المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1425

في العاشر من آذار 2007 التأم في بغداد مؤتمر ليوم واحد، بحث في توطيد واستقرار الوضع الداخلي في العراق. والمؤتمر الذي عقد على مستوى السفراء، جرى بمشاركة ممثلين عن العراق ودول الجوار، ومن ضمنها إيران وسورية، والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وعدد من الدول الأخرى. وقد تمحورت مباحثات المؤتمرين حول مسألة سبل مساعدة العراق في معالجة مشكلة العنف الداخلي وتحقيق المصالحة بين الطوائف المختلفة في هذا البلد. 

 

ووصف المؤتمرون اللقاء فيما بينهم بأنه خطوة إيجابية أولية واتفقوا على تشكيل مجموعات عمل تضم مندوبين عن العراق ودول الجوار، على أن يتناول عملها مسائل الأمن وعمليات التسلل إلى العراق عبر الحدود مع الدول المجاورة، إضافة إلى مواضيع النفط والكهرباء ومشكلة مشردي الحرب في العراق. ولعل الأهم من ذلك هو اتفاق المشاركين في المؤتمر على التحضير لمؤتمر آخر، ربما على مستوى وزاري، من دون تحديد إطار وموعد محددين لانعقاده.

 

الشيء الخاص أو اللافت في المؤتمر الأخير (أي الذي عقد في 10 آذار) يتمثل في أنه جمع، للمرة الأولى منذ سنوات طوال، بين ممثلين أميركيين وإيرانيين بصورة علنية، للبحث في مسألة مركزية. وكانت قد عقدت في الماضي لقاءات على مستويات عمل بين الجانبين (الأميركي والإيراني) في أماكن مختلفة دون إعلان مسبق، وذلك للتباحث في مسائل محددة، كتلك المتعلقة بالعملية العسكرية الأميركية في أفغانستان. ولكن اللقاء في هذه المرة كان رسمياً، وبعد إعلان مسبق، كما نسبت لهذا اللقاء أبعاد أوسع تتعلق بمجمل العلاقات بين البلدين. مع ذلك فقد حرص الطرفان على التأكيد بأنه لم تجر بينهما اتصالات أو مباحثات ثنائية خارج إطار اللقاء في قاعة المؤتمر. هذا اللقاء بين ممثلي الولايات المتحدة وإيران نبع من ضائقة يعانيها الطرفان ومن مصلحتهما في توجيه الوضع في العراق بالاتجاه الذي يرغبه كل منهما.

فالولايات المتحدة تواجه أزمة متفاقمة جراء تورطها في العراق، حيث تتخبط الإدارة الأميركية بين اتجاهين.. فمن جهة تتزايد الضغوط عليها لإخراج قواتها من العراق في أسرع وقت، ومن جهة أخرى فإن سحب القوات الأميركية من العراق دون استقرار الوضع فيه يمكن أن يُفاقم حالة اللااستقرار في المنطقة برمتها وأن يضر أكثر بمصداقية ومكانة الولايات المتحدة في المنطقة.

 

أما إيران فهي واقعة تحت ضغط متصاعد في مسألة الذّرة، ومن ضمن ذلك تحت التهديد بشن عملية عسكرية ضدها في المستقبل، وهي منزعجة من عدم الاستقرار في العراق ومن إمكانية انتقال هذا الوضع إلى أراضيها. غير أن إيران ترى أيضاً فرصة في الوضع الناشئ في العراق، عقب اختفاء العراق كلاعب إقليمي مركزي مُهدِّد، كبح جماح إيران في الماضي، وعقب ظهور الشيعة كطرف متصدر.

 

من هذه الاعتبارات انبثقت مصلحة أميركية- إيرانية تقتضي تغيير سلوكهما وصولاً إلى المشاركة في مؤتمر بغداد. وتسعى الإدارة الأميركية إلى استنفاد كافة الإمكانيات من أجل تثبيت الوضع في العراق، مدركة في الوقت ذاته أن الجهد العسكري لا بد وأن يصاحبه جهد سياسي أيضاً.. وهي (أي الإدارة الأميركية) تسعى بذلك أيضاً إلى تقديم جواب إزاء الاقتراحات المطروحة في الولايات المتحدة- كالتي وردت مثلاً في تقرير بيكر هاملتون- بشأن ضرورة التحدث مع إيران في شأن العراق.

 

وهناك اعتبار آخر: فإذا ما قررت الإدارة الأميركية في نهاية المطاف القيام بعملية عسكرية ضد إيران، فلا بد لها أن تُظهر بأنها استنفدت كل السبل والوسائل الأخرى بما في ذلك الحوار مع الإيرانيين.

 

من جهتها تسعى إيران إلى استغلال الحوار من أجل تحقيق عدة أهداف: تكريس الإقرار بمكانة ونفوذ إيران في العراق؛ المساهمة في عملية قد تؤدي إلى خروج القوات الأميركية من العراق؛ محاولة الحد من الضغط المُمارس على طهران في ما يتعلق ببرنامجها النووي مقابل مساعدتها في إرساء الاستقرار في العراق.

 

إن أهمية اللقاء بين ممثلي الولايات المتحدة وإيران تكمن في مجرد انعقاده، وفي كسره للجمود وإيجاد أساس لعقد لقاءات أخرى في المستقبل. وقد تكون لمثل هذه اللقاءات، إذا ما استطاع الطرفان التغلب على رواسب الماضي، ديناميكية خاصة بها.

 

بيد أن الحوار بين الولايات المتحدة وإيران يحتاج لمواجهة مصاعب شديدة أدت حتى الآن، على الأقل، إلى تقليص الاتصالات وحالت دون التوصل إلى تفاهم بين البلدين. فأولاً هناك درجة عالية من الارتياب وانعدام الثقة بين الطرفين. فالجناح الراديكالي في النظام الإيراني متمسك بمعارضته للحوار مع الإدارة الأميركية، نظراً لأن هذا الجناح يرى في القطيعة مع الولايات المتحدة واحدة من السمات الرئيسة للثورة الإسلامية.

 

كذلك ثمة في الولايات المتحدة جهات لها وزن تتحفظ على الحوار مع النظام الإيراني الذي ينتمي، حسب رؤيتها، إلى "محور الشر". هذه الشكوك المتبادلة ساهمت كما يبدو في كون ممثلي البلدين تجنبوا إجراء أية اتصالات ثنائية أثناء مؤتمر بغداد.

 

ثانياً، هناك خلافات جوهرية بين الولايات المتحدة وإيران فيما يتعلق بمستقبل العراق ومكانة الولايات المتحدة. فالإدارة الأميركية ترغب في إقامة نظام مستقر في العراق مرتبط بالغرب وبالولايات المتحدة، بما في ذلك عن طريق تحقيق المصالحة مع السنة العراقيين ودمجهم في النظام، كما تسعى الإدارة الأميركية إلى الحؤول دون قيام كتلة شيعية في العراق مرتبطة بإيران، وإلى كبح مكانة وأطماع إيران في منطقة الخليج، وأن تقوم بإخراج قواتها من العراق بأقل الأضرار التي يمكن أن تلحق بمكانة ومصداقية الولايات المتحدة.

 

أما إيران فلديها أهداف مناقضة: فهي ترغب بعراق مستقر ولكن يظلّ ضعيفاً، يكون العنصر الشيعي فيه مرتبطاً بإيران، وأن ترحل القوات الأميركية عن العراق في أسرع وقت، وسط ضعف مكانتها الإقليمية. لذا ليس هناك سبب يدعو النظام الإيراني لمساعدة الولايات المتحدة في ترميم مركزها الإقليمي. وثالثاً، إذا ما نشأت مفاوضات عملية بين الولايات المتحدة وإيران حول المسألة العراقية، فإن إيران ستطالب على الأرجح بوقف الضغط عليها في مسألة الذّرة مقابل ما تقدمه من مساعدة في العراق. من الصعب الافتراض بأن واشنطن تستطيع الموافقة على مثل هذا الطلب الإيراني الذي يعني تسليماً أميركياً بسعي إيران لامتلاك سلاح نووي.

 

وعموماً فإن تأثير إيران سيكون محدوداً حتى لو أبدت استعدادها للمساعدة في إرساء الاستقرار في العراق. وفي الواقع فإن قدرة إيران على تشويش النظام القائم تفوق قدرتها على المساهمة في تحقيق الهدوء في العراق.

 

استناداً لكل ذلك يبدو أن حيز المناورة والتحرك نحو حوار ذي شأن بين الولايات المتحدة وإيران ليس كبيراً في الظروف الراهنة. لكن الفرصة في أن يُفضي مثل هذا الحوار إلى نتائج حقيقية ستزداد في ظل سيناريوهين محتملين: الأول إذا قررت الإدارة الأميركية إخراج قواتها من العراق، الأمر الذي سيولد اهتماماً لدى الإيرانيين بفتح حوار معها (مع الإدارة الأميركية) بغية التعجيل في خروج القوات الأميركية، واستغلال ذلك من أجل تحسين معاقل ونفوذ إيران في العراق. والاحتمال الثاني، إذا أبدت إيران استعداداً، عقب الضغوط عليها، لإبرام صفقة شاملة في مسألة برنامجها النووي، تتيح أيضاً إحراز تفاهم حول المسألة العراقية.

 

___________________________

 

* د. إفرايم كام- نائب رئيس "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. المقالة أعلاه ترجمة خاصة بـ"المشهد الإسرائيلي".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات