تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1902

ينهي رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، اليوم الاثنين، ولايته، ليحل مكانه نائبه السابق الجنرال غادي آيزنكوت.

ويرى العديد من الخبراء والمحللين العسكريين الإسرائيليين، في تلخيصهم لولاية غانتس، أن العدوان الأخير على غزة، في الصيف الماضي، سيظل مثل سحابة سوداء فوق رأسه.

ويبدو، وفقا للمحللين، أن غانتس كان رئيس أركان لجيش وجه ضربات عسكرية من بعيد وأخفق في توجيه ضربات عن قرب، بعد أن طوّر سلاحي الجو والاستخبارات وأهمل سلاح البرية. وينظر الإسرائيليون في هذا السياق إلى المستقبل وسط توقع بنشوب حرب جديدة مع حزب الله الذي يعتبر أقوى بأضعاف مضاعفة من حركة حماس.

 

وتميز عهد غانتس باعتماد الجيش الإسرائيلي على الغارات الجوية. فبعد عام من توليه منصبه، قاد عدوان "عمود السحاب" على قطاع غزة، الذي بدأ باغتيال قائد كتائب القسام، أحمد الجعبري. وأنهى غانتس ولايته بالغارة في مدينة القنيطرة، ومقتل ستة مقاتلين من حزب الله وجنرال إيراني، ليفتح بذلك حسابا جديدا مع حزب الله بعد الحساب المفتوح منذ اغتيال القيادي العسكري للحزب، عماد مغنية، في العام 2008.

لكن فيما يتعلق بتحسين قدرات الاستخبارات العسكرية فإن نقاشا صاخبا يدور في الجيش وخارجه في إسرائيل. وهذا ليس بالأمر المؤكد، خصوصا إذا تم التدقيق في الروايات الإسرائيلية أن حركة حماس خططت للحرب في الصيف الماضي، والإخفاق في مواجهة الأنفاق وتحويل تدميرها إلى هدف إسرائيل من العدوان.

ومن حظ غانتس السيئ أنه تسلم مهام منصبه، في شباط العام 2011، وسط "رياح" شديدة نشبت من جهتي المؤسستين السياسية والعسكرية، وهزت أركان الجيش على خلفية "قضية هارباز"، التي برزت فيها الخلافات والاصطفافات إلى جانب وضد رئيس أركان الجيش السابق، غابي أشكنازي، ووزير الدفاع السابق، ايهود باراك، في أعقاب قرار الأخير بتعيين الجنرال يوءاف غالانت رئيسا لأركان الجيش. ورغم مصادقة باراك ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، على تعيين غالانت، إلا أن هذا القرار لم يخرج إلى حيز التنفيذ. وعلى أثر ذلك تم استدعاء غانتس، الذي كان قد تسرح من الخدمة العسكرية، للعودة إلى صفوف الجيش وتعيينه رئيسا لأركانه.

الأمر الثاني الذي يدل على سوء حظ غانتس، هو أنه تعين في المنصب في العام الذي هز العالم العربي، واندلاع "الربيع العربي" الذي أسس، من الناحية العسكرية بالنسبة لإسرائيل، لحالة فوضى عارمة بشكل خاص عند حدودها مع مصر وسورية.

 

تهدئة الأجواء في الجيش

 

اعتبر المحلل العسكري في موقع "واللا" الالكتروني، أمير بوحبوط، أن "الطلقة الأولى" التي أطلقها غانتس كانت بعد شهر من توليه رئاسة أركان الجيش، وتمثلت بعقد اجتماع للهيئة العسكرية للجيش وبمشاركة جميع الضباط من مستوى قائد كتيبة فما فوق ومن كافة الأذرع، البرية والجوية والبحرية.

وببعض المبالغة، إذ أن "قضية هارباز" لم تهدأ تماما، كتب بوحبوط، يوم الخميس الماضي، أن غانتس "نجح في تهدئتهم، وطلب منهم أن يتحدثوا عن كل شيء، وأن يقولوا أين بالإمكان إجراء تحسينات، وأين يمكن تنجيع الجيش، وأعاد الثقة بالنفس إلى الضباط والتي كانت قد فقدت بعض الشيء. والقرار بالسماح للضباط بأن يفتحوا قلوبهم كان بالنسبة لهم نقطة تحول في طبيعة قيادة الجيش الإسرائيلي".  

وأضاف بوحبوط أن ولاية غانتس تميزت بإدخال تكنولوجيا حديثة مثل منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، ومنظومة "معطف الريح" لحماية الدبابات من القذائف المضادة للمدرعات، علما أن تقارير نشرت مؤخرا أشارت إلى أن عددا قليلا فقط من الدبابات تم وضع هذه المنظومة فيه.

وأشار بوحبوط إلى أن غانتس أقام فرقة عسكرية جديدة في مرتفعات الجولان، يطلق عليها اسم "الفرقة 210"، لتحل مكان "الفرقة 36" التي ما زالت موجودة كفرقة متنقلة. وقد شاركت "الفرقة 210" في العدوان الأخير على غزة.

وأقام غانتس طاقما عملانيا في سلاح الجو مهمته حراسة حقول الغاز قبالة شواطئ إسرائيل.

 

إخفاق غانتس

 

رغم أن غانتس يعتبر رئيس أركان مريحاً بالمعايير الإسرائيلية، إلا أنه سجل عدة إخفاقات، خاصة فيما يتعلق بفشل الرؤيا العسكرية وعدم نجاحه في وضع خطة للجيش للسنوات المقبلة، وإضعاف سلاح البرية.

وكتب المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، يوم الجمعة الماضي، أنه "من الجانب العسكري الحرفي ليس مؤكدا أن غانتس سيحظى بعلامة تفوق. فقد مر الشرق الأوسط، في السنوات الأخيرة، بهزة، وباتت الحدود غير مستقرة، وسيف التقليصات ما زال يخيم فوق الميزانية التي قدمها جهاز الأمن. وإن لم يكن ذلك بذنبه وحده، فإنه خلال ولايته لم ينجح رئيس هيئة الأركان العامة في المصادقة على أية خطة عمل متعددة السنوات تجهز الجيش لمواجهة التحديات المتوقعة".

وأضاف يهوشواع أنه إلى جانب ذلك "بذل غانتس جهودا كثيرة في تعزيز قوة ذراعي الجو والاستخبارات. وفي المقابل فإن جيش البرية، وفقا لمنتقدي غانتس، بات متحجرا وفقد روحه الهجومية. وحتى أن ضابطا كبيرا وصفه بـ’المعاق’".

والادعاء المركزي ضد غانتس، في هذا السياق، هو أنه "لم يحافظ على التوازن في توزيع الموارد، ويكفي للتأكد من ذلك إلقاء نظرة على تقرير مراقب الدولة حول مستوى الجهوزية المتدني لقوات الاحتياط والتدقيق في وقف مشروع تحصين ناقلات الجند المدرعة".

ولفت يهوشواع إلى أن "جيش البرية لم يتمكن من ملاءمة نفسه للتغيرات الإقليمية، والدليل على ذلك القفزة الهائلة التي نفذتها حماس في مجال قتال الأنصار في باطن الأرض من المفهوم الدفاعي إلى الهجومي منذ عملية ’الرصاص المصبوب’ العسكرية قبل ست سنوات وحتى عملية ’الجرف الصامد’ العسكرية في الصيف الأخير".

لكن الإخفاق لم يتوقف عند هذا الحد، بحسب يهوشواع، وإنما "بدلا من فهم المشاكل، شهدنا في الشهور الأخيرة في الجيش الإسرائيلي ما يشبه ’مهرجان الجرف الصامد’، وكأن هذه كانت إحدى العمليات العسكرية الناجحة وليست حربا استمرت 50 يوما، أكثر بأضعاف مما خُطط له، وجلس خلالها مواطنو دولة إسرائيل في الملاجئ والجيش الإسرائيلي لم ينجح في الانتصار على العدو".

وأضاف يهوشواع أن رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وحكومته الأمنية المصغرة يتحملان قسطا من المسؤولية عن فشل إسرائيل في عدوانها الأخير على غزة، لكن الجيش يتحمل مسؤولية أكبر: "كأننا لم ندخل إلى العملية بمدرعات غير محصنة، وكأن وحدة إيغوز لم تحارب من دون دروع واقية لأنها لم تتوفر لديها، وكأنه لم يقتل جنود في مواقع تجمعهم، وكأن وحدات الجيش الإسرائيلي جاءت مستعدة لمعالجة أمر الأنفاق".

ودعا يهوشواع الجيش الإسرائيلي إلى أن "يروي القصة الحقيقية حول ما حدث، تماما مثلما حدث بعد حرب لبنان الثانية في العام 2006، وأن يطأطئ الجيش الإسرائيلي رأسه ويركز على تصحيح الخلل".

ورأى يهوشواع أن مهمة آيزنكوت، لدى بدء ولايته، كبيرة في إعداد الجيش للحروب المقبلة. وأضاف "ليس معقولا ألا تكون لدى الجيش قوة قادرة على تنفيذ اجتياح كبير وحاسم، على الأقل في جبهة واحدة، في المحيط الجيو إستراتيجي الجديد. ويجب بناء هذه القوة بحيث تكون فعالة، مدربة، مزودة بعتاد ومعدات، محوسبة، محصنة وفتاكة، وخصوصا أمام التحدي الذي يضعه لبنان وسورية".

عمليات خلف الحدود

 

يبدو الشرق الأوسط في نهاية ولاية غانتس مختلفاً كلياً عما كان عليه لدى بدايتها. وانعكست هذه الرؤية لدى مشاركته في جلسة وداعية له عقدتها لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيس، مؤخرا.

وقال رئيس هيئة أركان الجيش الأسبق، شاؤول موفاز، إن ولايته كانت أصعب من ولاية غانتس، لأنه كرئيس لأركان الجيش اضطر إلى العمل تحت ثلاثة رؤساء حكومة وأربعة وزراء دفاع، بينما غانتس عمل تحت رئيس حكومة واحد ووزيري دفاع، هما يعلون وباراك. ورد غانتس عليه بالقول إن "هذا صحيح، لكم كم مرة تغير الحكم في مصر خلال ولايتك؟".

ورأى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، أن "الهزة في العالم العربي كانت الظاهرة الثانية (بعد العدوان الأخير على غزة) التي أثرت على ولاية غانتس، من ناحية انعكاسات ذلك على وضع إسرائيل الإستراتيجي بعيدة المدى".

وكتب هارئيل، يوم الجمعة الماضي، أن "التهديد العسكري التقليدي على إسرائيل يكاد يكون قد زال مع تآكل الجيش السوري في السنوات الأربع للحرب هناك؛ وتحدث في جميع حدودها تغييرات بوتيرة غير مألوفة؛ وعدد ’اللاعبين’ الإقليميين، من تنظيمات إرهابية ومنظمات أنصار ينبغي تحليل نواياها، تضاعف".

وأضاف المحلل أنه "على ضوء هذا الواقع الجديد، بادر غانتس إلى انتشار عسكري ملائم في الشمال، وأقيمت في الجولان فرقة عسكرية متخصصة بحراسة الحدود (الفرقة 210 المذكورة أعلاه) وتم بناء جدار حدودي جديد. كما جرت أنشطة أمنية متواصلة وغالبا ما كانت حذرة، ومن خلال عدم تورط لا حاجة له".

ووفقا لهارئيل، فإنه "بصورة بالكاد علم بها الجمهور الإسرائيلي، جرى نشاط عسكري سري خلف الحدود طوال الوقت، ومن بينها إحباط تسلح منظمات إرهابية بأسلحة نوعية. وهذا الأمر منح غانتس تقديرا عاليا من جانب المستوى السياسي، على أدائه المدروس، والاستعداد لتحمل مخاطر ليست قليلة وتحقيق نتائج مثيرة للإعجاب".

إلا أن هارئيل لفت هو الآخر إلى الإخفاق نفسه الذي كتب عنه يهوشواع بأن "التركيز على الغارات الناجحة التي نفذها سلاح الجو، إنما سلطت الضوء على الصعوبات في نشاط الوحدات البرية، التي تجسدت في حرب غزة وفي بعض الاشتباكات عند الحدود".

وأردف أن "الجيش الإسرائيلي بدا في هذه الأحداث، أكثر من مرة، كجيش ثقيل الحركة وليس ذكيا. وكان من الصعب الإدراك كيف أن مزيجا من الضباط الجيدين والجنود الشجعان يولّد أحيانا نتائج متوسطة إلى هذا الحد".

ورغم إخفاق غانتس في وضع رؤية مستقبلية للجيش وتحسين سلاح البرية والانتقادات له على ذلك، إلا أن هارئيل أشار إلى أنه أول رئيس أركان منذ عشر سنوات ينهي ولايته من دون توتر مع المستوى السياسي أو مع ضباط كبار في الجيش.

فقد خرج أسلافه الثلاثة من صفوف الجيش بعاصفة كبيرة: يعلون غادر رئاسة الأركان بعد خلاف مع وزير الدفاع في حينه موفاز ورئيس الحكومة، أريئيل شارون؛ دان حالوتس اضطر إلى الاستقالة بسبب إخفاقاته في حرب لبنان الثانية في العام 2006؛ وغابي أشكنازي أنهى ولايته في ظل "قضية هارباز" والخلاف وتبادل الاتهامات بينه وبين باراك.

غير أن العدوان الأخير على غزة بقي يخيم على غانتس في الأيام الأخيرة لولايته. فقد وجه رئيس الأركان المنتهية ولايته انتقادات، خلال محادثة أجراها مع خريجي دورة ضباط مؤخرا، عندما قال  "رأيت اجتماعات كابينيت مغلقة أكثر أو أقل"، مشيرا بذلك إلى التهجمات على الجيش الإسرائيلي من جانب وزيري الخارجية أفيغدور ليبرمان، والاقتصاد نفتالي بينيت، خلال اجتماعات المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، وتسريبهما لانتقاداتهما إلى وسائل الإعلام.