"نحن نستبدل الشرطة والجيش"؛ "... نحن في حرب الاستقلال"- هكذا عبّر قائد عصابة من المسلّحين بمسدسات وأسلحة رشاشة مكونة من مستوطنين يهود جاؤوا من المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية بين النهر والبحر، مع اختفاء واضح للخط الأخضر، لـ "استعادة الردع اليهودي" و"مهاجمة العرب" و"لمساندة وحماية اليهود من الهجمات العربية"، خلال أحداث هبّة أيار من العام الماضي، والتي اندلعت على خلفية عمليات التطهير العرقي في حيّ الشيخ جرّاح في القدس وحيّ العجمي في يافا والضفة الغربية وغيرها من ممارسات المستوطنين وسياسات الدولة الإسرائيلية الاستعمارية الاستيطانية بحقّ الفلسطينيين في تجمّعاتهم الأربعة على امتداد فلسطين التاريخية، ووصلت ذروتها في اندلاع الحرب على غزة، ومواجهات مع الاحتلال ومستوطنيه عمّت كل التجمّعات الفلسطينية، التي باتت وحدة واحدة في مواجهة منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلية، وتجلّى ذلك بصورته الأوضح في إضراب يوم 17 أيار الذي عمّ أرجاء فلسطين بين النهر والبحر.
ضمت منظمة العفو الدولية (أمنستي) مؤخراً صوتها إلى هيومن رايتس ووتش وعدة منظمات غير حكومية إسرائيلية، وخلصت الى أن إسرائيل تقوم بارتكاب جريمة الفصل العنصري.
يستند هذا الاستنتاج إلى أكثر من مئتي صفحة من الدلائل المتعلقة بمعاملة الفلسطينيين، سواء في إسرائيل نفسها أو في الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967.
أقر الكنيست الإسرائيلي الأسبوع الماضي بالقراءة الأولى مجددا مشروع القانون الذي يحرم آلاف العائلات الفلسطينية، التي أحد الوالدين فيها من الضفة الغربية وقطاع غزة ودول عربية، من لم الشمل؛ ولم يتسن للحكومة اجتياز ما كان يظهر وكأنه عقبة إلا بعد التنسيق مع الكتلة الأكثر تطرفا في اليمين الاستيطاني في صفوف المعارضة، التي تم إقرار مشروعها الأكثر تشددا لنفس الغرض في ذات المشهد. ومشهد التصويت يدل على تعلق الأحزاب المشاركة في الائتلاف بهذه الحكومة، حتى لو أصابت ممارساتها نقاطا جوهرية في مواقف سابقة لها. في المقابل، فإن موجة الغلاء ما تزال تشغل الساحة الإسرائيلية والحكومة تعرض خطوات لن تغير الكثير من واقع الغلاء.
دأبت إسرائيل في الماضي على إظهار استخفافها ولامبالاتها إزاء الأصوات الصادرة عن أطراف إقليمية ودولية تنتقد سياساتها وممارساتها، سواء كانت تلك الأطراف دولا وحكوماتٍ وأحزابا، أو منظماتٍ، وبشكل خاص إزاء تقارير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، والتي واظبت على رصد الانتهاكات الإسرائيلية الفظيعة لحقوق الفلسطينيين. ولم تخل هذه التقارير يوما من كيل الاتهامات لحكومة إسرائيل بمخالفة القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، وارتكاب أعمالٍ ترقى إلى مستوى جرائم الحرب. وكانت الانتقادات القاسية تصدر بشكل دوري عن منظمات حقوق الإنسان، لكن ردودَ أفعال الأوساط الإسرائيلية الرسمية والحزبية، ومن يدور في فلكها من وسائل الإعلام، بدت على الدوام جاهزةً ونمطيةً من حيث التصنيفُ المسبق لهذه المنظمات بأنها تقف في صف أعداء إسرائيل من اليسار والعرب وقوى التطرف الإسلامي، وبأن مواقفَها جزءٌ من الحملات اللاسامية المعادية لحق الشعب اليهودي في تقرير المصير!
أعادت وفاة القاضية الإسرائيلية ميريام ناؤور (1947-2022) السجال الإسرائيلي حول المحكمة العليا إلى الواجهة. ناؤور كانت ترأست المحكمة العليا منذ العام 2015 وحتى تقاعدها في العام 2017، وعملت في سلك القضاء الإسرائيلي لمدة 38 عاماً منها 14 عاماً في المحكمة العليا، كما كانت تشغل عند وفاتها، في 24 كانون الثاني 2022، رئاسة لجنة التحقيق في حادثة جبل ميرون.
في كانون الثاني 2022، استشهد المسن عمر عبد المجيد أسعد، 80 عاما، من قرية جلجليا قضاء رام الله، وهو مواطن فلسطيني يحمل جواز سفر أميركياً، بعد أن قيده جنود إسرائيليون لساعات وألقوه في البرد القارس. لاقى استشهاد أسعد ردود فعل محلية ودولية بسبب هذه الواقعة. كانت كتيبة في الجيش الإسرائيلي تدعى "نيتسح يهودا" هي من قام باقتحام جلجليا والتسبب في استشهاد أسعد.
الصفحة 86 من 324