نجحت الحكومة الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، في إقرار الموازنة العامة للعامين الجاري 2021 والمقبل 2022، وهذا من المفترض أن ينقلها إلى حلبة النشاط العادي لكل حكومة، ما قد يفرض عليها مجددا واقع الخلافات بين أطراف الحكومة، وما يعيد طرح السؤال حول مصيرها ومدى صمودها. في المقابل، فإن الاقتصاد الذي يبث مؤشرات "إيجابية" بشأن النمو الاقتصادي، وتقليص العجز، بات في أوج موجة غلاء جديدة، حتى وصفتها الصحافة الاقتصادية بـ"تسونامي غلاء". بموازاة ذلك، فإن قيمة الشيكل ارتفعت بشكل حاد أمام العملات العالمية، وأولها الدولار واليورو، ولكن حسب كل الخبراء فإن هذا ارتفاع غير مفهوم، لأنه لم يرفع قيمة الشيكل الشرائية، وهذا ما تثبته موجة الغلاء التي احتدت في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
بعد عامين من عدم الاستقرار السياسي، تشكلت الحكومة الإسرائيلية الحالية بناء على اتفاق تدوير (مناوبة) بحيث يتم تنصيب نفتالي بينيت رئيسا للحكومة لمدة عامين فقط، وبتاريخ 27 آب 2023 سيخلفه رئيس حكومة جديد، هو يائير لبيد. بتاريخ 28 تشرين الأول، أي بعد مرور أربعة أشهر على عمر الحكومة، نشر الاعلام الإسرائيلي تصريحات مسربة لبينيت، والتي بموجبها يشكك في قيام هذا التدوير، ويرى أن مستقبل الحكومة هو الانهيار قبل أن يحل موعد ولاية لبيد. هذا التصريح المسرب أعاد إلى الأذهان اتفاق التدوير الذي حصل في العام السابق بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، عندما استطاع نتنياهو بكل سهولة الإخلال بالاتفاق، ومنع وصول غانتس إلى رئاسة الحكومة في تصرف سياسي أناني قام نتنياهو من خلاله بجر دولة إسرائيل إلى جولة انتخابات جديدة على أمل أن يتم إعادة انتخابه ويبقى في موقعه.
أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في الثاني والعشرين من تشرين الأول 2021، عن ست منظمات مجتمع مدني فلسطينية هي: مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومؤسسة الحق؛ وفرع الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فلسطين؛ واتحاد لجان العمل الزراعي؛ ومركز بيسان للبحوث والانماء؛ واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، والتي تعمل جميعها في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق الأسرى والتنمية، بأنها منظمات "إرهابية"، في خطوة وصفها غانتس بأنها تأتي بهدف "محاربة الإرهاب"، الذي سيواصل هو، أي غانتس، ومنظومة الأمن ملاحقته "وتوجيه ضربات له في كل مكان وبشكل متواصل"، وفق بيان صادر عن وزارة الدفاع التي يقودها، والذي ناشد فيه دول العالم "أن تساهم وتتعاون معه" في الحرب التي يخوضها ضد "الإرهاب"، مشددا على أن هذه المنظمات تشكل "غطاء للجبهة الشعبية"، وتعمل على تمويل أنشطة تابعة لها، وأن جزءا من هذه الأموال "الذي تتبرع به دول أوروبية" يذهب لتمويل عائلات أسرى وشهداء ونشاطات "إرهابية" تابعة للجبهة الشعبية.
تحتل القضية الفلسطينية مرتبة متدنية جداً في سلم أولويات الجمهور الإسرائيلي واهتماماته، كما ترى الأغلبية من بينه "ضرورة" إضعاف قيادة الشعب الفلسطيني ومؤسساته، وإذا ما أبدى بعض الاهتمام بهذه القضية فهو اهتمام من منظور وضع إسرائيل الدولي وما يمكن أن تجنيه من ثمار وفوائد من أية خطوة تخطوها في اتجاه التوصل إلى تسوية سياسية، سلمية، للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. ويعكس هذا الرأي تراجعاً كبيراً، واضحاً تماماً، في موقف الجمهور الإسرائيلي عموماً من النزاع مع الشعب الفلسطيني، أوضاع الشعب الفلسطيني الحياتية وآفاق حل هذا النزاع سلمياً، عما كان عليه هذا الموقف في سنوات قريبة خلت.
قوبل تقرير رسمي إسرائيلي جديد حول شكل ومدى الاستعدادات الحكومية لمواجهة أزمة المناخ بتغطية استثنائيّة وحتى بقلقٍ غير مسبوق، سواء في وسائل الإعلام أو لدى الجهات الناشطة والمهتمّة بجودة البيئة، إذ أنه ركّز الضوء على المخاطر التي باتت معروفة للمهتمّين والدارسين، ولكنه وضعها في سياق فشل الحكومات الإسرائيلية المتراكم ليس في حماية البيئة فقط، بل أيضاً في حماية المواطنين. وصفحات التقرير تقدّم صورةً لمخاطر في ازدياد وتفاقم، ويكاد لا يوجد قطاع مدنيّ واحد لا يعاني من مصاعب ومشاكل وقصور في الأداء، مما يحمل تهديدات حقيقية في المستويات المنظورة والوسطى والاستراتيجية.
تقف الحكومة الإسرائيلية، هذا الأسبوع، أمام الامتحان الأصعب منذ حصولها على الثقة في منتصف حزيران الماضي، حينما ستعرض على الهيئة العامة في الكنيست مشروع الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل، للتصويت عليه بالقراءة النهائية. وبدا حتى مطلع الأسبوع، أن الائتلاف الذي يتركز على 61 نائبا من أصل 120 نائبا ما زال متماسكا، وقد ينجح في تمرير الميزانية. في المقابل، فإنه على الرغم من أن الائتلاف هش وضعيف نسبيا، إلا أنه نجح في تمرير قانون عجزت عنه حكومات سابقة، وهو ما سيكسر احتكار إصدار "شهادات الحلال"، لينهي جدلا قائما منذ سنوات طويلة.
الصفحة 96 من 324