"المشهد الاسرائيلي":
اثار النقاش الذي اجرته الحكومة حول صفقة تبادل الاسرى مع "حزب الله" الكثير من المقارنات مع صفقة التبادل التي تمت مع الجبهة الشعبية (لقيادة العامة) بزعامة احمد جبريل في العام 1985. بعض الوزراء الذين صوتوا (الاحد) ضد الصفقة مع حزب الله، ذكروا بأضرار الصفقة السابقة، حيث عزوا لها عودة مئات الاسرى الفلسطينيين المحررين لمزاولة النشاط في صفوف المنظمات الفلسطينية، واندلاع الانتفاضة الاولى (اواخر العام 1987) بل حتى قيام حركة المقاومة الاسلامية "حماس". بيد ان تفحص الامر مع مسؤولين سابقين تولوا مناصب رئيسية في اجهزة الامن ابان تلك الفترة يظهر ان المعلومات الموجودة لدى الوزراء ليست وافية تماما او دقيقة.
في صفقة جبريل، التي تمت في ايار عام 1985، اطلقت اسرائيل سراح 1150 معتقلا فلسطينيا ولبنانيا مقابل اطلاق سراح الجنود الاسرائيليين الثلاثة، حازي شاي ويوسيف غروف ونسيم سالم، الذين احتجزتهم منظمة جبريل، بعدما وقعوا في الاسر خلال حرب لبنان 1982.
ومن بين مجموع المعتنقلين الذين اطلق سراحهم في صفقة عام 1985 بقي حوالي 600 داخل الاراضي الفلسطينية، في حين ابعد الباقون الى دول عربية.
وقد صرح رئيس جهاز "الشاباك" افي ديختر مؤخرا بان حوالي ثلث المحررين الفلسطينيين الذين بقوا في الاراضي الفلسطينية في صفقة جبريل، عادوا لمزاولة النشاطات المناوئة لاسرائيل.
وقال الكولونيل المتقاعد شالوم هراري، الذي عمل مستشارا للشؤون الفلسطينية في مكتب منسق اعمال الحكومة الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية، في حديث لصحيفة "هآرتس" (10/11) ان الكثيرين من المحررين عادوا بالفعل لمزاولة ما اسماه بـ "الارهاب" واعتقلوا خلال الانتفاضة الاولى التي اندلعت بعد عامين ونصف العام من صفقة التبادل مع جبريل، غير ان معظم نشاطاتهم جرت في نطاق ما وصف بـ "تآمر سياسي"، وهو نشاط سياسي ساهم في توجيه الاضطرابات والتعبئة التنظيمية من وراء الكواليس.
ويضيف "هراري" ان صفقة جبريل احدثت تغييرا هاما آخر تمثل في الفهم الفلسطيني بان احكام السجن الطويلة التي تصدرها المحاكم الاسرائيلية ليست نهاية المطاف. ويقول هراري: "لقد فهم المعتقلون بان مكوثهم في السجن يمكن ان يكون مؤقتا بانتظار صفقة التبادل المقبلة".
وتابع قائلا ان السجن والاعتقال عززا الوعي النضالي لدى المعتقلين الفلسطينيين الذين تولى البعض منهم بعد اطلاق سراحهم مناصب مركزية في المنظمات، وقد اطلق هؤلاء على السجون اسم "مدارس الثورة".
وكان الشيخ احمد ياسين (الزعيم الروحي لحركة حماس) واحدا من بين مجموعة من المحررين البارزين في نطاق صفقة جبريل. وفي اواخر العام 1987، وبعد اندلاع الانتفاضة الاولى مباشرة، اسس الشيخ ياسين مع عدد من معاونيه، وبينهم صلاح شحادة (الذي اغتالته اسرائيل في تموز من العام الماضي في غارة استهدفت منزله في مدينة غزة) حركة المقاومة الاسلامية "حماس".
مع ذلك، يقول نحمان طال، الذي تولى في ذلك الوقت رئاسة قسم الشؤون العربية في جهاز مخابرات الشاباك، انه سيكون من الخطأ ان ينسب تأسيس حركة حماس لإطلاق سراح الشيخ ياسين. واضاف ان هذه الحركة "قامت بفعل اندلاع الانتفاضة، حيث توصل ناشطون اسلاميون الى استنتاج مؤداه ان قيام الحركة مسألة ضرورية لكسب تأييد الشلرع الفلسطيني في ظل التنافس مع حركة فتح".
ولا يرى "طال" صلة بين صفقة جبريل وبين اندلاع الانتفاضة الاولى التي قال انها "كانت ستندلع في كل الاحوال.. فهي لم توجه من فوق، او من جانب المحررين".
ويضيف: "صحيح ان الصفقة تسببت باضرار، كرفع الروح المعنوية لدى الفلسطينيين، لكن الانتفاضة كانت قصة مختلفة تماما".
وحول ما اذا كانت الصفقة قد اسمهت في رفع شأن احمد حبريل، مثلما يوجد الآن تخوف من اثر محتمل للصفقة الحالية، بالنسبة لحزب الله، يقول هراري ان المساهمة كانت محدودة، خاصة وان " منظمة احمد جبريل لم تعتبر في اي وقت منظمة ذات قاعدة قوية في الاراضي الفلسطينية". ويختم قائلا: ان اطلاق سراح المعتقلين في صفقة 1985 لم يمنح منظمة جبريل مراكز قوة جديدة في الاراضي الفلسطينية".