المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 2026

هل تعتزم الولايات المتحدة التراجع عن رسالة بوش؟

مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر أنابوليس، ظهرت دلائل تشير إلى أن الولايات المتحدة بدأت تعيد النظر في مواقفها حيال كل ما يتعلق بمضمون التسوية المستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان التخطيط الذي جرى في الأشهر الأخيرة تمهيداً لانعقاد المؤتمر، قد استند إلى فكرة تقضي بأن يقوم رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، معاً بصياغة وعرض إعلان مشترك يرسم الملامح الرئيسية لتسوية مستقبلية، ومن المفترض أن يحظى هذا "الإعلان" بدعم وتأييد المشاركين في المؤتمر، وبضمن ذلك المملكة العربية السعودية، ودول عربية أخرى مؤيدة للغرب.

 

 غير أن بلورة الإعلان المشترك واجهت مصاعب جمة، وقبل عدة أسابيع فكرت إدارة بوش أن تتولى بنفسها صياغة هذا الإعلان وعرضه على الطرفين. مع ذلك يبدو أن هناك إمكانية بديلة وهي أن يقوم الرئيس بوش بإلقاء خطاب بنفسه في افتتاح المؤتمر يكون بديلاً للإعلان الثنائي المشترك. فالإدارة الأميركية تحتاج إلى إعلان معين يتعلق بالمواضيع الجوهرية- الحدود، القدس، اللاجئين والترتيبات الأمنية- وذلك بما يتيح لها اجتذاب عدد كاف من كبار المسؤولين العرب للمشاركة في المؤتمر وبالتالي اعتباره نجاحاً.

 

واضح أن أية ورقة أميركية توفيقية ستشكل حلاً وسطاً بين مواقف إسرائيل والمواقف الفلسطينية. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تعهدت لإسرائيل (في نطاق رسالة الرئيس بوش إلى رئيس الوزراء أريئيل شارون بتاريخ 14 نيسان 2004) بأن واشنطن ستعمل من أجل الدفاع عن المصالح الحيوية لإسرائيل في نطاق أية تسوية مستقبلية في "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية).

 

في 22 نيسان 2004 عرض شارون أمام الكنيست التفاهمات التي توصل لها مع الرئيس بوش، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تعهدت بأن لا تكون هناك عودة إلى حدود العام 1967 في أية تسوية دائمة، وأن هذا الإقرار أو التعهد سيتحقق بطريقتين: اعتبار حقائق الأمر الواقع المتجسدة في كتل الاستيطان الإسرائيلية الكبيرة على أنها لا تتيح العودة إلى حدود 67، وتجسيد مصطلح او مفهوم "حدود قابلة للدفاع عنها". وفي مقابلة أدلى بها لصحيفة "هآرتس" في 24 نيسان 2005، تحدث شارون عن "المناطق ذات الأهمية العليا" لأمن إسرائيل وفقاً لفهمه، مشدداً على أن منطقة "غور الأردن مسألة مهمة جداً، والحديث لا يدور هنا عن الغور فقط.. المقصود هو حتى طريق ألون ودرجة فوق طريق ألون".

 

حتى لو كانت الإدارة الأميركية لم تقصد عند صياغة رسالة الرئيس بوش كل تلةٍ أشار لها شارون لاحقاً، فإن من الواضح أن القصد العام للضمانات الأميركية هو احتفاظ إسرائيل بثروات الأرض والمناطق الحيوية لأمنها في "يهودا والسامرة". لقد كانت غاية الرسالة إيضاح موقف الولايات المتحدة فيما يتعلق بمسألة الحدود إذا ما طلب الطرفان تدخلها أثناء مفاوضات مستقبلية. الآن تواجه إدارة بوش معضلة. فإذا ما قامت وزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس، بصياغة "إعلان مشترك" يعكس أيضاً الموقف الفلسطيني، فإن هذا الإعلان يمكن أن يتناقض مع فحوى رسالة بوش وتعهده فيما يتعلق بحق إسرائيل في "حدود قابلة للدفاع". جدير بالذكر أن الوفد الفلسطيني يطالب بتسوية إقليمية تستند إلى انسحاب إسرائيلي كامل إلى حدود العام 67. هذا المطلب يناقض سواءً رسالة بوش أو قرار مجلس الأمن 242 الذي لا يشترط نصه انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلت في حرب "الأيام الستة".

 

مؤخراً ظهر دليل على التراجع الذي طرأ على الموقف الأميركي في هذا الخصوص، تمهيداً لمؤتمر أنابوليس، والذي عبر عن نفسه في الخطاب الذي ألقته وزيرة الخارجية رايس أمام مؤتمر الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة، في 13 تشرين الثاني 2007. ففي محاولتها شرح أسباب نضوج الظروف للتوصل إلى تسوية إسرائيلية- فلسطينية قالت رايس: "أعتقد أن أكثرية الإسرائيليين مستعدون للخروج من معظم أراضي الضفة الغربية، إن لم يكن كلها، مثلما كانوا مستعدين للانسحاب من غزة، من أجل السلام".

 

ربما أتت تصريحات رايس لتكون بمثابة بالون اختبار، إذ أنها لم تعرب عن توقع أو أمل صريح في أن توافق إسرائيل على انسحاب كامل من "يهودا والسامرة". إن تحول الولايات المتحدة إلى القيام بدور الوسيط النزيه تمهيداً لمؤتمر أنابوليس، يقتضي ضمان أن لا يكون هناك أي خرق لتعهدات الرئيس بوش قبل ثلاث سنوات.

 

سيحاول مراقبون سياسيون التقليل من أهمية ما سيتخلل لقاء أنابوليس من كلام وخطب وتصريحات، كما يمكن القول إن المؤتمر، وكذلك المفاوضات المرتقبة بعده، سوف يوفر الأساس لـ "إتفاق رفّ" لن يكون بالإمكان تنفيذه في الظروف الحالية. عدا عن ذلك فإن الحديث يدور عن خطوات لن تتحول إلى واقع ملموس على الأرض سوى بعد عشر سنوات. وفضلاً عن ذلك فإن أحداً في إسرائيل لا يدرك طبيعة الواقع الإقليمي الذي سيضطر الإسرائيليون لمواجهته في السنوات المقبلة، في اللحظة التي سيطلب فيها المجتمع الدولي "إخراج الاتفاق من الدرج" والعمل على تطبيقه.

 

وعليه، يتعين على حكومة أولمرت أن تعمل بحزم من أجل ضمان استمرار الإقرار أو التعهد الأميركي في أن تتمتع إسرائيل بحدود قابلة للدفاع عنها، الآن وقبل أن يجف حبر أنابوليس.

__________________________________

 

* رئيس "المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة" والسفير الإسرائيلي الأسبق في الأمم المتحدة.

 

 

 

 

مؤتمر أنابوليس والفهم المغلوط...

 

 

بقلم: يونتان دحوح- هليڤي *

 

 

مع اقتراب موعد التئام مؤتمر أنابوليس، تتكشف أكثر فأكثر الهوة القائمة بين مواقف الأطراف. لقد تحول المؤتمر إلى "لقاء" يستمر يوماً واحداً فقط، كما أن المواضيع والقضايا الجوهرية لن تطرح على بساط البحث، بل وأخفق الجانبان، الإسرائيلي والفلسطيني، في التوصل لاتفاق حول إعلان مشترك. من هنا فإن الإنجاز الوحيد للقاء سيكون على ما يبدو، إخلاء سبيل نحو 500 "إرهابي" فلسطيني كبادرة حسن نية تجاه أبو مازن.

 

إن لقاء أنابوليس هو فكرة محكوم عليها بالفشل سلفاً. ويكمن أساس الفشل في فَهمٍ وَضَعَ العربة أمام الحصان، بمعنى محاولة للقفز عن مراحل التسويات الانتقالية التي تتيح بناء الثقة بين الطرفين ومن ثم الانتقال للتفاوض حول المسائل الجوهرية للنزاع ومن ضمنها الحدود والقدس واللاجئين.

 

وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، أوضحت في مؤتمر للمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة عقد في 13 تشرين الثاني الجاري، أن الإدارة الأميركية توصلت إلى استنتاج بأن من الجدير أن تُناقش الآن مبادئ التسوية الدائمة وذلك كخطوة تمهد لتطبيق رؤية الرئيس بوش بشأن دولتين تعيشان بأمن وأمان جنباً إلى جنب.

 

هذا التوجه الأميركي يثير إشكالية كبيرة. فـ "الهروب إلى الأمام" يولد بالضرورة "التصادم الحتمي" بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في ظروف صعبة بالنسبة للطرفين. في إسرائيل ليس من الواضح نهائياً إذا ما كانت الحكومة قادرة على اتخاذ قرارات حول القضايا السياسية الجوهرية. فيما لا زالت السلطة الفلسطينية بزعامة (الرئيس) عباس تخطو خطواتها الأولى نحو توطيد سلطتها في الضفة الغربية وسط صراعها مع سلطة "حماس" في قطاع غزة والتي تطعنها من الخلف وتهدد بإسقاطها أو تصفية قادتها. ومن الواضح لكل ذي بصيرة أن وضع أبو مازن كزعيم للشعب الفلسطيني ليس كوضع ياسر عرفات، الذي حظي بهالة "أب الأمة" واعتبر رمزاً لا منازع لزعامته.

 

كذلك فإن المؤسسات الفلسطينية الوطنية لم تعد تُعتَبَر الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني. الخطأ الكامن في أساس الدعوة لمؤتمر أنابوليس يعيد إلى الأذهان الإصرار الأميركي على إجراء انتخابات ديمقراطية في السلطة الفلسطينية عقب وفاة (الرئيس) عرفات، دون التفكير بأبعاد مشاركة أحزاب إسلامية أصولية تمثل "فصائل الإرهاب". هذه السياسة أفضت إلى فوز ساحق لحركة "حماس" وإلى صعودها إلى السلطة.

 

وكما في ذك الوقت، فإن من الجدير اليوم أيضاً وضع أهداف سياسية واقعية وقابلة للتحقيق. مثل هذه الأهداف يجب أن تصب في المقام الأول في توطيد واستقرار السلطة الفلسطينية في المناطق التي تخضع حسب اتفاقيات أوسلو لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا الأمر ليس له أي صلة بالمفاوضات حول التسوية الدائمة. كذلك يجب أن تكون الفترة الانتقالية اختباراً لمدى التزام السلطة الفلسطينية بتنفيذ تعهداتها بموجب "خريطة الطريق"، وبمثابة خطوة بانية للثقة مع إسرائيل بعد سبع سنوات من الحرب "الإرهابية" الفلسطينية.

 

إستراتيجية المقامرة بكل شيء محكومة سلفاً بالفشل، كما أنها تُعظِّم التحدي الداخلي الذي يهدد زعامة "أبو مازن". إن بناء خيار سياسي يستوجب خطوات سياسية حذرة ومحسوبة وتحركاً حازماً ضد القوى الراديكالية المصممة على إحباط أي تسوية سياسية.

 

____________________

 

* باحث كبير في "المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة".

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الكنيست, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات