أعلنت مجموعات قرصنة إلكترونية (هاكرز)، الشهر الماضي، أنها ستشن في السابع من نيسان الجاري، أمس الأول الأحد، هجمات الكترونية (سايبر) ضد المواقع الالكترونية الإسرائيلية الرسمية والتجارية والاجتماعية، بالتنسيق مع منظمة "أنونيموس"، وذلك احتجاجا على سياسات وممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن هدف هذه الحملة هو "محو إسرائيل من الشبكة".
وقالت مجموعة الهاكرز "Opisrael"، في بيان نشرته أول من أمس، مخاطبة إسرائيل: "حتى الآن لم توقفوا انتهاكات حقوق الإنسان والبناء غير القانوني في المستوطنات، ولم تحترموا اتفاق وقف إطلاق النار والقانون الدولي. وهذه هي الأسباب التي دفعت، في السابع من نيسان، وحدات سايبر رفيعة من جميع أنحاء العالم إلى الاتحاد كتضامن مع الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل، ككيان واحد غايته محو إسرائيل من الحيز الالكتروني".
وعلى أثر إنذار الهاكرز، من الشهر الماضي، أجرى جهاز الأمن الإسرائيلي استعدادات لمواجهة هجمات السايبر، التي بدأت يوم السبت الماضي ضد مواقع الكترونية إسرائيلية، وسط تحسب من انضمام منظمات، وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها "إرهابية"، وهاكرز من شتى أنحاء العالم، إلى حملة "أنونيموس" ووضع مصاعب أمام إسرائيل لصد هذا الهجوم.
وأكدت تقارير إعلامية إسرائيلية أن جهاز الأمن وهيئات أخرى، أبرزها الهيئة الإسرائيلية لحماية المعلومات، أصدرت تعليمات للعاملين في وزارة الدفاع وهيئات رسمية أخرى بالاستعداد لاحتمال موجة تشويش ستلحق بالأجهزة المحوسبة والمواقع الالكترونية، وإمكان المبادرة إلى وقفها عن العمل من أجل تقييم الوضع والتدقيق في نوع الهجوم.
ونقل موقع "واللا" الالكتروني الإسرائيلي عن مسؤول رفيع المستوى قوله في مداولات مغلقة، جرت الأسبوع الماضي، إنه تم جمع معلومات استخباراتية ضد الهاكرز والجهات التي قد تشارك في الهجوم، وأنه تم اتخاذ قرار بأنه في حال تم تنفيذ هجوم السايبر، فإنه سيتم إجراء مداولات مكثفة لتقييم الوضع قبل بدء الهجوم من أجل ضمان نجاعة أجهزة الدفاع أمام هجوم سايبر ومحاولة تقليص الأضرار المحتملة.
وأضاف هذا المسؤول أن الوزارات المختلفة، وبينها وزارة الدفاع وجهاز الأمن العام (الشاباك) والجيش الإسرائيلي، تتعاون بشكل وثيق من أجل تنسيق نقل المعلومات فيما بينها وتحسبا من أن يتم تنفيذ هجوم السايبر من حواسيب "موبوءة" بفيروسات قادرة على اختراق حواسيب أفراد من دون معرفة ذلك، وأن تشارك بدورها في هجوم السايبر. وأعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن "الاستعدادات المسبقة من جانب خبراء في حماية المعلومات في وزارة الدفاع ساعدت في إعادة الموقع الالكتروني إلى العمل خلال دقائق معدودة".
أشد هجوم سايبر حتى الآن
إلا أنه على الرغم من هذه الاستعدادات الإسرائيلية، قالت تقارير، أمس الاثنين - 8.4.2013، إن هجوم السايبر الذي تعرضت له إسرائيل أول من أمس، كان الأشد من نوعه وأن الضرر الأساس تمثل في توقف عمل مواقع الكترونية حكومية.
وقالت مصادر في الهيئة الإسرائيلية لحماية المعلومات إن هجوم السايبر استهدف حتى مساء الأحد الفائت ما بين 300 - 600 موقع الكتروني، بينها مواقع رئيس الحكومة ووزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي ووزارة التربية والتعليم ووزارة حماية البيئة والصناعات العسكرية ومكتب الإحصاء المركزي وجمعية محاربة السرطان. ولحقت بموقعي وزارة التربية والتعليم والصناعات العسكرية أكبر الاضرار نسبيا، وفقا للتقارير الإسرائيلية. وأعلنت وزارة المالية الإسرائيلية أنها تصدت لعدة هجمات سايبر ضد مواقعها الالكترونية.
وكانت منظمة "أنونيموس" قد أعلنت عن اختراق الموقع الالكتروني لجهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية، الموساد، خلال ليلة أمس الأول. ورغم أن إسرائيل لم تعترف بذلك لكن صحيفة "هآرتس" قالت إن هذا الموقع "عاد ليعمل كالمعتاد" صباح أمس الأول.
ووضع الهاكرز في هذه المواقع رسائل مؤيدة وداعمة للفلسطينيين وأغاني، مثل "هاكر، هاكر تل أبيب"، على غرار "أضرب، أضرب تل أبيب".
ونقلت "هآرتس" عن آفي فايسمان، مدير عام شركة "سي سيكيورتي" المسؤولة عن تفعيل الهيئة الإسرائيلية لحماية المعلومات، قوله إن "الهجوم كان أقوى من أي هجوم واجهناه في الماضي. ورغم ذلك فإنه كان مفاجئا بضعف نوعيته، ونتوقع أن يكون الهجوم المقبل أشد قوة بكثير من حيث النوعية والكمية".
وقدّر فايسمان أن هجوم السايبر الحالي كان أقوى بعشرة أضعاف من هجوم مشابه تعرضت له إسرائيل خلال عملية "عمود السحاب" العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة في تشرين الثاني الماضي. وتابع أن "أقل من 100 موقع الكتروني صغير وحوالي 15 موقعا الكترونيا لمنظمات كبيرة تضررت لفترات تراوحت ما بين دقائق معدودة وعدة ساعات، وبينها موقعان أو ثلاثة تضررت لفترات طويلة".
وتشير تقديرات شركات إسرائيلية لحماية المعلومات، وبينها شركتا "أفنات" و"كومسك"، إلى أن عدد مواقع المصالح التجارية الصغيرة في إسرائيل التي اخترقها الهاكرز يصل إلى مئات وربما إلى أكثر من ذلك.
وقال مدير دائرة الهجوم والسايبر في شركة "أفنات"، روني باخر، لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن "منظمات وشركات عديدة في إسرائيل بذلت جهودا من أجل لجم الهجوم أو على الأقل تقليص أضراره. ونعلم أنه تم إصدار تعليمات جارفة للمستخدمين بتغيير كلمات السر في بريدهم الالكتروني، كما أن منظمات كثيرة أجرت تدريبات على هجمات قد تتعرض لها منظوماتها الالكترونية، وليس مواقع الانترنت فقط، بهدف التعرف على نقاط الضعف".
وأضافت الصحيفة أن شركة الكهرباء الإسرائيلية تتعرض يوميا لآلاف هجمات السايبر. ولذلك توجد لدى الشركة منظومات متنوعة لمواقع خارجية وداخلية، وكوسيلة دفاعية إضافية يوجد فصل كامل بين منظومات إنتاج الكهرباء وتفعيل أدوات الإنتاج، من أجل تقليص احتمالات اختراق هذه المنظومات.
ونشر الهاكرز الذي نفذوا هجوم السايبر قوائم شملت عشرات المواقع وحسابات على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وآلاف المعطيات حول بطاقات ائتمان شملت تفاصيل كاملة حول حامليها لكن تبين، بحسب التقارير الإسرائيلية، أن قسما كبيرا منها ليس لمواطنين إسرائيليين ولذلك فإنه لا يمكن في هذه المرحلة تحديد عدد البطاقات الصالحة للاستعمال من بينها.
ووفقا لشركة "كومسك" فإنه على الرغم من نشر عدة وثائق تدل على ما يبدو على تسرب معلومات حول تفاصيل شخصية من مواقع الكترونية حكومية وأرقام بطاقات ائتمان "إلا أنه تبين حتى الآن أن هذه المعلومات ليست صحيحة بغالبيتها العظمى، وتبدو كإعادة إنتاج لمواد قديمة نشرها الهاكرز في الماضي".
وجرت أغلبية هجمات السايبر بين الساعات الثانية بعد منتصف الليل والسادسة صباحا، إلا أن هذه الهجمات تواصلت طوال نهار الأحد، وتم خلالها وقف عمل موقعي وزارة الدفاع والناطق العسكري الالكترونيين لمدة ساعتين.
هجوم السايبر يعزز صناعة حماية المعلومات الإسرائيلية
أشارت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية إلى أن "هجمات السايبر ضد المواقع الالكترونية التي بادرت إليها منظمة أنونيموس من شأنها أن تعزز الاقتصاد الإسرائيلي". ونقلت الصحيفة عن مسؤول في إحدى شركات حماية المعلومات التي بدأت تعمل في إسرائيل، بشكل خاص خلال العامين الأخيرين، قوله إن "هجمات مثل تلك الأخيرة أو كالتي تم تسميتها ’الهاكر السعودي’، تزيد بشكل كبير الوعي وتسلط الضوء على صناعة حماية المعلومات وتجذب مستثمرين".
وأضاف أن "الشركات التي تطور تكنولوجيا حديثة في هذا المجال تحظى باهتمام متزايد من جانب مستثمرين، وخاصة في القطاع الخاص، وذلك لأن أي صندوق رأس مال في خطر في إسرائيل يستثمر في مجال حماية المعلومات والسايبر. وفي المدى البعيد، فإن تزايد الوعي لدى الجمهور يساهم في هذا الاتجاه وخاصة بين الشبان، وبذلك يساعد هذا الأمر على تطوير قوى عاملة نوعية، وهو ما تحتاج إسرائيل إليه من أجل الارتقاء درجة والتحول إلى دولة عظمى حقيقية في مجال السايبر".
وقالت الصحيفة إن مجال حماية المعلومات ازدهر كثيرا من خلال شركات الصناعات الالكترونية الرفيعة (هاي- تك). وفي العام 2012 الفائت تمت إقامة 45 شركة حماية معلومات في إسرائيل، إضافة إلى الاستثمار في شركات من خارج إسرائيل وانتقالها للعمل من داخل إسرائيل.
وتابعت الصحيفة أن مبادرين ومستثمرين كثيرين وشركات حماية المعلومات تستخدم هجمات السايبر وتعطل مواقع الكترونية من أجل تجنيد المزيد من المستثمرين في هذا المجال.
وقال نتانئيل دافيدي، نائب مدير عام التسويق في شركة "سايفيرا"، التي تأسست في العام 2011، إنه "قبل سنة تعين عليّ أن أشرح للمستثمرين عن المكان الذي ينبغي فيه دمج منتوجنا في منظومة حماية المعلومات. لكن تطور السوق والأحداث الأخيرة أديا إلى أنه لم يعد ينبغي أن أقدم هذا الشرح".
الشركات الكبرى تُخفي معلومات حول خسائرها جراء هجمات سايبر
قالت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، التابعة لـ "يديعوت أحرونوت"، أمس، إن تحقيقا أجرته وكالة "بلومبرغ" الأميركية أظهر معطيات مفادها أن معظم عمليات الاقتحام الالكترونية وهجمات السايبر ضد شركات عملاقة لا تلحق أضرارا مالية. ووفقا للتحقيق فإن 27 شركة كهذه فقط من أصل 100 شركة في الولايات المتحدة، صرحت في السنوات الأخيرة أمام أصحاب أسهمها بأنها كانت هدفا لهجمات ديجيتالية أو هددتها هجمات كهذه، وبينها شركات مثل "إينتل" و"غوغل" و"وول – مارت" و"ميكروسوفت".
وادعت 12 شركة تعرضت لهجمات سايبر بأنه لم يكن لهذه الهجمات أي تأثير عليها. بينما صرحت شركة واحدة فقط، وهي بنك "سيتي غروب"، بأنه لحقت بها أضرار مالية بحجم محدود نتيجة هجمات الكترونية. وجاءت بيانات هذه الشركات بعد شهر تشرين الأول من العام 2011، في أعقاب تعليمات صادرة عن السلة الأميركية للأسهم المالية تلزم بالتصريح بأي هجوم قد يؤثر على قرار الجمهور بشراء أو عدم شراء أسهم.
ووفقا لـ "كالكاليست" فإن جهات مطلعة تعتقد أن الشركات تُخفي معلومات هامة حول حدوث عمليات اختراق لمنظوماتها المحوسبة، خوفا من المس بقيمة أسهمها. وعلى سبيل المثال، أكد مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي (إف بي آي) أن شركة "كوكا كولا" تعرضت، في العام 2009، لعمليات اختراق لحواسيبها في محاولة لسرقة معلومات حول صفقة كبيرة جدا لشراء شركة مشروبات صينية. لكن "كوكا كولا" لم تصرح بشأن محاولة الاقتحام هذه أمام أصحاب أسهمها. كذلك فإن عدة شركات، بينها "أمازون" و"فيريزون"، طولبت بالتصريح عن معلومات أكثر من تلك التي صرحت بها بعد تعرض شبكاتها المحوسبة للاختراق.
إسرائيل تقلل من أهمية الهجوم
برز من خلال التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية أن إسرائيل تحاول التقليل من أهمية وحجم وتأثير هجمات السايبر خلال الأيام الماضية، رغم أن هذا الموضوع احتل عناوين رئيسة. وعبر عن ذلك محلل الشؤون الالكترونية في موقع "واللا" الالكتروني، دنيس فيتشيفسكي، الذي اعتبر أن هجوم السايبر الأخير ضد الشبكة العنكبوتية الإسرائيلية هو "نكتة"، لأن المواقع التي تم اختراقها هي مواقع علنية ومتاحة لمن يريد الاطلاع على مضامينها. واعتبر أن الجزء الإشكالي في الموضوع هو الحصول على تفاصيل بطاقات ائتمان، رغم أنها غير قابلة للاستخدام.
ورأى فيتشيفسكي أن "المشكلة في هذه الرواية كلها تتمثل في انعدام فهم مطلق ’للعدو’" وأن "أنونيموس" لم تكن أبدا منظمة، لأن "أيا كان بإمكانه في أية لحظة الإعلان أن ما يفعله إنما يفعله باسم أنونيموس". وخفف الكاتب من أهمية هذا الهجوم بادعاء أن "ما يحدث لا يتعدى تسريب تفاصيل بضع عشرات من بطاقات الائتمان، واقتحام مواقع إلكترونية لا يعرفها الجمهور الواسع، وقسم آخر من هذه المواقع الإلكترونية تم إسقاطه لعدة دقائق... وهناك أدوات في الانترنت، ولا تحتاج إلى التنزيل، تمكن أي مستخدم من البدء في مهاجمة موقع إلكتروني ومحاولة إحداث زحمة في تصفحه وبذلك يتم إسقاطه".
ولوّح الكاتب بأن الأمر الجدي هو الفيروسات، مثل "فليم" و"غاوس"، التي طورتها الولايات المتحدة وإسرائيل، من أجل إلحاق أضرار ببنى تحتية إلكترونية لدول معادية والتجسس على منظمات.
الانترنت ميدان حرب
خلاصة القول في هذا الموضوع إنه لا ينبغي المبالغة في الضرر الذي لحق بإسرائيل جراء هجمات السايبر في الأيام الأخيرة. لكن في المقابل، فإنه لا ينبغي، وبلا مبالغة، التقليل من شأن هجمات كهذه. فعلى مدار أيام تركز قسم كبير من الاهتمام في إسرائيل، في إعلامها وبين مواطنيها، على استشراف هذه الهجمات الإلكترونية والتكهن بنتائجها وحشد جيش من الخبراء والتقنيين لمواجهتها، وبذلك حقق المبادرون إلى الهجوم انتصارا معنويا.
أما من الناحية المادية، فإنه ربما لم تكن هناك أضرار مالية مباشرة، لكن مجرد حشد هذا الجيش من الخبراء والتقنيين، وإقامة وحدات السايبر في الجيش الإسرائيلي، فإن هذا يعني بأن موارد اقتصادية تم رصدها للدفاع أمام هذا النوع الجديد من الهجمات. والأنكى من ذلك هو توقع هجمات أشد من تلك الأخيرة ما يجعل إسرائيل في حالة تأهب دائم حيال مثل هذه الهجمات.
غير أن إسرائيل، الدولة العظمى إلكترونيا، قادرة على إلحاق أضرار بالغة في حال قررت شن هجمات سايبر ضد جهة ما. أي أنه بات هناك نوع جديد من القتال، هو القتال في الميدان الافتراضي، الذي يعتبر أحد ميادين الحروب المعاصرة.
هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي
"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"