المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1453

هزة أرضية سياسية عشية الانتخابات- أمر غير اعتيادي ولكنه يحدث. هزتان أرضيتان عشية الانتخابات ذاتها- أمر نادر الحدوث. لكن ثلاث هزات أرضية عشية الانتخابات، الواحدة تلو الأخرى بفترة زمنية قصيرة بينها- أمر يثير العجب حقا.

هذا ما حدث هنا والآن.

 

انتخاب عمير بيرتس لرئاسة حزب العمل غير الخارطة السياسية دفعة واحدة. هذا الأمر دفع أريئيل شارون إلى إقامة حزب "كديما"، الذي غير الخارطة مرة أخرى. انهيار شارون غير المشهد ثانية وفي هذه المرة تغييرا جذريا.

قبل ثمانين يوما من الانتخابات بدأت اللعبة من جديد. ما الذي سيحدث لحزب "كديما"؟ أي زعيم هو إيهود أولمرت؟ من سيفوز في الانتخابات؟ من سيكون رئيس الحكومة التالي؟

أسئلة هامة. لا يوجد رد قاطع على أي منها.

 

تأسس حزب "كديما" كحزب أريئيل شارون الشخصي. هو الصمغ الذي يلصق تساحي هنغبي وشمعون بيريس معا، ويلصق شاؤول موفاز وحاييم رامون معا.

كان رد الفعل الأولي على الجلطة الدماغية الشديدة التي تعرض إليها شارون: إنها نهاية حزب "كديما". بدون شارون ستتبعثر كل هذه الحزمة. ستبقى قلّة مسكينة فقط، نوع من معسكر للاجئين.

غير أن هذا غير مؤكد أبدا. صحيح أن من انضم إلى هذه المبادرة بسبب محبته لشارون فقط وبسبب حاجته إلى أب كبير، يمكنه العودة إلى بيته السابق. ولكن من وجد في "كديما" بيتا جديدا، فسيبقى.

من هم هؤلاء؟ أولا الانتهازيون، الذين ليس لديهم أي احتمال للوصول إلى الكنيست بوسيلة أخرى. ولكن ليسوا هم فقط. صحيح أن حزب "كديما" يفتقر إلى برنامج حقيقي وأيديولوجية، ولكن لديه إحساس وأفكار مشوشة، يمكنها أن تشكل بديلا للبرنامج. هناك حنين باهت للسلام- ليس السلام الواضح، الذي يرتكز على تسوية مع الفلسطينيين، الذي يتوجب فيه دفع الثمن، بل نوع من "سلام" عار. إلى جانب ذلك، هناك عدم ثقة عميق بالعرب، والادعاء بأنه من غير الممكن صنع السلام مع العرب. إلى جانب هذه العنصرية الأساسية هناك أيضا الشعور بالحاجة إلى ضمان الطابع اليهودي للدولة واحتضان التراث اليهودي، وهو أمر تافه وغير ملزم، ولكنه موجود.

هذا مزيج يحظى بشعبية، يشترك فيه جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي- اليهودي. إن من شأنه أن يُستخدم كبديل سهل لوجهات النظر القاطعة لدى اليمين ولدى اليسار- ناهيك عن التشكيك الكبير لدى الجمهور بالبرامج السياسية، الأيديولوجيات وما يبدو حلولا عجائبية. يمكن للشعار أن يكون: كلما كان أكثر غموضا، كلما كان أفضل.

حتى الآن كان أفراد "كديما" يثقون بشارون، الذي عرف كيف يتصرف. كانوا على ثقة من أن لديه الحلول، ولكن لم يعرفوها ولم يريدوا معرفتها. إنهم يعرفون أنه يعرف، وهذا كان كافيا. الآن، يمكن لهذا الغموض أن يبدو أفضلية بحد ذاته. الحزب الذي يفتقر إلى إجابات واضحة حول أي موضوع، من شأنه أن يستحوذ على الأصوات من كل الأطراف.

من المؤكد أن "كديما" اليتيم سيتقهقر. لن يحصل على 42 مقعدًا التي ضمنتها استطلاعات الرأي لشارون. إذن ماذا سيتبقى؟ من الممكن التكهن فقط، ولا يوجد لأي تكهن أساس حقيقي في هذه اللحظة. أتكهن بأن يتراوح عدد المقاعد بين 15 وحتى 30 مقعدا.

يجب تقبّل الحقيقة بأنه مع ترك شارون للحلبة السياسية، لم تبق على الحلبة أية شخصية مرموقة. لا يوجد زعيم آخر ذو حضور. لا يوجد جنرال آخر متوّج بالنصر. لحسن الحظ أو لسوئه، ستشبه إسرائيل الآن دولة غربية طبيعية، توجد فيها أحزاب طبيعية وعلى رأسها زعماء طبيعيون.

لا يوجد أي زعيم طبيعي أكثر من إيهود أولمرت. إنه سياسي حقيقي، سياسي مهني، إنسان لم يكن ذات مرة إلا سياسيا، لا غير.

إنه ليس أبا كبيرا. إنه ليس جنرالا. إنه ليس مفكرا. لا يتمتع بالحضور. ليست لديه رؤيا مستقبلية. ليس مستقيما إلى حد كبير. لقد خان عدة مرات من اعتنوا به في بداية طريقه. ولكنه سياسي محنّك، طموح، فصيح اللسان، لا يمثّل تمثيلا مسرحيا ولا يميل إلى التكلّف.

لقد وصل إلى موقعه الحالي بالصدفة تقريبا. لقد حاز على لقب "القائم بأعمال رئيس الحكومة" كجائزة ترضية، لأن شارون لم يستطع، في حينه، إسناد حقيبة المالية المرغوب فيها إليه، حيث وعد بنيامين نتنياهو بها. كتعويض عن ذلك منح أولمرت لقبا كان يبدو في حينه أنه فارغ من أي مضمون. ما كان يمكن للقائم بأعمال رئيس الحكومة أن يفعله هو إدارة جلسة الحكومة مرة في العمر، حين يكون رئيس الحكومة خارج البلاد.

الآن، فجأة، تحوّل اللقب الفارغ إلى نقطة انطلاق ممتازة. الأنظمة الرسمية حولت أولمرت إلى وريث شارون المؤقت، وفي السياسة، كما نعرف، لا يوجد أي شيء يدوم أكثر من المؤقت. من يستولي على المكان أولا يتمتع بأفضلية هائلة أمام منافسيه.

من الممكن الاعتماد على أولمرت بألا يرتكب الحماقات. إحساس الأنا لديه لن يفشله، كما حدث لنتنياهو كل الوقت. إنه أكثر تجربة من عمير بيرتس أيضا.

إذا لم يرتكب الأخطاء حتى موعد الانتخابات، فإن لديه احتمالا حقيقيا في أن يكون رئيس الحكومة المقبل.

 

تشبه الحلبة السياسية الآن ثلاثة أصابع- الليكود، كديما، العمل. ثلاثة أصابع بدل قبضة يد.

من الممكن جدا أن تحرز الأصابع الثلاثة النتيجة ذاتها تقريبا- حوالي 25 مقعدا لكل إصبع. إذا حصل أحدها على إنجاز أفضل من الأخرى، فمن شبه المؤكد أن يُدعى زعيمه لتأليف الحكومة.

في حال إحراز تعادل بين الأحزاب الثلاثة، فإن هناك أفضلية لحزب "كديما" لأنه يحظى بالمكان المركزي. حين يستلقي ثلاثة على سرير، هناك أفضلية لمن يستلقي في الوسط. سيتمكن أولمرت عندها من إقامة ائتلاف مع الليكود أو مع العمل. لن تقيده أية معيقات عقائدية في هذا الموضوع: يمكنه أن يكون يمينيا أو يساريا، وفق الحاجة.

 

هذا الوضع يشكل تحديا كبيرا لعمير بيرتس، الذي لم تُقلع منظومته منذ انتخابه وحتى الآن. شخصية شارون القوية لم تبق مكانا لأي مرشح آخر. كانت المبادرة بين يدي شارون وقد رقصت وسائل الإعلام من حوله. الآن، وأمام أولمرت، يتمتع بيرتس باحتمال أفضل- شريطة ألا يبدو كأولمرت آخر. الغموض جيد بالنسبة لأولمرت فليكن غير جيد لبيرتس.

لقد اختار بيرتس شعار "حان الوقت". شعار غامض لا يعبر عن شيء. يتوجب عليه الانطلاق، إبداء القيادة، طرح مبادرات جريئة، الاستيلاء على الخيال، أن يثبت بأنه قادر على إحلال انقلاب على الحلبة السلمية وكذلك على الحلبة الاجتماعية. الانتصار صعب والإخفاق سهل. الأمر الآن أصبح متعلقا به.

وهذا صحيح أيضا، بطبيعة الحال، بالنسبة لنتنياهو في الطرف الآخر من الحلبة.

 

بعد الهزة الأرضية الثالثة نشأ وضع يعود بالفائدة على الديمقراطية: للمرة الأولى، بعد وقت طويل، تتوفر لدى الجمهور ثلاثة اختيارات واضحة، ممثلة بثلاثة أحزاب وثلاثة زعماء:

- من اليمين، الليكود بزعامة نتنياهو، الذي ينادي باستمرار الاحتلال وبتوسيع المستوطنات، مفضلا الأرض على السلام.

- في الوسط، كديما بزعامة إيهود أولمرت، الذي ينادي بأسلوب شارون: ضم الأراضي ورسم الحدود بشكل "أحادي الجانب"، إضافة إلى أقاويل غامضة عن "السلام المنشود".

- من اليسار، العمل بزعامة عمير بيرتس، الذي يدعو إلى إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين للتوصل إلى سلام متفق عليه.

إذا كانت هذه البدائل واضحة، وإذا لم يحاول المرشحون تمويه الاختلافات فيما بينهم، من شأن الانتخابات أن تكون ديمقراطية فعلا، وسيكون أمام الجمهور اختيار حقيقي.

 

سيضطر الناخب إلى الانتخاب بنفسه، بدل أن يودع مصيره بين يدي أب كبير، يقرر عوضا عنه.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات