المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1398

سيكون لإسرائيل بحلول العام 2010 حدود في الشرق... هذا ما تعهد به (إيهود) أولمرت. "التجميع" هو اسم اللعبة الجديدة بعدما أسدل الستار على "الانفصال". أي حزب لا يوافق على "التجميع" لن يدخل إلى الحكومة.. إنه كلام مقنع كما يبدو في ظاهره.. فمن الذي يحتاج إلى موافقة الفلسطينيين أو إقرار العالم طالما إن إسرائيل هي التي تقرر وتفرض وحدها الأمر الواقع على الأرض منذ العام 1967؟! المهم هو أن الولايات المتحدة الأميركية تقف إلى جانبنا.

 

لنفترض أن الأمر ممكن، وأن الإسرائيليين والأميركيين، في ظل الواقع السياسي الراهن، هم الذين يقررون وحدهم، وبالتالي تعالوا بنا نساير هذه الفكرة، ونسأل: هل يدور الحديث عن حدود اعتيادية، بمعنى خط حدودي واضح مع سور وجدران لا تتواجد على جانبه الآخر قوات إسرائيلية؟! الإجابة بالطبع كلا. فحقيقة أنه لا يوجد، حسب أولمرت، شريك في الجانب الفلسطيني، إنما تلزم في حد ذاتها الجيش الإسرائيلي وجهاز المخابرات العامة (الشاباك) بالتواجد شرق، أو ما وراء خط "التجميع" .

 

النتيجة إذن: ليست إسرائيل هي التي "تتجمع"، وإنما فقط حوالي ربع مجموع المستوطنين. فالقوات الإسرائيلية ستضطر إلى التواجد والبقاء في أراض توصف في جزء منها كأراضي عدو وتوصف في جزء آخر كمنطقة معادية تستخدم كقاعدة لشن الأعمال المعادية والعمليات الإرهابية. ولذلك فإن مراقبة المنطقة وجمع المعلومات الاستخبارية عما يحدث فيها سيبقيان في يد إسرائيل.

 

أضف إلى ذلك أن أولمرت قد صرّح بأن القوات الإسرائيلية ستواصل السيطرة على منطقة غور الأردن كـ"حزام أمني". وعليه فإن الحديث يدور من ناحية عملية عن ثلاثة خطوط حدودية: خط السور والجدران، الذي لن يبقى وراءه مستوطنون وإنما قوات أمن إسرائيلية فقط، والخط الذي يفصل بين السكان الفلسطينيين وبين غور الأردن، وخط الحدود الخارجية على امتداد نهر الأردن.

طول هذا الخط الثلاثي يصل إلى 929 كم، أي أطول بثلاثة إضعاف من خطوط الرابع من حزيران 1967. فضلا عن ذلك يجب أن تضاف إلى هذه الخطوط الرئيسية خطوط ثانوية، وهي الطرق التي تربط منطقة غور الأردن بالمنطقة التي يدعو أولمرت إلى "التجميع" إليها، والطرق الموجودة في المنطقة الفلسطينية والتي ستتحرك عليها القوات المسيطرة على السكان (الفلسطينيين) لضمان عدم تمردهم أو قيامهم بهدم الجدران والأسوار المحبوسين داخلها.

فكل طريق كهذه تفصل بين القوات الإسرائيلية وبين المنطقة المعادية تعتبر نوعا من الحدود.

 

حسب خطة أولمرت، يتعين على إسرائيل ردع حوالي مليوني فلسطيني عن التمرّد أو الثورة، وإجبار السلطة (الفلسطينية) على لفظ وإقصاء الإرهابيين وأن تجنّد من بين صفوفها متعاونين ومخبرين. ولهذا الغرض ينبغي الاستمرار في الأساليب والوسائل المتبعة كالحصار والأطواق والإغلاقات والحواجز والاعتقالات والمداهمات الليلية واغتيال النشطاء الصغار والكبار. بعبارة أخرى ستتجمع المستوطنات خلف الجدار، لكن الاحتلال العسكري سيستمر على جانبه الآخر.

 

من ناحية الجيش الإسرائيلي ربما ينطوي ذلك على تخفيف معين في العبء، إذ لن يضطر جنوده إلى مرافقة فتيات وبنات المستوطنين إلى دروس وحفلات الرقص أو إخلاء بعض المباني في مواقع استيطانية غير قانونية وسط التصادم مع المستوطنين ومؤيديهم.. لكن من ناحية العبء الأمني لن يتغير أي شيء جوهري.

 

الفلسطينيون من جهتهم لن يسلموا لوقت طويل بهذا الواقع، خاصة عندما ستحكمهم حكومة حماس. مراقبة خطوط الحدود الطويلة وفرض الاحتلال يتطلبان، إضافة إلى وسائل التكنولوجيا المتقدمة، استخدام قوات كبيرة من الجيش والمخابرات عدا عن الحاجة إلى قوات إضافية بغية تطبيق الاحتلال على الفلسطينيين الذين سيبقون (في قراهم ومساكنهم) بين جدار العزل وبين خطوط حزيران 1967. ولا شك أن تواجدا كبيرا لقوات الأمن في منطقة معادية وعلى خطوط حدود طويلة سوف يحوّل كل جندي وعربة أو منشأة عسكرية إلى هدف في حرب عصابات تخوضها قوات فلسطينية، وقد كشفت الأنفاق التي حفرت في قطاع غزة وصورايخ القسام نقاط ضعف التفوق الإسرائيلي ومن المتوقع أن تكون هناك نقاط ضعف أكثر في الضفة الغربية التي يعتبر مستوى الاحتكاك فيها، فضلا عن خطوط الحدود الطويلة التي يقترحها أولمرت، أعلى بكثير من مستوى الاحتكاك في قطاع غزة.

 

إن اقتراح أولمرت يدل على أنه لم يأخذ العبرة من تجربة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة.

 

معظم الأوهام الإسرائيلية والأميركية لم تتحقق، ذلك لأن الأمر يتعلق بخطوط أحادية الجانب. والأحادية الجانب تتطلب من إسرائيل ممارسة واستخدام قوة بطرق منوعة، وهذا في حد ذاته يدفع الفلسطينيين إلى الرد بعمليات إرهابية في بعض الأحيان، وبواسطة صناديق الاقتراع في أحيان أخرى ، وهكذا تجد إسرائيل نفسها في حالة انهيار إستراتيجي.

 

ولكن ليست تجربة الانسحاب فقط هي التي فشلت في غزة، فسياسة الاغتيالات منيت أيضا بفشل ذريع. لقد اغتالت إسرائيل معظم مؤسسي وقادة ونشطاء حركة "حماس" المركزيين، غبر أن الشعب الفلسطيني أتى بحركة حماس عبر انتخابات ديمقراطية، إلى سدة الحكم... الذي صهر أو اكتوى في الوعي الفلسطيني كان العكس مما سعت إليه إسرائيل. وقد شاهدنا كيف تهاوت إستراتيجية احتواء النزاع وإدارته عقب صعود حكومة حماس. ولعل صرخة حكومة أولمرت الداعية إلى مقاطعة حكومة حماس كليا ومقاطعة الجمهور الذي انتخبها، تدل على أن حكومة أولمرت تدرك أنها فشلت في هذه النقطة. ومع ذلك فإن الحل الذي يقترحه أولمرت يتمثل في تكرار أو العودة إلى فشل الطريق الأحادية الجانب، فشلا مدويا وكاملا أكثر.

 

_____________________________________

 

(*) الكاتب أستاذ العلوم السياسية في معهد "إم. آي. تي" في الولايات المتحدة وأحد المبادرين إلى اتفاق جنيف.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات