المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بدأت في أيلول الحالي السنة الدراسية في جهاز التعليم، بمختلف مكوّناته، في إسرائيل بينما يواصل "جرّ" مشاكل وجدالات من سنوات سابقة. وهي بتوصيف عام تتراوح ما بين مسائل مادية متعلقة بالميزانيات وتخصيصها وشكل توزيعها، وبين رؤى تربوية وسياسية تتعلق بأمرين مركزيين: منطلق سياسة التوزيع من الناحية الطبقية بين طلاب ذوي خلفية اقتصادية ضعيفة وآخرين من طبقات أقوى اقتصاديًا؛ والأمر الثاني هو القيم المركزية التي تتألف العملية التعليمية حولها.

في العام 2015 أعلن وزير التعليم نفتالي بينيت ("البيت اليهودي") أنه "يتوجب علينا تقليص الفجوات بين الطفل في نتيفوت والطفل في رعنانا". هذا الوزير يحب كثيرا استخدام الإعلام لغرض حفر انجازات على حزامه – كعادة المقاتلين العسكريين - كما وصف ذلك سيفي كروفسكي، محلل في جريدة "كالكاليست". أو، يضيف، يحب الوزير على الأقل الإشارة الى أهداف تضمن له عناوين كبيرة في الصحف. فهو يريد أن يكون وزير التعليم في العصر الحديث والتكنولوجي "مع لمسات من التربية الدينية والتربية على القيم". سنواته في قيادة وزارة التعليم التي ليس من المؤكد أنه أرادها أصلا مع إقامة الحكومة الجديدة في أيار 2015، تتميز أكثر شيء بالمؤتمرات الصحافية والوعود بالتغييرات وبإطلاق خطط إصلاح في جهاز التعليم والاستخدام الواسع للخطط الاجتماعية على اختلافها.

فيما يلي استعراض للمحاور التي فحصتها الصحيفة ووقفات عند الوضع العيني في جهاز التعليم العربي، وهو ما لم تورده الصحيفة، وفقًا لملخص جلسة مشتركة للجنة متابعة قضايا التعليم العربي واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية واللجنة القطرية للجان أولياء أمور الطلاب، بحثت الاستعدادات لافتتاح العام الدراسي 2017/ 2018.

إلى جانب الوعود التي اعتدنا سماعها من الوزير، تقول الصحيفة، يظل هناك واقع مركب أكثر وهو متعلق بالميزانيات التي تصل أحيانا لإحداث التغيير وأحيانا لا تصل، بأنظمة يصعب تغييرها أو دفعها قدما وكذلك بفجوات كثيرة من الصعب جسرها خلال دورة وزارة واحدة او اثنتين وهو ما سبق أن اكتشفه وزراء سابقون في وزارة التعليم. قبل افتتاح السنة الدراسية الجديدة والتي بدأت في مطلع أيلول الجاري سجلت "كالكاليست" خمسة مواضيع صدف أن صرح بشأنها الوزير بينيت، وذلك من خلال فحص الفجوة ما بين التصريحات العلنية من قبل الوزير وكبار مسؤولي وزارته وبين ما يحدث على ارض الواقع.

فجوات الرياضيات على خلفيات الاقتصاد

تحت العنوان "معادلة الفجوات في الوحدات الخمس بالرياضيات. متفوقون جدد وفجوات جديدة"، جاء أنه يمكن الحديث بكثير من النزاهة أن هذا الموضوع هو بمثابة "الطفل المدلل" للوزير وهو يكثر من التفاخر بالنتائج. وفقا لمعطيات نشرتها الوزارة يتضح أن ما يزيد عن 16 ألف طالب في صفوف الثواني عشر قد قدموا للامتحانات في السنة الاخيرة بمستوى 5 وحدات مقابل 8ر12 ألف في السنة التي سبقتها. وهو ارتفاع بنسبة 25%. الوزير قام مؤخرًا برفع الهدف الى الأعلى معلنًا أنه ينوي في السنة القريبة العمل كي يتم تضمين 18 ألف طالب لامتحان التخرّج لمستوى 5 وحدات تعليمية. قبل نحو سنتين، في العام الدراسي 2015 كان عدد الطلاب الذين درسوا لـ 5 وحدات هو 3ر11 ألف طالب. في السنة التي سبقتها كان عدد الطلاب 9500 وقبلها 9200 طالب. أي أنه عمليا منذ السنة الدراسية 2011- 2012 التي تقدم فيها 8900 طالب لامتحان 5 وحدات في الرياضيات نرى أن هذا العدد قد ضاعف نفسه تقريبا اليوم. هذا الصعود جاء بعد انخفاض بنسبة 30% في عدد الطلاب بين السنوات 2006- 2014 بمعنى أن هذه الخطة الجديدة هي الإجراء الصحيح ويمكن فهم أسباب احتضان الوزير لها.

لكن إلى جانب الأرقام المطلقة المشجعة يدل الغوص في أعماق معطيات وزارة التعليم على وجود فجوات هائلة بين الطلاب الذين يأتون من خلفية اجتماعية اقتصادية عالية، وبين من يأتون من خلفية منخفضة، وهذا على الرغم من انحرافات هنا وهناك. فمثلا تدل معطيات الوزارة على أنه في حين استحق 22% من الطلاب في "جفعات عادا" النجاح في 5 وحدات رياضيات وكانت النسبة في "كريات اونو" 30% من الطلاب ففي قرية القسوم في النقب كان 4ر0% فقط من الطلاب من مستحقي ذلك وفي أوفاكيم (سكانها شرقيون يهود) 6ر4% أي أنه صحيح أن هناك ارتفاعا مشجعا في نسبة المتقدمين لـ 5 وحدات في الرياضيات وصحيح أنه من مرة الى أخرى هناك قصص نجاح مثيرة للانفعال في المناطق الجغرافية والاجتماعية الطرفية في البلاد، ولكن في هذه الحالة أيضا يتم تأبيد وتكريس الفجوات.

لجنة متابعة التعليم تشير خصوصًا الى النقب بوجوب بلورة خطة شمولية ورصد الموارد والميزانيات لعلاج موضعي في كل بلد وبلد وللنهوض بالتعليم في النقب وخاصة في القرى غير المعترف بها، في المدن المختلطة وفي المجالس الاقليمية المشتركة لتلك القرى، حيث تسود اوضاع صعبة جدا تتمثل بالتدني في التحصيل العلمي وبظروف اقتصادية واجتماعية صعبة وبنية تحتية خانقة. المطلب هو سد الاحتياجات الحارقة وبناء مدارس جديدة وغرف تدريسية وغرف مرافقة وتجهيزها وفق الاحتياجات، وبناء برامج تعليمية وتربوية من اجل معالجة ظاهرة تسرب الطلاب ورفع نسبة التحصيل العلمي وفتح أطر جديدة للتعليم اللامنهجي وللشبيبة في خطر وفتح رياض اطفال لأجيال 3 و 4 سنوات لاستيعاب 5000 طفل في النقب، هم خارج أي اطار تربوي وتعليمي وكذلك في باقي المناطق.

كثافة الطلاب في الغرف التدريسية

يقوم الوزير بينيت عادة برفع راية الإصلاح المتعلق بالصف الدراسي الصغير والذي بدأ عام 2015 على اثر ما سمي "احتجاج السردين" حين خرج أهالي الطلاب من مناطق مختلفة في البلاد وتنظموا تحت المطلب الذي كان أطلق في السابق وبموجبه غرف التدريس في إسرائيل مكتظة جدا ولا ينجح المعلمون بتخصيص الانتباه اللائق لكل طالب وآخر، ونتيجة لذلك فان جودة الدروس تتراجع. لقد بدأ الإجراء في السنتين الأخيرتين مع إضافة نحو 1000 صف دراسي للصفوف أ و ب في المدارس في مختلف أنحاء البلاد، حيث كانت الخطة تقضي بإضافة المزيد من الصفوف في المدارس الابتدائية في البلاد في السنوات الخمس القريبة وبتكلفة 450 مليون شيكل.

مع البدء بتطبيق الخطة وعد الوزير بأنه "علينا تقليص الفجوات بين طفل في نتيفوت والطفل في رعنانا" وأنه سيتم تحديد حد أقصى مؤلف من 32 طالبا في الصف في المناطق الضعيفة و34 طالبا في الصف في مناطق قوية. ولكن يتضح من معطيات وزارة التعليم حول السنة الدراسية 2015- 2016 المنشورة مؤخرا أن عدد الطلاب بالمعدل في المدارس في نتيفوت هو 6ر23 ورعنانا 5ر27. حالة رعنانا ونتيفوت تمثل تقريبا ما يجري في بلدات أخرى وقد أعلن بينيت عن المشروع عمليا حين كان هناك عدد طلاب اقل في الصفوف في مناطق الأطراف. وهكذا يتضح من معطيات وزارة التعليم لسنة 2015- 2016 أن معدل الطلاب في الصف في خُمس الرعاية الضعيف هو 3ر26 مقابل 7ر30 من الخمس القوي. أي أن احتجاج السردين عمليا قاده أهالي الطبقة الوسطى وليس من البلدات في العناقيد الاقتصادية الأكثر انخفاضا. مع ذلك، فان خطة الإصلاح لم تصل بعد الى المدارس الإعدادية وهناك تسجل نسب الاكتظاظ الأكبر. في تلك السنة كان هناك بالمعدل 7ر27 طالب في المدارس الاعدادية مقابل 5ر24 في صفوف المدارس الثانوية و6ر25 في المدارس الابتدائية.

الوضع في المجتمع العربي أسوأ بإضافة معطى آخر، هو النقص في غرف التدريس.

وأكدت لجنة متابعة قضايا التعليم العربي قبل افتتاح السنة الدراسية أنّ أوضاع البنية التحتية في جهاز التعليم العربي ما زالت بحاجة إلى موارد ضخمة، حيث يبلغ النقص اليوم أكثر من 5500 غرفة. ويتوجب بلورة وإقرار خطة خماسية للسنوات 2017-2021 بقرار حكومي لبناء 3500 غرفة تنقص التعليم العربي اليوم وسد احتياجات الزيادة الطبيعية المقدرة بحولي 2000 غرفة في السنوات الخمس القادمة، والعمل على توفير أراضي دولة للبناء في كل بلد وبلد، وفق الاحتياجات.

أيام العطل في مركز الجدل

احتلت قضية أيام العطل السنوية وتوزيعها العناوين السنة الماضية بعد أن قررت وزارة التعليم أن تزيح عطلة المناسبة العبرية "لاغ بعومر" بيوم واحد من 14 أيار الى 15 أيار. وقد كان 14 أيار عصر يوم السبت وهو ما منع من يحافظون على تقاليد قدسية السبت من الاستعداد لليلة العيد، ولكن القرار اتخذ قبل اقل من شهر على العيد وقوبل بنقد شديد لمعلمين وأهال كانوا قد وضعوا برامج مختلفة لأنفسهم.

لقد رفع النقد مسألة أيام العطلة السنوية الى مركز الجدل، بعد أن كان بينيت قد وعد أن بنيته تقليص ايام العطل لمساعدة الأهالي المطالبين بإيجاد ترتيب لأولادهم حين يتعطلون عن الذهاب للمؤسسات التعليمية. وقد أقيمت في الكنيست لجنة فرعية للجنة التعليم البرلمانية وتناولت موضوع العطل وقدمت توصيات بهذا الشأن. ومن توصياتها الأساسية كان تقليص 10 أيام عطلة من التقويم وبدء السنة الدراسية وفق التاريخ العبري الأول من أيلول وذلك بادعاء أن هذا سيساعد على خلق تواصل دراسي ثابت حتى مطلع (أعياد تشرين العبرية).

عارضت نقابة المعلمين هذا الاقتراح بتقليص أيام العطلة لكن بينيت عاد وأكد مطلع السنة الدراسية أنه سيتوصل الى تسوية لهذا الشأن قبل "عبد الأنوار" العبري. ووفقا لما قال: "أسعى الى أنه حتى قبل عيد الأنوار القادم سنقوم بتقليص جدي لأيام العطلة. لقد سألت منظمات الأهالي عن الأولوية لديهم وقالوا بشكل قاطع انه موضوع العطل".

مع ذلك ربما أنه بدلا من تقليص عدد أيام العطل من الأفضل للوزير أن يوزعها بشكل مختلف. عدد ايام العطلة في إسرائيل هو الأعلى بين الدول الموصوفة بـ "المتطورة" في العالم. في العام 2015 كان في المدارس الابتدائية في اسرائيل 223 يوم تعليم و 142 يوم عطلة في حين أن الدولة الثانية اليابان كانت قبلنا بعدد أيام تعليمية اقل بـ 22. معدل المنظمة هو 180 يوم عطلة في السنة ومعدل الاتحاد الاوروبي هو 183 في حين أن فرنسا هي في المرتبة الأولى بما لا يقل عن 203 عطلة سنويا.

تربية "محدّدة" على القيم!

يقوم الوزير بينيت كثيرا بتناول التربية غير المنهجية بالتربية على القيم حيث أنه في اجتماع التحضيرالأخير قبل افتتاح السنة الدراسية خصص لذلك العديد من ألواح العرض الشفافة.. وهو يتفاخر بارتفاع الميزانيات المخصصة لهذه المجالات في فترته، ولكن الاستثمار المتزايد الناجم عن ذلك في الأطر والمضامين المتمحورة في الثقافة والهوية اليهودية تثير نقاشات حول موضوع تديين المدارس. تقول منظمة "ورشة المعلومات الجماهيرية"، انه تم في فترة الوزير السابق شاي بيرون تحويل 2ر2 مليون شيكل لميزانية وزارة التعليم عام 2013 الى أطر توراتية شفهية في المدارس الابتدائية وتم عام 2014 تحويل 8ر2 مليون شيكل. ولكن عام 2015 حين دخل بينيت الى الوزارة تم تحويل 4ر4 مليون شيكل لهذا الغرض.

وهناك ميزانية إضافية تم تحويلها ايضا لتعليم مواضيع التراث وكان الارتفاع كالتالي: مليون شيكل لعام 2014، 4ر5 مليون عام 2015، وحتى ميزانية بمبلغ 8ر6 مليون شيكل تحت الوزير بينيت عام 2016. بالمقابل فان ساعات التعليم مع رجال دين يهود في مؤسسات التعليم فوق الابتدائية خصصت لها في سنة 2013 و 2014 ، 8ر2 مليون شيكل بينما عام 2015 خصص 2ر2 مليون شيكل. تخصيص الميزانيات لموضوع ثقافة اسرائيل تراجع من 1ر13 مليون شيكل عام 2014 إلى 8ر6 مليون شيكل عام 2016.

صحيح أن هذا جزء ضئيل من ميزانية التعليم الضخمة التي كانت هذه السنة 52 مليار شيكل، ولكنها أرقام غير سيئة بالمرة بالنسبة لمجال تعليمي محدد. إن التخصيص الخاص للميزانية يتناوله أيضا تقرير منظمة "مولاد" في حزيران الماضي، وبموجبه فان المنظمات العاملة في مجالات الهوية والثقافات اليهودية تحظى بأكبر ميزانية من وزارة التعليم. فمثلا وفقا للتقرير حولت الوزارة دعما بمبلغ 177 مليون شيكل في السنة نفسها الى المنظمات العاملة بمجال الهوية والثقافة اليهودية، 57 مليون شيكل لمنظمات تعمل على تطوير تربوي وبرامج تعليم، 5ر20 مليون شيكل لمنظمات تعمل في التربية الخاصة ودمج طلاب ذوي محدوديات، 5ر10 مليون شيكل فقط لمنظمات تعمل في العلوم والتكنولوجيا.

في كل ما يتعلق بالتعليم في أطر غير منهجية تم في فترة الوزير بينيت اضافة عشرات ملايين الشواكل للأطر المختلفة. فمثلا يتفاخر مسؤولو الوزارة بإضافة 13 مليون شيكل خلال السنوات الثلاث الاخيرة لحركات الشبيبة، اضافة 26 مليون شيكل لمنظمات الشبيبة، اضافة 27 مليون شيكل لسنوات الخدمة السابقة للعسكرية، واضافة 26 مليون شيكل للكليات ما قبل الخدمة العسكرية.

كما سبقت الإشارة في مقال سابق في "المشهد الاسرائيلي" فإن وزير التعليم بينيت عبّر عن رؤيته لجهاز التعليم الاسرائيلي وقد صاغها كالتالي: "يجب على جهاز التعليم أن يوفّر الصهيونية وكذلك التفوّق. يمكنه توفير خمس وحدات تعليمية في الرياضيات وكذلك تربية قيميّة. القيم لا تناقض التفوّق". السؤال بالطبع ليس عن ضرورة التثقيف على القيم، هذا سيوافق عليه معظم العالم، بل عن فحوى ومضمون وماهية القيم المقصودة. معادلة الوزير عن "الصهيونية والتفوّق" سبق أن عبّر عنها في أيلول 2016. ففي مؤتمر تعليمي في مدينة قيسارية لصندوق يقدّم برنامج دراسات يهودية للمدارس الحكومية، اعتبر بينيت أن "التعلم عن اليهودية والتفوق في الموضوع، أهم حسب رأيي من الرياضيات والعلوم". قلنا إنها "معادلة" لكنها في الواقع ترتيبٌ هرمي واضح: الصهيونية/ الأيديولوجية أولاً وبعدها يأتي التعليم. وعندما انتقد البعض الوزير على توجّهه رفع الوتيرة قائلا: "بالرغم من أن اسرائيل هي قوة كبرى في مجال التكنولوجيا، مصدّرة للعلم والاختراعات للعالم، لكن علينا أيضًا أن نكون قوة روحية كبرى تصدر العلم الروحي للعالم. هذا هو الفصل القادم في الرؤية الصهيونية. بهذه الطريقة سنعود لنكون نورا للأمم. لأنه من صهيون ستخرج التوراة، وكلمة الله من القدس". هذا السياسي لا يمزح حين يتحدّث بلغة لا يخجل بها أيّ أصولي في العالم، بل لديه برنامج متكامل وحدّد أيضا "الفصل القادم في الرؤية الصهيونية" ("صهينة التعليم الإسرائيلي الى درجة الهوس"، 2 تشرين الثاني 2016).

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات