المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 954

لطالما ارتكزت الثورة الصهيونية على أمرين: مسار عادل وقيادة اخلاقية. لكن أياً منهما لم يعد متوافراً الآن. فالدولة الاسرائيلية تقوم الآن على الفساد والقمع والظلم. وبناء عليه, نهاية المشروع الصهيوني وشيكة جداً. وهناك احتمال كبير بأن يكون جيلنا آخر أجيال الصهاينة. قد تبقى الدولة اليهودية قائمة لكنها ستكون من نوع مختلف, ستكون غريبة وقبيحة.

 

 هناك وقت لتغيير المسار, لكنه قصير. الحاجة هي الى رؤية جديدة تقوم على مجتمع عادل وعلى الرغبة السياسية في إرساء هذا المجتمع. يجب أن يكترث الشتات اليهودي الذي تشكّل اسرائيل ركيزة أساسية في هويته, ويعبّر عن رأيه.

المعارضة غير موجودة, والائتلاف الذي يرأسه آرييل شارون, يطالب بحق التزام الصمت. في أمة من الثرثارين, غرق الجميع فجأة في الصمت, لأنه لم يعد هناك ما يقال.

أجل, أحيينا اللغة العبرية من جديد, أنشأنا مسرحاً رائعاً, وجعلنا عملتنا قوية. أذهاننا اليهودية حادة كما لم يسبق لها أن كانت من قبل. انضممنا الى مؤشر الناسداك. لكن ألهذا السبب أنشأنا دولة? لم يصمد الشعب اليهودي ألفي سنة كي يكون رائداً في صنع اسلحة جديدة وبرامج أمنية على الكومبيوتر وصواريخ مضادة للصواريخ. كان يُفترض بنا أن نكون نوراً بين الأمم.

يتبيّن انه بعد ألفي عام من نضال اليهود للصمود, تحولت دولتهم الى دولة مستوطنات تديرها زمرة لاأخلاقية من منتهكي القانون الفاسدين الذين صمّوا آذانهم عن سماع مواطنيهم واعدائهم على حد سواء. الدولة التي تفتقر الى العدالة لا تدوم. ويدرك المزيد من الاسرائيليين هذا الامر عندما يسألون اولادهم اين يريدون أن يعيشوا بعد 25 عاماً. ويسبّب الاولاد الصادقون الصدمة لأهلهم عندما يقرّون بأنهم لا يعرفون. لقد بدأ العد العكسي لنهاية المجتمع الاسرائيلي.

من المريح جداً أن تكون صهيونياً في مستوطنات الضفة الغربية مثل بيت إيل وعوفرة. فالمعالم التوراتية رائعة, ويمكن أن تسرّح نظرك عبر الازهار بدون رؤية الاحتلال. لكن عند السير على الطريق العام السريع الذي يمرّ على بعد نصف ميل تقريباً غرب السواتر الترابية في الجهة الفلسطينية, من الصعب فهم التجربة المذلّة التي يعيشها العربي المحتقر الذي يجب أن يزحف لساعات على طول الطرقات المخصصة له والمليئة بالحفر والعوائق. طريق للمحتل, وآخر للخاضع للاحتلال.

لا يمكن أن ينجح هذا. حتى لو طأطأ العرب رؤوسهم وكظموا غيظهم وعارهم, لن ينجح هذا. فالبنية المشيّدة على القسوة البشرية ستنهار حتماً. ويجب ألا تفاجأ اسرائيل التي لم تعد تبالي بأطفال الفلسطينيين عندما يأتي هؤلاء مفعمين بالحقد ويفجّرون أنفسهم في قلب المراكز التي تشهد على التهرّب الاسرائيلي من الواقع.

يسلّمون أنفسهم الى الله في اماكن استجمامنا لأن حياتهم ملؤها العذاب. يريقون دماءهم في مطاعمنا لأن لديهم اولاداً وأهلاً في المنزل جياعاً ومذلولين. قد نقتل ألف قائد في اليوم الواحد ولن يتغيّر شيء, لأن القادة يأتون من الاسفل, من بؤر الكراهية والغضب, من "البنى التحتية" للظلم والفساد الاخلاقي.

 

لو كان هذا كله محتوماً, مقدّراً من الله, لاعتصمت بالصمت. لكن يمكن أن تكون الامور مختلفة, والواجب الاخلاقي ملحّ جداً.

هذا ما يجب أن يقوله رئيس الوزراء للشعب: ولّى زمن الاوهام, وحان وقت القرارات. نحب ارض أجدادنا كلها, وفي زمن مختلف, كنا لنرغب في العيش هنا بمفردنا. لكن هذا لن يحصل, فالعرب ايضاً لديهم احلام وحاجات.

بين الاردن والبحر المتوسط, لم يعد هناك غالبية يهودية. لذا, ايها المواطنون الاعزاء, لا يمكن الاحتفاظ بكل شيء بدون دفع ثمن. لا يمكن ان نترك غالبية فلسطينية تحت الجزمة الاسرائيلية ونعتبر انفسنا في الوقت عينه الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط. لا ديموقراطية بدون حقوق متساوية لكل من يعيشون هنا, العرب واليهود على حد سواء. لا يمكن الاحتفاظ بالاراضي والابقاء على غالبية يهودية في الدولة اليهودية الوحيدة في العالم, على الاقل ليس بالوسائل الانسانية والاخلاقية واليهودية.

أتريدون اسرائيل الكبرى? لا مشكلة, تخلّوا عن الديموقراطية. فلننشئ نظاماً فاعلاً للفصل العنصري هنا, مع معسكرات اعتقال وقرى للاسرى. أتريدون غالبية يهودية? لا مشكلة. لنضع العرب في قطارات وحافلات وعلى جمال وحمير ونطردهم بالجملة, او لنعزل انفسنا عنهم كلياً بدون حيل وخدع. لا حل وسط. يجب أن نفكّك كل المستوطنات - كلها بدون استثناء - ونرسم حدوداً معترفاً بها دولياً بين الوطن القومي اليهودي والوطن القومي الفلسطيني. يطبّق قانون العودة اليهودي داخل وطننا القومي فقط, ويُطبّق حقهم في العودة داخل حدود الدولة الفلسطينية فقط.

أتريدون الديموقراطية? لا مشكلة. اما تتخلون عن فكرة اسرائيل الكبرى حتى آخر مستوطنة وبؤرة استيطانية, او تمنحون المواطنية الكاملة وحقوق التصويت للجميع, بمن فيهم العرب. وستكون النتيجة بالتأكيد ان من رفضوا قيام دولة فلسطينية بجانبنا, سيحصلون على واحدة في وسطهم تماماً من خلال صناديق الاقتراع.

يجب أن يعرض رئيس الوزراء الخيارات بصراحة: العنصرية اليهودية او الديموقراطية. المستوطنات او الامل للشعبين. الاسلاك الشائكة والانتحاريون او حدود معترف بها دولياً بين دولتين وعاصمة مشتركة في القدس.

اذاً لماذا المعارضة هادئة جداً? ربما لأن البعض يودون الانضمام الى الحكومة بأي ثمن, حتى لو كان الثمن المشاركة في هذه الحالة المَرَضية. لكن تردّدهم يجعل قوى الخير تفقد الأمل.

 

كل من يمتنع عن اتخاذ موقف واضح - اسود او ابيض - يشارك في حالة التدهور هذه. ليست مسألة حزب عمل مقابل ليكود, او يمين مقابل يسار, بل صواب مقابل خطأ, ومقبول مقابل غير مقبول, واحترام القانون مقابل انتهاكه. ليست الحاجة الى بديل سياسي من حكومة آرييل شارون بل الى أمل او بديل من دمار الصهيونية وقيمها نتيجة الصمت والقسوة وصمّ الآذان.

اصدقاء اسرائيل في الخارج - اليهود وغير اليهود على حد سواء, الرؤساء ورؤساء الوزراء, الحاخامات والعلمانيون - يجب أن يختاروا ايضاً. يجب أن يتحركوا ويساعدوا اسرائيل على تحقيق قدرها الوطني, فتكون نوراً بين الأمم ومجتمع سلام وعدالة ومساواة.

"الدايلي - تلغراف"

(نشر لاحقاً في "يديعوت أحرونوت")

ترجمة نسرين ناضر

 

(*) أبراهام بورغ-  عضو الكنيست الاسرائيلي عن حزب "العمل" وكان رئيسًا للكنيست في دورته السابقة. المقالة أعلاه نشرت في أواسط شهر آذار/ مارس الماضي

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, يديعوت أحرونوت, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات