فترة عاصفة جدًا في انتظار الولاية الثانية لحكم "حزب العدالة والتنمية"!
في الانتخابات الأخيرة التي جرت في تركيا صوت نصف الناخبين تقريبا لصالح استمرارية الحكم، فقد فاز الحزب الحاكم، "حزب العدالة والتنمية" (AKP) مجددًا بأغلبية كبيرة في البرلمان تتيح للحزب الإنفراد في الحكم دون شركاء ائتلافيين. ويتمتع الحزب بأغلبية مطلقة من مقاعد البرلمان (340 مقعدا من أصل 550 مقعدا) على الرغم من أنه حدث تراجع معين في عدد المقاعد التي فاز بها الحزب. وقد نتج هذا التراجع عن طريقة الانتخابات التركية ودخول حزب آخر إلى البرلمان مقارنة مع حزبين فقط في الدورة السابقة. الحزب الثاني الممثل في البرلمان المنتهية ولايته، وهو "حزب الشعب الجمهوري" (CHP) القديم الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، بقي أيضا بعد الانتخابات الأخيرة الحزب الأكبر الثاني في البرلمان ولم يطرأ تقريبا أي تغيير على نسب التأييد التي حصل عليها (21% من الأصوات). جنبا إلى جنب، هناك أيضا عناصر تغيير عبرت عن نفسها في نتائج الانتخابات.
أحد التطورات المهمة على هذا الصعيد يتمثل في نجاح حزب العمل القومي (MHP) في اجتياز نسبة الحسم العالية في تركيا (10%) والعودة إلى البرلمان بعد أن غاب الحزب عنه في الدورة البرلمانية السابقة. وقد ازدادت نسبة التأييد لهذا الحزب (حصل على 14% من الأصوات) على أرضية تصاعد "الإرهاب" الكردي في تركيا وما أعقب ذلك من دعوات تطالب بشن عملية عسكرية واسعة (ضد قواعد وأماكن تواجد حزب العمل الكردستاني) في شمال العراق. وفي مقابل دخول "الحزب القومي" للبرلمان دفع حزب المجتمع الديمقراطي (DTP) الذي يمثل الأكراد والذي فشل في حملة الانتخابات السابقة في اجتياز نسبة الحسم، بمرشحين مستقلين نجحوا في الحصول على أكثر من عشرين مقعدا في البرلمان التركي الجديد.
ثمة انعكاس آخر للانتخابات الأخيرة يتمثل في حصول انحسار إضافي في مكانة الجيش التركي. ورغم تحذيرات الجيش من مغبة مساس حزب العدالة والتنمية بمبادئ وأسس النظام العلماني في تركيا، فقد اختار الجمهور التركي، كما هو واضح، إعطاء معظم أصواته لهذا الحزب بالذات. وما زال الجيش يشكل عاملا مهما في المحافظة على الطابع العلماني لتركيا، والسوابق التي قام فيها الجيش بالإطاحة بحكومات (أطاح بأربع حكومات منذ قيام تركيا الجمهورية) تشكل إشارة تحذير لحزب العدالة والتنمية من مغبة الانحراف بصورة ملموسة عن تقاليد فصل الدين عن الدولة والتي أرساها كمال أتاتورك. لعل هذه المخاوف، من قيام الجيش بانقلاب عسكري، تفسر ما جعل زعيم الحزب رجب طيب أردوغان يصرح في خطاب الفوز بأن حزبه لن يتخلى أو يساوم على المبادئ الأساسية للجمهورية التركية. على الرغم من ذلك فقد ضعفت مكانة الجيش في أعقاب الانتخابات الأخيرة. ففي أثناء الأزمة حول مسألة انتخابات الرئيس، والتي أدت إلى تقديم موعد الانتخابات البرلمانية، وجه الجيش إنذارا طالب فيه بسحب ترشيح نائب زعيم الحزب، وزير الخارجية عبد الله غول، لمنصب رئيس الجمهورية، وذلك في بيان نشر على موقع الجيش على شبكة الانترنت. وفي الوقت الذي اعتبر فيه هذا الإنذار الشديد اللهجة بمثابة "انقلاب" من جانب الجيش، ألا أنه أدى في المحصلة وبالذات إلى تعزيز مكانة "حزب العدالة والتنمية".
ولكن ورغم أن الحزب ربما كان قد خرج أكثر قوة من الانتخابات الأخيرة، فإن الحكومة الجديدة ستواجه تحديات كثيرة. فالأزمة حول مسألة انتخاب الرئيس ستثار مجددا كما هو متوقع. وباستطاعة الحزب (العدالة والتنمية) الاكتفاء بالتعاون فقط مع المرشحين المستقلين (أعضاء البرلمان الجديد) الأكراد من أجل الحصول على ثلثي الأصوات اللازمة في البرلمان لانتخاب رئيس جديد من الجولة الأولى. مع ذلك وإذا ما أصر حزب العدالة والتنمية على ترشيح "غول" أو عضو آخر في الحزب لمنصب رئيس الجمهورية المقبل، فإن من المشكوك أن يرغب الحزب في الاعتماد على ممثلي الحزب الكردي للفوز بنسبة ثلثي الأصوات اللازمة لنجاح مرشحه للرئاسة، نظرا لأنه من شأن هذا الأمر أن يعزز فقط معارضة العلمانيين والقوميين لهذا المرشح.
من ناحية اقتصادية، فإن اختبار الحكومة الجديدة سيكون في قدرتها على المحافظة على إنجازات فترة الولاية السابقة، أي نسب النمو الاقتصادي المرتفعة، وخفض التضخم المالي إلى نسبة من رقم واحد (أي دون العشرة في المائة) إضافة إلى المديونية الخارجية. وكانت هذه الانجازات قد ساهمت في ظهور مرشح إسلامي وسطي يشكل سنداً قويا لحزب العدالة والتنمية. عدا عن ذلك سيتعين على الحكومة الجديدة أن تواجه نسب البطالة العالية في تركيا والفجوات الكبيرة بين مختلف فئات وأقسام الدولة والمجتمع التركيين. كذلك سيكون على الحكومة المحافظة على التقدم الذي أنجز عن طريق انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي والسعي إلى تحقيق مزيد من التقدم نحو هذا الهدف..
ومن ناحية إقليمية فإن التحدي الأكبر أمام حكومة أردوغان هو اتخاذ قرار بشأن ما يجب على تركيا عمله تجاه ما يحدث في العراق. فمنذ العام 2005 طرأ ارتفاع ملحوظ على عدد الهجمات وعدد المصابين جراء العمليات المنسوبة لحزب العمال الكردستاني، الذي يعمل انطلاقا من شمال العراق.
خلاصة القول إن نسب التأييد العالية التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية والشعبية التي يتمتع بها زعماء الحزب (أردوغان وغول) يمكن أن يخلقا الظروف للاستمرارية والاستقرار السياسي في تركيا. ومع ذلك فإن الحكومة الجديدة ستقف أمام عدد من التحديات غير السهلة وفي مقدمتها انتخاب الرئيس وضرورة اتخاذ قرار بشأن التدخل في العراق، وهو ما يمكن أن يجعل فترة الولاية الثانية لحكم حزب العدالة والتنمية فترة عاصفة جداً.
____________________________
* الكاتبة باحثة متخصصة في الشؤون التركية في جامعة تل أبيب. ترجمة خاصة بـ"المشهد".