قالت صحيفة "هآرتس"، في مقال افتتاحي أنشأته الأسبوع الماضي، إن التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين وفي مقدمهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حول المواطنين العرب تثبت أنهم يتعاملون معهم باعتبارهم "طابوراً خامساً يحفر تحت أسس الدولة".
وجاء في هذا المقال الافتتاحي:
اتهم بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي أعضاء الكنيست العرب بالتحريض ضد دولة إسرائيل. ووفقاً لنتنياهو فالمقصود هو "قادة حزب التجمع الوطني الديمقراطي الشيوعيون المحرضون الذين ارتفعت وراءهم أعلام داعش". إن هذا الكلام الصادر عن رئيس الحكومة من على منصة الكنيست يمكن أن تكون له انعكاسات مدمرة على شبكة العلاقات بين المواطنين العرب والأغلبية اليهودية، في وقت يشعر فيه الناس من الطرفين بالتهديد ويخشون التجول في الطرقات.
إلى جانب التوقيت الخطر الذي قيل فيه هذا الكلام، فقد كشف نتنياهو عن جهله بكل ما له علاقة بالسياسة والمجتمع العربيين. فالتجمع الوطني الديمقراطي هو حزب قومي- عربي ولا علاقة له بالحزب الشيوعي، وبرغم أن عدداً من أعضائه انتموا في الماضي إلى هذا الحزب، فإنه توجد بين الحزبين خصومات سياسية مريرة منذ سنوات طويلة. وكون الحزبين يتعاونان ضمن اللائحة العربية المشتركة ليس معناه أن الاختلافات بينهما انتهت.
علاوة على ذلك، فإن أعلام داعش السوداء لم ترفع في أي تظاهرة أو اعتصام. والذي رأيناه هو أعلام خضراء مكتوب عليها "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" التي هي أعلام الحركة الإسلامية بفرعيها، والتي يمثل أحدها (الجناح الجنوبي) 3 أعضاء في الكنيست.
وتابعت الصحيفة:
إن أغلبية الجمهور في إسرائيل وبسبب التغطية المغلوطة لوسائل الإعلام لما يجري في الداخل، تنظر إلى العرب بوصفهم "كتلة" واحدة، وليس مجتمعاً تعددياً فيه آراء وتيارات متنوعة.
لقد توجه نتنياهو تحديداً إلى الجزء المستنفر من الجمهور اليهودي ووصف أعضاء الكنيست العرب والمواطنين الذين يمثلونهم بأنهم مؤيدون لداعش. ودعا في الوقت عينه إلى التنديد بالتحريض وإلى دعم التعايش. يدرك نتنياهو تماماً تأثير كلامه ولا سيما أنه يرى هيجان المشاعر في الشارع اليهودي، وحقيقة أن كل مواطن عربي يتحول في نظر الناس إلى مهاجم محتمل يجب أن يحكم عليه بالموت.
في الاعتصام الذي جرى في سخنين الأسبوع الماضي شارك نحو 20 ألف مواطن عربي من الشباب والكبار ومن الأطفال والنساء، الذين عبروا عن احتجاجهم المشروع ضد الاحتلال وضد سياسة الحكومة. وقد تفرقوا بهدوء من دون حوادث تذكر، وعندما حاولت مجموعة من الشبان الدخول في مواجهة مع الشرطة، منعهم منظمو التظاهرة ومفتشون من البلدية. وأوضح جميع المتحدثين في التظاهرة أن من حق العرب في إسرائيل استخدام الوسائل الديمقراطية فقط للتصدي للتمييز والعنصرية وللمطالبة بإنهاء الاحتلال.
وختمت الصحيفة قائلة:
"من الأفضل لو أن رئيس الحكومة ووزراءه بدلاً من التحريض ضد مواطني الدولة العرب، عملوا على تهدئة النفوس وانتهجوا سياسة مختلفة تعتبر العرب مواطنين متساوين وليسوا طابوراً خامساً يحفر تحت أسس الدولة".
"ممثلو الجمهور العربي في إسرائيل يتحملون جزءاً من صب الزيت على النار"!
في المقابل أكد إيال زيسر، الباحث في "معهد دايان لدراسات الشرق الأوسط" في جامعة تل أبيب، أن العرب في إسرائيل هم الآن أمام الاختبار.
وكتب زيسر في مقال نشره في صحيفة "يسرائيل هَيوم":
أدّى التطرّف والجنون اللذان سيطرا على المجتمع الفلسطيني وتسبّبا بهذه الموجة من الهجمات أيضاً إلى نمو أعشاب ضارة على هامش المجتمع العربي في إسرائيل. ويتحمل ممثلو الجمهور العربي في إسرائيل جزءاً من صبّ الزيت على النار، وثمة مواطنون عرباً، يجب أن نذكر أنهم أفراد، تحركوا وخرجوا إلى الشوارع من أجل قتل يهود. وهكذا أحدث التحريض أثره ولم يعد يقتصر على الخط الأخضر.
وأضاف: في الواقع، هناك رغبة وسط أغلبية الجمهور العربي عبّر عنها بوضوح رئيس بلدية الناصرة علي سلام، لكبح التدهور والعودة إلى التعقل. ففي نهاية الأمر هنا ليس الضفة الغربية أو غزة، حيث يحتضن المجتمع الفلسطيني بحرارة المهاجمين حتى لو كانوا أولاداً.
وبرغم ذلك، فهذا وقت اختبار وهذا وقت مصيري بالنسبة للعرب في إسرائيل. لكن هذه المرة ليس المطروح هو الاختيار بين دولتهم وشعبهم، بل وحتى ليس الاختيار هو سياسي بين معارضة سياسة حكومة إسرائيل ودعم مواقف السلطة الفلسطينية. إن الخيار الذي يواجهه العرب في إسرائيل هو هل يجب المضيّ وراء موجة التطرف والجنون التي لا تسيطر فقط على المجتمع الفلسطيني بل تسود جميع أنحاء الشرق الأوسط، أو البقاء مغروسين في عالم التعقل والانفتاح؟.
وأضاف: فيما يتعلق بهذا الموضوع يجب ألا نقع في الخطأ. هناك خط مباشر – من الجنون الديني والتحريض – يربط بين الأولاد الذين نشاهدهم في أشرطة داعش وأولاد فلسطينيين يقومون بقتل أولاد يهود من أبناء جيلهم ويموتون فداء لله. إن عطش المتعصبين للدم سيضر مستقبلاً بالعرب أنفسهم أكثر مما سيضر باليهود، لأن ولداً في الـ13 من عمره يبدأ بقتل أولاد يهود سيستمر وينتهي به الأمر إلى قتل أبناء شعبه. هذا ما جرى في أحداث الثورة العربية في الثلاثينيات التي كانت موجهة ضد اليهود وأدت إلى تدمير المجتمع العربي في أرض إسرائيل.
وختم قائلاً: من الصعب أن نتوقع من أعضاء الكنيست العرب قيادة حكيمة ومسؤولة في هذه الأيام، لكن نأمل أن يبرز وسط القيادة المحلية العربية من يوقف التحريض والتطرف، ويعيد المجتمع العربي إلى رشده قبل وقوع الكارثة.
عدالة: الشرطة الإسرائيليّة تتصرّف على أنها فوق القانون
على صعيد آخر أصدر مركز عدالة لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل بيانا صحافيا أشار فيه إلى أن الشرطة الإسرائيلية قامت بارتكاب الكثير من الممارسات الظلامية والعنف الوحشي لقمع احتجاجات الفلسطينيين في الداخل.
وأكد المركز أن ممارسات الشرطة تشبه ممارسات أنظمة ظلاميّة عرفها التاريخ، كما تذكّر بالحكم العسكري بعد النكبة.
وجاء في البيان:
تقوم الشرطة الإسرائيلية بتصعيد شرس ومتطرّف في الأيّام الأخيرة، وذلك بهدف قمع الاحتجاجات في القرى والمدن الفلسطينيّة داخل إسرائيل. ثمة عنف وحشيّ وملاحقة ظلاميّة وإطلاق يد الشرطة والمخابرات الإسرائيليّة في ترويع وترهيب الفلسطينيين وردعهم عن ممارسة حقّهم في التنظيم والاحتجاج. وقد استخدمت الشرطة الإسرائيليّة وقوى المخابرات سلسلة من الإجراءات التعسفيّة وغير القانونيّة منها الاعتقالات "الاستباقيّة" بالجملة للناشطين السياسيّين، واعتقال أهالي ناشطين سياسيين بهدف الضغط عليهم، واستخدام العنف الجسدي بحق المعتقلين أثناء تواجدهم في مراكز الشرطة. ويمثّل محامو مركز عدالة ومركز الميزان وصندوق المدافعين عن حقوق الإنسان، إلى جانب محامين متطوّعين، المعتقلين في جلسات تمديد الاعتقال ويجمعون إفادات الناشطين وشهود العيان حول الانتهاكات الصارخة التي تمارسها القوى الأمنيّة الإسرائيليّة.
وجاء من مركز عدالة أن الشرطة الإسرائيليّة، بدعمٍ كاملٍ من الجهاز القضائيّ، تستخدم ممارسات وحشيّة لا تمتّ للقانون بصلة من أجل قمع الاحتجاجات الشرعيّة للمواطنين الفلسطينيين ضد السياسات الإسرائيليّة. وتعتبر ممارسات الشرطة شبيهة جدًا بممارسات أنظمة ظلاميّة عرفها التاريخ، كما تذكّر بالحكم العسكري الإسرائيلي على الفلسطينيين داخل إسرائيل بعد النكبة. والهدف الأساسي لعمليّات الشرطة هو التخويف والترهيب والتهديد لردع الفلسطينيين عن المطالبة بحقوقهم.
وأشار المركز إلى الممارسات التالية:
اعتقال أهالي ناشطين سياسيين بهدف الضغط عليهم: اعتقلت الشرطة الإسرائيليّة عددًا من ذوي الناشطين السياسيين بتهمٍ خطيرة جدًا منها التحريض على الإرهاب. أما على أرض الواقع، فإن الشرطة لم تجر معهم أي تحقيق، ولبعضهم قيل في مراكز الشرطة إنهم غير مشتبه بهم بأي مخالفات وقد أطلق سراحهم فيما بعد. هذه الحالات تثبت أن المحاكم لم تبذل أي مجهود في التحقق من الأسس القانونيّة أو الأدلة الداعمة لطلبات الاعتقال قبل إصدار أوامر الاعتقال. كذلك، اعتقلت الشرطة الإسرائيليّة ثلاثة سائقي حافلات باص أقلّت المتظاهرين، مع العلم بأنهم كانوا يمارسون مهنتهم ولا تربطهم بتنظيم المظاهرة أي صلة. وقد أبقت الشرطة سائقي الحافلات رهن الاعتقال حتى صباح اليوم التالي حيث نقلتهم المحكمة للحبس المنزليّ.
اعتقالات "استباقيّة" غير قانونيّة: أصدرت الشرطة الإسرائيليّة عشرات أوامر الاعتقال بحق ناشطين سياسيين بتهمة "محاولة تنظيم تجمهر محظور في نهايته نيّة للشغب"، وذلك بحسب تعبير الناطق بلسان الشرطة الإسرائيليّة. وقد اعتقلت الشرطة عدة ناشطين في حين صدرت أوامر اعتقال بحق آخرين. من الجدير بالذكر أن هذه الاعتقالات لا يوجد لها أي أساس قانونيّ، وأن التهم التي تحدّثت عنها الشرطة غير موجودة أصلًا في كتاب القوانين الإسرائيلي. لا يمكن الإعلان عن مظاهرة بأنها غير قانونيّة قبل أن تبدأ، ولا يمكن اعتقال مشتبه بهم بناءً على نواياهم وأفكارهم. وهكذا فإن الشرطة الإسرائيليّة تتصرّف على أنها فوق القانون.
اعتقال الأطفال وانتهاكات صارخة بحقّهم: تواصل الشرطة الإسرائيليّة سياسة اعتقال الأطفال والانتهاكات الخطيرة بحقّهم خلال الاعتقال. في الأيّام الأخيرة، اعتقلت الشرطة أطفالاً وحققت معهم من دون أن تسمح لهم بلقاء محام ومن دون وجود أي من ذويهم وفي ساعات الليل المتأخرة، كما أُجبروا على التوقيع على مستندات لم يفهموا محتواها. وذلك كله يتناقض جذريًا مع قانون الأحداث الإسرائيليّ. في جلسة المحكمة، طلبت الشرطة من القاضي أن لا يأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن المعتقلين ليس لديهم أي سوابق جنائيّة، وذلك بسبب الخلفيّة الأيديولوجيّة للاعتقال والأحداث الأمنيّة الأخيرة. والمحكمة، في غالب الحالات، تبنّت طلبات الشرطة هذه.
عنف الشرطة ضد المعتقلين: عدد من المعتقلين تم نقلهم إلى المستشفى بعد اعتقالهم على أثر الاعتداء عليهم. إحدى الفتيات اللاتي تم اعتقالهنّ تعاني من نزيف داخليّ وكسور في أضلع القفص الصدريّ. وأحد الأطفال المعتقلين كُسرت رجله وخضع لعمليّة جراحيّة. كذلك ظهرت علامات العنف والضرب على جسد المعتقلين، والأطفال منهم خاصةً، وقد اعترفت الشرطة في حالة واحدة فقط بأنها استخدمت ضد المعتقل "قوة معقولة".
وخلال جلسات المحاكمة، تعاملت المحاكم بتسامح تام مع الانتهاكات الحقوقيّة الصارخة التي مارستها الشرطة بحق المتظاهرين، والأطفال منهم خاصةً، وأصدرت قرارات بتمديد اعتقالات بشكلٍ غير مبرر ويمس بشكلٍ بالغ بالحريّات الأساسيّة للفلسطينيين.