كانت حرب لبنان الثانية بمثابة تمرين هائل يتيح لنا إمكانية تفحص كل منظوماتنا الوطنية. وبطبيعة الحال فإن النقاش الجماهيري تمحور إلى الآن بشكل حصري في العمليات العسكرية، وفي هذا الحقل أيضًا جرى النقاش بالأساس حول القرارات المركزية التي تمّ اتخاذها طوال أيام الحرب الـ35.
بنظرة ثانية يمكن القول إن من المشكوك فيه فيما إذا كان هناك عنصر ومصلحة قومية وجماهيرية واحدة لم تقف أمام الاختبار. ويمكن أن نحصي داخل ذلك وزارات الحكومة كافة، وزارة تلو الأخرى، وكذلك منظومات جماهيرية أخرى والسلطات المحلية والتأمين الوطني ومنظومة البنوك ومصلحة البريد وشركة الكهرباء وصناديق المرضى وحتى منظومة المحاكم.
وحاشا لنا أن نفوّت الفرصة التي حصلت أمامنا، وحذار من البحث عن مذنبين وليست لدينا نية للإطاحة برؤوس، كل ما هو مطلوب فحص كامل ومنهجي للمواضيع التي خضعت للاختبار، وكيف عولجت وكيف علينا أن نستعد إذا ما واجهنا مرة أخرى وضعية حربية.
هذه المواضيع يحرم أن يتم شملها في نطاق معالجة لجنة فينوغراد. فإذا كنّا نرغب، بدايةً، في أن نرى نتائج سريعة وموضوعية من عمل هذه اللجنة، فلا ينبغي أن نحملها فوق طاقتها. وكلما كان مجال تحقيقها محددًا ومقلصًا ومعرّفًا بصورة جيدة، فسيكون في مقدرة اللجنة أن تتمحور وتلخص نقاشاتها وأبحاثها بسرعة. ولا شك في أن هناك مصلحة قومية في أن تنتهي مهمة الفحص بأقصى سرعة ممكنة.
وثانيًا، من ناحية المفحوصين- وحتى لو لم تكن هناك نوايا بذلك- فسينظر هؤلاء إلى اللجنة باعتبارها هيئة ستقرّر مصيرهم وتقدمهم ومستقبلهم. ومن هنا فإذا اشتغلت اللجنة مع هؤلاء أيضًا، إذا حققت مع كل واحدة من عشرات الهيئات التي ينبغي استخلاص النتائج من أدائها في الحرب، فعندها بدل الاستغراق في تفحص داخلي حقيقي، جاد، أساس ولائق سيسعى المفحوصون إلى توفير دفاع قضائي عن أنفسهم وسيتمحورون في كيفية النفاد بجلودهم.
وبين المواضيع التي لا ينبغي باللجنة أن تتعامل معها نجد أيضًا المنظومة العسكرية. هذه المنظومة يتعين عليها، ربما أكثر بكثير من سائر العناصر التي كان عليها أن تعمل في أثناء الحرب، أن تستخلص الدروس بصورة أساسية وسريعة. وهذا الفحص المرافق بتوصيات فورية لتصحيح الأمور، يتوجب أن يتم فورًا ويحظر أن يعرقل. ويحظر خصوصًا أن يرتبك في عرض صورة مشوهة عمدًا، في إطار الخوف من تحذيرات اللجنة ومن ترقّب قراراتها الحاسمة.
لقد سبق لرئيس هيئة الأركان العامة أن بادر إلى فحص كهذا. وقد عيّن نائبه (الجنرال م. كابلينسكي) لتركيز المهمة مع جدول زمني واضح وملزم، ومع نية واضحة للتوجه الفوري نحو استخلاص الدروس وتطبيق التوصيات المطلوبة.
في المنظومة العسكرية أتمنى على القاضي فينوغراد أن يحصر فحصه في ثلاث قضايا:
* الأولى- عملية اتخاذ القرارات المركزية أثناء الحرب، مع التشديد على منظومة الجيش- الحكومة المندمجة. وذلك بدءًا من قرار شنّ الحرب في 12 تموز ومرورًا بقرارات هامة تم اتخاذها (أو لم يتم اتخاذها) مثل تجنيد جيش الاحتياط، بدء المعركة البرية وغاياتها وما شابه ذلك.
* الثانية- قضية المسؤولية عن الجبهة الداخلية. هل من اللائق أصلاً أن تبقى قيادة الجبهة الداخلية ضمن مسؤولية الجيش الإسرائيلي؟ هل من اللائق حقًا أن نطلب من رئيس هيئة الأركان العامة أن يعالج مشاكل صعبة يمكن أن تنشأ في الجبهة الداخلية بينما هو متركز- ومن الأفضل أن يفعل ذلك- في إحراز حسم عسكري؟ وبطبيعة الحال، التوصية ببلورة سياسة واضحة للجبهة الداخلية ولكل حصيلة المواضيع التي برزت على السطح في أثناء الحرب.
* القضية الثالثة هي سياسة وسائل الإعلام والمعنويات الوطنية في الحرب. ففي خلال أيام الحرب الـ35 كان أداؤنا في إسرائيل كما لو أننا في خضم سلسلة متصلة من "العمليات التفجيرية". لم نفهم أننا في خضم حرب، وأنه في الحرب يتصرفون بصورة مغايرة تمامًا. وبحق كان ثمة من ادعى بأنه لو تصرفنا على هذا النحو في جميع حروب إسرائيل في الماضي، لكان من المشكوك فيه أن نخرج منها منتصرين، ولكان من المشكوك فيه أن نحظى برؤية قيام الدولة. هذه القضية تستوجب فحصًا منظوماتيًا، يشمل المستوى السياسي والمنظومة العسكرية- الأمنية والإعلام على اختلاف أنواعه، وعلى ما يبدو فمن المرغوب أن يتم في هذا الفحص دمج مجموعة خبراء من المؤسسة الأكاديمية.
_______________________________________
* شلومو غزيت- جنرال في الاحتياط، رئيس أسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان). هذا المقال نشر في موقع "المجلس الإسرائيلي للسلام والأمن" على الشبكة.