أعلن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن عدد سكان إسرائيل، مع نهاية العام العبري المنصرم، في مطلع الأسبوع الجاري بلغ 8,58 مليون نسمة، إلا أن هذا العدد يضم قرابة 300 ألف فلسطيني وسوري في القدس المحتلة ومرتفعات الجولان السورية المحتلة، الذين رفضوا التجنيس ولكن بحوزتهم بطاقات "مقيم"، ولذا فإن نسبة الفلسطينيين من إجمالي السكان، من دون هاتين المنطقتين المحتلتين، تلامس نسبة 18%. وفي الوقت نفسه أظهر التقرير أن هناك تراجعا ما في عدد المهاجرين اليهود من العالم خلال العام الجاري، مقارنة مع العام الماضي، وبالأساس من فرنسا، التي استهدفتها إسرائيل على نحو خاص لاجتذاب اليهود منها في أعقاب سلسلة عمليات إرهابية وقعت هناك.
ويعرض تقرير مكتب الإحصاء الإسرائيلي معطيات العام العبري الأخير. فالعام العبري برغم أنه تقويم قمري إلا أنه يختلف عن التقويم الهجري، ففي التقويم العبري يتأخر العام من 10 أيام إلى 11 يوما، ولكن في كل ثلاث سنوات تتم زيادة شهر قمري إضافي يسمى "أدار ب"، ويكون في الربيع ويتبع شهر "أدار" الثابت في التقويم وهذا ما تم في هذا العام، بمعنى أن العام العبري المنتهي كان أطول مما سبق بشهر قمري آخر.
عدد السكان ونسبة التكاثر
نشير هنا إلى أن إحصائيات مكتب الإحصاء المركزي عن السكان، تعتمد على من هم متواجدون في البلاد عند عرض التقرير، بمعنى أن كافة المعطيات الواردة في التقرير لا تشمل المهاجرين، الذين لا توجد أرقام دقيقة بشأنهم. بينما السجل السكاني الإسرائيلي في وزارة الداخلية يزيد فيه عدد السكان بأكثر من 700 ألف نسمة، وهذا يشمل المهاجرين فعلا ولم يطلبوا التنازل عن جنسيتهم.
وهذا يظهر بشكل ملموس لدى كل انتخابات برلمانية، إذ أنه في الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة، كانت تظهر فجوة ما بين 500 ألف إلى 550 ألف من ذوي حق اقتراع، بين السجل الرسمي الذي تصدره وزارة الداخلية، وبين ما يعلنه مكتب الإحصاء المركزي، إذ أن هذا الأخير يُسقط من حساباته من هُم مهاجرون. وحسب التقديرات، يقيم في الخارج ما بين 700 ألف إلى قرابة مليون شخص ممن هم في عداد المهاجرين. ولكن الرقم الأعلى قد يشمل أمواتا لم يتم الإبلاغ عن موتهم، ولهذا فإن الاعتقاد السائد هو وجود حوالي 800 ألف شخص في عداد المهاجرين.
وعدم الدقة في المعطيات ناجم عن أن القانون الإسرائيلي لا يلزم المهاجر الذي بحوزته جنسية كاملة بالتنازل عن جنسيته، ومن يفعل هذا هم قلة نسبيا، بحسب ما أفادت تقارير سابقة. وفي حال وُجد قانون كهذا، فإن الميزان الديمغرافي سيختل من حيث نسبة اليهود، إذ أيضا حسب التقديرات، فإن 11,5% من اليهود هم في عداد المهاجرين، وحسب التعريف الإسرائيلي للمهاجر فهو من يغادر البلاد لمدة عام كامل على الأقل، دون أن يزورها ولو لمرّة واحدة خلال ذلك العام. إلا أن كل هؤلاء يفقدون امتيازاتهم في الضمان الاجتماعي، مع مرور ستة أشهر على غيابهم عن البلاد.
واستمرارا لما سبق، فإن عدد سكان إسرائيل من دون القدس والجولان، يصل إلى 8,26 مليون نسمة بالتقريب. وبحسب التقريب، فإن العدد الإجمالي للفلسطينيين في مدينة القدس بشطريها بات يتجاوز 310 آلاف نسمة، ولكن من بينهم ما يزيد عن 32 ألف نسمة بحوزتهم الجنسية الإسرائيلية الكاملة. ويستند هذا التقدير إلى عدد العرب في المدينة الذين ظهرت أسماؤهم في سجل الناخبين للكنيست، وهم أكثر من 26 ألف صاحب حق اقتراع. وأيضا حسب التقدير، فإن حوالي 10 آلاف نسمة من الذين بحوزتهم الجنسية الإسرائيلية الكاملة، هم من فلسطينيي 48، وغالبيتهم من بيت صفافا، شطر 1948، والباقي ممن انتقلوا للعيش في المدينة من مناطق أخرى. في حين أن أكثر من 20 ألف نسمة حصلوا على الجنسية الكاملة، بعد أن تقدموا بطلب التجنيس. وعادة فإن إسرائيل لا تنشر الأرقام الكاملة عن ظاهرة التجنيس. وكانت المرّة الأخيرة التي ظهرت فيها معطيات رسمية قبل نحو 12 عاما، حينما جرى الحديث عن 15 ألف شخص طلبوا وحصلوا على التجنيس ويقيمون في المدينة حتى ذلك الوقت.
أما في مرتفعات الجولان السورية المحتلة، التي يقيم فيها حوالي 23 ألف شخص من العرب غالبيتهم الساحقة من السوريين، فإن عدد المجنسين منهم حسب التقديرات لا يتجاوز 3 آلاف نسمة، من بينهم بضع مئات هم بالأساس الذين انتقلوا للعيش في قرى الجولان من قرى درزية فلسطينية أخرى. وفي المجمل فإن غالبية المجنسين في الجولان المحتل يقيمون في قرية الغجر، الواقعة على الحدود بين سورية ولبنان.
بناء على ما تقدم، فإن عدد فلسطينيي 48، ومعهم المجنسين في القدس والجولان، بلغ مع صدور التقرير الرسمي 1,486 مليون نسمة، وهذا يشكل نسبة تلامس 18%، من أصل 8,26 مليون نسمة، بينما التقرير الرسمي يتحدث عن أن نسبة العرب 20,7%، مقابل نسبة يهود 75%، و4% "آخرون"، غالبيتهم الساحقة ممن لا تعترف المؤسسة الدينية وبالتالي المؤسسة الرسمية بيهوديتهم، والباقي، ما يزيد عن 50 ألفا، هم مسيحيون هاجروا مع عائلات يهودية إبان موجات الهجرة الكبرى، أو مسيحيون ليسوا عربا. ومن دون القدس والجولان، ترتفع نسبة اليهود المعترف بيهوديتهم إلى ما يلامس 78%.
ويعيش 60% من اليهود في إسرائيل في منطقتي تل أبيب الكبرى والقدس. ويضاف إليهم حوالي 8% يعيشون في مدينة حيفا الكبرى. أما العرب فإن 60% منهم يسكنون في منطقة الجليل شمالا، و25% في منطقة الوسط، بما يشمل المثلث والساحل، و15% يسكنون في صحراء النقب.
ويقول التقرير إن نسبة التكاثر السكاني بلغت هذا العام أيضا 2%، مقابل نسبة 1,8% حتى قبل ثلاث سنوات. وهذا الفرق يساهم فيه عاملان: ارتفاع في أعداد المهاجرين مقارنة مع ما كان قائما حتى قبل ثلاث سنوات، والارتفاع الحاد في معدلات الولادة بين اليهود التي سنأتي عليها.
ويشير التقرير إلى أن نسبة تكاثر اليهود بلغت 1,9%، مقابل 1,7% حتى قبل ثلاث سنوات، في حين أن نسبة تكاثر العرب بلغت 2,2%، مقابل 2,6% حتى قبل ثلاث سنوات.
ويفصّل التقرير التكاثر على مستوى الأديان بين العرب، إذ أن نسبة التكاثر بين المسلمين هي 2,4%، وبين المسيحيين- 1,5% وبين الدروز- 1,4%، ولكن في نسبة المسيحيين يدخل أيضا المسيحيون من غير العرب الذين نسبة التكاثر لديهم أعلى مما ذكر بقليل.
ويظهر من التقرير الانهيار الحاد في معدلات الولادة بين العرب، من قرابة 7 ولادات للأم العربية الواحدة في العام 1975، إلى 4,2 ولادات في العام 1995، إلى 3,1 ولادات في العام الماضي- 2015.
أما لدى اليهود فإن معدل الولادات للأم الواحدة بلغ 3,1 ولادة في العام الماضي، بعد أن كان 2,6 ولادة في العام 1995.
لكن الزيادة الحاصلة في معدل ولادات اليهود، تعود إلى المعدل العالي في الولادات بين جمهور المتدينين المتزمتين، الحريديم، الذي يصل فيه المعدل إلى 6,8 ولادة، في حين أنه لدى المتدينين من التيار الديني الصهيوني يصل معدل الولادات للأم الواحدة إلى حوالي 5 ولادات، مقابل 1,5 ولادة أو أقل لدى النساء العلمانيات.
وهذا ينعكس على نسب التكاثر بين اليهود أنفسهم، إذ أن نسبة التكاثر لدى الحريديم تصل إلى 3,8%، وهي قد تكون نسبة التكاثر الأعلى في العالم، إذ يساعدها في هذا ارتفاع معدل الأعمار، مقابل تدنيها لدى الشعوب الفقيرة، التي فيها معدلات ولادة عالية.
كما أن نسبة التكاثر لدى المتدينين من التيار الديني الصهيوني هي 2,8%. وكلا النسبتين كما نرى أعلى بكثير من نسبة تكاثر العرب في إسرائيل، في حين أن نسبة التكاثر لدى اليهود العلمانيين بالكاد تصل إلى 1,4%.
ويضاف إلى هذا أن نسبة الهجرة إلى الخارج، بين العلمانيين، هي أعلى بكثير مما هي بين الجمهور المتدين. وهذا ما سينعكس في المستقبل القريب بشكل أكبر على طابع الجمهور اليهودي، بحيث من المتوقع أن يصبح العلمانيون في سنوات العشرين المقبلة أقلية من بين اليهود، وهو ما يقلق إسرائيل والحركة الصهيونية.
وبحسب ما ورد في التقرير، فإن مكتب الإحصاء المركزي يتوقع أن تتواصل نسبة التكاثر بـ 2%، حتى ما بعد العام 2025، وأن النسبة قد تبدأ في التراجع ابتداء من العام 2030.
معدل الأعمار والأوضاع الاجتماعية
وأظهر تقرير مكتب الإحصاء المركزي أن معدل الأعمار في إسرائيل هو من أعلى معدلات الأعمار في العالم، إذ أن معدل أعمار النساء بات 84,1 عام، مقابل 80,1 عام لدى الرجال. وفي هذا المجال هناك فجوة واضحة بين اليهود والعرب، إذ أن معدل أعمار النساء العربيات 82 عاما، مقابل أكثر بقليل من 77 عاما بين الرجال العرب، وهذا انعكاس لأوضاع اجتماعية وصحية، تعكسها أيضا الظروف الاقتصادية الاجتماعية الصعبة الناجمة عن سياسة التمييز الرسمية.
ويقول التقرير إن 28,3% من الجمهور عامة هم دون سن 14 عاما، في حين أن من عمرهم 65 عاما وما فوق ارتفعت نسبتهم إلى 11,1%، وهي نسبة آخذة بالازدياد مع الارتفاع الدائم في معدلات الأعمار. ومعدل من عمرهم 75 عاما وأكثر وحدهم، بلغ 4,9% من كل الجمهور، مقابل نسبة 3,8% في العام 1990. كما لاحظ التقرير أن نسبة من أعمارهم فوق 75 عاما بين اليهود وحدهم بلغت 5,9% من إجمالي السكان اليهود. وهذا يعني أن نسبة العرب الذين أعمارهم من 75 عاما وأكثر بالكاد وصلت إلى 1,3% من إجمالي السكان العرب.
ويلفت تقرير مكتب الإحصاء المركزي إلى أن الفجوة بين الذكور والإناث تتقلص، إذ يوجد 983 ذكرا مقابل كل ألف أنثى. وحتى سن 33 عاما يرتفع عدد الذكور على الإناث، وابتداء من هذا العمر تبدأ المعدلات بالانقلاب لصالح النساء، فمن سن 75 عاما وما فوق يوجد 700 رجل مقابل 1000 امرأة.
وعلى صعيد الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، فإن نسبة الفقر العامة بين العرب هي في حدود 51%، وفق معطيات 2014 المعلنة في العام 2015، مقابل نسبة 15,5% بين اليهود، وأقل من 11% بين اليهود من دون الحريديم. وأعلى نسب الفقر بين العرب نجدها في النقب وهي نحو 70%، وفي هذا المجال تدخل أيضا نسب الفقر بين المقدسيين، التي هي أيضا بحسب التقديرات تفوق 65%، وهي نسبة مدمجة في نسبة الفقر بين العرب في إسرائيل.
كما أن نسبة البطالة بين العرب هي ما بين 15% إلى 17%، مقابل نسبة 4,6% كنسبة عامة، في حين أن نسبة البطالة بين اليهود بالكاد تقفز عن 2%، وهذا عدا عن أن غالبية العرب يعملون في وظائف ليست ثابتة، أو أعمال موسمية قاسية.
ويصل معدل رواتب العرب إلى 67% من معدل الرواتب العام، بينما معدل رواتب اليهود الأشكناز يصل إلى 130% من معدل الرواتب العام، وبين اليهود الشرقيين يصل إلى 110%.
وبلغ معدل الناتج للفرد في العام الماضي 2015 حوالي 35 ألف دولار، وبحسب أبحاث سابقة فإن معدل الناتج للفرد العربي بالكاد يصل إلى 12 ألف دولار، نتيجة التمييز في الميزانيات والتوزيع في الموارد. ومن باب المقارنة، كما ورد في التقرير ذاته، فقد بلغ معدل الناتج للفرد في الولايات المتحدة الأميركية 55 ألف دولار، وفي إيرلندا 54 ألفا، وبريطانيا 41 ألفا، وفرنسا 40 ألفا، واليابان قرابة 37 ألفا، وإسبانيا 34 ألفا، والبرتغال قرابة 30 ألفا، وتركيا 20 ألف دولار.
الهجرة
أما من حيث الهجرة إلى إسرائيل، فإن تقرير مكتب الإحصاء الأخير يعرض معطيات عام عبري انتهى، وفي هذا العام بالذات فإن الحديث يجري عن قرابة 13 شهرا ميلاديا كما ذكر سابقا هنا.
ويقول التقرير إن عدد المهاجرين الإجمالي إلى إسرائيل بلغ 30 ألفا في العام العبري المنتهي، إلا أن بينهم 25 ألف مهاجر جديد، و5 آلاف شخص من الذين كانوا في عداد المهاجرين وعادوا خلال العام العبري المنتهي. وهذا العدد هو على الأغلب الميزان الصافي بين من يهاجرون إلى خارج إسرائيل وبين من يعودون إليها، إذ كما يبدو أن الأوضاع الاقتصادية السائدة في العديد من الدول المتطورة، بالإضافة إلى العمليات المسلحة التي وقعت في دول أوروبية، واستثمار الصهيونية لها، ساهم في ارتفاع أعداد المهاجرين إلى إسرائيل، وأيضا أعداد العائدين إليها.
لكن برغم هذا، وبحسب تقرير صدر في منتصف العام الجاري، فإن ما سمي بـ "قطار الهجرة" من فرنسا، وأيضا من أوكرانيا، الذي سجل ذروة في العام 2015، أظهر تراجعا ملحوظا في العام الجاري، وهذا ما سيتأكد أكثر مع نهاية العام، خاصة وأن الهجرة تتركز أكثر مع نهاية العام الدراسي وخلال العطلة الصيفية، بما يتناسب مع تعليم أبناء العائلات التي لها أولاد.
ويعزو محللون هذا التراجع من فرنسا إلى هدوء العمليات الإرهابية، وكذا أيضا بالنسبة للأوضاع في أوكرانيا.
وكان محللون إسرائيليون، قد أشاروا قبل أكثر من عام، إلى أن الغالبية الساحقة جدا من الفرنسيين اليهود لن تختار الهجرة، بسبب طبيعة الحياة والاختلاف في الثقافة، بمعنى أنهم ليسوا قادرين على التأقلم في إسرائيل. بينما أشار تقرير آخر في صحيفة "ذي ماركر" إلى أن نسبة ملحوظة من بين الفرنسيين اليهود الذين هاجروا مؤخرا من وطنهم، ما زالوا على تواصل مع فرنسا، ويزورونها بوتيرة عالية جدا، وهذا قد يشكل مؤشرا إلى احتمال عودتهم إليها لاحقا، في حال انقلبت الأوضاع فيها.