المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1831

سبق لهذه القصة أن رُوِيت ، ولكن يجدر بنا التذكير بها مرة اخرى، مع بداية التنافس على رئاسة الحكومة بين ارييل شارون وعميرام متسناع: ففي ايلول 1982 وبعد مجزرة صبرا وشاتيلا، اشترك العميد متسناع في اجتماع لكبار الضباط الذين انتقد بعضهم بشكل شديد الطريقة التي أدار بها وزير الدفاع الحرب في لبنان. وكانت الاقوال التي أطلقت هناك وتضمنت اتهامات حول أبعاد الحرب، ومدى سيطرة الحكومة على التطورات، وحول مصداقية المعلومات المقدمة للجمهور. وعند انتهاء الاجتماع، دخل متسناع الى سيارته، وجلس الى جانبه العميد يعقوب إيفن، الذي كان ناطقا بلسان الجيش. وفي الاذاعة نشر تقرير عن مداولات لجنة الخارجية والأمن في الكنيست حول مجزرة مخيمي اللاجئين في لبنان. وجرى الاقتباس عن شارون قوله ان أمورا من هذا القبيل وقعت من قبل: إذ سبق وقام مسيحيون لبنانيون بمجزرة ضد الفلسطينيين بحضور الجيش الاسرائيلي، ولم يرفع أحد عقيرته بالصراخ. وكان شارون يقصد المجزرة التي نفذها رجال الكتائب المسيحية بالفلسطينيين في عهد حكومة رابين (في تموز 1976) في تل الزعتر، وهو مخيم للاجئين في منطقة بيروت.وقد هزت أقوال شارون متسناع. إذ لم يكن بوسعه تحمل حجة شارون الساعي الى الاختباء حول قضية تل الزعتر، من أجل التخلص من الضائقة التي وقع فيها بسبب مجزرة صبرا وشاتيلا. كما أنه رأى في ذلك إفشاء لسر، إذ ان حقيقة حدوث المواجهة في تل الزعتر بحضور ممثل للجيش الاسرائيلي لم تكن معروفة كثيرا حتى ذلك الوقت. وأبلغ متسناع إيفن انه يائس من الوضع وينوي الخروج من الجيش. وحاول إيفن ثنيه عن عزمه، دون نجاح. وصاغ متسناع رسالة لرئيس الأركان رفائيل إيتان، أبلغه فيها عدم استعداده للبقاء في منصبه (وكان حينها رئيس أركان فرقة بقيادة يانوش بن غال) طالما بقي شارون وزيرا للدفاع.

 

ونقل رئيس الأركان، الذي رفض التخلي عن خدمة متسناع، رسالته الى رئيس الحكومة مناحيم بيغن، فدعا بيغن متسناع الى محادثة، وصف فيها الضابط انطباعاته حول الطريقة التي يقود بها شارون الحرب. وتوسع متسناع في الحديث قائلا لرئيس الحكومة ان الرسائل حول ما يجري على الارض لا تنقل بدقة اليه والى الحكومة. وروى له انه بتعليمات من شارون يتقدم الجيش الاسرائيلي بطريقة "الزحف" على نقيض قرار الحكومة حول وقف إطلاق النار. وأبدى تقديره بأنه يقول جديدا لرئيس الحكومة لم يكن يعرفه. وقال بيغن له انه يريد منه مواصلة الخدمة في الجيش، ولكن عليه إيجاد طريقة لتوضيح قبوله بسلطة المستوى المدني.

وكتب متسناع رسالة لم ترض بيغن. فدعاه ثانية للاجتماع به وبعد ذلك صاغ رسالة كرر فيها اتهاماته لشارون، ولكنه أضاف اليها انه يفهم انه ليس بوسع ضابط في دولة ديموقراطية يبقى في الجيش ان يعرب عن عدم ثقته بوزير الدفاع. وبقي متسناع في الجيش وتقدم في الرتبة الى ان اعتزل الخدمة وهو برتبة لواء. أما شارون، بالمقابل، فقد اضطر لترك وزارة الدفاع وفق توصيات لجنة كاهان التي حققت في قضية صبرا وشاتيلا.

وبعد سنوات من ذلك، في عام 1996، وقع متسناع على إفادة قدمت للمحكمة اللوائية في تل أبيب في قضية القدح التي رفعها شارون ضد كاتب هذه السطور وضد صحيفة "هآرتس". وكان متسناع أحد الضباط القلائل الذين لم يمتنعوا عن إشراك المحكمة في انطباعاتهم حول سلوك شارون أثناء حرب لبنان. وهكذا أدلى بشهادة جاء فيها: "أثناء الحرب توصلت الى استنتاج بأن وزير الدفاع ارييل شارون، يضلل الحكومة، ورئيس الحكومة آنذاك مناحيم بيغن، وأيضا الجيش الاسرائيلي".

ولتأكيد حجته أشار متسناع في شهادته الى عدة حالات حفرت في ذاكرته بينها: انه بتعليمات وزير الدفاع استعد الجيش لتنفيذ خطة "اورانيم" الكبرى، في الوقت الذي صادقت فيه الحكومة فقط على خطة محدودة لعملية "سلامة الجليل" أساسها احتلال حزام بعمق أربعين كيلومترا فقط شمال الحدود الاسرائيلية. كما أنه في الليالي الأولى سمع متسناع شارون يطلب صراحة عدم عرض خارطة مفصلة جدا من أجل ان لا ترى الحكومة وتعلم ذلك. وقد أصدر شارون أوامره بأن تكون الخرائط ضمن مقياس لا يتيح للمستوى السياسي معرفة مواقع الأسهم. وكتب متسناع في إفادته: "رغم إعطاء تعليمات غامضة في الايام الاولى للحرب، بالامتناع عن الصدام مع السوريين، فإن حركة الجيش ميدانا كانت استفزازا صريحا للسوريين يلزمهم بالرد. وتبرير وزير الدفاع، بأنه لم يكن هناك استفزاز للسوريين لا يمت للحقيقة بصلة. كما ان بلاغ الحكومة ورئيسها، بعدم وجود اية نية لاستفزاز السوريين لم يستقم مع تعليمات وزير الدفاع للجيش. فتعليماته للجيش مقابل بلاغ الحكومة خلق في نفسي انعدام ثقة مطلقا بوزير الدفاع. وهذا لم يكن شعورا منفردا. فالأوامر غير الواضحة التي أعطيت بشكل مقصود للجيش، والأهداف غير المحددة التي وضعت، وطريقة العمل الملتوية من جانب وزير الدفاع ضللت الحكومة ورئيسها".

وبالمناسبة فإن للتاريخ سخريته: فممثل الجيش الاسرائيلي لدى الكتائب أثناء مجزرة تل الزعتر، لم يكن سوى بنيامين بن اليعازر، الذي هزمه متسناع في الاسبوع الماضي في المنافسة على زعامة حزب العمل.

لقاء في القدس

دفعت الحياة شارون ومتسناع الى طرق منفصلة: متسناع اختير رئيسا لبلدية حيفا وغدا زعيما بلديا يحظى بشعبية. وشارون تمسك بالحلبة العامة بعناد وتحول الى رئيس حكومة محبوب. واحتجاج متسناع عام 1982 سجل لمصلحته: فقد حفر في الذاكرة العامة كضابط ضميري، شجاع ونزيه. أما أفعال شارون في حرب لبنان فقد عرقلته لوقت محدود فقط: نتائج لجنة كاهان، مظاهرة الأربعمئة ألف وقرار المحكمة ضده في الدعوى التي رفعها ضد "هآرتس"، كلها لم تحل دونه في مواصلة البقاء ضمن قيادة الدولة ولم تسد الطريق أمامه الى رئاسة الحكومة. وطوال سنين مديدة كانت قطيعة بين الرجلين الى ان جمعت بينهما مناصبهما العامة: عندما زار رئيس الحكومة مدينة حيفا استقبله رئيس البلدية متسناع واليوم يستعدان لجولة ثانية.

قال متسناع هذا الاسبوع انه سيدير معركة انتخابية تركز على سياسة شارون، لا على شخصه. كما أنه لا ينوي الضرب تحت الحزام. وهو سيخوض حملة دعائية أيديولوجية تدعو الى الانفصال عن الفلسطينيين وسيكشف مقاربة شارون التي تخلد الوضع القائم. كما انه سيركز على الواقع الاجتماعي الاقتصادي الخطير وسوف يسعى الى دفع الجمهور لفهم ان هذا الواقع هو ثمرة للنظرة السياسية الأمنية لشارون. وحسب رأيه فإن المواجهة مع الفلسطينيين تعتصر طاقة الدولة وسكانها، ولذلك فإن المفتاح لتغيير الوضع هو إنهاء الاحتلال والانفصال عن المناطق. وعندما يسأل، إن كان سيكتفي بعرض وجهة نظره أم أنه سوف يشير الى المسؤول عن الوضع القائم، يقول متسناع ان من البديهي انه يتطلع الى تمزيق القناع عن وجه شارون أي إثبات انه لا يملك أي خطة سياسية ولكنه سوف يتجنب المساس به شخصيا. وما زال خط متسناع الدعائي قيد التبلور وسوف يركز على رسائل سهلة الاستيعاب وجوهرية وقصيرة توضح للجمهور الوضع السيئ الذي تعيشه الدولة حاليا. ومقابل الحكومة الحالية، التي تنجر خلف الواقع الصعب، سيعرض حزب العمل مقاربة مبادرة تضمن التغيير على أساس مبدأ الانفصال السريع عن الفلسطينيين.

ولا يهرع متسناع للانشغال في المعركة الانتخابية بشخصية شارون وبالسؤال حول مدى تعبير الصورة التي أعطاها لنفسه عن مزاجه وميوله الطبيعية، أو ما إذا كان نتاجا مصطنعا لحملة علاقات عامة، والى أي حد هناك حقيقة في المصداقية التي ينسبها لنفسه. وهو ينوي إدارة المواجهة بوسائل نزيهة، ولكنه سيكشف عري نتائج سياسة شارون، وفي الاساس سوف يسعى لإقناع الجمهور بأنه ونظرته يشكلان البديل لمقاربة شارون. وثمة انطباع لديه بأنه شخصيا لا يثير العداء عند ناخبي اليمين. فبعد العملية الفلسطينية في كريات مناحيم في القدس هرع لزيارة جرحى في مستشفى "شعاري تسيدق" واستقبل بالترحاب الشديد هناك. وهو يعتقد ان سمعته كرجل نزيه وصاحب قيم سوف تتغلب على محاولات طاقم شارون لتقويضها.

من جانبه أبلغ شارون صحيفة "يديعوت أحرنوت" انه لا يحتفظ برواسب شخصية ضد متسناع، وانه لا يجر معه عداوات قديمة، وعندما سيشكل الحكومة القادمة، فإنه سوف يدعو متسناع للانضمام اليها، وللمفاجأة، فإن متسناع لم يرفض هذا الاسبوع هذا الاحتمال بشكل مطلق.

(عوزي بنزيمان، هآرتس)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات