تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1744

ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية، في أعقاب اغتيال الأسير اللبناني المحرر سمير القنطار بقصف مبنى سكني في بلدة جرمانة في ريف دمشق، على العملية الفدائية التي شارك في تنفيذها في مدينة نهاريا، في العام 1979، لتوحي بأن عملية الاغتيال، مساء يوم السبت الماضي، جاءت انتقاما لهذه العملية قبل 36 عاما.

لكن المحللين الإسرائيليين يشددون على أن الانتقام لم يكن السبب الوحيد وراء اغتيال القنطار، ويدّعون أنه كان يخطط لهجمات ضد أهداف إسرائيلية من القسم غير المحتل في هضبة الجولان السورية، بتوجيه وتمويل إيرانيين، ولذلك اعتبروا أن القرار بالرد على هذا الاغتيال سيكون بيدي إيران، ورجحوا أن التنفيذ سيكون بيدي حزب الله.

ولم تعترف إسرائيل الرسمية بتنفيذ عملية قصف المبنى المؤلف من ستة طوابق في جرمانة.

وكما هي العادة في إسرائيل في مثل هذه العمليات، يتم الإيعاز للمحللين العسكريين، الذين يستقون معلوماتهم من مصادر عسكرية وأمنية إسرائيلية، باستخدام عبارة "وفقا لمصادر أجنبية" في تحليلاتهم.

برغم ذلك، نشير إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، سبق أن أعلن خلال مؤتمر في مدينة عكا، في الأول من كانون الأول الحالي، قائلا "إننا نعمل في سورية من حين لآخر من أجل منع تحويل الدولة إلى جبهة قتالية ضد إسرائيل".

وأضاف نتنياهو، في إشارة واضحة إلى التنظيم الذي قاده القنطار، أنه "نعمل ضد جبهة إرهاب أخرى تحاول إيران بناءها في الجولان"، وتابع "كما نعمل من أجل منع نقل سلاح فتاك من سورية إلى لبنان. وسنستمر في تنفيذ ذلك".

وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية أمس، الاثنين، إن قصف المبنى الذي تواجد فيه القنطار في ريف دمشق، تم من خلال إطلاق طائرات مقاتلة إسرائيلية أربعة صواريخ يمكن توجيهها عن بعد باتجاه المبنى.

وذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" أنه بالإضافة إلى القنطار تواجد في المبنى عدد من الأشخاص، بينهم نائبه فرحان الشعلان، وربما ضباط من الحرس الثوري الإيراني.

وسقطت في منطقة مدينة نهاريا في الجليل الغربي، أول من أمس، صواريخ أطلقت من جنوب لبنان. وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن تنظيما فلسطينيا، يرجح أنه الجبهة الشعبية – القيادة العامة، هو الذي أطلق الصواريخ التي لم يسفر سقوطها عن إصابات أو أضرار، وليس حزب الله.

توجيه وتمويل إيرانيان

بحسب المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، فإن "حزب الله رفع رعايته عن القنطار منذ عام"، وأن "النظام في دمشق نظر إلى استمرار نشاط القنطار في سورية بأنه يشكل خطرا على مصالحه، لأنه كان يمكن أن يجر إسرائيل إلى مواجهة مباشرة مع سورية"، "ورغم ذلك استمر القنطار في نشاطه بصورة مستقلة بتوجيه من ضباط الحرس الثوري (الإيراني) في دمشق".

من جانبه، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أنه إلى جانب إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه الجليل الغربي، أمس، فإن "تدحرج الأمور من الآن فصاعدا سيظل مرتبطا بالأساس بموقف إيران".

واتفق المحللان على أن اغتيال القنطار لا علاقة له برغبة إسرائيل في الانتقام منه على العملية التي نفذها في نهاريا في العام 1979، "رغم أهمية هذا الاعتبار"، وإنما هذه العملية جاءت على خلفية آنية، بادعاء أن القنطار كان يُعدّ لهجوم ضد أهداف إسرائيلية.

وطرح هرئيل سؤالا غريبا، فكتب أن "أحد الأسئلة التي لا توجد إجابة عليها حاليا، هو من تواجد أيضا، أو كان ينبغي أن يتواجد، في المبنى الذي تم قصفه؟".

من ناحيته اعتبر فيشمان أن "السبب الوحيد الذي يمكن أن يبرّر تصفية القنطار في العاصمة السورية، المحمية بمظلة دفاع جوية روسية وفي مركزها صواريخ إس- 400، ورادارها الذي يغطي مساحات واسعة من دولة إسرائيل، هو معلومة استخبارية مكينة حول هجوم على وشك التنفيذ بصورة فورية".

وأضاف فيشمان أن "الانتقام وحده في السياسة الأمنية العاقلة ليس سببا مقبولا لاغتيال القنطار. ولو كانت إسرائيل تريد اغتيال القنطار من أجل الانتقام منه، وكي تلمح للإيرانيين وحزب الله أو للأسرى الأمنيين أن العودة إلى الإرهاب بعد تحريرهم في إطار صفقة تبادل يكلف ثمنا باهظا، فإنه كانت لديها عشرات الفرص للقيام بذلك منذ إطلاق سراحه في العام 2008" بموجب صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله.

تنسيق إسرائيلي - روسي

تناولت التحليلات الإسرائيلية جانبا آخر لعملية الاغتيال، وهو أن الطيران الحربي الإسرائيلي نفذها رغم الوجود العسكري، الجوي خصوصا، لروسيا في سورية. ورأى فيشمان أن "الروس علموا بعملية الاغتيال في الوقت الصحيح، لكن موسكو التزمت الصمت" في إشارة إلى التنسيق بين الجيشين.

وأشار هرئيل إلى أنه سبق اغتيال القنطار ثلاث غارات إسرائيلية في الأراضي السورية خلال الشهور الماضية، واستهدفت شحنات أسلحة قرب دمشق. واستنتج المحلل من ذلك أنه "على الرغم من أن الوجود الروسي في شمال غربي سورية يقيد حرية العمل الإسرائيلي في المنطقة، إلا أنه ليس عائقا لشن غارات إلى الجنوب من هناك، وحتى قرب دمشق. وهذه رسالة ليست سهلة الاستيعاب بالنسبة للرئيس السوري وشركائه".

يشار إلى أن ضباطا إسرائيليين أطلقوا تصريحات عديدة، مؤخرا، حول التنسيق بين الجيشين الإسرائيلي والروسي في سورية، وكان آخرها أقوال أدلى بها نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، يائير غولان، خلال محاضرة أمام أعضاء جمعية مسرحي وحدة كوماندوز النخبة "سرية هيئة الأركان العامة"، يوم الأربعاء الماضي.

وقال غولان، المسؤول عن التنسيق مع الجيش الروسي، وخاصة منع حدوث معارك جوية بين الطيران الحربي الروسي ونظيره الإسرائيلي، إن "هذه ليست بريسترويكا في العلاقات بين الدولتين، وإنما هذا تنسيق تقني وتكتيكي وحسب. وعندما تخرج طائرة روسية عن مسارها، نقول للطيار: ’ابتعد يا حبيبي. لا نريد أن نعرقل عملكم. وافعلوا ما شئتم من دون إزعاجنا’. وهم يدركون أنه لا يوجد تناقض مصالح بيننا وأننا نعمل فقط عندما يكون هناك تهديد على مصلحة إسرائيلية. ويوجد تفاهم متبادل جيد".

وقدّر غولان أن الحرب في سورية تلجم حزب الله في جبهته ضد إسرائيل، واستدرك أن "هذا لا يعني أنه بدون هذه الحرب سيفتحون النيران علينا".

"مسؤولية الرد ملقاة على حزب الله"

يشار إلى أن إسرائيل كانت قد استهدفت في بداية العام الحالي أفراد خلية تابعة لحزب الله في الجولان، وقُتل حينذاك ستة مقاتلين من حزب الله، بينهم قائد الخلية جهاد مغنية، نجل القائد العسكري السابق لحزب الله عماد مغنية، الذي اغتالته إسرائيل في دمشق في العام 2008. وإلى جانب المقاتلين الستة قُتل في الغارة الإسرائيلية ضابط في الحرس الثوري الإيراني.

وكتب المحلل العسكري في "يسرائيل هيوم"، يوءاف ليمور، أنه "تم القضاء على معظم هذا التنظيم في حينه، لكن في إسرائيل تابعوا بقلق، مؤخرا، الجهود الرامية إلى ترميمه، تحت اسم ’المقاومة الوطنية السورية في الجولان’، وإذا كانت التقارير الأجنبية التي تنسب لإسرائيل المسؤولية عن تصفية القنطار، فإنه على الأرجح أن هذا الأمر لم يكن انتقاما وإنما إحباط – محاولة لتشويش هجمات مستقبلية خطط لها القنطار"، الذي وصفه المحلل بأنه "قنبلة موقوتة".

وأضاف ليمور، كغيره من المحللين الإسرائيليين، أن حزب الله أعفى القنطار من العمل العسكري في صفوفه وأنه أصبح يعمل بتوجيه من إيران. "ورد الفعل على اغتياله مرتبط الآن بقدر كبير برغبة مشغليه الإيرانيين، المعنيين بالانتقام من جهة، والخاضعين لمصالح متقاطعة من جهة أخرى، ويحسبون أيضا تبعات الصفقة النووية (الاتفاق النووي مع الدول العظمى) ومصلحتهم الأولى في المنطقة، وهي الحفاظ على نظام بشار الأسد".

ورأى ليمور أنه "على هذه الخلفية ينبغي أن يكونوا في إسرائيل قلقين كذلك من أن ملف رد الفعل انتقل بكامله إلى حزب الله". ولفت المحلل إلى أن رد حزب الله على مقتل مغنية الابن كان من خلال هجوم في مزارع شبعا أسفر عن مقتل ضابط وجندي إسرائيليين.

"ردع التنظيمات المسلحة"

اعتبر القائد السابق لسلاح البحرية الإسرائيلي، إليعازر ماروم، في مقال في صحيفة "معاريف"، أن "ذراع الجيش الإسرائيلي الطويلة (التي وصلت) إلى القنطار تضيف مدماكا جديدا إلى الردع الإسرائيلي ضد المنظمات الإرهابية. والعملية التي أصابت مبنى بأكمله في دمشق، تشكل ارتقاء في أساليب عملنا".

وأضاف ماروم أن اغتيال القنطار كان "عملية معقدة وتستند إلى معلومات استخبارية نوعية وجرت في قلب سورية المقطعة الأوصال والمشتعلة".

وتابع أن "تصفية القنطار، الذي تحول إلى رمز للنضال ضد إسرائيل، رغم أنه ليس من نوع الأهداف الأكثر نوعية وأهمية، تشكل رسالة هامة إلى التنظيمات الإرهابية حول قدرات إسرائيل الاستخبارية والعملانية وحول ذراع الجيش الإسرائيلي الطويلة والحادة".

وفي إشارة إلى عملية اغتيال القيادي في حركة حماس، صلاح شحادة، بإلقاء قنبلة بزنة طن على المبنى الذي يسكنه في غزة، ما أدى إلى مقتل 15 امرأة وطفلا، كتب ماروم أن "العملية، التي دمرت مبنى كاملا في دمشق مختلفة بطبيعتها عن عمليات سابقة نُسبت لإسرائيل، وتشكل ارتقاء في أساليب العمل، وجرى تنفيذها من خلال تحمل مخاطرة كبيرة بقتل أشخاص غير ضالعين في القتال".

واعتبر ماروم أن "الوضع غير المستقر في سورية، الذي تعمل منظمات متنوعة من خلاله، ينشئ عدم استقرار وفي الوقت نفسه فرصا عملانية للجيش الإسرائيلي لضرب جهات إرهابية تشكل خطرا على دولة إسرائيل ومواطنيها".

وأردف الضابط الإسرائيلي أن عملية اغتيال القنطار "تؤكد الشجاعة الإسرائيلية وتبعث برسالة إلى الجهات الإرهابية المختلفة، مع التشديد على حزب الله، الفرع الإيراني، مفادها أنهم ليسوا محميين في الأراضي السورية بعد الآن. وهذه الرسالة مهمة لأنها تلزم الجهات الإرهابية بالانشغال بالجانب الدفاعي قبل أي شيء آخر".

وأشار ماروم إلى أن "الحرب ضد الإرهاب طويلة ومستمرة، وتشمل عناصر قتالية عديدة ومتنوعة وبينها اغتيال قادة الإرهاب أينما كانوا. والواقع المتغير في المنطقة، ودخول لاعبين جدد (مثل روسيا) إلى الحلبة يجعلان عملية اتخاذ القرارات أكثر تعقيدا. ونمط العمل الصحيح اليوم ليس صحيحا بالضرورة غدا، وثمة أهمية للقيام بالتغييرات الملائمة".

وخلص ماروم إلى أنه "لا شك في أن حزب الله سيسعى إلى الرد على تصفية القنطار، وفي الجيش الإسرائيلي يكسرون رؤوسهم في محاولة معرفة ما الذي يخطط له حزب الله. ورغم ذلك يجب على إسرائيل أن تستمر في كونها الجانب المبادر والمهاجم، وليس الذي يدافع عن نفسه فقط".