بقلم : اورن يفتحئيل* ما هو المشترك بين جدار الفصل والخطة الاقتصادية؟ لا شيء تقريباً، ولكن في الحقيقة هناك صلة هامة بين الخطتين، فكلتاهما تعمقان عملية "الابارتهايد الزاحف " الذي يمارس هنا. صحيح انه لا يوجد توجه حكومي صريح يتطلع الى انتهاج تمييز عرقي (اثني)، بيد ان الواقع المادي والسياسي الملموس يقودنا بوضوح في هذا الاتجاه.
لنبدأ بجدار الفصل. لعل ما ظهر في البداية كضرورة امنية في مواجهة الارهاب، وكامكانية لإحياء الخط الاخضر، تحول الى شيء مختلف كليًا. فهذا الجدار سيمتد في عمق المناطق الفلسطينية ليضم الى اسرائيل بصورة احادية الجانب مساحات واسعة، وسط ابقاء عشرات الاف الفلسطينيين بصفة سكان يفتقدون الى مكانة مدنية. كذلك فانه (جدار الفصل) سيتيح للكثير من المستوطنات اليهودية المضي قدماً في مسار التطوير المنفصل عن جوارها من التجمعات الفلسطينية، وبالتالي مواصلة التشبث بوهم الديمقراطية في ظل تكريس جغرافيا الابارتهاد.
وقررت الحكومة على عجل قبل حوالي الشهر اقامة "جدار شرقي" سيطوّق مناطق معيشة وموارد رزق الفلسطينيين في الضفة الغربية ويبقي شريطًا واسعاً في منطقة غور الاردن تحت سيطرة اسرائيل.
ومن هنا فان النتيجة الجغرافية المترتبة على ذلك هي رسم حدود لكانتونات وجيوب فلسطينية على مساحة لا تزيد عن نصف مساحة الضفة الغربية تقريباً. هذه المناطق ربما تحظى بوصف او لقب "دولة فلسطين" تحت مظلة "خارطة طريق" سياسية بهذه الصيغة او تلك، غير ان المضمون – مضمون الدولة التي ستمتد فوق نحو عُشر مساحة فلسطين التاريخية - سيبقى ابعد بكثير من الحديث عن دولة ذات سيادة.
هذا التوجه يعيد الى الاذهان اقامة الكانتونات (او المعازل) في جنوب افريقيا (العنصرية)، او اقامة محميات الهنود الحمر في اميركا الشمالية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وقد حرص زعماء المجموعة المهيمنة في ذلك الوقت ايضاً على نعت هذه الجيوب بـ "امم اجنبية" وبالتالي اخراجها من مجال المواطنة المتساوية.
نظام الفصل العنصري الفظ الذي يسود بين اليهود والعرب في المناطق (في الضفة الغربية وقطاع غزة) بدأ "يزحف" ايضًا الى داخل الخط الاخضر. فأحداث اكتوبر 2000 التي قتل خلالها 13 مواطنًا عربيًا (ومواطن يهودي واحد) جسدت العنف الذي يسم تعامل الدولة مع مواطنيها العرب.
هناك اشكال اخرى من العنف اضحت شيئًا روتينياً في مواجهة المواطنين العرب (العرب وحدهم فقط) مثل هدم البيوت ورش الحقول الزراعية بالمبيدات السامة، مثلما جرى مجدداً - للمرة الرابعة على التوالي خلال السنة الاخيرة – في حقول البدو شمال بئر السبع قبل نحو اسبوعين. اما الخطة الاقتصادية فانها تصنع توجهاً مشابهًا من الفصل والتمييز في مجال توزيع الموارد. فمن خلال التقليصات الواسعة في المخصصات الاجتماعية، من جهة، والتسهيلات التي تمنحها الخطة للطبقات والفئات الميسورة من جهة اخرى، تقوم الدولة باقتطاع وتحويل الموارد من الفقراء الى الاغنياء، مؤكدة على مسارات التطور المنفصلة.
غير ان الفرق لا يقتصر على البعد الطبقي وحسب، لأن التقليصات لها ايضًا "بُعد إثني" واضح. فالعرب سوف يكونون اشد المتضررين من جراء هذه التقليصات وكذلك الحال المجموعات اليهودية الضعيفة، مثل الشرقيين والروس، القاطنين في الاحياء الفقيرة وفي مدن التطوير، والاثيوبين المقيمين في مشاريع الاسكان الحكومية، وكذلك المسنين والنساء على وجه الخصوص. من هنا سوف تتعمق تلقائياً الفجوات الاثنية والطبقية الواسعة اصلاً. اما الفلسطينيون في المناطق ومهاجروا العمل (في اسرائيل) فسوف يواصلون بطبيعة الحال الاحتفاظ بمكانتهم كـ "عبيد عصريين" في اعقاب تنفيذ الخطة الاقتصادية. والحال، فقد اوجدت الدولة بين نهر الاردن والبحر الابيض - المجال الذي تسيطر عليه اسرائيل منذ ثلاثة عقود خلت – طريقة "كاسيتات" متطورة، تحتوي على نظام محكم من الحدود والقيود والاسوار والجدران والنظم الاقتصادية.
وتبدأ هرمية المواطنة من اليهود الاغنياء والميسورين (وهم من الاشكناز - الغربيين بصورة عامة) مرورًا بـ "انصاف اليهود" (ولا سيما الروس والاثيوبيون) ثم اليهود الشرقيين في الضواحي والاحياء الفقيرة وبلدات التطوير، يليهم الدروز والبدو والعرب مواطني الدولة "وعرب القدس" وانتهاء بـ "عرب غزة" و "عرب الضفة" ومهاجري العمل... الخ.
كل مجموعة من هذه المجموعات لها مواطنة مختلفة، كما ان لكل مجموعة مجالها او حيزها الخاص، فضلا عن مسارات تطور منفصلة .
في هذه الايام بالذات حيث يحل " عيد الحرية " (احدى التسميات العبرية لعيد الفصح اليهودي) ينبغي طرح السؤال: هل يؤدي "الابارتهايد الزاحف" للقضاء حتى على القليل مما تبقى من حرية ومساواة في هذه البلاد الحزينة ؟ وهل ستبقى بعد عدة سنوات امكانية لإصلاح المجتمع والتئام بعض من جروحه؟
ان اقامة جدران الفصل في الضفة الغربية، وكذلكالخطة الاقتصادية الجديدة، يؤديان بالتأكيد الى إبعادنا حتى عن تحقيق هذه الاهداف المتواضعة .
* البروفيسور اورن يفتحئيل يترأس دائرة الجغرافيا في جامعة "بن غوريون" في بئر السبع. (هآرتس 15/4، ترجمة: "مدار")