المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 3720
  • سليم سلامة

من المُقرّر أن تجتمع "لجنة تعيين القضاة" في إسرائيل، غدا الأربعاء، لانتخاب أربعة قضاة جدد في المحكمة العليا الإسرائيلية، يشكلون نسبة الرُّبع من مجموع القضاة في هذه المحكمة، بينما تتعرض (المحكمة العليا) إلى حملة شعواء، سياسية وتشريعية، تتصاعد يوميا وتلقي بظلالها الثقيلة جدا على المحكمة، قضاتها، أدائها وقراراتها القضائية، لكنها ترمي في نهاية المطاف إلى محاصرتها وتقليص صلاحياتها "حتى وضعها في مكانها الصحيح وتوضيح حدودها"، تطبيقاً لما تراه أحزاب اليمين الإسرائيلي الحاكم وقادتها حيال "ضرورة إعادة ترسيم الحدود وتوضيحها بين السلطات الثلاث وتأكيد الفصل بينها"، بزعم أن "السلطة القضائية" (وخصوصا المحكمة العليا) تفرض "أجندتها" على السلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (الكنيست)، من خلال قراراتها القضائية، وخصوصا منها تلك التي تتصدى للإجراءات الإدارية الحكومية المعادية لحقوق المواطن والإنسان أو للتشريعات القانونية المعادية للقيم الديمقراطية.

وتشكل "لجنة تعيين القضاة" أحد العناوين والأهداف الرئيسة لهذه الحملة وإحدى الحلبات المركزية التي تجري عليها هذه المعركة، بكونها الهيئة التي تقرر تركيبة المحكمة وهوية قضاتها، الشخصية والحقوقية.

وتعقد اللجنة اجتماعها القريب، غداً، في ظل توترات حادة تسببت بها خلافات عميقة جدا بين المعسكرات المختلفة التي تتشكل منها هذه اللجنة، التي تضم تسعة أعضاء: وزير المالية، موشيه كحلون ووزيرة العدل، أييلت شاكيد (التي تتولى رئاسة اللجنة أيضا)، ثلاثة قضاة من المحكمة العليا (رئيسة المحكمة، مريام ناؤور، والقاضيان سليم جبران وإلياكيم روبنشطاين)؛ عضوا الكنيست نوريت كورين (الليكود) وروبرت إيلاطوف (إسرائيل بيتنا)؛ ممثلان عن نقابة المحامين في إسرائيل هما المحامي خالد حسني زعبي والمحامية إيلانه ساكر. وينقسم الأعضاء إلى ثلاثة معسكرات أساسية: معسكر قضاة المحكمة العليا؛ معسكر نقابة المحامين ومعسكر اليمين الذي تقوده الوزيرة شاكيد (ومعها عضوا الكنيست المذكوران) والذي يسعى إلى تعيين قضاة محافظين، سياسياً وقانونياً.

ويتعين على اللجنة الآن اختيار أربعة قضاة جدد للمحكمة العليا (سيخلفون كلا من: رئيسة المحكمة، ناؤور، القاضي سليم جبران، القاضي إلياكيم روبنشطاين والقاضي تسفي زلبرطال) وذلك من بين 28 مرشحاً، علماً بأن تعيين قاض للمحكمة العليا (خلافا للمحاكم الأخرى) يتطلب أغلبية 7 من أعضاء اللجنة التسعة، ما يعني منح أي معسكر، عمليا، حق النقض (فيتو) على تعيين أي مرشح.

ويتمحور الخلاف المركزي بين المعسكرات الآن حول عدد من المرشحين هم، بالأساس: رئيس المحكمة المركزية في حيفا، القاضي يوسف إلرون، المرشح المفضل من جانب نقابة المحامين والوزير كحلون، بينما يبدي قضاة المحكمة العليا معارضة حازمة لتعيينه؛ قاضيا المحكمة المركزية في تل أبيب خالد كبوب وجورج قرا، المرشحان لإشغال كرسي "القاضي العربي" (خلفا للقاضي سليم جبران). فبينما يحظى كبوب بدعم نقابة المحامين، يحظى قرا بدعم قضاة المحكمة العليا؛ البروفسوران غادي سابير ودافيد هان، اللذان يحظيان بدعم وزيرة العدل شاكيد، لكونهما متدينين محافظين ويعارضان "الفاعلية القضائية" (أي ما يسمى "التدخل الفائض" من جانب المحكمة العليا في قرارات الحكومة والكنيست)، بينما يعارض قضاة المحكمة العليا تعيينهما ويدعمون، في المقابل، تعيين واحد أو أكثر من القضاة: رون سوكول وياعيل فلنر (من المحكمة المركزية في حيفا)، نافا بن أور (من المحكمة المركزية في القدس) وروت رونين (من المحكمة المركزية في تل أبيب)، التي تبدي شاكيد معارضة حازمة لتعيينها.

وعشية اجتماع لجنة تعيين القضاة، شن وزير السياحة ياريف ليفين (الليكود) هجوما حادا عليها داعياً إلى إلغائها وحلها نهائيا لأنه "حان الوقت لإجراء تغيير جوهري في الجهاز القضائي"! وقال ليفين، في خطاب ألقاه نيابة عن الحكومة أمام الكنيست الأسبوع الماضي: "إذا لم نلغِ هذه اللجنة، فسنستيقظ يوما ما على قرارات وتعيينات لا يتحمل أحد أية مسؤولية عنها ولا يقدم عنها أي حساب"! وأضاف أن "تعيين القضاة يتم في غرف مغلقة دون أي نقاش جماهيري، دون أية شفافية وعلى نحو يكرّس هيمنة مجموعة صغيرة على الجهاز برمّته"!

والمعروف أن ليفين هو من أكثر وأشدّ المهاجمين للمحكمة العليا التي يطالبها بـ"رفع يديها عن العملية التشريعية"، لأنها "تعمق تدخلها الفظ باستمرار في قضايا تقع ضمن الصلاحيات الحصرية للكنيست، وفي مقدمتها مجال التشريع وسن القوانين" ويتهمها بـ "المسّ بمكانة الكنيست، رغم أنها لا تمثل المجتمع الإسرائيلي ولا تعكس تركيبته".

حرب على عدة جبهات

يندرج الهجوم على المحكمة العليا ولجنة تعيين القضاة، كما الخلاف المذكور بين أعضاء هذه اللجنة على هوية القضاة الجدد الذين سيتم تعيينهم، ضمن توجه عام يتفاقم ويتخذ أشكالا خطيرة في الأشهر الأخيرة يجسد مسعى منهجياً ومتصاعداً تقوم به الحكومة الإسرائيلية الحالية وأحزابها لإخراس الإسرائيليين الذين يعارضون الاحتلال، العنصرية، التمييز بحق الأقليات والفساد المستشري في الدولة، لتخويفهم، لمحاصرتهم ولنزع الشرعية عنهم، حدّ إخراجهم خارج القانون.

وتدير أحزاب اليمين الحاكمة حربها هذه ضد كل ما ومَن يستأنف على سياساتها، في شتى المجالات، على جبهات مختلفة تشمل الجبهة الإعلامية، الجبهة التشريعية والجبهة الإدارية، بشكل أساس.

وعلى الجبهة التشريعية، تواصل أحزب اليمين الحاكمة مساعيها المحمومة التي بدأتها منذ فترة لتحقيق غايتها المركزية من الحرب المشار إليها ـ تقييد الجهاز القضائي وتقليص صلاحياته، في كل ما يتعلق بالنظر في التماسات تستأنف على سياسات الحكومة وممارساتها وإسقاطاتها، من جهة، ومن جهة أخرى تقليص إمكانيات المواطنين والمنظمات الحقوقية المختلفة في اللجوء إلى الجهاز القضائي، وخاصة "محكمة العدل العليا"، لإصلاح أية أضرار قد تلحق بهم من جراء سياسات الحكومة وممارساتها.

وبينما نرى أن التشريع المباشر ضد المحكمة العليا لم يتوقف ولا يبدو أنه سيتوقف، بل يتواصل وإنْ "على نار هادئة"، يكتسب التشريع الموجه ضد المواطنين عامة والمنظمات الحقوقية المختلفة زخماً واضحاً في الفترة الأخيرة، إذ يجد المبادِرون السياسيون ـ الحزبيون إليه تأييداً ملحوظا لمساعيهم هذا بين أوساط حقوقية ـ أكاديمية مختلفة، تجتمع كلها حول الادعاء بأن "الحياة العامة في إسرائيل تعاني من فائض التدخل القضائي"! وهو ما كان قد "اشتكى منه" رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في جلسة للحكومة الإسرائيلية عقدت في آذار من العام الماضي على خلفية قرار المحكمة العليا إلغاء مخطط الغاز الحكومي، إذ قال إن "إسرائيل تعاني من فائض الإدارة المركزية، من البيروقراطية ومن فائض التدخل القضائي"، مؤكدا على "ضرورة إصلاح هذا الوضع"!

تقليص "حق الالتماس" أمام المحكمة العليا

وفي صلب التشريعات الموجهة ضد المواطنين بوجه عام، والمنظمات الحقوقية والاجتماعية المختلفة بوجه خاص، يدور الحديث الآن عن مشروع قانون يرمي إلى تقليص "حق الالتماس" أمام المحكمة العليا، بمعنى فرض قيود كثيرة ومختلفة على أية جهة تريد الالتماس أمام المحكمة العليا بما يحول دون تقديم التماسات ضد سياسات الحكومة وممارساتها التي تعود بأضرار مباشرة على قطاعات واسعة من المواطنين والسكان، وخاصة من الفئات المستضعفة، قوميا واقتصاديا واجتماعيا.

ورغم أن مشروع القانون المذكور ليس جديداً، بل كان طرحه للنقاش من قبل وزير العدل الأسبق في حكومة إيهود أولمرت، البروفسور دانيئيل فريدمان، لكنه تراجع عنه، إلا أن أوساطا حزبية مختلفة من دوائر الائتلاف اليميني الحاكم تعمل جاهدة هذه الأيام للدفع به قدما والتعجيل في طرحه على الكنيست لإقراره.

فقد كان مشروع القانون لتقليص "حق الالتماس" على رأس جدول أعمال "مجلس شبيبة الليكود" الذي اجتمع أخيرا وأكد، في تلخيصاته، وقوفه إلى جانب مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست ميخائيل زوهر (الليكود) إلى الكنيست سوية مع أربعة أعضاء كنيست آخرين هم: بتسلئيل سموتريتش (البيت اليهودي)، يسرائيل آيخلر (يهدوت هتوراه)، أكرم حسون (كلنا) وعوديد فورِر (إسرائيل بيتنا)، وذلك على خلفية "إخلاء عمونه" والتماس عدد من الفلسطينيين ضد "مسار الحل البديل" الذي وضعته الحكومة لنقل مستوطني "عمونه" إلى منطقة أخرى. ويقضي مشروع القانون هذا ـ الذي يعالج جانباً واحداً من "حق الالتماس" يتعلق بالمستوطنات والأراضي المقامة عليها ـ بالسماح "فقط لشخص ثبتت ملكيته على الأرض بالالتماس إلى المحكمة العليا" وبأنه "إذا لم يثبت ملكيته على الأرض، لا يجوز له تقديم الالتماس".

وقال المُبادر إلى مشروع القانون، رئيس "مجلس شبيبة الليكود"، دافيد شاين، إنه "أصبح من الواضح لنا، في الفترة الأخيرة خصوصا، أن المحكمة العليا بحاجة إلى تغيير جوهري... لا يُعقل أن يتم إخلاء عمونه وأن تقوم المحكمة برفض مسار الحل الذي وضعته الحكومة"! وأوضح شاين أن مشروع القانون الجديد "لا يعالج شؤون الاستيطان فقط، بل هو أوسع بكثير... على سبيل المثال، لا يمكن لأعضاء كنيست الالتماس أمام المحكمة العليا ضد قوانين يسنّها الكنيست"!

واعتبر المحاميان متان فرايدين وميخائيل دفورين، العضوان في "طاقم حقوقيي الليكود"، أن مشروع القانون لتقليص "حق الالتماس" يأتي "لتجريد تنظيمات وجمعيات اليسار من سلاحها القانوني المركزي"، نظراً لكون "حق الالتماس" هذا هو "العامل الأهم والحاسم الذي تقوم عليه هذه المنظومة" التي "تتجاوز فيها المحكمة العليا مهماتها وصلاحياتها القانونية وتجعل من نفسها العنصر الأول والأهم في الدولة، في الوقت الذي لا يتحمل فيه القضاة أية مسؤولية عن قراراتهم وليسوا مُطالَبين بتقديم أي تقرير للجمهور عنها"!

والسؤال الأساس والجوهري الذي يعالجه مشروع القانون المطروح هو: مَن هو الشخص ومن هي الجهة التي يحق له/ لها تقديم التماس إلى المحكمة العليا ومطالبتها بالتدخل في أي موضوع كان؟

ففي الوضع القضائي السائد اليوم ـ كما أرسته وكرسته المحكمة العليا في سلسلة من قراراتها القضائية منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي ـ يحق لأية منظمة أو جمعية تقديم التماس إلى المحكمة العليا في أي موضوع تراه ينطوي على ضرر يصيب فئة من المواطنين، جماعة كانوا أم أفراداً، بما يشكل تجاوزاً أو خرقاً لنصوص دستورية تتضمنها قوانين الأساس في إسرائيل ويتعارض معها. ويحق للمنظمة، أو الجمعية، تقديم مثل هذا الالتماس حتى لو تكن هي متضررا مباشرا من الإجراء ـ السياسي أو التشريعي ـ الذي تلتمس ضده.

وما يأتي مشروع القانون الجديد لتغييره هو في هذه النقطة تحديدا، بحيث يتم إلغاء ما يُعرف في المصطلحات القضائية بـ "الملتمس العام" وإعادة الوضع إلى ما كان عليه من قبل: حق الالتماس أمام المحكمة العليا يبقى مكفولا فقط للشخص الفرد الذي ألحق الإجراء السلطوي ـ الإداري، السياسي أو التشريعي ـ ضرراً مباشرا به، ينبغي عليه إثباته.

وقال فرايدين ودفورين، في مقال مشترك نشراه على موقع "ميداه" اليميني، إن النتيجة المباشرة التي ترتبت على "إلغاء محكمة العدل العليا حق الالتماس بصيغته السابقة" تمثلت في "ازدياد مطرد في عدد الالتماسات المقدمة إلى المحكمة العليا خلال العقود الأخيرة، وخاصة من جانب جمعيات تقمصت دور "الملتمس العام" ـ وهو مصطلح تم ابتداعه خصيصا لتمرير أجندات خارجية، من خلال استغلال الجهاز القضائي كأداة سياسية"!!

ورأت الجمعيات والمنظمات الحقوقية المعنية بهذا التشريع المقترَح أن "التوجه الرامي إلى تقليص إمكانيات اللجوء إلى المحكمة العليا يشكل خطرا جسيما على الديمقراطية في إسرائيل، لأنه سيؤدي إلى تقليص الحماية لحقوق الإنسان"، علاوة على ما فيه من محاولات لنزع الشرعية عن هذه الجمعيات والمنظمات، مع التذكير بأن "محكمة العدل العليا تعتمد أصلاً درجة عالية من الحذر، المبالغ فيه أحيانا كثيرة، لدى اضطرارها إلى التدخل في قرارات وممارسات السلطتين الأخريين، التنفيذية والتشريعية"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات