من الصور المحفورة في الذاكرة: أريئيل شارون في الكنيست. الضوضاء تعمّ المكان. أعضاء الكنيست يتراكضون، صراخ من كل حدب وصوب. الخطيب على المنصة يلوّح بذراعيه، يذمّه ويشتمه. شارون يجلس لوحده إلى جانب طاولة الحكومة. وحيد. بلا حراك. ضخم ثقيل والاكتراث قليل. لا تتحرك أية عضلة من عضلات وجهه. حتى ولا تلك العرّة (تقلّص لا إرادي في عضلات الوجه) التي كانت ذات مرة إشارة تميّزه (حيث كان يعتبرها الكثيرون نوعا من كاشف الكذب). صخرة في بحر هائج.
تعاني مواطنة العرب في إسرائيل من نقائص كثيرة جدًا، إلى درجة أنّه يمكن تعريفها بالتأكيد على أنها "مواطنة درجة ب بالمُمارسة"، وذلك على الرغم من عدم وجود أي قانون ينص على ذلك صراحة. ومع ذلك، فإنّه من الممكن أن تقلب العاصفة المتوقع هبوبها في الأشهر القريبة القادمة هذه الوضعية لـ"مواطنة منقوصة"، من وضعية "ممارسة" (دي فاكتو)، إلى وضعية "نصية مرجعية" (دي يورا). ففي أثناء عملية فك الارتباط، والرد الشعبي اليهودي عليها، يمكن للسلطة في إسرائيل أن تشعر، خلال السنة أو السنتين القادمتين، بأنها تفقد قاعدتها الشرعية في نظر قسم ضئيل، لكن ريادي، من الجمهور اليهودي، وسعيًا نحو إرضاء هذا القسم يمكن أن تقود هذه السلطة خطوات تشريعية تؤدّي بدورها إلى تثبيت وضعيّة المواطنة من الدرجة الثانية للعرب.
تشكل خطة الانفصال وكل الضجة المثارة حولها علامة واضحة على أزمة الكولونيالية الإسرائيلية. ومن الغريب أن هذه الأزمة تنفجر فقط الآن بهذه القوة رغم أن كل المشروع الكولونيالي الاستيطاني هو مشروع منطو على مفارقة تاريخية بشكل مرضي. والكولونيالية الاستيطانية الاسرائيلية هي الأصغر سنا في مشاريع من هذا النوع، ففي الولايات المتحدة الأميركية وكندا واستراليا ونيوزيلنده انتهت هذه الكولونيالية قبل أكثر من مئة سنة.
منذ عدة أسابيع، يومض في رأسي ضوء أحمر، كُتب عليه بالقلم العريض: فايمار.
كنت في التاسعة من عمري، حين شهدت انهيار الجمهورية الألمانية، التي أُسست بعد الحرب العالمية الأولى. كانت تدعى على اسم فايمار، مدينة غوته وشيللر، وهما من نوابغ الثقافة الألمانية، لأنه هناك تم وضع دستور هذه الدولة. بعد انهيارها بعدة أشهر، فررنا من ألمانيا وهكذا نجونا بحياتنا.
تعريف:
خبراء عسكريون ومدنيون إسرائيليون عارضوا، منذ تموز عام 2000، نهج القيادتين السياسيّة والعسكريّة، فهُمِّشوا ثمّ أرغموا على تركِ وظائفهم. غير أنهم تكتّموا طوال سنوات عن حقيقة ما جرى. اليوم، يبدو أن عقدة الألسن قد حُلَّت، وبدأت الوثائق بالظهور مشفوعةً بالكتبِ التي تتناول الأخطاء التي ارتكبتها هذه القيادة، وأدَّت إلى ما نشهده من أوضاعٍ متأزّمة، لم تجعل إسرائيل فقط في مواجهة استحقاق الانسحاب "الشاق" من قطاع غزّة وتمرّد المستوطنين عليه، بل تسبّبت أيضاً في مزيد من الوهن للسلطة الفلسطينية.
يستحق المؤرخون الجدد الثناء، فهم الذين ساعدونا في أن ننفض عن كواهلنا سخافات وغلواء ساسة الصهيونية الكبار. وهم الذين علمونا عن جرائم منفذي الأوامر على اختلاف أجيالهم، وعن تقنيات الطرد وعمليات "الانتقام" (المدبّرة)، وعن التعامل الازدواجي للييشوف مع مذابح يهود أوروبا وعن أيديولوجية المساواة (المزيفة) كأسطورة مجنّدة.
الصفحة 25 من 119