضة عليها في إثر حربها في شبه جزيرة القرم وفي أوكرانيا، وخدمة مصالحها العسكرية والسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وسعيها إلى استعادة مكانتها الريادية ودورها المركزي كقوة عظمى في الساحة الدولية، وهو ما يشكل محوراً أساسياً في السياسة الخارجية الروسية خلال السنوات الأخيرة.
على الصعيد الإقليمي، في منطقة الشرق الأوسط، يبدو واضحاً أن روسيا استطاعت خلال العقدين الأخيرين ترميم صورتها ومكانتها في الإقليم، بصورة تدريجية، بعد أن فقدتهما مع تفكك الاتحاد السوفييتي السابق وانهياره. وقد تم لها ذلك، خصوصاً، بفضل تحسين وتطوير علاقاتها مع قوى ما يسمى بـ"المحور الراديكالي"، بما في ذلك إيران وسورية. لكنّ الولايات المتحدة بقيت، مع ذلك، اللاعب المركزي والمهيمن في المنطقة، الأمر الذي تسعى روسيا إلى تغييره من خلال التعاون، أيضا، مع دول أخرى، في مقدمتها إسرائيل بالطبع، نظراً لأن روسيا تعتبرها "دولة صديقة" لها، من جهة، إلى جانب كونها الحليفة الأكبر للولايات المتحدة، من جهة أخرى.
تاريخ العلاقات الإسرائيلية ـ الروسية
شهدت العلاقات الثنائية بين إسرائيل وروسيا تقلبات حادة على مر العقود السبعة الماضية، بدأت مع الدعم اللامحدود الذي قدمه الاتحاد السوفييتي السابق لدولة إسرائيل، عشية قيامها ولدى تأسيسها، في العام 1948. لكن رئيس الحكومة الأول في إسرائيل، دافيد بن غوريون، اختار في بداية الخمسينيات اعتبار إسرائيل جزءا من "معسكر الدول الديمقراطية الغربية" فأخذت السياسة الإسرائيلية بالتقرب إلى الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، والابتعاد عن الاتحاد السوفييتي تدريجيا، حتى الانحياز الإسرائيلي التام إلى المعسكر الغربي.
في شباط 1953، وقعت عملية تفجيرية في الممثلية السوفييتية في تل أبيب، فكان الرد السوفييتي قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. لكن هذه العلاقات استؤنفت في تموز 1953.
وعاد الاتحاد السوفييتي إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل في أعقاب عدوان حزيران 1967 ("حرب الأيام الستة") ولم يتم استئنافها إلا بعد مضي 24 سنة ـ في تشرين الأول 1991، قبل نحو شهرين من تفكك الاتحاد السوفييتي وانهياره.
في كانون الأول 1991، قدم سفير الاتحاد السوفييتي، ألكسندر بوبين، أوراق اعتماده إلى الرئيس الإسرائيلي آنذاك، حاييم هيرتسوغ، وبعد أسبوعين تقريبا، في 25 كانون الأول 1991، تفكك الاتحاد السوفييتي نهائيا فأصبح بوبين السفير الأول للجمهورية الروسية في إسرائيل، بينما قدم أرييه ليفين أوراق اعتماده إلى الرئيس الروسي، بوريس يلتسين، ليكون السفير الإسرائيلي الأول في الجمهورية الروسية.
المصطلحات المستخدمة:
هآرتس, باراك, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, أفيغدور ليبرمان