ضمت منظمة العفو الدولية (أمنستي) مؤخراً صوتها إلى هيومن رايتس ووتش وعدة منظمات غير حكومية إسرائيلية، وخلصت الى أن إسرائيل تقوم بارتكاب جريمة الفصل العنصري.
يستند هذا الاستنتاج إلى أكثر من مئتي صفحة من الدلائل المتعلقة بمعاملة الفلسطينيين، سواء في إسرائيل نفسها أو في الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967.
كان ردة فعل الحكومة الإسرائيلية والعديد من مناصريها حول العالم هو إدانة منظمة العفو الدولية. وتم اتهام تقرير منظمة العفو الدولية بأنه معادٍ للسامية، وهو الاتهام المعتاد الذي يقصد به دفع الاتهام عن الدولة الصهيونية. وكان أبا إيبان، وهو وزير الخارجية الإسرائيلية المخضرم، من اقترح استراتيجية التحريف في أوائل السبعينيات. إن الخلط ما بين انتقاد إسرائيل وما بين المعاداة للسامية يكفل إفلات إسرائيل من العقوبة، وهو أمر يدركه الجميع. يقف هذا الاستخدام الواسع لشبح معاداة للسامية حارساً لإسرائيل ويخيف أولئك المترددين الذي يخشون الحديث بصراحة. بل قد تنتهي فجأة مهنة السياسي أو الصحافي الذي يجرؤ على ذلك.
إن جماعات اللوبي الصهيوني النشطة حول العالم منظمة، ومتحفزة، وممولة. وهؤلاء يعتمدون على الملايين من المسيحيين الصهيونيين الذين يرون في دولة إسرائيل تجسيداً لآمالهم المسيحية، وعلى عدد أقل من اليهود الذين أصبحت إسرائيل بالنسبة لهم مركز هويتهم. تتمتع إسرائيل أيضاً بدعم قوي من الحركات السياسية اليمينية المعجبة بإسرائيل باعتبارها نموذجاً للقومية الحصرية بلا خجل.
القضية الأخرى التي تصب في صالح إسرائيل هي أن الاستعمار باعتباره السبب الأساسي لوجود الأبارتهايد، بدأ يحظى بالاحترام من جديد في الدوائر الحاكمة داخل العديد من الدول الغربية. وأشاد البعض، بمن فيهم توني بلير وإيمانويل ماكرون، بمساهمات شعوبهم في مستعمراتهم السابقة. إن هذا جزء من الانتقال السياسي المستمر إلى اليمينية في العديد من الدول. لا تقوم إسرائيل باضطهاد الفلسطينيين وحسب، بل إنها مورد رئيس للأسلحة ومعدات المراقبة والمعرفة – التي اختُبرت بشكل روتيني على الفلسطينيين – لعدد من الأنظمة القمعية ابتداء من كولومبيا وصولاً إلى السعودية. كل هذا يجعل مسألة إسرائيل مؤثرة بشكل خاص. هذه القطعة الصغيرة من الأرض في غرب آسيا هي نقطة تركيز مهمة في النضال العالمي ضد التمييز والظلم المنهجيين.
ولم يتضح بعد ما إذا كان تقرير منظمة العفو الدولية سيحرك الرأي العام ضد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، في الوقت الذي تتوجه فيه أنظار العالم إلى مخاوف أخرى أكثر أولوية. من ناحية أخرى، يرى الكثيرون شيئاً مشتركاً بين محنة الفلسطينيين من جهة، ومسألة "حياة السود مهمة"، والاعتراف الرسمي بالإبادة الجماعية الثقافية للشعوب الأصلية في كندا، وتزايد الشعور المناهض للاستعمار في البلدان التي ولدت من مستعمرات من جهة أخرى. وأظهرت الدراسات الاستقصائية باستمرار أن موقف كندا والعديد من البلدان الغربية المؤيد لإسرائيل يعاني من عجز ديمقراطي لأن معظم الناس في تلك الدول يتعاطفون مع الفلسطينيين. في ظل هذه الظروف، من المرجح أن يصبح المجتمع المدني العامل الرئيس في التغيير.
يدرك الصهيونيون داخل إسرائيل وخارجها هذا الخطر جيداً. يكتب الحاخام الرئيسي الحالي في جنوب أفريقيا في صحيفة "جيروزاليم بوست" محذراً من أن "النية وراء تقرير منظمة العفو الدولية هذا، مثل جميع أولئك الذين يتهمون إسرائيل بالفصل العنصري زوراً، هي تدمير الدولة اليهودية من خلال كسر عزيمة مواطنيها الشجعان بجعلهم يخجلون من دولتهم، والعزوف عن الخدمة في جيشها أو دفع ضرائبها؛ وفي المقابل حثهم إلى التطلع إلى الهجرة لتجنب عار وألم العقوبات والإقصاء الدولي". إنه يتحدث من تجربة بلده وهو محق تمامًا في القلق بشأن الطبيعة الصهيونية لدولة إسرائيل التي تقوم على أساس التمييز.
لاحظ ليونارد كوهين بحكمة أن "هناك تشققات في كل شيء؛ وهكذا سوف يدخل الضوء". ربما يكون تقرير منظمة العفو الدولية قد كشف حقيقة نظام الفصل العنصري وسلط الضوء على ممارسة إسرائيل للتمييز المنهجي والتي لم تعد خفية بعد الآن.
_______________________________
(*) الكاتبان على التوالي هما أستاذ متقاعد في علم الاجتماع في جامعة كيبيك في مونتريال، وأستاذ فخري في التاريخ في جامعة مونتريال. ترجمة خاصة.