المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 1959

ما زال البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع الإسرائيلية حول اتفاق الدول الست العظمى مع إيران حول البرنامج النووي الإيراني في نهاية الأسبوع الفائت، وهاجمت فيه أقوالا أدلى بها الرئيس الأميركي باراك أوباما حول إيران وأشار فيها إلى أن إسرائيل تدرك أن إيران ملتزمة بالاتفاق النووي، يثير عاصفة في إسرائيل.

وأبدى العديد من شخصيات اليمين المقرّبة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو غضبهم من وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان واتهموه بالوقوف وراء البيان وبتحدّي أهم أصدقاء لإسرائيل في العالم.

وكتب كبير المعلقين في موقع "إنرجي" الإلكتروني اليميني أريئيل كهانا أمس تعليقاً قال فيه: يقول المثل: "لا تكن صادقاً كن حكيماً". فمن أي زاوية تقريباً نظرنا إلى هجوم وزارة الدفاع على إدارة باراك أوباما، يمكن تأكيد أن الهجوم لم يكن حكيماً أبداً.

وتابع: في نهاية الأسبوع ادعى أوباما أنه "حتى وزارة الدفاع الإسرائيلية تعتقد أن الاتفاق مع إيران حسّن الوضع الأمني في الشرق الأوسط". ورداً على كلام أوباما أصدرت وزارة الدفاع يوم الجمعة بياناً جاء فيه "تعتقد وزارة الدفاع الإسرائيلية أن الاتفاقات قيّمة فقط إذا كانت تستند إلى واقع قائم على الأرض، وليست لها قيمة إذا كانت الحقائق على الأرض مخالفة تماماً لتلك التي يستند إليها الاتفاق. إن اتفاقات ميونيخ لم تمنع الحرب العالمية الثانية والمحرقة، لأن الافتراض الأساسي الذي استندت إليه والقائل بأن ألمانيا النازية يمكن أن تكون شريكة في أي اتفاق كان خطأ، ولأن زعماء العالم آنذاك تجاهلوا التصريحات الواضحة لهتلر ولسائر زعماء ألمانيا النازية. وينطبق هذا أيضاً على إيران التي تصرح بوضوح وعلانية بأن هدفها هو تدمير دولة إسرائيل" بحسب ما ورد في بيان وزارة الدفاع الإسرائيلية.

إن من يعرف إجراءات التحدث بلسان وزارة الدفاع وأسلوب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، لا يمكن أن يختلط عليه الأمر، إذ ليس هناك أدنى شك في أن وزير الدفاع الجديد هو الذي يقف وراء البيان، فاللغة هي لغته والأسلوب أسلوبه. ولأسباب يحتفظ بها لنفسه استخدم ليبرمان من ينطق بلسان وزارة الدفاع وليس الناطق الشخصي بلسانه، لكن من الواضح أن البيان صادر عنه، وإذا لم يكن كذلك فهو يحظى بمباركته. وإذا لم يكن صادراً عنه أو يحظى بمباركته وصدر من دون علمه، فمعنى ذلك أن ليبرمان لا يسيطر على الوزارة التي يديرها - وهذه بحد ذاتها أخبار سيئة.
لم يسبق للناطقين بلسان وزارة الدفاع قط أن تطرقوا إلى موضوعات تتعلق بالسياسة الخارجية. فهم يعلنون تعيينات أو بيانات، وليس خطوات استراتيجية. من هنا، فإذا كان ليبرمان يحاول الاختباء وراء ناطق بلسان وزارة الدفاع، فيمكن القول إن المحاولة قد فشلت. لكن خطوة ليبرمان فشلت أيضاً لأسباب أكثر أهمية بكثير. فأولاً؛ وفقاً لكلام رئيس هيئة الأركان العامة غادي أيزنكوت قبل بضعة أشهر، يوجد في الاتفاق مع إيران مزايا ليست قليلة. وهذا يعني أن أوباما استند إلى موقف علني لقيادة الجيش الإسرائيلي. من المحتمل أن يكون ليبرمان غير موافق على ذلك ويفضّل لو أن أيزنكوت لم يقل ما قاله، لكنه تأخر كثيراً، وما قيل لا يمكن إستعادته.

ثانياً؛ ما هي الفائدة من إعادة إحياء المواجهة مع الأميركيين؟ في السنة الماضية حدث جدل قاس ومرير وانتهى الأمر إلى ما انتهى إليه، وإسرائيل والولايات المتحدة ليستا معنيتين بجولة معارك ثانية. فما هو الهدف من هذا البيان؟

ثالثاً؛ الأسلوب. لنفترض أنه من أجل المجتمع الدولي ومن أجل التاريخ، من المهم أن يوضح ليبرمان أن إسرائيل ما تزال ضد الاتفاق - وهذا موقف مشروع. لكن هناك طريقة للتعبير عن ذلك بلغة أكثر تهذيباً ولطفاً. لا شك في أنه بالاتفاق مع إيران تصالح أوباما مع المعتدي، وأجّل زمن الوصول إلى القنبلة. وعلى الرغم من ذلك، فعندما يكون من يتكلم هو وزير الدفاع الإسرائيلي الذي يختلف في رأيه مع رئيس الولايات المتحدة، فيجب أن يكون أسلوب الكلام أكثر انضباطاً. وهذا يوصلنا الى النقطة الرابعة وهي نفاد صبر ليبرمان. ويدل بيان يوم الجمعة على أن محاولة ليبرمان ادعاء الصبر الطويل باءت بالفشل الذريع، الأمر الذي يطرح شكوكاً كبيرة حول أدائه كمسؤول عن الأمن. وكما ذكرنا، سواء كان ليبرمان أصدر البيان الحاد نتيجة الغضب أو بعد تفكير متأنّ، فإن النتيجة مقلقة. من المفترض بوزير دفاع إسرائيل أن يقود بلاده في معارك مع أعدائها وليس مع أصدقائها. ومن الغريب والمخيف أن تكون من بين خطواته الأولى خطوة تحدي أهم أصدقاء لنا في العالم، هذا بغض النظر عن أنه يتعين على وزير الدفاع أكثر من أي وزير آخر، تعزيز العلاقات مع واشنطن.

وبرأي هذا المعلق، فإن النقطة الخامسة وربما الأهم من جميع النقاط، تتعلق برغبة إسرائيل في إنجاز اتفاق المساعدة من الولايات المتحدة للعقد القادم. لكن ليبرمان في بيانه يوم الجمعة ركل الدلو قبل لحظة من إنجاز الصفقة، وهو فعل ذلك على الرغم من أنه ليس وزيراً للخارجية. وثمة شك في أن تصريحاته تدخل في نطاق صلاحياته. فأين التفكير السليم وأين برودة الأعصاب عندما نكون بحاجة إليهما؟

وختم قائلاً: إذا كان أوباما لن يدفّع إسرائيل ثمن هذا البيان، فإن هذا يعود إلى أنه ومنذ زمن طويل، يتسامح مع أخطاء زعمائنا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات