هذا هو أول عدد من ملحق "المشهد الإسرائيلي" بشكله الإلكتروني الجديد، وبالتلازم مع موعد صدور أسبوعي ثابت هو كل يوم اثنين مع محاور الاهتمام نفسها، ناهيك عما من شأن هذه النقلة الجديدة أن تسمح به من إمكان الخوض في مجالات أخرى.
وسنعمل على أن يواصل هذا المشروع دوره الريادي في قراءة الوقائع الإسرائيلية المتلاحقة ومتابعتها ونقدها وتحليلها من زاوية النظر العربية الفلسطينية، متوخين أن ننجح بتقديمها إلى الجمهور في السياق الصحيح، وأن نساهم في إتاحة الفرصة لإطلالة على مشهد إسرائيلي متنوّع من موقع المتابع والمطلع، المحلّل والمستشرف. ذلك ضروري أولاً ودائماً كي لا نقع في أسر المألوف والسائد.
هذا الملحق هو جزء من عمل "مدار"- المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية. في البداية صدر كملحق ورقي وجاء الموقع على شبكة الإنترنت تطويراً لفكرة إصدار الملحق الذي يحمل الاسم نفسه ووزّع مع جريدة "الأيام" الفلسطينية، بعد أن صدر لعدة شهور كصفحة ضمن صفحات الجريدة. أمّا هذه الخطوة الأخيرة فجاءت استجابة لآخر التطورات المرتبطة بالنشر الورقي، ونعتقد أنها في الوقت ذاته تتماشى مع إيقاع عادة ما يكون متسارعاً في الساحة الإسرائيلية، ومع الحاجة في الأوساط العربية والفلسطينية لمتابعة هذا الإيقاع في أوقات متقاربة. ونأمل بأن نوفّق في ما نحن مقبلون عليه.
*****
هذا العدد
تطالعون في هذا العدد مقالات وتقارير تتناول آخر المُستجدات، وفي مقدمها بطبيعة الحال تلك المرتبطة بأداء الحكومة الإسرائيلية التي أقيمت تحت غطاء مواجهة أزمة فيروس كورونا المستجد وتداعياتها ولا سيما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والتي من آخر مؤشراتها انفجار موجة ثانية من تفشي هذا الفيروس على نحو أكثر سعة بشكل يلوّح بإمكان العودة إلى سياسة الإغلاق شبه التام للمرافق الاقتصادية، مع ما يعنيه ذلك من آثار قد تكون أشدّ وأدهى مما كانت حتى الآن.
ولئن كانت حجة مواجهة هذه الأزمة هي بمثابة الصمغ الذي ما زال يحافظ على وجود الحكومة، كما يسوّغ حزب أزرق أبيض، الشريك الرئيس لحزب الليكود فيها، استمرار بقائه في إطارها، فإن الأزمة نفسها لا تحول دون قيام اليمين الإسرائيلي بمحاولاته الشتيتة الرامية إلى الدفع قدماً بأجندته على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وهذا ما أثبتته، على الصعيد الداخلي، مثلاً، مبادرة هذا اليمين إلى تقديم مشروع قانون لإقامة "لجنة تحقيق لتقصّي وقائع تضارب المصالح لدى قضاة المحكمة الإسرائيلية العليا" الذي أسقطه الكنيست الإسرائيلي يوم 8 تموز 2020 (اقرأ مقال سليم سلامة) وأتى بالأساس لتجيير مثل هذا التحقيق ولجنته الخاصة في خدمة الحرب المتواصلة التي لا يتوقف اليمين الإسرائيلي عموماً عن شنّها، معركة تلو الأخرى، ضد الجهاز القضائي ومحاكمه وقضاته، وصارت إلى تصاعد ملموس في ضوء البدء بمحاكمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشبهات فساد.
ولا بُدّ من أن ننوّه بأن الليكود أبدى تأييده لإقامة لجنة تحقيق كهذه ولكنه تراجع في آخر لحظة، بعدما تبيّن له أن الأمر سيوجد أزمة حكومية ائتلافية جدية لم يكن مستعداً لها تماماً في أعقاب اعتبار شريكه الائتلافي، حزب أزرق أبيض، مشروع القانون المذكور بمثابة "إعلان حرب ضد الديمقراطية" لكونه يمثل "خرقاً فظاً لاتفاقية الائتلاف الحكومية".
في الوقت عينه من الملفت للانتباه أن أزمة كهذه لم تنشأ بين الجانبين على خلفية حلول يوم الأول من تموز الحالي، وهو الموعد الذي أعلنه نتنياهو للبدء بإجراءات فرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات وعلى مناطق أخرى في الضفة الغربية المحتلة. ووفقاً لاتفاقية الائتلاف الحكومية المبرمة بين الليكود وأزرق أبيض، كان من المفترض أن يتشاور نتنياهو مع رئيس الحكومة البديل، بيني غانتس، بشأن الضم، ولكن ليس بالضرورة من أجل الحصول على موافقته للشروع بإجراءات الضم، وبخصوص المساحة التي سيشملها. ويعود سبب ذلك بشكل رئيس إلى أن الخلافات بين الجانبين في هذا الصدد ليست ذات أدنى صلة بفكرة الضم من الناحية المبدئية وإنما هي مرتبطة بمسألة التوقيت وطريقة التنفيذ، كما بيّنا في أكثر من مناسبة في الماضي. أمّا سبب عدم تمكن نتنياهو من الالتزام بالموعد المذكور فيعود إلى تلكؤ الإدارة الأميركية في منح الحكومة الإسرائيلية ضوءاً أخضر لتنفيذ ما سبق أن أعلنت تأييدها له عبر خطة الرئيس دونالد ترامب المعروفة باسم "صفقة القرن"، وذلك لأسبابها المخصوصة المرتبطة بآخر التطورات الداخلية لديها على أعتاب انتخابات الرئاسة التي ستجري في الخريف القريب.
وبخصوص موضوع الضم، نسلط في هذا العدد الضوء على تقرير إسرائيلي جديد صدر عن معهد "زولات" من أجل المساواة وحقوق الإنسان (اقرأ مقال عصمت منصور) ويقدّم صورة عامة توضّح كيف انتقل مشروع ضم أجزاء من الأراضي المحتلة منذ 1967- بما يعنيه من تحول إسرائيل من دولة محتلة تمارس أنماط تمييز وتحمل مواصفات نظام تمييز عنصري إلى دولة أبارتهايد فاقعة- من الهامش المتطرف الذي تتبناه وتبشر به حركات سياسية تتموضع في أقصى اليمين الإسرائيلي إلى قلب المجتمع والسياسة والإعلام في إسرائيل.
ويقف التقرير عند ما يصفه بأنه تحولات مفصلية ومتدرجة شهدتها إسرائيل ولا سيما منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق إسحق رابين العام 1995، وسارت بشكل متواز مع عملية إعادة إنتاج للسياسة الحزبية الداخلية والخطاب الإعلامي والأيديولوجي نحو اليمين واليمين الفاشي، ومع إعادة إنتاج "لغة بديلة" كانت كفيلة بإجراء عملية غسل للمصطلحات المتعلقة بـ"عملية السلام" ومصير الضفة الغربية وواقع الاحتلال المستمر فيها منذ العام 1967. ولكن بالرغم من ذلك علينا أن نعيد إلى الأذهان أن موضوع السيطرة على الأرض الفلسطينية لا يُعدّ فقط نتيجة لهذه التحولات، بل وقف ولا يزال يقف في صلب العقيدة الصهيونية التي تحكم السياسة الإسرائيلية منذ إقامة الدولة وقبل حدوث تلك التحولات بكثير.