منذ العشرين من أيار 2007 تدور معارك عنيفة بين الجيش اللبناني ومنظمة "فتح الإسلام" المرتبطة مع تنظيم "القاعدة"، حيث يتواجد العشرات من نشطاء هذه المنظمة في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين المحاذي لمدينة طرابلس. ويبدو أنّ حكومة فؤاد السنيورة، التي تحظى بدعم سياسي وعسكري من حلفائها في المنطقة وفي العالم، مصرّة على طلبها في استسلام الناشطين المحاصرين وترى في هذا الحدث ليس فقط مشكلة أمنية خطيرة وإنما بالأساس امتحان قوة مهمًا بالنسبة للحكومة. وقد جذب هذا الحدث الانتباه من جديد لما يجري في لبنان ولمشكلة الاستقرار اللبناني الهش بالشكل الذي قد يؤثر على المنطقة برمتها وعلى إسرائيل في عدة نواح.
* التسلل المتزايد لعناصر "القاعدة" إلى لبنان في السنوات الأخيرة- هؤلاء الأعضاء يعملون على تعزيز تأثيرهم على اللاجئين الفلسطينيين وعلى السنيين في لبنان، من خلال استغلال ضعف السلطة المركزية وضعف قيادات الفصائل الفلسطينية في لبنان واستغلال البنية التحتية القائمة للمنظمات السنية المتطرفة. هؤلاء ليسوا جزءا من البيئة اللبنانية ولا يعملون حسب "أصول اللعبة" المتعارف عليها في لبنان، إلى درجة أنّ المنظمات ذات النفوذ الكبير مثل حزب الله تأخذهم في الحسبان. وعلاوة على ذلك فهم يرون في الحكومة اللبنانية جزءًا من "المشروع" الأميركي- الإسرائيلي في المنطقة ولهذا يعتبرونها هدفا شرعيا للجهاد في الطريق لتحقيق تدمير إسرائيل.
وفي إسرائيل اكتشفوا من مدّة الخطر الكامن في تسلل النشطاء العراقيين إلى لبنان وتزايد مستوى عملياتهم ضد إسرائيل (على الأقل تحققت مرة واحدة عن طريق قذف صواريخ كاتيوشا في كانون الأول 2005) وضد قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل). إلى جانب كل هذا يختبئ هنا تهديد لا يقل خطورة بسبب جهود هذه المنظمات لزعزعة الاستقرار في لبنان وأيضا بسبب نشر الإسلام المتطرف داخل جمهور السنة وبالشكل الذي يمكن أن يؤدي إلى اشتعال التوتر الموجود أساسا بين السنة والشيعة في البلاد على خلفية الأحداث في العراق.
* مشاكل الفلسطينيين في لبنان- المواجهة الأخيرة ركزت الانتباه على ما يعرف في لبنان كقنبلة أمنية موقوتة والتي تتمثل في 400 ألف لاجئ فلسطيني يتواجدون في ظروف معيشية وإنسانية صعبة في مخيمات لبنان دون منحهم مكانة مدنية. إنّ ضعف قوة القيادات الفلسطينية المحلية القديمة المتنازعة فيما بينها، والانشقاقات الخطيرة في السياسة الفلسطينية وانعدام وجود مركز سياسي فلسطيني قوي خارج لبنان يشكل أرضًا خصبة لاستيعاب توجهات متطرفة مصدرها أعضاء الجهاد العالمي مثل "فتح الإسلام" التي قد تتسلل إلى مناطق السلطة الفلسطينية. وفي هذا الواقع من الممكن أن تطرح مشكلة حق العودة من جديد للنقاش في المنطقة والعالم، والحكومة اللبنانية ترى من جانبها أن الحل الوحيد لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين هو تطبيق حق العودة إلى ديارهم التي هجروا منها العام 1948.
* مسألة مقدرة الجيش اللبناني على تحقيق سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها- إنّ مهمة تحقيق الأجندة السياسية والأمنية لحكومة السنيورة حسب قرار مجلس الأمن 1701 في جنوب لبنان ومنع تهريب الأسلحة من الحدود السورية ومواجهة تهديد الإرهاب من الداخل ملقاة أساسًا على عاتق الجيش اللبناني. لم يحقق الجيش أي نجاح لافت في هذه المهمات. والصورة التي عالج فيها الأزمة الأخيرة، والتي تسببت في زيادة الحقد من قبل اللاجئين الفلسطينيين، كشفت بالأساس عن محدودية الجيش للعمل كقوة مفيدة في محاربة الإرهاب الداخلي. ومع ذلك فإن الطريق التي سينهي بها الجيش هذه الأزمة ستكون امتحانا مهما لقوة الردع والحفاظ على القانون التي في حوزته ولمدى قدرته على الوقوف في وجه التحديات الأخرى الماثلة أمامه. وإنّ فشل المعالجة الحقيقية للمنظمات المصنفة مع "القاعدة" سيكون في صالح حزب الله صاحب الرأي القائل بضعف الجيش وبالتالي فإنه سيعاود المطالبة بالاعتراف بشرعيته في الدفاع عن لبنان.
وفي هذا الشأن يفضل حزب الله أن يتخذ جانب الحياد. وهو قلق من إمكانية أن ينتهي هذا الحدث بصورة تؤدي إلى ارتفاع أسهم حكومة السنيورة والجيش اللبناني وتؤدي إلى دعم دولي واسع لهما. في نهاية الأمر الجيش يشكل عاملا في مقدوره نزع سلاح حزب الله ولذلك يفضل حزب الله أن يبقيه ليس أقل من رمز ضعيف وخالي المضمون للوحدة اللبنانية. هذه التطورات من الممكن أن تخرب على جهوده لإسقاط حكومة السنيورة ولتحريك متجدّد لنقاش شعبي لمسألة نزع سلاح الميليشيات- بداية الفلسطينيين وبعد ذلك سلاحه هو.
هنا لا يصلح المثل القائل (عدو عدوي صديقي). فحزب الله، الذي يحاول الرد على الادعاءات من الداخل بأنه يخدم مصالح خارجية، لا يرغب في أن يكون منتميا لمنظمة مصنفة مع "القاعدة". وازدياد قوة عناصر الجهاد العالمي في لبنان، الذين هم أغلبية غير شيعية، يشكل خطرًا عليه عن طريق فعالياتهم حيث يمكن جرّ حزب الله للمواجهة بين السنة والشيعة في البلاد أو إجبار لبنان على مواجهة إسرائيل مرة أخرى في حالة أن هذه العناصر تحقق أهدافها في فتح جبهة إرهاب ضدها من داخل لبنان. وبصورة متناقضة فإن حزب الله وحكومة السنيورة موجودان في نفس القارب ضد التعصب السني الذي يتمثل في "فتح الإسلام" ومنظمات أخرى، كما أنّ سورية تجد نفسها في القارب ذاته لكونها هي أيضًا مهددة من جرّاء نشاطات عناصر الجهاد العالمي داخل أراضيها.
تصعيد نشاطات هذه العناصر قد يؤدي إلى جر حزب الله إلى جبهة واحدة مع حكومة السنيورة من أجل لجم تلك العناصر، الأمر الذي سيؤدي بالطرفين للوصول إلى حل وسط بشأن النزاع السياسي الدائم بينهما. لكن سيكون من الصعب تحريك دمشق للعب دور إيجابي على الأقل في مجال التشديد على مراقبة النشطاء المتسللين من أراضيها. لا توجد لسورية مصلحة في المساعدة على استقرار لبنان وهي فقط من الممكن أن تستفيد من الأزمة التي تتفاقم هناك وبالأخص بعدما نجحت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في تمرير قرار في مجلس الأمن يقضي بإقامة محكمة دولية لمحاكمة المسؤولين عن اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري (وهي عملية تحتاج إلى مصادقة لبنانية) ومن المنطقي أن تشترط سورية أية مساعدة من جهتها بإزالة الضغوطات عليها في هذه القضية.
إنّ تقليص تهديد تحويل لبنان إلى قاعدة مركزية لعناصر "القاعدة" غير منوط فقط بزيادة قدرة قوات الجيش اللبناني (بمساعدة أجنبية) في المجالين العملاني والاستخباراتي، ولكن أيضا بمدى قدرة حكومة السنيورة من جهة وحزب الله وسورية من جهة أخرى على التغلب على تناقض المصالح الجذرية فيما بينهم في مقابل وجود تهديد مشترك من قبل عناصر الجهاد العالمي.
____________________________
* داني بيركوفيتش- خبير إستراتيجي من "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. ترجمة خاصة بـ"المشهد الإسرائيلي".