بعد أكثر من سنتين على مؤتمر "كامب ديفيد"، ما زالت غالبية الجمهور الاسرائيلي مقتنعة بأن الفشل في المفاوضات، مثلما في النزاع الدموي المتجدد، مردّه إلى الفلسطينيين. هذا الاتهام هو إثبات آخر، بحسب رأي غالبية الاسرائيليين، بأن الفلسطينيين وقيادتهم لم يغيروا من مواقفهم/ مؤامرتهم الأصلية لدفع النتيجة النهائية المرجوة وهي إقامة دولة فلسطينية على كامل التراب، من البحر إلى النهر.ويُفسر رفض مقترحات براك في "كامب ديفيد" على أنه فقرة أخرى في التتابع غير المنطقي للادعاء "أن الفلسطينيين لا يفوتون فرصة لتفويت اتفاق سلام". كما أن طرح موضوع اللاجئين وحق عودتهم في المداولات وعرض المطالب الفلسطينية، من قبل إسرائيل، كمسبب لتفجر قمة "كامب ديفيد"، هما إثبات آخر للرفضية الفلسطينية معدومة التسويات.
بادر الأب إميل شوفاني، كاهن ومُربٍ عربي من الناصرة، إنساني ومحب للسلام، لتشكيل وفد من العرب في إسرائيل لزيارة أوشفيتس من أجل "فهم جذور الخوف" وحقيقة أن اليهود يعيشون في "خوف دائم من الآخر" ("هآرتس"، 3.2).هذه مبادرة مباركة. أولا، لأن إبادة يهود أوروبا ليست شأنًا يهوديًا فقط. ولذلك فإن على كل إنسان متحضر أن يتعرف على هذا الموضوع وعلى عِبَره، على الرغم من الصعوبة النفسية المنوطة بهذا. ثانيًا، لأن مبادرة شوفاني تأتي على خلفية دعاية "نازية جديدة" وتعابير حول إنكار المحرقة في الصحافة المصرية، السورية والسعودية. حتى في المقال الشجاع الذي كتبه مستشار الرئيس مبارك، أسامة الباز، والذي نُشر في "الأهرام"، وخرج ضد اللاسامية، هناك تشكيك بوجود الأفران الغازية. كل هذا، في الوقت الذي تمنع العديد من الدول الأوروبية في قوانينها إنكار المحرقة.
مع تزايد الحديث عن اقتراب نشر "خارطة الطريق" للتسوية السياسية الاسرائيلية – الفلسطينية، يتولى وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز، بعيداً عن "الأضواء"، عملية تطبيق مخطط اعدته وزارته بالتنسيق مع عناصر استيطانية كثيرة، لتشريع عشرات "المناطر العشوائية" التي طفت على السطح في السنوات الأخيرة، في السر على الغالب، وإن كان بعضها قد اثير في المحافل المختلفة ووسائل الاعلام.
كتب محمد دراغمة
لم يرَ الصحافيون الفلسطينيون في النظام الجاري بلورته في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بشأن منحهم تصاريح تنقل داخلية بين مدنهم وقراهم، بدلاً من بطاقات الصحافة الصادرة عن مكتب الصحافة الحكومي، سوى محاولة جديدة للالتفاف على قضيتهم المتفاعلة في مختلف المستويات، وفي مقدمتها المستوى القضائي، منذ قرار السلطات وقف تجديد وإصدار البطاقات.
وكانت مصادر في الجيش الاسرائيلي أعلنت عن بدء بلورة هذا النظام على ضوء شروع محكمة العدل العليا الاسرائيلية في بحث الالتماس المقدم من الصحافي في وكالة رويترز للأنباء أحمد سيف، الذي يطالب فيه بتجديد بطاقته الصحافية التي تتيح له الوصول إلى مكان عمله في مكتب الوكالة في مدينة القدس.
ورأى الصحافيون الفلسطينيون في ذلك محاولة من المؤسسة الرسمية الإسرائيلية لاحباط وقتل القضية الجاري بحثها في القضاء والتي تحظى بمتابعة واهتمام كبيرَين من قبل مؤسسات حقوقية ومنظمات واتحادات صحافية إقليمية ودولية، إلى جانب مختلف وسائل الإعلام.
وقال هشام عبد الله الكاتب والمحرر في كالة الأنباء الفرنسية: "هذه محاولة إسرائيلية للخروج من المأزق، وإلا فما هو الرابط بين بدء مداولات المحكمة العليا والقرار الصادر عن الجيش؟".
ولا يستبعد عبد الله أن تكون المحكمة العليا طرفاً في القرار الجديد. وقال: "عرفت المحكمة العليا في إسرائيل تاريخياً بانحيازها للمصالح والاعتبارات الإسرائيلية".
والصحافي هشام عبد الله واحد من ضحايا القرار الإسرائيلي القاضي بوقف تجديد بطاقات الصحافة للصحافيين الفلسطينيين. فقد حرمه القرار من الوصول إلى مكتبه في القدس ومغادرة منطقه سكنه في رام الله.
وقال عبد الله: "منذ عام لم أغادر منطقة رام الله ما جعلني أعمل بأقل مستوى من الحركة، وأقل قدر من مصادر المعلومات".
وكان أحمد سيف لجأ إلى المحكمة العليا منذ حوالي عام بعد دهم الشرطة الإسرائيلية لغرفة الفندق الذي كان ينزل فيه في القدس الغربية، وسجنه، ثم طرده، وتحذيرة من مغبة العودة إلى المدينة ثانية.
وقد عمدت وكالة رويترز إلى نقل سيف للعمل في مكتبها في العراق لحين البت في القضية بعد أن منعته السلطات من الوصول إلى مكان عمله.
ولجأت وسائل إعلام أجنبية عديدة إلى نقل كادرها الفلسطيني إلى مناطق أخرى في العالم يتاح لهم فيها حرية الحركة، واستبدالهم بكادر أجنبي.
ويرى الصحافيون الفلسطينيون في ذلك تحقيقاً للهدف الرئيس من وراء الإجراءات الإسرائيلية وهو تجريدهم من حقهم في العمل في ساحتهم.
ولا تخفي السلطات الإسرائيلية حربها على الصحافيين الفلسطينيين، خصوصاً العاملين منهم لدى وكالات وشبكات وصحف ومجلات غربية، متهمة إياهم بالانحياز للرواية الفلسطينية على حساب "الرواية الإسرائيلية".
وقد تفرعت هذه الحرب في السنوات الثلاث الأخيرة لتشمل نخبة من الصحافيين الأجانب الذين ترفض السلطات الإسرائيلية تجديد إقاماتهم في البلاد لاتهامها إياهم بالانجياز للفلسطينيين.
ويرى المراقبون في ذلك وسيلة ضغط دائم على وسائل الإعلام وكوادرها تهدف إلى إثارة القلق لديهم وبالتالي التأثير على موضوعيتهم في نقل الاحداث.
وقد قوبلت الأنباء عن الإجراء الجديد برفض واسع من قبل جمهور الصحافيين الذين يتشككون إصلاً في نية السلطات منحم هذه التصاريح.
وقال هشام عبد الله: "اليوم كنت ماراً عبر حاجز سردا، وقد شاهدت العشرات من حملة مثل هذه التصاريح متكدسين على الحاجز دون أن يتاح لهم المرور، فما الذي سيختلف في حال حمل الصحافيون تصاريح من هذا النوع".
ومضى قائلاً: "إما أن يعترفوا بنا كصحافيين أو لا، أما الحديث عن تصاريح فهو ليس أكثر من محاولة لإخراج القضية من القضاء وقتلها على الحواجز العسكرية".
كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلت عن مدير مكتب الصحافة الحكومي دان سيمون قوله في تعليق له على الالتماس المقدم من الصحافي أحمد سيف: "سيف هو فلسطيني وثمة تحذيرات من قيام فلسطينيين بالمس بسؤولين إسرائيليين، لذلك جاء قرارنا وقف تجديد وإصدار بطاقات صحافية لهم".
وكان محامي سيف قال في مداولات المحكمة بأن أحمد هو صحافي معروف ذو مستوى رفيع وليس ثمة شكوك بقيامه بأية أنشطة أمنية".
الصفحة 789 من 860