المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 854
  • هشام نفاع

استمراراً للمقال السابق بعنوان "معطيات رسمية: جرائم القتل بالسلاح في المجتمع العربي بين 2013 - 2019، ثلاثة أضعاف نظيرتَها في المجتمع اليهودي"، والذي تناول تقريراً نشره مراقب الدولة في إسرائيل، مؤخراً، تحت عنوان "تعامل شرطة إسرائيل مع حيازة الأسلحة غير القانونيّة وحوادث إطلاق النار في بلدات المجتمع العربيّ والبلدات المختلطة"، فيما يلي إجمالٌ لما تم اتخاذه من قرارات حكومية وما تم وضعه من خطط مختلفة عنوانها مكافحة الجريمة والسلاح في المجتمع العربي، والتقييم الذي يضعه المراقب، وهو يقوم بربط لبعض الخيوط التي تقود إلى بعض مكامن الخلل بل التقاعس، التي يكشفها ويحدّدها، في عمل السلطات.

في إطار "مخطّطات لمعالجة الإجرام في المجتمع العربيّ"، يتوقف التقرير عند ما عُرف بـ"الخطّة الخماسيّة"؛ القرار الحكوميّ 922 في كانون الأوّل 2015 المتعلّق بـ"التطوير الاقتصاديّ في صفوف سكّان الأقلّيّات". ثم قرار الحكومة 1402 في نيسان 2016، وأُلقِيَ فيه على عاتق وزارة الماليّة ووزارة الأمن الداخليّ العملُ على بناء خطّة عمل متعدّدة السنوات للفترة الواقعة بين العامين 2016 - 2020 "لتحسين مستوى الأمن الشخصيّ في الوسط العربيّ وتعزيز الأمن في لواء القدس". وحدّد في القرار أنّ تشمل الخطّة إقامة محطّات شرطة جديدة، وتعزيز محطّات الشرطة القائمة، وتعزيز منظومات تنفيذيّة إضافيّة، وتعزيز منظومات الدعم للشرطة بنحو 2600 وظيفة جديدة. كلفة الخطّة هي مليارا شيكل، مليار واحد منهما في قاعدة الميزانيّة.

لم يحدّد قرار الحكومة أي جزء من الميزانيّة سيُستخدم لتحسين مستوى الأمن في المجتمع العربيّ، وما هي حصّة "تعزيز الأمن في لواء القدس". وهكذا ففي العام 2018، قلّصت الشرطة تطبيق الخطّة "بسبب التقليصات التي فُرضت على مُجْمَل الوزارات الحكوميّة، وبسبب قيام وزارة الأمن الداخليّ بنقل ميزانيّات خلال العام 2018 بين بنود مختلفة في ميزانيّة الشرطة". في تقرير مراقب الدولة العام 2019، جرى استعراض خلفيّة التغييرات التي نُفّذت في بداية العام 2018 في مخطّطات عمل الشرطة، ومن بينها تغييرات في الخطّة الخماسيّة. وأشار التقرير إلى أنّ وزارة الأمن الداخليّ قد أرسلت للشرطة مخطَّطاً يتضمّن مستجدّات ميزانيّة العام 2018 - 2019، الأمر الذي استوجب إلغاء وإيقاف جزء كبير من المشاريع التي صودق على تنفيذها في إطار خطّة عمل الشرطة للعام 2018، بما يشمل إلغاء وإيقاف مركّبات من الخطّة الخماسيّة.

وقد تبيّن العنوان الرئيس الذي ذهبت اليه الميزانيات التي تم تقليصها وتحويلها وإزاحتها لمهام أخرى، ووفقاً للتقرير: "من المبلغ الذي خصّصته الشرطة لتحسين الأمن في المجتمع العربيّ، خُصّص مبلغ 725 مليون شيكل لتعزيز الأمن في لواء القدس". ويخلص المراقب: يُفترَض، كما ذُكِر أعلاه، أنّ الخطّة قد مُوِّلت بنسبة نحو 44% من الميزانيّة التي حدّد قرار الحكومة ضرورة تخصيصها (فجوة بمبلغ 709 ملايين شيكل)، وبلغ التنفيذ الفعليّ نحو 47% (فجوة بمبلغ 678 مليون شيكل). على هذا النحو تضرّرت قدرة الحكومة على تحقيق غاياتها في هذا المجال. نقترح على وزارة الأمن الداخليّ أن تأخذ القراراتُ الماليّة التي تؤثّر جذريّاً على تطبيق الخطط المتعدّدة السنوات في هذا المجال بالحسبان اذ أنّ هذا الموضوع حُدّد كغاية مركزيّة – كما يوصي التقرير.

لم تُعزّز قوات مواجهة الجريمة بل جرى إعادة انتشار لها فحسْب

يتناول تقرير المراقب، بلغة لا تحترم الهوية الجمعية للعرب الفلسطينيين مواطني إسرائيل، ما يسميه "تجنيد أفراد شرطة مسلمين"، ويتبّين أنّه "على الرغم من حملات التجنيد الكثيرة التي نُفّذت في السنوات الأخيرة، نسبةُ الارتفاع في عدد الشُّرطيّين المسلمين الذين يخدمون عمليّاً في الشرطة محدودة جدّاً، وعلى الشرطة أن تفحص أسباب نسبة الإقالات العالية، وإيجاد حلول ملائمة لتحسين دمج الشُّرَطيّين المسلمين في الشرطة. نوصي أيضاً بأن تفحص الشرطة غاياتها في مجال تجنيد الشُّرَطيّين المسلمين، مع الالتفات إلى حصّتهم السكّانية في صفوف عموم سكّان الدولة، وإلى الأمور الإيجابّية التي قد تترتّب على دمجهم في سياق النشاط الميدانيّ لمكافحة نِسَب الإجرام العالية في صفوف السكّان العرب".

في هذا المجال، يعود المراقب ليؤكد الفشل حتى في نقطة خلافية بين السلطة وممثلي المواطنين العرب، وهي فتح محطات شرطة جديدة في وقت يثبت كل يوم أن هذه المحطات لا تساهم بالمرة في مواجهة الإجرام المنظم والسلاح المنفلت. ويكتب المراقب: "تبيّن أنّه قد جرى في إطار الخطّة الخمسيّة افتتاح 8 محطّات شرطة، وَ5 نقاط شرطة، وذلك في الفترة الواقعة بين العامين 2016 - 2020. ثلاث من النقاط الخمس استبدلت 3 ثلاثَ محطّات شرطة لم يجرِ افتتاحها بسبب التقليص في ميزانيّة الخطّة الخماسيّة. علاوة على ذلك، أقيمت ستّ من المحطّات المذكورة على أساس قوّة مَهَمّاتيّة لمحطّة شرطة قائمة عملت في القِطاع الذي أقيمت فيه المحطّة الجديدة".

ويضيف: "تشكّل إقامة محطّات شرطة جديدة مكوِّناً مركزيّاً في الخطّة الخماسيّة، وهي مُعَدّة لزيادة حجم القوّات التي تحارب من أجل القضاء على الجريمة في المجتمع العربيّ، وتقدّم الخدمات للسكّان. على الرغم من ذلك، تبيَّنَ أنّ أربعا من المحطّات الثماني التي أقيمت لم تؤدِّ إلى زيادة ملحوظة في حجم القوّات، لأنّها أنقصت من وظائف سائر المحطّات التي تعمل في القِطاع ذاته، وما جرى تنفيذه فعليّاً هو إعادة انتشار للقوّات التي تعمل في هذه القِطاعات". معنى ذلك أن حتى "الإنجاز" الوحيد الذي سوّقته الحكومة هو عبارة عن رزمة لامعة حول علبة فارغة. لم يتم تعزيز القوة البوليسية المخصصة لمواجهة الجريمة بل لم يتعدّ الأمر نقل عناصر من هنا إلى هناك. ملاحظة المراقب هذه لا تبقي شيئاً من الادعاءات الحكومية عن خطوات فعلية ضد الجريمة التي تفتك ببلدات المواطنين العرب.

التشكيك في مدى فاعليّة فتح محطات شرطة جديدة

السؤال المطروح: ما هي القيمة الفعلية لتلك المحطات؟ يجد جواباً مهماً في استخلاصات المراقب. فيكتب: "في العام 2019، أَعَدّت الشرطة خطّة خماسيّة جديدة لفترة الأعوام 2020-2024، وتعتزم من خلالها فتح ثماني محطّات شرطة جديدة، وإضافة 1200 وظيفة في ميزانيّة لمرّة واحدة تصل إلى مليار شيكل وميزانيّة جارية بقيمة 700 مليون شيكل. يُتوقّع أن تقدَّم الخطّة للمصادقة عليها من قِبل الشرطة ووزارة الأمن الداخليّ، ومن ثَمّ عرضها على وزارة الماليّة. والخطّة الخماسيّة الأولى من العام 2016 أفْضَت إلى إقامة 8 محطّات شرطة وَ5 نقاط شرطة في المجتمع العربيّ، على الرغم من معارضة إقامتها في جزء من الحالات. إضافة إلى ذلك، أَفْضَت الخطّة إلى رفع أحجام تجنيد الشُّرَطيّين المسلمين. هذه الخطوات تحمل في طيّاتها إمكانيّة تعزيز ثقة المجتمع العربيّ بالشرطة، وقد تدفع إلى تحسين الخدمات المقدَّمة للسكّان". ولكنه يخلص إلى ما يلي:

"على الرغم من هذا، تُظهِر رقابة المتابعة أنّ الأمر لم يؤدِّ إلى الحدّ من الجريمة في المجتمع العربيّ في هذه السنوات، لا بل إنّها شهدت تفاقماً في عدد من المجالات. كلّ هذا على الرغم من أنّ قرار الحكومة 1402 الذي وُضعت الخطّة على أثره تطرّق إلى تحسين الأمن الشخصيّ". ويشدد التقرير على أنه "بالرغم من الارتفاع في فرض القانون، في كلّ ما يتعلّق بمخالفات إطلاق النار، ثمّة ارتفاع متواصل ومنهجيّ في الإجرام في المجتمع العربيّ، بما في ذلك في المخالفات المذكورة. نوصي أن تقوم الشرطة، قُبَيْل المصادقة على الخطّة الخماسيّة 2020-2024، بإجراء مراجعة عميقة لنتائج الخطّة المنتهية، وأن تفحص - فيما ستفحص- درجة نجاح الخطّة، وتستكمل مسار استخلاص العبر، وتتّخذ قراراً بشأن طابع الخطّة الصحيح؛ أهو إقامة محطّات وتجنيد شُرَطيّين من المجتمع العربيّ، أَم ثمّة حاجة إلى مركّبات أخرى أو إضافيّة في سبيل خلق التغيير المطلوب في حجم الجريمة؟ وغير ذلك. إذا قُرّر المصادقة على خطّة خماسيّة جديدة، يجب على وزارة الماليّة ووزارة الأمن الداخليّ والشرطة التفكيرُ في تمويل الخطّة على امتداد سنواتها الخمس، الأمر الذي سيؤدّي إلى تحديد غايات ومؤشّرات قابلة للقياس بوضوح، كي يصبح بالإمكان فحص مدى نجاعة الخطّة وتأثيرها"، كما ورد.

"الإجرام في المجتمع العربيّ تفاقم أكثر فأكثر في عدد من المجالات"

في ملخّص تقرير المراقب لموضوع "مخطّطات لمعالجة الإجرام في المجتمع العربيّ"، يكتب أنه: "على ضوء توصيات لجنة أور الصادرة العام 2003، والقرارات التي اتّخذتها الحكومة منذ ذلك الحين، عزّزت وزارة الأمن الداخليّ والشرطة من نشاطات الوقاية وفرض القانون في صفوف المجتمع العربيّ على امتداد السنوات. على الرغم من ذلك، جاء في التقرير الرقابيّ السابق أنّ الإجرام الخطير في المجتمع العربيّ تفاقم على امتداد هذه السنوات، كما تفاقمت أحداث العنف، بما يشمل مخالَفات الوسائل القتاليّة وإطلاق النار، وكلّ ذلك على نحوٍ فاق بيانات الإجرام القُطْريّة بكثير، سواء أكان ذاك في حجم الجريمة أَم في خطورتها".

ويتبيّن من رقابة المتابعة أنّه منذ نشر التقرير السابق في آب 2018، وعلى الرغم من أنّ الشرطة قد أنهت تطبيق جزء كبير من الخطّة الخماسيّة، "لم تُفْضِ هذه الخطّة بعد إلى خلق التغيير المنشود. الإجرام في المجتمع العربيّ تفاقم أكثر فأكثر في عدد من المجالات، ومن بينها أحداث إطلاق النار، بارتفاع بنسبة 19% في العام 2018، وبنسبة 8% في العام 2019، وصولاً إلى رقْم قياسيّ هو 9200 حادث إطلاق نار في العام. بالإضافة إلى ذلك، حصل ارتفاع في عدد ضحايا المخالَفات المرتكَبة ضدّ الأشخاص والأجساد بأكثر من 10% في الفترة الواقعة بين العامين 2017-2019، وصولاً إلى رقْم قياسيّ وهو 15100 ضحيّة، ووصل عدد المغدورين كذلك إلى رقْم قياسيّ: 95 قتيلاً في العام 2019".

وتشير بيانات العام 2020 حول أحداث إطلاق النار وضحايا القتل إلى تواصل هذا الاتّجاه، فقد وقع 10874 حادث إطلاق نار في جميع أرجاء البلاد، وهو ما يشكّل ارتفاعاً بنسبة 18% عن العام 2019. وتبيّن أيضاً أنّ عدد القتلى من المجتمع العربيّ في العام 2020 قد بلغ 106 أفراد، أي ثمّة ارتفاع بنسبة 12% مقارَنة بالعام 2019. كلّ هذا في الوقت الذي جرى فيه تنفيذ نحو47% من الخطّة الخماسّية التي أقرّتها الحكومة.
في معرض ردّها على نتائج التقرير، أشارت الشرطة، إلى "سلسلة من الخطوات التي اتّخذتها لصدّ الظاهرة". ويقول المراقب إنه على ضوء الاتّجاهات الواضحة في السنوات الأخيرة، وتواصل استخدام السلاح الناريّ في المجتمع العربيّ، ثمّة أهمّيّة بالغة لإقامة نشاطات تقييم جارية من قِبل الشرطة في سبيل الوقوف عند درجة تأثير نشاطاتها على خلق التغيير المطلوب في هذا المجال. ومعالجة حوادث إطلاق النار والوسائل القتاليّة تستوجب تعزيز النشاطات الرامية إلى تقليص عمليّات التهريب، والسرقة، والاستيراد غير القانونيّ للوسائل القتاليّة، وتعزيز التعاون بين أذرع الشرطة، وبينها وبين الأجسام المختلفة في جهاز الأمن، وتنظيم الضغوط التي تعاني منها محطّات الشرطة في مدن وقرى المجتمع العربيّ، وتحديد مؤشّرات وغايات لمعالجة الظاهرة.

ويشدّد المراقب توصيته قائلاً إنه "عند مراجعة هذه الخطط، يجب على الشرطة أن تفحص وتحدّد ما هي المساهمات المطلوبة لتشغيلها (القوى البشرّية، والمحطّات، والوسائل التكنولوجيّة وغيرها). عليها أن تفحص أيضاً الحاجة إلى توسيع حجم النشاط البوليسيّ في أبعاد عدّة، من بينها التحقيقات والعمليّات الميدانيّة، وتواجد الشُّرَطيّين الميدانيّ، واستخدام الوسائل، وكذلك تحديد غايات قابلة للقياس في كلّ ما يتعلّق بتقليص حجم الجريمة. أسوة بمخطّطات الشرطة، قام ديوان رئيس الحكومة ببلورة خطّة حكوميّة بنيويّة لمعالجة الجريمة والعنف في المجتمع العربيّ. على ديوان رئيس الحكومة، ووزارة الأمن الداخليّ، والشرطة، العملُ للتنسيق بين الخطط المطروحة، والعمل على تطبيق خطّة حكوميّة بنيويّة معزَّزة بالميزانيّات المطلوبة وبقرار حكوميّ، وأن تضع غايات واضحة لتقليص الجريمة في المجتمع العربيّ تقليصاً بالغاً".

وفي المحصّلة يرى أن "قضية الإجرام في المجتمع العربيّ تشغل المجتمع الإسرائيليّ منذ نحو عشرين عاماً، إلّا أنّ الوضع آخِذٌ في التدهور على الرغم من النشاطات التي اتُّخذت في هذا المضمار. لا يمكن تحقيق تقليص في العنف المتفاقم في المجتمع العربيّ في إسرائيل، ورفع مستوى الأمن الشخصيّ، وتحسين جودة الحياة فيه إلّا من خلال الدمج بين أذرع الشرطة، والحكومة، وقيادات المجتمع العربيّ"، على حد وصفه.

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة, لجنة أور, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات