المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
فلسطينية من اللد تمر، في 11 أيار الجاري، من أمام سيارات محروقة بعد صدامات تلت اعتداءات المستوطنين في المدينة. (أ.ف.ب)
فلسطينية من اللد تمر، في 11 أيار الجاري، من أمام سيارات محروقة بعد صدامات تلت اعتداءات المستوطنين في المدينة. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 811
  • وليد حباس

كانت للإضراب العام الذي عمّ مدن الداخل بتاريخ 18 أيار 2021 تداعيات مهمة لا بد من الالتفات إلى بعضها. لا تقتصر هذه التداعيات على المستوى الاقتصادي وحسب، وإنما تنسحب أيضاً على رؤية الحكومة الإسرائيلية لمكانة الفلسطينيين، وجدوى دمجهم اقتصاديا. هذه المقالة تحاول أن تستشرف تداعيات الإضراب، في حال تكرر استخدامه كأسلوب نضالي مطلبي، على مساعي الحكومة الإسرائيلية لدمج المواطنين العرب في الاقتصاد الإسرائيلي.

يقدر مضر يونس، رئيس اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية، بأن أكثر من نصف المجتمع العربي في إسرائيل كان قد شارك في الإضراب. هذه النسبة العالية جدا وغير المسبوقة كانت قد فاجأت السلطات الإسرائيلية. وقد اختلفت نسبة المشاركة في الإضراب من قطاع إلى آخر، فتركت آثاراً متباينة أظهرت مركزية المواطن العربي في الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام، والخدمات الحيوية بشكل خاص. فمثلا، حوالي 910 سائقي حافلات عرب، أو ما يشكل 10 بالمئة من مجموع السائقين العرب واليهود، شاركوا في الإضراب. وقد تأثرت شركتي إيغد وكافيم بشكل خاص جراء الإضراب الذي عطل حوالي 300 سفرة وأدى إلى تشويشات في خطوط أخرى اضطرت لتغيير إما ساعات عملها أو خطوط سيرها. أما عمال النظافة العرب، ومعظمهم من القدس الشرقية، فقد تغيب منهم حوالي 5 آلاف عامل. ورغم أن هذا العدد قليل نسبيا (يشكل حوالي 6.5 بالمئة من مجموع عمال النظافة العرب)، إلا أنه ترك أثرا واضحا في أحياء كاملة داخل إسرائيل والتي لأول مرة تراكمت فيها النفايات. أما قطاع البناء فكان من أكثر القطاعات تضررا، سيما وأن نسبة كبيرة من العمال يفدون يوميا من الضفة الغربية التي شاركت هي أيضا في الإضراب. حسب اتحاد المقاولين الإسرائيلي، فإن عشرات من العمال فقط كانوا قد حضروا إلى أماكن العمل الأمر الذي تسبب في خسائر تقدر بحوالي 130 مليون شيكل في يوم الإضراب لوحده.lee Yaron, “General Strike Highlights Israel’s Dependency on Palestinian Workers,” Haaretz, May 19, 2021, https://bit.ly/3yusqrp.

بالتركيز على المجتمع العربي داخل إسرائيل، فإن الآثار الاقتصادية لإضراب مدته يوم واحد قد لا تقلق إسرائيل حاليا. لكن، على المستوى الاستراتيجي، تضع مسألة الإضراب إسرائيل أمام معضلة قد لا يمكن تجاهلها. وتتلخص هذه المعضلة في المدى الذي يمكن لإسرائيل أن تمضي قدما في دمج المجتمع العربي داخل الاقتصاد الإسرائيلي، بحيث تزداد تبعية الدولة على المواطنين العرب. لكن عشية اندلاع المواجهات بين الفلسطينيين واليهود في نهاية رمضان 2021، والتي تبعها إضراب شامل، كانت إسرائيل تتعامل مع العرب باعتبارهم أفراداً، وليس جماعة موحدة. إن دمج الفلسطينيين كجماعة واحدة في الاقتصاد الإسرائيلي قد يكون كمن يضع حصان طروادة بنفسه داخل قلعته الحصينة.

ويمكن فهم هذه المعضلة من مقابلة مع بنيامين نتنياهو أجرتها صحيفة ذي ماركر (The Marker) عام 2012 عندما قال: "باستثناء العرب والحريديم، فإن وضعنا [الاقتصادي] ممتاز".سامي بيرتس وموتي بسوك، نتنياهو: الصورة انقلبت على ما يبدو.. المواطنون العاجزون أمام لجان نافذة، ذي ماركر، 8 نيسان، 2012 https://www.themarker.com/news/1.1681057. في العام 2018، عادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى التأكيد على هذه الأقوال، وألمحت إلى أن هناك مانعا سياسيا يحول دون نية إسرائيل دمج العرب، ودعت إلى رفع مستوى الأجور لدى العرب في إسرائيل ودمجهم بدون قيود.سامي بيرتس، المفارقة الإسرائيلية التي أسقطت من تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ذي ماركر، 21 آذار 2018 https://www.themarker.com/news/macro/1.5891059. وتتلخص الموانع السياسية التي تحول دون سعى السلطات الإسرائيلية لدمج المجتمع العربي اقتصاديا في كونها تتوجس من فكرة المجتمع العربي كجماعة لها معالم قومية وهوية سياسية فلسطينية. وعليه، ركزت خطط السلطات الإسرائيلية على، أولا، تفكيك الهوية الجماعية لدى فلسطينيي الداخل من خلال فتح النوافذ للرياح النيوليبرالية لتضرب المجتمع العربي من داخله وتحوله إلى أفراد فردانيين. وثانيا، دمج المواطن الفلسطيني اقتصاديا باعتباره فردا عقلانيا تعنيه مصلحته الشخصية بعيدا عن "لوثة" الهويات الجماعية.

ظهرت هذه الرؤية النيوليبرالية المجبولة بإصرار استعماري على محو فلسطينية الفلسطيني بغية دمجه كمجرد فرد لايهودي، جلية في الخطة الخمسية رقم 922 للعام 2016. هذه الخطة، التي أسمتها السلطات الإسرائيلية بالخطة الثورية، كرست حوالي 10 مليارات شيكل لدمج العرب في الاقتصاد الإسرائيلي بحيث يبدؤون بالمساهمة بشكل ملموس في الناتج القومي الإسرائيلي من خلال انخراطهم الكامل بالاقتصاد الإسرائيلي الحيوي، خاصة صناعات التقنية العالية والهايتك.معهد الأمن القومي الإسرائيلي، أصداء- نشرة 8 (تل أبيب: معهد الأمن القومي الإسرائيلي، 2021) https://bit.ly/3dwf31o. لكن ماذا لو فعلا تم المضي قدما بدمج الفلسطينيين ومن ثم قاموا بالإضراب مجددا؟

لقد أظهرت بعض المؤشرات أن هناك قوة خفية للمجتمع الفلسطيني على الاقتصاد الإسرائيلي. فمثلا، حوالي 47 بالمئة من الصيادلة هم من العرب. فإذا أضرب قسم منهم، ستكون هناك آثار واضحة على القطاع. وقد أشار أمنون أبراموفيتش، المحلل السياسي في قناة التلفزيون 12، إلى أن للعرب داخل إسرائيل قدرة تدميرية إذ أن إضرابهم يعني أنه لن يكون هناك أطباء، وممرضون، وعمال نظافة، وسائقون، ولا حتى هدافون في مباريات كرة القدم.https://www.facebook.com/fadia.mawed/videos/10209252641231271/?d=n

المرجح بن الإضراب، ورغم مروره سريعاً، سيترك ندبة على جبين السلطات الإسرائيلية التي قد تعيد حساباتها فيما يتعلق بمضمون الخطة 922، دون أن يعني الأمر تجاوزها أو إلغاءها. فالخطة الخمسية مخطط لها أن تنتهي في العام 2021، على أن تفضي إلى تذليل الفروقات الاقتصادية ما بين العرب واليهود. لكن الأحداث الأخيرة أججت الكره بين فئات معينة من المجتمع اليهودي وبين العاملين العرب. فمثلا، تعالت الأصوات لدى بعض اليهود بضرورة طرد المضربين من أعمالهم. كما أن المواجهات التي شابها عنف داخل المدن والأحياء التي يسكنها فلسطينيون، ستترك صدعا جديدا في علاقة المجتمع العربي بالإسرائيلي، الأمر الذي قد لا يعرقل الدمج الاقتصادي بقدر ما قد يعرقل تفتيت الهوية الجماعية واستبدالها بالفردانية.

 

المصطلحات المستخدمة:

كرة القدم, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات