يبدو أن أشد منتقدي الإعلام الإسرائيلي حدّة، من جراء انعدام مهنيته وأدائه الأخلاقي الإشكالي، في مقدورهم أن يجدوا مؤيدين عديدين لمواقفهم بالذات في أوساط الصحفيين الإسرائيليين أنفسهم. هذا ما تبين من نتائج البحث الشامل الذي يجري كل سنتين حول صحفيي إسرائيل وذلك لصالح مجلة "هعاين هشفيعيت" (العين السابعة) وبدعم من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية.
وبحسب نتائج البحث الأخير، الذي يجري للمرة الثانية على التوالي، فان معظم الصحفيين يواجهون- على الأقل بوتيرة معينة- حالات من تشويه الاقتباسات من قبل زملائهم الصحفيين، وخنوع لتأثير اعتبارات تجارية على مضامين الأخبار وتغطية غير معقولة نتيجة لعلاقات هات وخذ بين الصحفيين ومصادر الأخبار. ويعتقد حوالي سبعة من كل عشرة صحفيين أن منظومات الإعلام لا تطبّق بالمدى المطلوب قواعد الأخلاق والاستقامة التي تطلبها من الأشخاص الذين تغطي أخبارهم. وقال حوالي نصف الصحفيين إنهم يتعرضون لضغوط شديدة من أجل التجاوب مع التوقعات بأي ثمن.
وعلى المستوى الأكثر عملية أيضًا تشير نتائج البحث إلى أزمة شديدة في مشاعر الأمن والاستقرار لدى الصحفيين، وهي مشاعر من شأنها أن تمّس بقدرتهم على أداء عملهم بصورة مهنية. ويشعر حوالي ثلث الصحفيين أنهم لا يعتاشون بكرامة من مهنتهم ولا يشعر حوالي ربع منهم بالأمن فيما يتعلق بمكان عملهم.
وأشار أربعة من كل عشرة صحفيين إلى تعرضهم لملاحقات أو مظاهر عداء من جانب الجمهور. وقد يكون الأمر الأكثر غرابة من كل ذلك أن حوالي 40 بالمئة من المستجوبين أشاروا إلى أنهم كصحفيين في إسرائيل في سنوات الألفين يشعرون أحيانًا بأنهم عرضة لخطر ملموس.
العينة
كما ذكر أعلاه هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها استطلاع الصحفيين من قبل "العين السابعة" (نتائج الاستطلاع الأول، الذي أجري في أخريات 2002، نشرت في عدد آذار 2003).
البحث الحالي أجري على عينة من 200 صحفي ذوي وظائف مختلفة في وسائل الإعلام القطرية والمحلية باللغات العبرية والعربية والروسية والإنجليزية. نموذج العينة كان مشابهًا للنموذج الذي تم اعتماده في البحث الأول، وذلك في سبيل إتاحة الإمكانية أمام المقارنة بين نتائج البحثين. وشملت العينة صحفيين يعملون في الصحافة المكتوبة وفي الإذاعة والتلفزيون وشبكة الإنترنت. والتركيز في العينة كان على الصحفيين العاملين في الأخبار والأحداث الساخنة (بمن في ذلك صحفيون ومحررون في هيئات تحرير الأخبار وصحفيون في ملاحق يعملون في مجالات ذات طابع إخباري ومراسلون ومحررون اقتصاديون وما شابه ذلك). وعلى نسق البحث من سنة 2002 تم في هذا البحث أيضًا ضمان تمثيل محررين ومراسلين ومعلقين كبار، من جهة وتمثيل وسائل إعلام تتوجه إلى قطاعات عينية من السكان (عرب، متدينين، مهاجرين، وما شابه ذلك)، من جهة أخرى.
جرى الاستطلاع بواسطة مقابلات تلفونية قام بها معهد داحف بادارة د. مينا تسيمح. وفضلا عن الـ 200 صحفي الذين شاركوا في البحث في نهاية الأمر فقد رفض 29 صحفيًا آخر المشاركة فيه وفي 42 حالة لم يفلح معهد البحث في إقامة صلة مع المستجوبين. ولذا فان نسبة ردود الفعل النهائية بلغت 73.8 بالمئة، وهي نسبة تنطوي على زيادة هامة قياسًا بما كانت عليه في البحث السابق (54 بالمئة).
الأخلاق والممارسة الصحفية
النتيجة الأكثر مدعاة للقلق التي تظهر في البحث هي المداومة العالية على اللجوء إلى ممارسات إشكالية من الناحية الأخلاقية في هيئات تحرير الأخبار، حسب ما أفاد به الصحفيون. ومن المهم الإشارة إلى أن أجوبة الصحفيين في هذا الخصوص تعكس مفهومهم بالنسبة لشيوع الظواهر المذكورة وليس لشيوعها في أوساطهم.
الظاهرة الإشكالية الأكثر شيوعًا، حسب المستجوبين، هي تشويه الاقتباسات من قبل الصحفيين. حوالي 30 بالمئة من المستجوبين صادفوا تشويهات لاقتباسات على لسان من جرت مقابلتهم في أحيان متقاربة. وقال 23.2 بالمئة إنهم صادفوا تشويهات لاقتباسات أحيانًا وفقط 17.2 بالمئة قالوا إنهم لم يصادفوا ذلك البتة.
كما يتبين أن التغطية الصحفية بصورة غير معقولة نتيجة لعلاقات هات وخذ بين الصحفيين ومصادرهم هي ظاهرة شائعة. فقد قال 30.2 بالمئة من المستجوبين إنهم واجهوا هذه الظاهرة في أحيان متقاربة بينما واجهها أحيانًا 17.6 بالمئة وفقط 21 بالمئة من المستجوبين لم يواجهوها البتة. وبصورة ليست أقل مدعاة للقلق أفاد فقط 27.6 بالمئة من المستجوبين بأنهم لم يواجهوا البتة تأثيرًا لاعتبارات اقتصادية على مضامين الأخبار وفقط 18 بالمئة لم يواجهوا البتة مخالفات إزاء الرقابة ونقضًا لأوامر منع النشر.
ورغم أن 37.9 بالمئة من المستجوبين لم يواجهوا البتة، على ما أفادوا، مخالفات أخلاقية خطيرة أفاد 58.5 بالمئة من المستجوبين أنهم واجهوا مخالفات كهذه وداخل هؤلاء قال 8.5 بالمئة إنهم واجهوا هذه المخالفات في أحيان متقاربة.
الاختلاق المطلق لناس تمت مقابلتهم أو لأخبار هو ظاهرة نادرة نسبيًا: حوالي 40 بالمئة من المستجوبين قالوا إنهم لم يواجهوا هذه الظاهرة البتة و35 بالمئة واجهوها في أحيان نادرة فقط. مع ذلك فإن هذه النسبة الأخيرة وأكثر منها حقيقة أن حوالي ربع المستجوبين أفادوا بأنهم يواجهون حالات اختلاق أخبار أو ناس تمت مقابلتهم أحيانًا أو أحيانًا متقاربة تنطوي على ما يثير القلق.
وبالنسبة لعمليات التنصت السرية قال 63.5 بالمئة من المستجوبين إنهم لم يتعرضوا لها البتة، لكن حوالي ربع المستجوبين أفادوا بأنهم واجهوا هذه الظاهرة بوتيرة ما.
فقط 27 بالمئة من المستجوبين قالوا إن وسائل الإعلام تطبق قواعد الاستقامة والأخلاق التي تطلبها عادة من الأشخاص موضوع تغطيتها بالمدى المطلوب (قال 4 بالمئة إنها تطبقها في مدى أبعد من المطلوب) في حين أن 61 بالمئة من المستجوبين قالوا إن وسائل الإعلام تطبق هذه القواعد بمدى معين لكنه أقل من المطلوب وقال 8 بالمئة إنها لا تطبق هذه القواعد البتة.
بيئة العمل المهنية
المعطيات الأكثر مدعاة للقلق في سياق بيئة العمل المهنية للصحفيين دلت على مشاعر ضغط وتهديد من قبل عناصر مختلفة. نصف المستجوبين أفادوا بأن هناك ضغوطًا في العمل ووافقوا على الجملة القائلة "كصحفي أشعر بالضغط لأداء المتوقع مني بأي ثمن". فقط 37.6 بالمئة لم يوافقوا على هذه الجملة. ووافق 41.2 بالمئة من المستجوبين على الجملة القائلة "كصحفي أتعرض لملاحقات أو مظاهر عدائية". ورغم أن نسبة غير الموافقين على هذه الجملة هي نسبة عالية جدّا (47.7 بالمئة) إلا أن نسبة الصحفيين الذين يشعرون أنهم عرضة لمظاهر عدائية أو لملاحقات هي نسبة كبيرة جدّا.
الشيوع الواسع جدّا للتهديدات والملاحقات يشكل خطرّا كبيرًا على مقدرة الصحفيين في أداء وظيفتهم بصورة مهنية ودون وجل. كما يتضح أن التهديدات والملاحقات تنسحب أيضًا على حالات يشعر الصحفيون في خضمها بأنهم موجودون تحت طائلة خطر التعرض لأذى حقيقي: 38.7 بالمئة من المستجوبين في الاستطلاع أعربوا عن موافقتهم على الجملة القائلة "كصحفي في إسرائيل أشعر أحيانًا بخطر جسماني". وفقط نصف الصحفيين أفادوا بأنهم لم يشعروا البتة بأنهم عرضة لخطر جسماني.
الأمر المفاجئ، في ضوء المعطيات أعلاه، أن معظم الصحفيين أعربوا عن رضا عالٍ نسبيًا من مكان عملهم. كذلك زادت نسبة الصحفيين الذين أفادوا بأنهم معنيون بمواصلة العمل في الصحافة مستقبلاً، مقارنة مع الاستطلاع السابق. ورغم ذلك أفاد حوالي ثلث المستجوبين بأنهم لا يعتاشون بكرامة من عملهم الصحفي وحوالي ربع المستجوبين أفادوا بأنهم لا يشعرون بالأمن بالنسبة لمكان عملهم. وتزداد نسبة هؤلاء في وسائل الإعلام المحلية عنها في وسائل الإعلام القطرية.
تأثير وسائل الإعلام
شمل هذا الاستطلاع سلسلة من الأسئلة لم يشملها الاستطلاع السابق الأول (2002) تتعلق بمفهوم الصحفيين لتأثير وسائل الإعلام، من جهة ومفهومهم للعناصر المؤثرة على وسائل الإعلام، من جهة أخرى. وقد تم قياس مفهوم التأثير وفق سلم يتراوح بين الرقم 1 (لا يوجد تأثير البتة) والرقم 5 (تأثير كبير جدًا).
وتبين بشكل عام أن الصحفيين في إسرائيل يعتقدون بأن تأثير وسائل الإعلام على السياسيين أكبر من تأثيرها على الجمهور، وأن تأثيرها على الجمهور أقوى من تأثيرها على الصحفيين أنفسهم.
وقد وجه إلى الصحفيين، الذين يعتقدون بأن لوسائل الإعلام تأثيرًا ما، سؤال إضافي يتعلق بماهية هذا التأثير، سواء لناحية الإيجاب أم لناحية السلب. وأظهرت النتائج ما يلي:
بالنسبة للتأثير على الجمهور كانت نسبة الذين قالوا بأن تأثير وسائل الإعلام هو تأثير ايجابي بالأساس (19.5 بالمئة) مساوية إلى حد ما لنسبة الذين قالوا إن تأثيرها هو سلبي أساسًا (18.5 بالمئة). وقال سائر المستجوبين إن تأثيرها هو ايجابي وسلبي على حد سواء.
بالنسبة لتأثير وسائل الإعلام على السياسيين: قال 17 بالمئة إنه تأثير ايجابي أساسًا، وقال 26 بالمئة إنه بالأساس تأثير سلبي.
وقال 28.5 بالمئة إن تأثير وسائل الإعلام على الصحفيين أنفسهم هو تأثير ايجابي أساسًا في حين قال 8.5 بالمئة فقط إن تأثيرها سلبي بالأساس.
ومال المستجوبون إلى الاعتقاد بأن الجمهور يتأثر من وسائل الإعلام أكثر مما يؤثر فيها، في حين أن تأثير السياسيين على وسائل الإعلام أكبر نسبيًا. ويعتقد أغلب المستجوبين (54.5 بالمئة) بأن تأثير السياسيين هذا هو تأثير سلبي أساسًا. فقط 3.8 بالمئة يعتقدون بان تأثير السياسيين هو تأثير ايجابي بالأساس.
وأشارت نتيجة إضافية إلى فجوة كبيرة بين التأثيرات التي عزاها الصحفيون لوسائل الإعلام وبين المهمات النموذجية المعوّل على المؤسسات الإعلامية أن تؤديها في قراءتهم. وقد مال المستجوبون إلى الاعتقاد بأنه ينبغي على وسائل الإعلام، إلى حد يتراوح بين بعيد وبعيد جدًا، أن تكشف عن فساد الشخصيات العمومية وأن تصاعد التشديد على أن يفي السياسيون بوعودهم تجاه الجمهور وأن تدفع إلى الأمام قضية الحفاظ على حقوق الإنسان (معدل العلامات تراوح بين الدرجتين 4-5 على سلم يتراوح بين 1-5) لكن في الواقع العملي يشعر الصحفيون بأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تؤدي هذه المهمات على نطاق متوسط أو على نطاق أعلى قليلاً من المتوسط. كما يعتقد الصحفيون أن وسائل الإعلام تؤدي دورًا على نطاق ضيق في قضية جعل السجال السياسي أقل عربدة. وفيما يعتقد الصحفيون أن وسائل الإعلام ينبغي أن تؤدي بالمواطنين إلى تأييد سياسة الحكومة فهم يشعرون أن وسائل الإعلام تؤدي هذه المهمة على نطاق متوسط. كما يعتقد الصحفيون بأن وسائل الإعلام هذه تكرس قيمًا صهيونية أكثر مما ينبغي بها أن تفعل.
(*) د. يريف تسفاتي– أستاذ في قسم الاتصال في جامعة حيفا. وآرن ليفيو– طالب في القسم، يحضر لشهادة الماجستير، ومراسل في مجلة "العين السابعة". المقال أعلاه نشر في عدد المجلة الصادر في آذار 2004. (ترجمة خاصة)