نشر مراقب الدولة في إسرائيل، مؤخراً، المزيد من فصول تقريره السنوي المفصل، وأفرد مساحة واسعة فيه لموضوع تحت عنوان "تعامل شرطة إسرائيل مع حيازة الأسلحة غير القانونيّة وحوادث إطلاق النار في بلدات المجتمع العربيّ والبلدات المختلطة". وهو ينوّه إلى أن هذا بمثابة "مراقَبة متابعة، والتقرير الحاليّ هو تقرير متابَعة، يقوم بمراجعة عدد من المواضيع التي ناقشها التقرير السابق إلى جانب مواضيع أخرى". التقرير السابق صدر في آب عام 2018، وتناول عدداً من القضايا، من بينها مصادر الوسائل القتاليّة، ومعالَجة محطّات الشرطة لمخالفات الوسائل القتاليّة، ومديريّة المجتمع العربيّ في الشرطة، وخطّة "مدينة خالية من العنف".
وهو يفتتحه مباشرة بمعطيات تدلّ على حجم وخطورة استخدام السلاح، كالتالي: في نهاية العام 2019، بلغ تعداد السكّان العرب في إسرائيل نحو 1.87 مليون نسمة، أي نحو 21% من عموم سكّان الدولة. (ملاحظة: هذا رقم مضخّم لأنه يشمل سكان القدس الشرقية وهضبة الجولان المحتلّتين، أي أن النسبة أقلّ من المذكور). في العام نفسه، 2019، قُتل 95 شخصاً من أبناء المجتمع العربيّ، ويشكّل هؤلاء نحو 65% من مجموع الأفراد الذين قُتِلوا في إسرائيل في ذاك العام.
وفقاً لتعريف المراقب، هناك "ظاهرتان إجراميّتان بارزتان في المجتمع العربيّ: (1) حيازة وسائل قتاليّة غير قانونيّة كالبنادق، والمسدّسات، والقنابل اليدويّة، والقنابل الصوتيّة، والمتفجّرات؛ (ب) الكثير من حوادث إطلاق النار والقنابل التي تشكّل خطراً على حياة الناس مثل: إطلاق النار في الهواء؛ إطلاق النار على المنازل والمحالّ التجاريّة والـمَرْكَبات؛ إطلاق النار على الأفراد؛ وضع عُبُوّات ناسفة؛ إلقاء القنابل اليدويّة والصوتيّة في ساحات البيوت والمحالّ التجاريّة". ويضيف: "إن وزارة الأمن الداخليّ وشرطة إسرائيل مطالَبتان بالعمل من أجل مواجهة هذه الظواهر التي تُلحِق الضرر والأذى بالمجتمع العربيّ خاصّة".
في هذا المقال سيتم إيراد المعطيات الواسعة والخطيرة التي تضمّنها تقرير المراقب، وسيتبعه مقال ثانٍ يُجمل ما تم اتخاذه من قرارات حكومية ووضعه من خطط مختلفة عنوانها مكافحة الجريمة والسلاح في المجتمع العربي، والتقييم الذي يضعه المراقب، وربط لبعض الخيوط التي تقود إلى بعض مكامن الخلل بل التقاعس في عمل السلطات.
ارتفاع بنسبة 17% في عدد ضحايا السلاح في المجتمع العربيّ
*حصل ارتفاع بنسبة تقارب 10% في الفترة بين 2016 - 2018 في عدد الملفات التي تضمّ مشتبهاً به من المجتمع العربيّ، بينما زال هذا الارتفاع تقريباً في العام 2019. في ذلك العام تراجع عدد الملفات بنحو 4000 ملف. على الرغم من ذلك لم يطرأ في الفترة بين عاميّ 2017 - 2019 تغيير ملحوظ في نسبة المشتبه بهم من أبناء المجتمع العربي من مجمل المشتبه بهم من السكان، وفي العام 2019 وصلت النسبة إلى الأعلى في السنوات الست الأخيرة. حصل ارتفاع بنسبة 17% منذ العام 2016 في عدد المشتبَه بهم العرب بارتكاب مخالفات عنف جسدية. وبحسب بيانات الشرطة، نسبة المشتبَه بهم بارتكابهم مخالَفات جسدية من العرب بلغت 30% من مُجْمَل المشتبَه بهم، بينما تبلغ نسبتهم السكّانيّة 21% فقط.
*هناك ارتفاع بنسبة 17% في عدد الضحايا في المجتمع العربيّ نتيجة ارتكاب مخالفات ضدّ الجسد وضدّ الفرد. في الفترة بين العامين 2017 -2019، حصل ارتفاع بالغٌ تجاوز 10% في عدد الضحايا. العام 2019 شهد مقتل 21 شخصاً أكثر ممّن قُتلوا في العام 2018 في المجتمع العربيّ (وذاك ارتفاع بنسبة 28%)، وَ31 شخصاً أكثر ممّن قُتلوا في العام 2016 (أي بارتفاع نسْبته 48%).
*نسبة استخدام السلاح الناريّ في المجتمع العربيّ في مخالفات القتل، في الفترة الواقعة بين 2013 - 2019، تَفُوق نظيرتَها في المجتمع اليهودي بثلاث مرّات. ثمّة تراجع منذ العام 2016 في نسبة الحالات التي ارتُكِب فيها القتل بواسطة السلاح الناريّ في المجتمع اليهودي، بينما حصل ارتفاع متواصل في المجتمع العربيّ بنسبة 24% منذ العام 2016، ووصلت النسبة في العام 2019 إلى78% من مُجْمَل أعمال القتل. وهذا يبيّن أنّ استخدام السلاح الناريّ في المجتمع العربيّ في حالات القتل أعلى بكثير من استخدامه في المجتمع اليهودي، وأنّ هذا الاستخدام يواصل الارتفاع، بينما يحصل تراجع متواصل في استخدام السلاح الناريّ في المجتمع اليهودي في حالات القتل. تُظهر البيانات تأثير وفرة الوسائل القتاليّة على الإجرام في المجتمع العربيّ، وعلى ضرورة تقليصها تقليصاً بالغاً في سبيل مواجهة الإجرام الخطير.
يشدّد المراقب على أن "أحد البيانات التي تشير إلى حجم انتشار الجريمة في المجتمع العربيّ هو عدد رؤساء السلطات المحلّيّة المهدَّدين. وظاهرة تهديد رؤساء السلطات المحلّيّة ترتبط بالصلاحيات الكثيرة المتوافرة لديهم ولدى الموظّفين الكبار في السلطة المحلّيّة، والتي قد تشكّل مصدراً للصراعات والخلافات. في إسرائيل 255 سلطة محلّيّة، من بينها 85 سلطة محلّيّة عربيّة. ويتبيّن أنّ أكثر من 40% (35 من أصل 85) من رؤساء السلطات المحلّيّة العربيّة كانوا مهدَّدين في العام 2019، مقابل 10% من رؤساء السلطات المحلّيّة اليهودية (18 من أصل 170). فضلاً عن هذا، حصل تراجع بنسبة 33% في الفترة بين 2017 - 2019 في عدد رؤساء السلطات المحلّيّة المهدَّدين في المجتمع اليهوديّ، بينما حصل ارتفاع بنسبة 59% في عددهم في المجتمع العربيّ في تلك السنوات. علاوة على ذلك فإن مستويات التهديد التي تحدّدها شرطة إسرائيل أعلى في المجتمع العربيّ ممّا في المجتمع اليهوديّ".
إطلاق النار: ارتفاع بنحو 19% العام 2018 و8% العام 2019
شهد العام 2017 العدد الأدنى من حوادث إطلاق النار في السنوات الأخيرة. لكن العام 2018 شهد ارتفاعاً حادّاً بنحو 19% في حوادث إطلاق النار، وشهد العام 2019 ارتفاعاً إضافيّاً بنسبة 8%. وفي معرض ردّها على بيانات أحداث إطلاق النار المُدْرَجة في تقرير المراقب، زعمت الشرطة أنّ هذه البيانات لا تدلّ بالضرورة على ارتفاع في عدد أحداث إطلاق النار، وأنّه قد ينبع الأمر من ارتفاع في الإبلاغ.
لكن مكتب مراقب الدولة يشير إلى أنّ مراجعة المستندات التي حوّلتها الشرطة إلى مراقب الدولة (كالتلخيصات السنويّة)، بما في ذلك ردّ الشرطة على مسوَّدة التقرير الحاليّ، تُظهر أنّ الشرطة بنفسها ترى أنّ عدد حوادث إطلاق النار التي جرى التبليغ عنها تشكّل مؤشّراً لحجم حوادث إطلاق النار، وتُستخدم هذه البيانات في سبيل تحديد غايات في هذا الموضوع. وهو يورد المعطيات التالية:
*كان 94% من المشتبَه بهم في ملفّات مخالفات إطلاق النار في الفترة بين 2017 - 2019 من المجتمع العربيّ. هذه الصورة شبيهة بالصورة التي استُشِفّت من التقرير السابق الذي تطرّق إلى الفترة بين 2014-2016.
*في "صورة قاسية ومقلقة"، يكتب، ارتفع عدد الذين أصيبوا من جرّاء إطلاق النار في المجتمع العربيّ ثلاثة أضعاف ونصف الضعف وأكثر في الفترة بين 2016 - 2018. عدد ضحايا مخالفات العنف التي استُخدمت فيها الوسائل القتاليّة في المجتمع العربيّ قد تضاعف خلال فترة ستّ سنوات. في العام 2019، بلغت نسبة الضحايا من المجتمع العربيّ 55% من مُجْمَل الضحايا.
الارتفاعُ في فتح ملفّات تحقيق لم يقلص أحداث إطلاق النار
في حين تزعم الشرطة أنّها تواصل بذل جهد من أجل الكشف عن الوسائل القتاليّة، وأنّ عدد الملفّات يشهد ارتفاعاً متواصلاً، يقول المراقب: إن الارتفاعُ في فتح ملفّات التحقيق في مخالفات الوسائل القتاليّة، والتشدد في فرض القانون، لم يُفْضِيا إلى إحداث تقليص في أحداث إطلاق النار التي تشهد ارتفاعاً سنويّاً منذ العام 2017. هذا الأمر قد يفسَّر - فيما يفسَّر- بالعدد القليل في لوائح الاتّهام التي تُقدَّم بسبب مخالَفات إطلاق النار، وبمستوى العقوبات التي تُفرَض على منفّذيها.
ويتابع المراقب: أجابت الشرطة في ردّها أنّ معالجة ظاهرة حيازة الوسائل القتاليّة واستخدامها يقع في صميم نشاطها، لكن الحديث يجري بشأن مَهَمّة قوميّة، ولذا ثمّة حاجة إلى تعاون قوى جميع الأجسام الحكوميّة والأمنيّة من أجل القضاء على الظاهرة. وأَدرجت الشرطة تفاصيل للأنشطة التي تقوم بها في سبيل تقليص منسوب الإجرام، بما يشمل إقامة محطّات شرطة جديدة، وإجراءات لفرض القانون، ونشاطات لتعزيز الثقة، وبناء خطّة تركيز الجهد في البلدات التي تعاني من مَظاهر خطيرة لتفشّي الإجرام.
يؤكد تقرير المراقب على أن البيانات "تُظهر ارتفاعاً متواصلاً في الإجرام في المجتمع العربيّ، سواء أكان في تزايد المخالفات أم في ارتفاع عدد الضحايا، وفي الجنايات الخطيرة واستخدام الرصاص والوسائل القتاليّة. كلّ هذا على الرغم من تسليط وزارة الأمن الداخليّ والشرطة الضوءَ على معالجة الجريمة الخطرة في المجتمع العربيّ والإجراءات التي اتّخذتاها لمعالجتها. مُجْمَل بيانات واتّجاهات الإجرام في المجتمع العربيّ في السنوات الأخيرة من ناحية، وردّ الشرطة التي تشير إلى سلسلة من الإجراءات والفعّاليّات التي تنفّذها، من ناحية أخرى، تشير إلى ضرورة إجراء تقييم شامل للوضع من خلال فحص نجاعة الإجراءات والفعّاليّات التي تنفّذها الشرطة".
وعلى الرغم من أن هناك ارتفاعاً في العام 2019 في نسبة لوائح الاتّهام في مخالفات إطلاق النار، "لكن الحديث يدور حول نسبة ضئيلة جدّاً من ملفّات الاتّهام من مُجْمَل ملفّات التحقيق"، يقول المراقب مضيفاً: "علاوة على ذلك، ارتفع عدد ملفّات الوسائل القتاليّة على امتداد السنوات، بينما كانت نسبة لوائح الاتّهام في هذه الملفّات العام 2019 هي الأدنى في السنوات الستّ الأخيرة، كما شهد العام 2019 تراجعاً كبيراً في عدد لوائح الاتّهام. تجسّد البيانات ضرورة العثور على حلول لقلّة لوائح الاتّهام، على نحوِ ما ذُكِر أيضاً في التقرير السابق، ولا سيّما فيما يخصّ ملفّات الوسائل القتاليّة التي تُفتَح بمبادرة الشرطة. الشرطة مطالَبة في هذا الإطار بالتفكير في المواضيع التي تتطلّب التحسين، والتي تُطرح في إطار مداولات في منتديات مختلفة في الشرطة، بما في ذلك في العام 2020. ومن بين هذه المواضيع: الوصول السريع إلى منطقة وقوع الحدث، وتوسيع استخدام التكنولوجيّات المختلفة، وتخفيف الأعباء عن قسم التحقيقات والاستخبارات، وتقليص الاختناقات في مختبرات فحص قِطع السلاح والوسائل القتاليّة وغير ذلك. كلّ هذا إلى جانب ضرورة تعزيز التعاون بين الشرطة والمجتمع العربيّ".
عقوبات خفيفة على جرائم سلاح خطيرة في معظم الحالات
أفادت الشرطة، في معرض ردّها على المراقب، أنّه "على الرغم من الارتفاع في عدد حوادث إطلاق النار في العام 2019، تراجعت المدّة التي وصلت فيها القوّات إلى موقع الحدث من 12 دقيقة إلى 10 دقائق، نتيجة منح الأفضليّة لمعالجة حوادث إطلاق النار من قبل المحطّات. إضافة إلى ذلك، تقوم الشرطة بتطبيق نماذج (موديلات) مجتمعيّة بالتعاون مع السكّان في سبيل معالجة ظواهر الإجرام المختلفة، بما يشمل ظواهر الوسائل القتاليّة. كذلك اتّخذت محطّات الشرطة إجراءات مختلفة من شأنها الدفع في اتّجاه زيادة نسبة لوائح الاتّهام مقارنة بعدد الملفّات التي فُتحت، بما يشمل التزويد بوسائل للبحث عن الوسائل القتاليّة، توسيع استخدام كاميرات الحراسة والكاميرات التي تصوّر أرقام السيارات، تعزيز استخدام وسائل تكنولوجيّة مختلفة، تعزيز تجميع المعلومات الاستخباراتيّة، تعميق التعاون مع الجيش الإسرائيليّ وجهات أمنيّة إضافيّة، وتعزيز القوّات العاملة".
وَفق قانون العقوبات، العقوبة التي تُفرَض على إنتاج واستيراد السلاح والاتّجار بالسلاح، أو أيّ صفقة أخرى بالسلاح، تصل في الحدّ الأقصى إلى السَّجن مدّة 15 عاماً؛ عقوبة حَمْل أو نقل السلاح غير المرخّص 10 سنوات؛ عقوبة شراء أو حيازة سلاح بدون ترخيص 7 سنوات؛ عقوبة حيازة أو حَمْل جزء من سلاح أو ذخيرة 3 سنوات، ولكن عند إجراء الرقابة السابقة، بلغت العقوبة بالسَّجن على إطلاق النار في الأماكن السكنيّة مدّة عام واحد فقط!
حدّد التقرير السابق أنّه ثمّة صعوبة في بلورة أدلّة كافية تمكّن من تقديم لوائح اتّهام في مخالفات الوسائل القتاليّة وإطلاق النار في المجتمع العربيّ، وأنّ هذه المخالفات تشهد تصاعداً كبيراً، ولذا يجب على وزارة الأمن الداخليّ ووزارة العدل والشرطة إعادة فحص تعديلات القانون الضروريّة من أجل تعزيز فرض القانون والردع تعزيزاً بالغاً. في تمّوز 2018، جرى تعديل القانون المتعلّق بهذه المخالفات، وحُدِّد أنّ تعريف مخالفة إطلاق النار لا يسري فقط على إطلاق النار في الأماكن السكنيّة، بل على إطلاقه في كلّ مكان. وعلاوة على ذلك، رُفِعت العقوبة القصوى من سنة واحدة إلى سنتَيْن. في الحالات التي تُطْلَق فيها النارُ بطريقة يمكن أن تُعَرِّض حياة الناس للخطر، حُدّدت العقوبة القصوى بالحبس لمدّة خمس سنوات. ولكن في 85% من الأحكام في مخالفات الوسائل القتاليّة التي صدرت في الفترة بين 2017-2019، حُكِم بفرض عقوبة سَجْن لمدّة أقصاها ثلاث سنوات