المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يعتبر د. دان شيفطان، الذي يترأس "مركز دراسات الأمن القومي" في جامعة حيفا، وأحد أبرز المستشرقين في إسرائيل منذ سنوات عديدة، بحكم خبرته وتخصصه الأكاديميين، من المقربين من دوائر صنع القرارات في الدولة العبرية. ويعتبر شيفطان أيضا شخصية مركزية في مجال تأهيل المستويات العليا في المؤسسة السياسية والأمنية، كما أنه يقيم علاقات مكثفة ومستمرة مع شخصيات ومحافل سياسية ومهنية في الخارج حول شؤون الشرق الأوسط.

وتتناول أبحاث شيفطان، من ضمن ما تتناول، علاقات إسرائيل مع دول الجوار ودور وتدخل القوى العظمى في الشرق الأوسط، وشبكة العلاقات بين الدول العربية المختلفة.

ويولي شيفطان في منشوراته اهتماما لسعي قسم كبير من الفلسطينيين، على جانبي الخط الأخضر، من أجل "إعادة عقارب الساعة التاريخية إلى الفترة والظروف التي لم يكن فيها وجود لدولة يهودية"، كما كتب في مؤلفه السّميك الأخير "فلسطينيون في إسرائيل" (إصدار: زمورا بيتان، 2011).

عملية الدهس الأخيرة التي نفذها فلسطيني من سكان حي جبل المكبر في القدس، والتي لقي فيها أربعة جنود إسرائيليين مصرعهم وجرح أكثر من عشرة جنود آخرين، تشكل في نظر شيفطان تذكيرا إضافيا بإلتزام الفلسطينيين الثابت والعميق بتحقيق حلمهم المتمثل - حسب رأيه - في إبادة إسرائيل، وقد صرح قائلا في مستهل هذه المقابلة الصحافية إن "العنصر الأخير الذي يمكن أن نعزوه للاعتداء في أرمون هنتسيف هو عنصر المفاجأة". وأضاف قائلا إن "المجتمع الفلسطيني كله مدمن على العنف. فقتل اليهود يعتبر لديه بمنزلة طقس من طقوس العبادة، ورجال الدين الذين يقومون بهذه الطقوس هم القتلة".

لا أريد رؤية فلسطينيين

يؤيد شيفطان، الذي يصف نفسه بأنه "مبائي" (أي من الجيل الذي نشأ وتربى في أحضان حزب "مباي" الصهيوني العُمالي بزعامة دافيد بن غوريون)، إعادة تقسيم القدس وإخلاء حوالي 100 ألف مستوطن من مستوطنات الضفة الغربية وذلك في إطار انسحاب أحادي الجانب، لكن مع إبقاء قوات من الجيش الإسرائيلي في المنطقة، ويقول موضحا: "أريد انفصالا كاملا عن الفلسطينيين، لا أريد رؤيتهم". مع ذلك يؤكد شيفطان عدم وجود صلة بين ما يصفه بـ"الإرهاب الفلسطيني" وبين سياسة "توسيع المستوطنات اليهودية" أو الأحاديث عن النقل المحتمل لسفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، ويقول: "لا توجد صلة أو علاقة بين الإرهاب الفلسطيني وبين الإجراءات والخطوات التي تقوم، أو لا تقوم، بها إسرائيل، أو هوية الرئيس الموجود في البيت الأبيض"، ويضيف "إن الحديث يدور هنا على دافعية يمتد عمرها لأكثر من مئة عام، للتنغيص على رغبة اليهود في العيش في أرض إسرائيل.. إن الإعتداءات – الهجمات – هي نتاج مباشر للتحريض الذي تمارسه السلطة الفلسطينية ورئيسها، إذ يعتبر كل من يقوم بقتل يهود بمنزلة بطل (شهيد) يخلد اسمه في المدارس وفي ساحات وميادين المدن الفلسطينية، كما تحظى عائلته بتعويض مالي سخي".

ويُذكِّر شيفطان في هذا السياق بمسيرة جرت في وقت سابق من هذا الشهر في بيت لحم، رُفعت خلالها صور دلال المغربي، التي قادت في العام 1978 مجموعة فدائية نفذت عملية اختطاف لحافلة ركاب على الطريق الساحلي (شمالي تل أبيب) أسفرت عن مصرع 35 إسرائيليا، بينهم 22 طفلا، وهي فترة ما زالت تعتبر واحدة من "فترات الإرهاب" الأكثر قسوة في تاريخ دولة إسرائيل.

ويقول شيفطان: "لقد نالت دلال المغربي إحتراما وتبجيلاً لا يحظى بهما إلا الملوك فقط لكونها (حظيت) بقتل عدد كبير من اليهود في عملية منفردة"، وتساءل مستغربا بشأن الشعار الذي اختاره المنظمون للمسيرة في بيت لحم "مسيرة من أجل السلام" وأضاف قائلا: "يجب أن نتذكر أمرا آخر.. فإذا كان الفلسطينيون يلجأون بصورة دائمة لاستخدام عنف قاس أحدهم ضد أخيه أو أخته، فإنه ما من سبب يدعونا حينئذ للافتراض بأنهم سيتصرفون على نحو مختلف تجاه اليهود".

حول عملية الدهس في القدس

حول سؤال وجه له في هذا السياق ذاته، بشأن مظاهر الابتهاج التي عبّر عنها الفلسطينيون من خلال شبكات التواصل الإجتماعي بعد مشاهدة فيديو يُظهر الشاحنة أثناء دهس تجمع للجنود الإسرائيليين في جبل المكبر؟، قال شيفطان: "مع الأسف، ليس هناك ما يدعو للمفاجأة في هذه الحالة أيضا.. عندما يخرج الهمجيون لتوزيع الحلوى في الشارع أو يعبرون عن ابتهاجهم في شبكات التواصل الإجتماعي، نجد أن لا أحد، لا من القيادة الفلسطينية ولا من الشارع الفلسطيني، يخرج ضدهم ويقول إن المحتفلين والمبتهجين لا يمثلوننا! نحن لم نشاهد قط فلسطينيين يتظاهرون من أجل السلام، أو يطالبون قادتهم بإبداء مرونة في مطالبهم بغية التوصل إلى إتفاق أو تسوية مع إسرائيل. بطبيعة الحال ثمة فلسطينيون قلائل يشجبون الإعتداءات، لكن المجموع الفلسطيني نشأ وتربى على مبدأ وجوب تصفية وإنهاء السيادة اليهودية في فلسطين بكل تأكيد، وأن كل الوسائل مشروعة لتحقيق هذا الهدف. وهم يؤثرون بشكل خاص وسائل العنف".

مواطنو إسرائيل العرب.. مُعادون للدولة!

عملية الدهس في جبل المكبر أثارت مجددا مسألة العلاقات المركبة والشائكة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية في دولة إسرائيل والتي (أي الأقلية) يُعرِّف كثيرون من بينها أنفسهم كفلسطينيين. ولغاية كتابة هذه السطور لم يصدر عن أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة، ومن ضمنهم رئيسها أيمن عودة، أي بيان أو تصريح يشجب عملية الدهس في القدس.

ويُضاف الصمت الذي لزمه عودة وزملاؤه إزاء مشهد قتل إسرائيليين بدم بارد إلى ظواهر خطيرة أخرى مثل وقوف أعضاء الكنيست العرب دقيقة صمت تخليدا لذكرى "مخربين" قتلى، وشجب القرار الذي يعتبر حزب الله منظمة إرهابية، وتأييد الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش) لنظام الرئيس الأسد، ومؤخرا أيضا ما نسب الى عضو الكنيست باسل غطاس من تقديم مساعدة لـ "الارهاب" عن طريق تهريب هواتف خليوية لمعتقلين فلسطينيين يمضون أحكاما بالسجن في إسرائيل.

وكتب شيفطان في مؤلفه الشامل حول مسألة الأقلية العربية في إسرائيل ("فلسطينيون في إسرائيل") إن "كثيرين من أبناء الجيل الشاب العرب يعتقدون أن من المشروع والممكن النضال ضد إسرائيل بكل الوسائل الناجعة، ومن ضمن ذلك وسائل العنف". وقد أشارت استطلاعات نشرها شيفطان في كتابه إلى أن ربع المسلمين من سكان إسرائيل رأوا في العمليات الانتحارية التي وقعت خلال الإنتفاضة الثانية، والتي قتل فيها قرابة ألف إسرائيلي، وسيلة نضالية مشروعة. إضافة إلى ذلك أكد أكثر من 45 في المئة من المواطنين العرب الذين شملهم الاستطلاع ذاته بأنهم ما كانوا ليعملون من أجل منع وقوع قتل يهود على خلفية قومية.

وتطرق شيفطان في كتابه إلى "وثائق الرؤيا" التي صادف مؤخرا مرور عشر سنوات على نشرها، والتي عرضت فيها قيادة الجماهير العربية في إسرائيل المبادئ الأساس التي توجه الأقلية العربية للدولة العبرية. ويقول شيفطان إن هذه الوثائق التي نالت تأييد قرابة 90 في المئة من المواطنين العرب في إسرائيل، تتسم بـ "رفض وانكار شرعية المشروع القومي للشعب اليهودي من أساسه، وبصورة تحيل إلى أن تصفية هذا المشروع فقط يمكن لها أن تصحح الظلم".

وفيما يتعلق بأعضاء الكنيست العرب كتب شيفطان "إن من يطلب لنفسه قيادة النضال – داخل صفوف المجتمع العربي في إسرائيل – سيواجه صعوبة في كسب تأييد شعبي واسع، إذا ما رفض النضال الهادف إلى تقويض الدولة اليهودية".

ويرى شيفطان تأكيدا على صحة تحليله في التصريح الذي أدلى به رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة ضمن خطابه أمام مؤتمر حركة "فتح" الأخير والذي قال فيه: "لقد أقمنا القائمة المشتركة كي نتمكن من استخدام كل ثقلنا في مساعدة الشعب الفلسطيني". ووصف عودة رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن الذي يقول شيفطان إنه يحرض نهارا وليلا على قتل الإسرائيليين بأنه "أخي الكبير" موضحا أن أعضاء الكنيست العرب يرون في أبو مازن قائدا لهم. وقال عودة الذي يترأس القائمة المشتركة التي تمثل معظم مواطني إسرائيل العرب: "نحن لسنا وحدنا، بل تقف إلى جانبنا ومعنا قيادة وطنية حكيمة يمثلها الرئيس أبو مازن".

وحول سؤال إذا ما كان يعتقد أن المجتمع العربي في إسرائيل ينظر بخطورة إلى ما قام به النائب غطاس (تهريب هواتف خليوية للمعتقلين الفلسطينيين)؟، أجاب شيفطان قائلا: "ربما ينظرون إلى ذلك بخطورة أقل من الطريقة التي ينظر بها اليهود إلى هذا الأمر، لكنني لن أُدهش أو أستغرب إذا ما كان ثمة أغلبية في المجتمع العربي ترفض ما فعله غطاس. فأكثرية المواطنين العرب في إسرائيل لا يرغبون في أن يكونوا متماهين مع أي مساعدة فعالة للإرهاب".

صحيح أن شيفطان أنهى كتابه قبل نحو ستة أعوام بأقوال تتسم بالتشاؤم فيما يتعلق بمستقبل العلاقات بين اليهود والعرب في إسرائيل، ولكن في الوقت الذي تزداد فيه مواقف أعضاء الكنيست العرب تطرفا، يدعي شيفطان أن ثمة فرصة لتغيير إيجابي في الشارع العربي في إسرائيل. ويقول إن "الظاهرة المسماة بـالربيع العربي أوجدت تغييرا عميقا لدى العرب في سائر أنحاء الشرق الأوسط، وسوف نرى الانعكاسات الدراماتيكية لذلك في السنوات القليلة المقبلة". وأضاف موضحا: "لقد أدى هذا التغيير في إسرائيل إلى صحوة لدى الكثيرين من المواطنين العرب، الذين يقدرون كثيرا ويقيمون بصورة إيجابية الحياة التي ينعمون بها هنا، على الرغم من مظاهر التمييز المختلفة التي يعانون منها والتي يتعين علينا تصحيحها. كذلك فإنهم يدركون أن حياتهم، بفضل إسرائيل، أفضل بكثير من حياة جيرانهم في الشرق الأوسط، وهذا بالذات لكونهم يعيشون في دولة يهودية، وليس في إحدى الدول العربية الكثيرة الموزعة في المنطقة".

ويستند شيفطان في سبيل تأكيد وإسناد إدعاءاته، على استطلاع أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" في شهر آب الماضي، والذي صرح فيه 55% من بين الذين شملهم الاستطلاع من سكان إسرائيل العرب بأنهم "فخورون بكونهم إسرائيليين". بالإضافة الى ذلك أعرب 54% من المستطلعين عن تأييدهم لمحاربة إسرائيل للإرهاب، كما أعرب 47% عن ثقتهم بالجيش الإسرائيلي.

ويقول شيفطان معقبا "هذه معطيات مدهشة، مختلفة جوهريا عن المعطيات التي نشرت قبل عشر سنوات".

(*) سؤال: هل سيقيض لنا أن نرى قريبا حزبا عربيا يضم نوابا في الكنيست يعترفون بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية؟

شيفطان: "هذا لن يحدث مع الأسف في القريب. فمعظم مواطني إسرائيل العرب ما زالوا يشعرون بأنه يتعين عليهم حتى يكونوا فخورين ومرفوعي القامة انتخاب ممثلين يدلون بأقوال بغيضة ضد دولة إسرائيل، حتى وإن كانت آراؤهم مختلفة كليا بصورة فعلية حول الدولة. هذه سيرورة يجب العمل من أجل إنضاجها. ولعل ما يجعلني أقل تشاؤما مما كنت عليه في الماضي هو وجود إتجاهات إيجابية في صفوفهم. أما التفاؤل، إذا كان ثمة محل للتفاؤل، فسوف ينشأ على المدى الأبعد".

"أوساط من اليسار الإسرائيلي تخلت عن الديمقراطية"

يوجه شيفطان انتقادات شديدة اللهجة للحملة التي تديرها منظمات يسارية متطرفة مثل "بتسيلم" و"لنكسر الصمت" بتمويل من "الصندوق الجديد لإسرائيل"، والتي تهدف، حسب شيفطان، إلى "استدعاء ضغط دولي على إسرائيل كي تسحب قوات الجيش الإسرائيلي من يهودا والسامرة وتنهي الإحتلال".

ويضيف مؤكدا "إن هذا اليسار لا يدرك أن فرض تدخل دولي على إسرائيل لن يتوقف عند مسألة البناء في المستوطنات، وإنما سيمتد أيضا ليشمل تدخلا في المسائل الأمنية.. إن فرض الإرادة الدولية يمكن أن يعرقل النشاط الهجومي الذي تقوم به إسرائيل، وأن يتسبب في وضع يشكل فيه الإرهاب المنطلق من الضفة الغربية والقدس الشرقية خطرا على إسرائيل بوتائر أعلى بكثير مما هو عليه الأمر حاليا. هناك خطر كبير في الوضعية التي يرغب فيها مواطنون في أن يفرضوا على دولتهم خطوات تفسر من قبل أكثرية ساحقة من الجمهور على أنها خطيرة على أمننا. إن أكثرية الجمهور الإسرائيلي تعي حقيقة أن الاحتلال الذي تتحدث عنه منظمات مثل "بتسيلم" ليس لطيفا على أقل تقدير، وأنه مرتبط بإحتكاك مستمر بين الجيش الإسرائيلي والسكان المدنيين الفلسطينيين، بل ويجبر إسرائيل على دفع ثمن دبلوماسي باهظ. ولكن خلافا لأتباع اليسار، فإن الجمهور يدرك أيضا أن عمليات الإحباط والنشاطات الوقائية التي تقوم بها قوات الأمن الإسرائيلية ليليا في الضفة الغربية والقدس الشرقية تنقذ حياة إسرائيليين كثيرين ومن ضمنهم أتباع هذا اليسار ذاته".

(*) سؤال: هل تثق برؤساء منظمتي "لنكسر الصمت" و"بتسيلم" عندما يدعون بأنهم يعملون انطلاقا من دوافع وطنية؟

شيفطان: "أعتقد أن الغالبية العظمى من أفراد اليسار لا يرغبون بخراب الدولة، وإنما يظنون حقا أنهم مفيدون لإسرائيل. لكن الواقع معاكس لذلك بطبيعة الحال. ففي الإختبار العملي نجد أن تلك المنظمات والشخصيات تخلت عن الديمقراطية الإسرائيلية. لم يعد في مقدورهم الإدعاء بإنهم ديمقراطيون. في ألمانيا النازية على سبيل المثال يمكنك أن تقول إنهم مارسوا سياسة كم الأفواه، ولذلك لم يكن هناك خيار سوى استدعاء ضغط من الخارج. إن الذين يدعون في إسرائيل 2017 بأنهم مجردون من حق الكلام والتعبير عن الرأي إنما هم بلهاء تامون. إن القائمين على صحيفة هآرتس الذين يزعمون أن إسرائيل فاشية مطالبون بتفسير اللامعقول، من حيث أنه تصدر مثلا في دولة فاشية صحيفة تتهم الدولة بالفاشية. لقد تخلى قسم كبير من اليسار عن محاولة إقناع الجمهور الإسرائيلي بعدالة طريقه، الأمر الذي يدعوني للإعراب عن أسفي الشديد".

(*) سؤال: بوصفك تعتبر نفسك "عُماليا" (من أنصار حزب "مباي" العمالي سابقا)، ما الذي ترى أن اليسار المتطرف يفوته؟

شيفطان: "إنهم لا يدركون بأننا وكلما جعلنا الفلسطينيين يعتقدون ويثقون بأنهم لن يدفعوا ثمن أفعالهم، فإن شهية هؤلاء لإلحاق الضرر بنا سوف تزداد فقط. لو لم تقع حرب في العام 1967 لكنت قد تنازلت عن تواجد إسرائيل في حائط المبكى، ولكن منذ اللحظة التي شن فيها العرب والفلسطينيون الحرب، فإنه يهمني أن يدفعوا ثمنا بذلك في المكان الأشد إيلاما لهم وهو الأرض. فهم لا يولون أهمية للإنسان وإنما يولون أهمية للأرض فقط. لهذا السبب فإنني لا أوافق على الإنسحاب من هضبة الجولان وسوف أبقى في جميع الأحوال في مستوطنات غوش عتسيون ومعاليه أدوميم وأريئيل. أنا لا أسأل الفلسطينيين عن رأيهم وإنما أفرض عليهم إرادتي ورغباتي، وذلك بعدما برهنوا لي جيدا على أنه لا يوجد أي بصيص أمل في التوصل معهم الى تسوية".

(*) سؤال: قبل تنفيذ خطة الانفصال (2005)، كنت (أي شيفطان) قد نصحت شارون بالإنسحاب من كامل قطاع غزة، ومن ضمن ذلك منطقة الحدود الشمالية ومحور فيلادلفيا (جنوبي القطاع). الآن أنت تدعو إلى إخلاء 100 ألف مستوطن من "يهودا والسامرة". ثمة من سيقول بأنك لم تستخلص العبرة؟!

شيفطان: "لقد كان الانفصال أمرا ناجحا وذلك رغم أنني أيقنت وقتئذ تماما بأن حركة حماس ستسيطر على المنطقة وأنها ستقوم إنطلاقا من هناك بأعمال إرهابية ضد إسرائيل. المجتمع الإسرائيلي أصبح أكثر قوة ومناعة بدون قطاع غزة، وليس هناك إنسان عاقل يريد العودة إلى غزة. تلك هي الخلاصة أو السطر الأخير، وهذا أمر مهم. الأنفاق لا تشكل بصراحة مشكلة إستراتيجية. كنت أود أن يدرك الإسرائيليون أنه حتى لو قمنا بإخلاء 100% من مساحة المنطقة، فإن الفلسطينيين سوف يبرهنون على أن رغبتهم في قتلنا أقوى من رغبتهم في بناء حياتهم".

(*) سؤال: هل يُعتبر السلام كلمة فظة في نظرك؟!

شيفطان: "نعم، فليست هناك أية فرصة للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين. لهذا السبب يجب الانفصال عنهم. أنا أريد البقاء في كتل المستوطنات (الكبيرة) وإخلاء 100 ألف مستوطن من خارج هذه الكتل الاستيطانية، ولكن مع بقاء الجيش الإسرائيلي في المنطقة من أجل منع الإرهاب. ليس لدي أدنى شك بأنه حتى إذا انسحب الجيش من المنطقة، فإن حماس أو ربما منظمات أسوأ منها سوف تسيطر عليها، وحينئذ سنكون مضطرين إلى إعادة احتلال يهودا والسامرة، لكن في هذه المرة سنبقى هناك إلى الأبد. ذلك هو كابوس اليسار. أنا لا أريد العيش مع الفلسطينيين سويا، لا أريد رؤيتهم يعملون هنا (في إسرائيل) ولا أريد الإستماع لقصص عن تعايش سلمي وعن رب عمل إسرائيلي وعمال فلسطينيين. إن الشرق الأوسط ليس المنطقة التي أرغب في العيش فيها من ناحية إقتصادية واجتماعية أو ثقافية. أنا أعلم أن (صحيفة) هآرتس ورجالات اليسار الرومانسي لا يحبون مثل هذه الأقوال، لكن ذلك هو الأمر الجيد لإسرائيل".

لا يتطرق شيفطان هنا جزافا لصحيفة "هآرتس"، ففي ضوء الاتصالات المستمرة التي يقيمها مع ساسة ومع أوساط مهنية رفيعة المستوى في الولايات المتحدة وأوروبا، يقول: "إن الضرر الذي تلحقه هآرتس بإسرائيل في العالم كبير جدا". ويضيف موضحا: "ثمة أشخاص كثيرون في أوروبا والولايات المتحدة، وفي مقدمتهم الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، يتبنون وجهة نظر خطيرة فحواها أن إظهار الضعف يعتبر قوة، وأن ثمة في الضعف ما يتيح نية حسنة. إن هؤلاء المؤيدين للنزاهة السياسية يطيب لهم الإدلاء بأقوال وتصريحات تشنف الآذان. فهم، حتى وإن لم يكونوا بالضرورة معادين لإسرائيل، يرون في خط تحرير صحيفة هآرتس بمثابة تأكيد على أن وجهة النظر اليوتوبية المنفصلة عن الواقع ذاتها تحظى بقبول وإستحسان كبيرين حتى في إسرائيل.

"إن جهل أوباما التام فيما يتعلق بالمجتمع الإسرائيلي أدى به إلى الإعتقاد أن صحيفة هآرتس تعكس رأي قسم لا يُستهان به من أفراد المجتمع الإسرائيلي، وليس مجرد أقلية هامشية ليس لها وزن كبير كما هي عليه الحال في واقع الأمر. إن أوباما وأمثاله يفترضون أن قراء هآرتس ومدير عام منظمة بتسيلم، الذي ذهب إلى مجلس الأمن ليناشد العالم ممارسة الضغط على إسرائيل، يمثلون الإسرائيليين الجيدين والمتنورين. من هنا فان خطوة مثل عدم استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن، والذي قوبل بالترحاب من جانب صحيفة هآرتس واليسار، تخدم حسب منطق إدارة أوباما، إسرائيل "المتنورة"!، لكن عدم استخدام (فرض) حق الفيتو، يشكل في الواقع، خطوة خرقاء ذات طاقة ضرر مدمرة لإسرائيل".

(*) سؤال: هل تعتقد أن أوباما عمل بشكل متعمد لإلحاق الضرر بإسرائيل، أم أنه كان يقصد الإضرار بنتنياهو شخصيا؟

شيفطان: "ربما كان هنا أيضا عامل عاطفي، غير أن الحديث يدور بشكل رئيس على استمرار مباشر للسياسة الخارجية المدمرة التي اتبعها أوباما، والذي حرص طوال السنوات الثماني من ولايته على ارتكاب أخطاء في كل قرار اتخذه. إن لدى أوباما وجهة نظر متخلفة فيما يتعلق بأمن إسرائيل. فهو يعتقد بأن أمن دولة إسرائيل يتوقف على مساعدات أميركية بقيمة 38 مليار دولار وطائرات إف 35، ولا شك بطبيعة الحال أن ذلك مفيد جدا، ولكن إذا كان الاختيار بين المال والطائرات وبين إلحاق ضرر شديد بمكانة إسرائيل في العالم بسبب عدم فرض حق الفيتو، انطلاقا من وهم غير قابل للتحقيق، وهو أن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين يمكن أن يتحقق إذا ما توقف الإسرائيليون عن البناء في مستوطنة جيلو أو راموت، فقد كان من الأفضل أن يحتفظ بملياراته وطائراته، فالضرر الذي سيلحق بأمن إسرائيل القومي سيكون في هذه الحالة أقل بكثير.

"إن أوباما ببساطة ليس من الطينة التي جُبل منها رؤساء الولايات المتحدة، فهو لم يكن قط ملائما لهذا المنصب. لقد أوجد أوباما واقعا غير محتمل أصبح فيه حلفاء الولايات المتحدة في حالة تخوف وريبة، بينما يشعر أعداء أميركا بالبهجة والسرور. إن السبب الوحيد الذي دفع أوباما لفرض عقوبات على إيران يتمثل في خشيته من قيام إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الايرانية، وهنا يُعزى فضل كبير لبنيامين نتنياهو الذي أعد العدة لشن هجوم، وحرص على التأكد من أن الأميركيين سيعلمون بأنه ينوي شن هجوم، حتى وإن لم يكن يعتزم بالضرورة القيام بذلك عمليا. في المقابل فإن خطاب نتنياهو في الكونغرس الأميركي لم يكن له أي داعٍ، لكنه أقل ضررا من الأهمية المبالغ بها المنسوبة لهذا الخطاب ذاته".

(*) سؤال: هل تعتقد أن الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، يمثل بشرى جيدة لإسرائيل؟

شيفطان: "باديء ذي بدء إن حقيقة كون أوباما قد رحل عن البيت الأبيض تشكل في حد ذاتها أمرا مفرحا جدا لدولة إسرائيل. ستكون هناك حاجة لسنوات طويلة لإصلاح الضرر الهائل الذي تسبب به أوباما في أنحاء العالم، وخاصة في الشرق الأوسط. فيما يتعلق بترامب فإن أحدا لا يعرف كيف سيتصرف، إذ لم يأتِ مثل هذا الرئيس إلى البيت الأبيض في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية. أعتقد أنه لن يستمر في التوجه نحو تقوية إيران وفي المقابل إضعاف مصر والسعودية ومحاولة إضعاف إسرائيل. فضلا عن ذلك، فإن مسألة ما إذا كان الرئيس الأميركي يؤيد إسرائيل أم لا تبقى مسألة ثانوية، إذ أن الولايات المتحدة تحتاج في المقام الأول إلى رئيس قوي يعيد للأميركيين قدرة الردع، وحينئذ فإن إسرائيل أيضا كواحدة من الدول الحليفة الأقرب للأميركيين، ستجني مكاسب من ذلك".

(*) سؤال: هل يمكن لترامب أن يضع عصيا في دولاب الاتفاق مع إيران؟

شيفطان: "أجل. صحيح أن أوباما أخطأ عندما لم يُضمن الإتفاق النووي اختبارات وتجارب إطلاق الصواريخ الباليستية، غير أنه يمكن للولايات المتحدة أن تفرض عقوبات على إيران بسبب مثل هذه التجارب، والتي تشكل انتهاكا صارخا لقرارات الأمم المتحدة. إن من شأن مثل هذه العقوبات أن تضع صعوبات كبيرة أمام إيران في مواصلة دعم المنظمات الإرهابية التي تعمل ضد إسرائيل".

(*) سؤال: ما هو التحدي الأكبر الذي ستواجهه إسرائيل في عهد ترامب؟

شيفطان: "قطع الصلة بين روسيا وحزب الله. وإذا ما وقعت جولة مواجهة أخرى بيننا وبين حزب الله، فإنه سيتعين على إسرائيل إنزال ضربة مدمرة بدولة لبنان. ولكن اذا ما قرر الرئيس بوتين بأنه يريد أن يظهر كحامي حمى العالم العربي، فإن روسيا يمكن أن تقوم بنشر صواريخ متطورة من طراز إس 300 وإس 400 في أنحاء لبنان مما سيخلق صعوبات كبيرة جدا أمام سلاح الجو الإسرائيلي في توجيه ضربة مدمرة كهذه. إن الحديث يدور هنا عن تهديد كبير لإسرائيل. ففي عهد أوباما إنكفأت الولايات المتحدة في كل مرة استعرضت فيها روسيا عضلاتها. لذلك فإن الطريقة التي سيتصرف بها الرئيس ترامب تجاه روسيا، لا سيما فيما يتعلق بمناطق الاحتكاك في أوروبا الشرقية، ستنعكس أيضا على السلوك الروسي في الشرق الأوسط".

(*) سؤال: ما هي توقعاتك بالنسبة لمستقبل إسرائيل الأمني؟

شيفطان: "أنا متفائل جدا. إن أمن إسرائيل القومي أفضل بكثير حاليا من أي وقت مضى، وذلك على الرغم من المخاطر المتربصة بنا. إن إسرائيل تزداد قوة أكثر من الاتجاهات السلبية الماثلة ضدها. لقد اجتزنا ثماني سنوات من ولاية أوباما في البيت الأبيض، وبإستطاعتي القول إن ثمة لدى زعماء كثيرين في أوروبا تفهما أكبر بكثير مما كانت عليه الحال في الماضي، للحاجة إلى إتخاذ تدابير أمنية في مواجهة الإرهاب. وخلافا للهستيريا التي تعكسها وسائل الإعلام، فإنني أشعر أن الجمهور الإسرائيلي أضحى أكثر عقلانية ونضجا وإتزانا من أي وقت مضى، وأن فرصة اليسار أو اليمين المتطرف في صوغ وتشكيل صورة الدولة باتت شبه معدومة. تلك هي بشائر ممتازة بالنسبة لإسرائيل".

[ نقلا عن موقع "ميدا" اليميني الإلكتروني.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات