وجهة نظر إسرائيلية بقلم يوسي ألفر
شكل أرئيل شارون حكومة يمينية جديدة تستند ظاهريا إلى تناقض حاد بشأن القضية الأساسية التي تواجهها: النشوء المحتم لدولة فلسطينية. وعلى هذا فإما أن يكون شارون غير جاد بشأن هذه القضية، ولا ينوي مطلقا أن يضطلع بإنشاء دولة فلسطينية على أقل من 50% من الأرض، أو أنه ينوي تفكيك هذه الحكومة واستبدال حكومة أخرى بها تكون أكثر ميلا باتجاه اليسار عندما يأزف الوقت الذي تصبح فيه الدولة الفلسطينية حقيقة.
في هذا الصدد، فإن المادة الرئيسية في الخطوط العريضة للحكومة الجديدة هي تلك التي تتصدر القسم المخصص لـ "الأمن والسلام والتسوية". وقد جاء فيها أن "أحزاب هذا الائتلاف قررت أن تعمل بانسجام.. رغم حقيقة أن كلا منها مستمر في التمسك بمواقفه المبدئية.. فيما يتعلق بالتسوية.. وطبيعة وظروف اتفاقيات الحل النهائي". وإذا نظرنا إلى هذا وإلى الاتفاقيات الجانبية ورسائل التحفظ التي نأى الحزب الوطني الديني وحزب الاتحاد الوطني فيها بنفسيهما حتى عن فسيفساء الجيوب التي يروج شارون لها بوصفها الدولة الفلسطينية، فإن هذه المادة من الخطوط العريضة التي تظهر مدى مغالاة كل طرف في التمسك برأيه إنما تشير فقط إلى أن رئيس الوزراء لا يتوقع من هذا الائتلاف بالذات أن ينجز أي شيء فيما يتعلق بالتقدم السياسي مع الفلسطينيين.
تمضي الخطوط العريضة للحكومة إلى الإشارة إلى وثيقة أخرى مهمة لفهم طريقة شارون في معالجة المسألة الفلسطينية. في القسم 2,6 من "الخطوط العريضة" ورد ما يلي: "نشاطات الحكومة في المضمار السياسي ستكون محكومة بالمبادئ التي قدمها رئيس الوزراء للجمهور في فترة سابقة على الانتخابات (بما في ذلك المبادئ التي وردت في خطاب رئيس الوزراء في مؤتمر هرتسليا في 4 كانون الأول/ديسمبر 2002). قبل حدوث مفاوضات نشطة بشأن الحل السياسي، إن كان هذا يتضمن إنشاء دولة فلسطينية، فإن الموضوع سوف يطرح على النقاش بهدف اتخاذ قرار حوله داخل الحكومة".
يلخص خطاب هرتسليا فهم شارون لخريطة الطريق ولخطاب الرئيس الأميركي بوش في 24 حزيران/يونيو 2002 :
• "الطريقة الوحيدة لتحقيق اتفاقية سلام حقيقي مع الفلسطينيين هي التقدم على مراحل، مع كون المرحلة الأولى وقفا تاما للإرهاب"
• "التقدم (من مرحلة إلى مرحلة) إنما يتقرر بناء على ما تم إنجازه"
• "تحقيق تعايش حقيقي يتم إنجازه أولا وقبل كل شيء بالاستبدال بالقيادة الفلسطينية.. لا تقدم ممكنا مع عرفات"
• "بالتوازي مع، وربما حتى قبل الإصلاحات الحكومية، يجب تنفيذ إصلاحات أمنية"
• المرحلة الثانية من تسلسل الرئيس بوش تطرح إنشاء دولة فلسطينية بحدود لم تقرر نهائيا، وهي ستشمل بشكل ما المناطق أ و ب، فيما عدا قطاعات أمنية أساسية
• "في المرحلة الأخيرة.. سيتم البدء بمفاوضات لتحديد الوضع النهائي للدولة الفلسطينية وتثبيت حدودها النهائية".
إن المرحلة الثانية والثالثة، كما وصفهما شارون في خطاب هرتسليا، هما من المبادئ التي لا يوافق عليها الحزبان المتطرفان يمينيا في حكومة شارون. جدير بالذكر أن هذا الخطاب لا يضم أية إشارة إلى إزالة المستوطنات، بينما تضم "الخطوط العريضة للحكومة" تجميدا للاستيطان صيغ بلغة غامضة إلى درجة أن الحزب الوطني الديني، حزب المستوطنين، لم يتردد في الموافقة عليه. ولهذا فمن المشكوك فيه أن يتم، بحسب نص "الخطوط العريضة"، أي "نقاش وإقرار" بخصوص المرحلتين الثانية والثالثة، حيث من الصعب تخيل قبول أية حكومة فلسطينية برؤية شارون لخريطة الطريق والموافقة على التفاوض على تطبيق إقامة دولة مسخ لا يعرف ما ستؤول إليه "في المناطق أ و ب، فيما عدا قطاعات أمنية أساسية"، أي بعبارة أخرى على أقل حتى من 42 بالمئة من الضفة الغربية.
يمكن الافتراض بأن شارون لا يرى الأمر يسير على هذا النحو، قد يعتقد أن قيادة فلسطينية جديدة سوف يتم إجبارها في نهاية المطاف على التفاوض انطلاقا من طرحه، وعندئذ فسوف يحاول إذا دعت الضرورة تشكيل حكومة بديلة. وعلى كل حال فهذا هو ما كان ظنه عندما سعى، مخفقا، إلى إنشاء "روابط القرى" العميلة في عام 1981 وحكومة الجميل في لبنان عام 1982. ويبدو أنه ينوي السير في هذا الاتجاه إذ يجري احتلال تدريجي لقطاع غزة.
هذه صيغة لركود مطول، بل لأسوأ من ذلك، على مدى الأشهر والسنوات القادمة. وفي هذه الأثناء فإن شركاء شارون اليمينيين المتطرفين الفائقي التعاون، الذين سلمهم مسرورا وزارتي الإسكان والنقل، سيقيمون مزيدا من المستوطنات ومن الطرق الالتفافية مما سيزيد من التداخل بين اليهود والعرب (والعرب سيصبحون عما قريب الأغلبية) جغرافيا وديموغرافيا على طول وعرض الأرض الموعودة.
كيفما ستسير الأحداث فإن هذه الحكومة ستخطو خطوة أخرى صوب إنهاء إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. تم نشره في 10/3/2003 ©bitterlemons.org