تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

في ظل إخفاق الشرطة الإسرائيلية وجهاز الشاباك في القبض على المشتبه بتنفيذ عملية إطلاق النار في وسط تل أبيب، نشأت ملحم، فإن قوات الشرطة طاردت أمس، الأحد، إشاعات حول المكان الذي يختبئ فيه.

فقد هرعت قوات كبيرة من الشرطة صباح أمس إلى مقبرة في مدينة بات يام في جنوب تل أبيب، بعد تلقيها بلاغا بأن ملحم يختبئ هناك، لكنها لم تجد أثرا له. وفي ساعات بعد الظهر وصل الشرطة بلاغ بأنه يختبئ في ضاحية رمات أفيف في شمال تل أبيب، وهرعت قوات الشرطة إلى المكان، لكن تبين أن هذا البلاغ كاذب أيضا.

ورافقت هذه العملية الكثير من الانتقادات للمستويين السياسي والأمني، بما في ذلك انتقادات لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وللمفتش العام للشرطة، روني ألشيخ، الذي بدأ مهامه الشهر الماضي بعد العمل لسنوات طويلة في الشاباك.

وكان نشأت ملحم (29 عاما) من قرية عارة في المثلث الشمالي قد أطلق النار على المارة ورواد حانة في شارع ديزنغوف في قلب تل أبيب، بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، ما أدى إلى سقوط قتيلين ونحو عشرة جرحى، إصابات بعضهم خطيرة. كذلك تعتقد الشرطة أن ملحم قتل سائق سيارة أجرة عربي في مكان آخر في تل أبيب بعد إطلاق النار في ديزنغوف.

وكان والد ملحم، الذي يعمل حارسا ومتطوعا في الشرطة، قد أبلغ الشرطة بأن منفذ عملية إطلاق النار هو ابنه، وذلك بعد أن بثت قنوات التلفزيون أشرطة مصورة ظهر فيها لدى تواجده في حانوت قرب موقع إطلاق النار وبعد ذلك وهو يطلق النار من بندقية أوتوماتيكية.

ويشار إلى أنه بعد العملية ومعرفة هوية المشتبه بتنفيذها، ترددت أنباء عن أن ملحم نفذها انتقاما لابن عمه، نديم ملحم، الذي قتله أفراد شرطة خلال مداهمة منزله بحثا عن سلاح.

وكان نشأت ملحم نفسه قد سُجن لمدة خمس سنوات بعد إدانته بمهاجمة جندي ومحاولة خطف سلاحه. وقال المحامي سامي ملحم، الذي مثل نشأت في حينه، إن موكله ربما يعاني من مشكلة نفسية.

ويقدر محققو الشرطة والشاباك بأن ملحم يخطط لتنفيذ عملية أخرى.

وقالت صحيفة "هآرتس"، اليوم الاثنين، إنه بحسب تقديرات المحققين فإن ملحم لا يزال مسلحا، وأنه لم يكن يعتقد أنه سيبقى على قيد الحياة بعد عملية إطلاق النار وأنه من الجائز أن ينفذ عملية أخرى.

كذلك تحقق الشرطة في احتمال أن ملحم لم يعمل لوحده وأن من الجائز أن هناك من علم بمخططاته قبل تنفيذ عملية إطلاق النار.

وعلى ضوء هذه التقديرات، وخاصة احتمال تنفيذ عملية أخرى، تواصل قوات الشرطة عمليات البحث عن ملحم، كما أن الشرطة ستسير دوريات لأفرادها بشكل مكثف في شوارع تل أبيب وطالبت الجمهور بأن يكون يقظا.

وكشفت القناتان الإسرائيليتان الثّانية والعاشرة، أمس، أنَّه تمّ العثور على الهاتف الجوّال الخاصّ بملحم، وذلك بعد أن عثرت عليه طالبة في مدرسة ثانوية في حيّ "رمات أفيف".
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم، إن الشرطة تواصل عمليات البحث عن ملحم من دون أن يكون لديها طرف خيط حول مكان تواجده.

انتقادات للشرطة وقائدها

ومع مرور ثلاثة أيام من دون القبض على ملحم المشتبه بإطلاق النار، تعالت انتقادات لأداء الشرطة وقائدها ألشيخ. وانتقد ضباط في الشرطة إدارة ألشيخ للمطاردة خلف ملحم وعدم صلته بالجمهور، وقال أحد الضباط إن ألشيخ "نسي أنه لم يعد في الشاباك ولا في الظلال، وإنما هو قائد الشرطة، وهي جهاز ينبغي أن يعمل بشفافية مقابل الجمهور".

وأشار الضابط نفسه إلى وجود إشكالية كبيرة في أنه توجد معلومات كثيرة حول هوية منفذ إطلاق النار ولا تزال خفية عن الجمهور. "الحقيقة هي أن الجمهور مُبعد عن معلومات هامة، مثل هل يوجد أمن كاف لإرسال الأولاد إلى المدارس، وما هي هوية المخرب وما هي صورته (صورة حديثة له) لكي يتمكن الجمهور من دعم جهود الشرطة؟".

ونقل موقع "واللا" الالكتروني عن ضابط شرطة قوله إن قائد الشرطة في منطقة تل أبيب، بنتسي ساو، أراد التحدث إلى وسائل الإعلام، أول من أمس السبت، واطلاع الجمهور على جزء من المعلومات التي بحوزة الشرطة، لكن ألشيخ منعه من ذلك.

وقال موقع "واللا" إن قوات الشرطة تأخرت عدة دقائق في الوصول إلى موقع إطلاق النار، بينما استغرق قيادة الشرطة ثلاثة أرباع الساعة حتى استوعبت أن الحديث عن عملية سقط فيها العديد من القتلى والجرحى، وبعد ذلك تم إطلاق مروحية مراقبة في أجواء المدينة، وأن هذا الوقت "الضائع" فسح المجال أمام ملحم لتحسين مسار هروبه.

وتسود مدينة تل أبيب أجواء من القلق والخوف بعد تردد تقديرات بأن ملحم قد يقدم على اختطاف مواطنين. وفي ظل هذه الأجواء، قال العديد من سكان تل أبيب إنهم يخشون من إرسال أولادهم إلى المدارس ورياض الأطفال.

ودفعت هذه الأجواء رئيس البلدية، رون خولدائي، إلى الإعلان مساء أول من أمس، أن من يشعر بالخوف والقلق بإمكانه ألا يرسل أولاده إلى المدارس. وبالفعل، أكثر من نصف الطلاب لم يذهبوا إلى المدارس.

وفي موازاة ذلك تعالت أصوات تدعو الإسرائيليين إلى حمل السلاح، وأنه "لو حدثت عملية كهذه في القدس، لما بقي المخرب على قيد الحياة".

"نتنياهو سياسي صغير"

وتفقد نتنياهو، مساء السبت موقع عملية إطلاق النار وعقد مؤتمرا صحافيا في المكان، شن فيه هجوما ضد الأقلية العربية وقيادتها.

وقال نتنياهو إنه "أقدّر التنديدات لهذه العملية التي تم التعبير عنها في الجمهور العربي بالبلاد ويجب عليّ أن أقول إنني أتوقع من جميع النواب العرب دون استثناء أن يدينوا عملية القتل تلك بلا تمتمة وبدون مراوغة".

واعتبر نتنياهو أنه "نعلم جميعا أن هناك تحريض وحشي يمارسه الإسلام المتطرف في الوسط العربي ضد دولة إسرائيل. هناك تحريض في المساجد وفي المدارس وفي شبكات التواصل الاجتماعي. إننا نعمل بصرامة ضد هذا التحريض كما فعلنا عندما أخرجنا الشق الشمالي للحركة الإسلامية وحركة "المرابطون" عن القانون".

وأردف "لن أقبل وجود دولتين في إسرائيل: دولة قانون بالنسبة لمعظم مواطنيها ودولة داخل دولة بالنسبة لجزء من مواطنيها في الجيوب التي لا يتم فيها فرض أحكام القانون. ويمارس فيها تحريض إسلامي ديني وتوجد فيها كميات كبيرة من الأسلحة غير الشرعية التي تستخدم في المناسبات والأعراس وأيضا في أعمال إجرامية غير متوقفة. انتهى هذا العصر".

وتابع نتنياهو أنه "بلورت خطة مع وزير الأمن الداخلي ومع المفتش العام للشرطة خُصصت لها أموال طائلة وموارد كثيرة. سنزيد بشكل دراماتيكي خدمات فرض أحكام القانون في الوسط العربي. إسرائيل ستفرض القانون وسيادتها في كل أرجاء الدولة - في الجليل وفي النقب وفي المثلث وفي كل مكان".

وعلّق المحلل السياسي والشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يرسي فيرتر، أمس، على تصريحات نتنياهو، مشيرا إلى أنه في أعقاب عملية انتحارية وقعت في حافلة ركاب في شارع ديزنغوف في تل أبيب، في تشرين الأول من العام 1994، حضر نتنياهو، كرئيس للمعارضة حينذاك، إلى موقع العملية، وقبل إخلاء جثث العشرين قتيلا الذي سقطوا جراءها، انفلت بتصريحات تحريضية، واتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها، إسحق رابين، والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بالمسؤولية عنها.

وأضاف فيرتر أنه برغم مرور 21 عاما منذئذ إلا أنه "يتضح أن نتنياهو لم يتخلص من أحد طباعه، وهو التعميم، إثارة المشاعر، نشر الكراهية، زرع الخوف والتحريض ضد الأقليات. القفز على أية فرصة، وعلى أية مأساة، وعلى أية كارثة إنسانية...".

ورأى أنه خلال خطابه في ديزنغوف أول من أمس "ظهر نتنياهو بأسوأ حال. لا يحتوي، لا يهدئ، ولا زعيم، وإنما كسياسي صغير... وخصص معظم أقواله لهجوم فظ ومخزٍ ضد عرب إسرائيل. ووصف جمهورا بأكمله بأنهم مخالفون للقانون، كمجرمين يحملون السلاح، وكمخربين محتملين".

وتساءل فيرتر عمّا منع نتنياهو من معالجة انتشار السلاح غير القانوني في البلدات العربية، ومن إعداد خطة لاجتثاث هذه الظاهرة ومن تطبيق القانون والنظام. وأكد أن "تهجمه على مجمل الجمهور العربي كان يفتقر للحياء حتى بالمقاييس التي عودنا عليها مع مرور السنين".

كذلك انتقدت عضو الكنيست تسيبي ليفني أقوال نتنياهو، ودعته إلى "التصرف كرئيس حكومة، وعدم زرع الكراهية والخوف، فهذا ما نجح رئيس الحكومة في فعله في موقع العملية. لدينا رئيس حكومة يزيل عن نفسه المسؤولية".

ويبدو أن نتنياهو لم يأبه بهذه الانتقادات، إذ كرر أمس، في مستهل اجتماع حكومته الأسبوعي، القول إنه "قررنا أن نحدث تغييرا وسنؤدي إلى تطبيق القانون في جميع الأصعدة: في قوانين البناء حيث لم يطبق القانون إطلاقا وفي قوانين الضجة من المساجد والتحريض الذي يمارس فيها وطبعا في شبكات التواصل الاجتماعي وللأسف أيضا في المدارس. كما سيتم جمع الأسلحة غير الشرعية التي توجد بكميات كبيرة جدا في الوسط العربي".

شبيه بهجمات باريس

في أعقاب عملية إطلاق النار ترددت تقديرات على ألسنة المحللين الإسرائيليين مفادها أن هذا الهجوم مشابه لهجمات باريس، قبل شهر ونصف الشهر، والمنسوبة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بحيث يطلق المهاجمون النار ويقتلون ويصيبون مدنيين ثم يتمكن بعضهم من الهرب.

وكتب محلل الشؤون الدولية في صحيفة "يسرائيل هيوم"، بوعاز بيسموت، إنه "قبل شهر ونصف الشهر وقفت في ضاحية سان داني وشاهدت أفراد شرطة يطاردون مشتبهين. ووصفت في حينه مطاردة صلاح عبد السلام، أحد المشتبهين الثمانية الذي تمكن من الفرار".

وأضاف أنه "وصفت في حينه مدينة متوترة ومتألمة، كما وصفت مقاهي ومطاعم خالية من الرواد، ويوم الجمعة مررت بالتجربة نفسها في تل أبيب".