يشهد الشارع الإسرائيلي في الآونة الأخيرة موجة من الاحتجاجات المُستمرة تقريباً منذُ منتصف شهر نيسان الماضي، واشتدّت وتيرتها في الفترة القليلة الماضية، وهي تُنظّم بشكل شِبه أسبوعي من قِبل حراك "الرايات السوداء" وحركة "العقد الجديد" وغيرهما، وهي موجة لم نشهَد لها مثيلاً منذُ بدء تفشّي فيروس كورونا في إسرائيل.
يتناول بحث جديد نشره معهد أبحاث الكنيست، في مطلع تموز 2020، بدائل ممكنة لعقوبة السجن التي يمكن أن تتوفر في حالة الاعتقالات أو أحكام معيّنة بالسجن الفعلي. جاء البحث وسط تفاقم أزمة تفشي وباء كورونا، بطلب من لجنة الداخلية البرلمانية لغرض بحث جهوزية سلطة السجون الإسرائيلية لتطبيق قرار أصدرته المحكمة العليا بخصوص الاكتظاظ في السجون، وهو ما سبق أن أوصى به تقرير وضعته لجنة خاصة برئاسة قاضية المحكمة العليا السابقة داليا دورنر. وهذه الوثيقة تشتمل على معطيات وفرتها الشرطة حول مراكز الاعتقال والمعتقلين، ومعطيات من سلطة السجون حول السجناء في السجون التابعة لها.
يمكن القول إن نشوة النصر التي عاشها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لحظة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض يوم 18/1/2020 عن خطته للسلام في الشرق الأوسط والتي أطلق عليها اسم "صفقة القرن"، والتي جاءت في ذروة صراع الأول على السلطة في جولة انتخابات ثالثة وحاسمة متوجة رزمة سخية وغير مسبوقة من الهدايا التي قدمها له الرئيس الأميركي تباعا (الاعتراف بضم القدس والجولان ونقل السفارة وإغلاق بعثة المنظمة في واشنطن ومحاصرة وكالة الأونروا... إلخ)، لن تكون عابرة وقصيرة فقط، بل قد تعتبر لحظة الهبوط بالعلاقات الأميركية- الإسرائيلية إلى مستوى غير مسبوق من التردي والانحطاط لتسجل على أنها بداية النهاية التي تصدع فيها الإجماع الأميركي فوق الحزبي على دعم إسرائيل.
يمكن القول إن "قانون كورونا الكبير" (أو: "قانون التفويض") الذي سنّه الكنيست الإسرائيلي في ساعة متأخرة من يوم الخميس الأخير (23 تموز الجاري) يدشن مرحلة جديدة في مسار تطور إسرائيل السياسي والقانوني ويحدث تغييراً جوهرياً في مستوى العلاقة المستقبلية بين الحكومة، بكونها السلطة التنفيذية، وأذرعها المختلفة، من جهة، وبين الكنيست، باعتباره السلطة التشريعية والبرلمان الذي يجسد "حكم الشعب"، من جهة أخرى. والتغيير الذي نقصده هنا يطال أيضاً الوضع الدستوري المعمول به في إسرائيل، إلى درجة أن القانون الجديد يشكل خروجاً واضحاً وفظاً عنه. فالوضع القائم اليوم ـ أو الذي كان قائماً حتى اليوم، على الأصح ـ هو أن الكنيست هو، وهو فقط، المخول صلاحية وضع وإقرار الترتيبات والقواعد المعيارية الأساسية الملزمة للجمهور عامة. أما ما حصل هنا، في هذا القانون، فهو قلب لهذه القاعدة ويكتسي خطورة استثنائية لكون الحديث يجري عن تشريع جديد يطال، بصورة عميقة وحادة، حقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية، بل قد يترتب عليه تجريم وعقوبة جنائية أيضاً.
الصفحة 295 من 883