المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الاستيطان في أراضي 67: من الهامش إلى المتن.  (أ.ف.ب)
الاستيطان في أراضي 67: من الهامش إلى المتن. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 941
  • برهوم جرايسي

 يجري الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، يوم 5 نيسان الجاري، المشاورات مع 13 كتلة برلمانية، حول تكليف عضو كنيست لرئاسة الحكومة، ومن المفترض أن يصدر قراره حتى مساء الأربعاء 7 نيسان.

وأمام الرئيس خياران، إما أن يحسم لصاحب الاحتمالات الأكبر، أو أن ينقل القرار للكنيست، خاصة إذا لم يحظ أي من المرشحين بتأييد 61 نائبا.

من ناحية أخرى، دلت قراءة نتائج الانتخابات النهائية على استمرار انزياح الشارع اليهودي نحو أحزاب اليمين الاستيطاني مباشرة، التي حازت على 67% من أصوات اليهود، عدا نسبة أصوات أخرى اتجهت لقوائم يمين.

وحتى مساء الأحد من هذا الأسبوع، كانت الاحتمالات كلها مفتوحة، على افتراض احتمال حصول مفاجآت الساعة الأخيرة، لأي من القوائم. وتتركز الأنظار خاصة على القائمة العربية الموحدة، برئاسة عضو الكنيست منصور عباس، كونه أعلن مسبقا أن كل الخيارات مفتوحة، وليست لديه معارضة مبدئية لتكليف شخص بنيامين نتنياهو، حتى لو أن أول شركائه في الحكومة سيكون كتلة "الصهيونية الدينية" التي تضم حركة "قوة يهودية" المنبثقة عن حركة "كاخ" الاستيطانية المتطرفة.

أما كتلة القائمة المشتركة، فإن كل المؤشرات حتى مساء الأحد، تدل على أنها لن توصي على أحد، خاصة بعد ظهور مؤشرات، حول أن رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، على استعداد لتشكيل حكومة تحالفية مع رئيس حزب "يمينا" اليميني الاستيطاني، نفتالي بينيت، وأن يكون الأخير أولا في رئاسة حكومة تناوبية.

كذلك، فإن التكليف الرئاسي من شأنه أن يحسم في رئاسة اللجنة المنظمة للكنيست، في أسابيعها الأولى، إلى حين انتخاب كل اللجان البرلمانية، بعد إقامة الائتلاف الحكومي. وأيضا قد يؤثر على انتخاب رئيس الكنيست، رغم أن القانون المعدّل في السنوات الأخيرة، يجيز لرئيس الكنيست من الولاية السابقة، وفي حال انتخابه مجددا عضو كنيست، أن يبقى في منصبه إلى حين انتخاب رئيس جديد للكنيست. وهذه أمور إجرائية ذات مغزى على صعيد موازين القوة البرلمانية.

مؤشرات نسبة التصويت

النتيجة الأولى البارزة بشأن نسبة التصويت، أنها انخفضت من 71.52% في انتخابات آذار 2020، إلى 67.44% في انتخابات آذار 2021. ومن ناحية عددية، لربما لها دور هذه المرّة، فإن الحديث عن تراجع بما يلامس 179 ألف ناخب.

وإذا ما عرفنا، أن عدد المصوتين العرب تراجع من آذار 2020 إلى آذار الماضي بنحو 220 ألف ناخب، وبعد احتساب عدد المصوتين الجدد عامة، بما يلامس 125 ألف ذوي حق اقتراع، وقرابة 104 آلاف منهم يهود، فبالإمكان القول، إن الغالبية الساحقة من تراجع نسبة التصويت، تعود لتراجع نسبة التصويت بين العرب، من 66% قبل عام، إلى 44%- 45% في آذار الماضي. بينما بين اليهود يقدّر تراجع نسبة التصويت بنحو 0.7%.

دائما كان التصويت في المدن والبلدات ذا هوية محددة، بين يهود وعرب، وأيضا انتماءات داخلية في كل واحد من الجمهورين، إلا أن ارتفاع نسبة التصويت خارج صناديق الاقتراع المخصصة لكل ناخب، وفق سجل الناخبين، يشوش إلى حد ما معرفة الفوارق في نسبة التصويت، بين الشرائح المختلفة، في داخل الجمهورين. ولهذا فإن المحصلة العددية، لكل قائمة، ومقارنتها بالانتخابات السابقة، ساعدا على الاقتراب من صورة ما جرى في هذه الانتخابات. ففي انتخابات آذار 2020، تجاوز عدد الذين صوتوا في صناديق أخرى، وفق ما يعرف بمصطلح "المغلفات المزدوجة، ما يزيد عن 330 ألف ناخب، وشكلوا يومها نسبة 7.15%، بينما في انتخابات آذار 2021، تجاوز عدد هذه الشريحة من المصوتين 425 ألف ناخب، وشكلوا نسبة 9.6%.

ارتفاع تمثيل اليمين الاستيطاني

أفرزت الانتخابات الأخيرة، 7 كتل برلمانية، قاعدتها الأساسية أو الكلية هي من اليمين الاستيطاني، ومجموع مقاعدها 72 مقعدا، مقابل 65 مقعدا في انتخابات آذار 2020، وهذه تشمل أيضا كتلتي المتدينين المتزمتين الحريديم، شاس ويهدوت هتوراة، لكون الكتلتين ربطتا حراكهما السياسي مع الليكود، واليمين الاستيطاني ككل، كذلك لأن الحريديم باتوا يشكلون قرابة 40% من المستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية، عدا القدس المحتلة.

والمقاعد الـ 72 موزعة كالتالي: 30 مقعدا لليكود، 9 مقاعد لشاس، 7 مقاعد ليهدوت هتوراة، 7 مقاعد لـ"يمينا"، 6 مقاعد لـ"الصهيونية الدينية"، وهذه كتلة بتحالف سياسي فوري، رغم محاولات "يمينا" لرفع سعرها أمام بنيامين نتنياهو. كذلك فإن كتلة "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان (7 مقاعد) وكتلة "أمل جديد" بزعامة جدعون ساعر (6 مقاعد) هما من عقر بيت اليمين الاستيطاني المتشدد، وأعلن زعيما الكتلتين مرارا أن لا مشكلة سياسية لديهما مع الليكود، وإنما مع شخص نتنياهو.

وبسبب تراجع نسبة التصويت عامة، وفي البلدات خاصة بسبب التصويت خارج أماكن التصويت، على ضوء الحالة الصحية، كما أسلفنا هنا، فإن فحص حركة المصوتين ومقارنتها مع انتخابات سابقة، احتاجت إلى فحص النتائج العامة من حيث الكم، وليس النسبة المئوية، وفي الحالة القائمة، فإن الكم أهم من النسبة المئوية، التي كانت ستتراجع، لو حافظ العرب على نسبة تصويتهم. وفي المحصلة العامة، ازداد عدد مجمل أصوات الكتل السبع السابق ذكرها، بنحو 134 ألف صوت، وهذا ما ساهم برفع التمثيل بنحو 7 مقاعد إضافية.

ورأينا أن الليكود خسر في هذه الانتخابات قرابة 286 ألف صوت، علما أنه حصل في هذه الانتخابات على 11 ألف صوت إضافي من العرب، وارتفع إلى 22 ألف صوت، ولكن هذه الأصوات جاءته من مصوتين صوتوا لأحزاب صهيونية أخرى في الانتخابات السابقة، ورغم هذه النتيجة المقلقة بين العرب، إلا أنها جاءت أقل بكثير جدا مما طمح له الليكود: ما بين 50 ألفا إلى 80 ألف صوت.

في المقابل، فإن مجموع أصوات كتلتي اليمين الاستيطاني من التيار الديني الصهيوني: "يمينا" و"الصهيونية الدينية" اللتين خاضتا انتخابات آذار 2020 بقائمة واحدة، وانشقتا لقائمتين في انتخابات آذار 2021، ارتفع بما يقارب 259 ألف صوت. وهذا ضاعف عدد أصوات هاتين الكتلتين: من قرابة 241 ألف صوت في القائمة التحالفية في آذار 2020، إلى ما يلامس نصف مليون صوت، في آذار 2021.

في حين رأينا أكثر من 209 آلاف صوت لحزب "أمل جديد"، وزيادة 15 ألف صوت، لحزب "إسرائيل بيتنا". أما الحريديم، فإن مجموع ما حصلت كتلتاهم كان أقل بنحو 63 ألف صوت، وهذا ما سنأتي عليه.

في مراجعة لمعاقل اليمين الاستيطاني، وبالذات في المستوطنات الكبيرة ذات الطابع العلماني، وجدنا أن الليكود خسر من أصواته لصالح كتلتي التيار الديني الصهيوني، "يمينا" "والصهيونية الدينية"، وأيضا لصالح حزب "أمل جديد"، وهذا ما يؤكد أن القاعدة الأساسية لهذا الحزب هي اليمين الاستيطاني، خاصة وأن ثلاثة نواب من أصل 6 نواب هم من الوجوه البارزة في اليمين الاستيطاني المتشدد: جدعون ساعر، بنيامين بيغن، وزئيف إلكين، كما أن النواب الثلاثة الآخرين هم أيضا من ذات اليمين، نائبتان منهم انفصلتا عن الليكود، كما حال زملائهم الآخرين في الكتلة.

ورغم طابع حزب "أمل جديد"، إلا أنه حصل كما يبدو على عشرات آلاف الأصوات، من تلك التي صوتت في آذار 2020 للتحالف السابق لـ "أزرق أبيض". وهذا يؤكد على أن ذلك التحالف اخترق هو أيضا في حينه، معسكر اليمين الاستيطاني، نظرا لعدد الجنرالات فيه، كما أن أحد أحزابه الثلاثة- "تلم" بزعامة رئيس الأركان الأسبق موشيه يعلون- هو من عقر بيت اليمين الاستيطاني المتشدد.

"خسائر" الحريديم

أما كتلتا الحريديم شاس ويهدوت هتوراة، فقد خسرتا معا قرابة 63 ألف صوت، قرابة 37 ألف صوت خسرتها قائمة شاس، و26 ألف صوت خسرتها قائمة يهدوت هتوراة، ورغم ذلك فقد حافظتا على نفس عدد المقاعد البرلمانية، بفعل انخفاض نسبة التصويت العامة، ما أدى إلى خفض عدد الأصوات اللازمة للمقعد البرلماني الواحد. وبعد فحص عينات لمستوطنات الحريديم، وجدنا أن الكتلتين تراجعتا بآلاف الأصوات، ولكن ليس بذات حجم تراجع عدد المصوتين، على ضوء التصويت خارج صناديق الاقتراع المخصصة. ما يدل على أن الخسارة الأكبر لم تأت من جمهور الحريديم، بل بالأساس من المصوتين من غير الحريديم.

وهذا التراجع برز بشكل خاص في البلدات اليهودية ذات الطابع اليهودي الشرقي، التي كانت لسنوات معقلا أيضا لحزب شاس، عدا كونها معقلا لليكود وأحزاب اليمين. وهذا ليس التراجع الأول لحزب شاس في هذه البلدات، وكانت خسارته الأكبر، منذ أن ظهر لأول مرة في العام 1984، في انتخابات الكنيست الـ 20 العام 2015، حينما ظهر حزب "كلنا" بزعامة الوزير الأسبق موشيه كحلون، الذي حل الحزب بعد انتخابات الكنيست الـ 21، حينما تلقى ضربة قاصمة، أفقدته 60% من قوته التي حققها في العام 2015.

ففي انتخابات الكنيست الـ 22، صحيح أن شاس زاد قوته البرلمانية بمقعد برلماني، ولكن عدد أصواته ارتفع بأكثر من 72 ألف صوت، وهي تعادل قرابة مقعدين، ولكن في تلك الانتخابات ارتفعت نسبة التصويت، ما رفع مقدار المقعد الواحد من عدد الأصوات، ويومها استطعنا وضع إصبعنا على مصادر هذه الزيادة: البلدات اليهودية الشرقية، خاصة في الجنوب، كمؤشر لنمطية تصويت قطاع من اليهود الشرقيين، ما زال يصوت على أساس طائفي، وهي ظاهرة بتراجع ما.

وجه شاس ويهدوت هتوراة إصبع الاتهام بهذا التراجع إلى بنيامين نتنياهو شخصيا، بأنه دعم قائمة "الصهيونية الدينية" في مجتمع الحريديم، وكما يبدو القصد هو توجيه مقاولي أصوات من جمهور حريديم يتقرّب للصهيونية.

وبعد فحص عيني لعدد من مستوطنات الحريديم وجدنا ارتفاعا بعدة أضعاف لمجموع أصوات قائمتي التيار الديني الصهيوني، "يمينا" و"الصهيونية الدينية" وبالذات للثانية، وهذا مقارنة مع ما حصلت عليه القائمة التحالفية لهاتين القائمتين، في انتخابات آذار 2020. ولكن رغم هذه الزيادة الكبيرة جدا نسبيا، إلا أن الحديث كان في آذار 2021، عن بضع مئات في كل واحدة من المستوطنات الكبيرة، إلى حوالي ألفي صوت، ما يعني أن إجمالي الزيادة التي حصلت عليها، بالذات قائمة "الصهيونية الدينية"، ليس هي الأساس في خسائر عدد مصوتين قائمتي الحريديم.

ولكن ما يقلق قائمتي الحريديم، هو أن التراجع في عدد الأصوات، يوحي من ناحيتهما لمؤشرات مستقبلية، لاتساع ظاهرة "تمرد" الحريديم على أحزابهم التقليدية، وعلى نهج انغلاق مجتمعهم، بمعنى أن جمهور الحريديم المعني بالانصهار أكثر في المؤسسة، وفي المجتمع المفتوح في تزايد مستمر.

"يوجد مستقبل" وحتى ميرتس

نتائج الانتخابات الإسرائيلية، رغم ما حملته من استمرار عدم استقرار سياسي، إلا أن في طياتها الكثير من المؤشرات التي ستكون لها معالجات أكثر. ومن جملة هذه المؤشرات، "تعويم" 314 ألف صوت، صوتوا في آذار 2020 لصالح التحالف السابق "أزرق أبيض". فقد رأينا أنه في الانتخابات الأخيرة، خسرت القائمتان المنبثقتان عن التحالف السابق لـ "أزرق أبيض"، حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد، وقائمة "أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس، 314 ألف صوت مقارنة مع ما حصل عليه التحالف السابق في آذار 2020.

وقد خسرت القائمتان في حصيلة إجمالية 8 مقاعد، إذ حصل "يوجد مستقبل" على 17 مقعدا، فيما حصل "أزرق أبيض" على 8 مقاعد، بمعنى 25 مقعدا، مقابل 33 مقعدا في انتخابات آذار 2020.

بالإمكان القول إن ثلثي الأصوات اتجهت لقائمتي حزبي العمل وميرتس، اللذين كانا متحالفين في انتخابات آذار 2020، وحصل التحالف يومها على أكثر من 267 ألف صوت، مقابل 471 ألف صوت للحزبين مجتمعين في آذار 2021. وارتفع التمثيل من 6 مقاعد لتحالف 2020، إلى 13 مقعدا في هذه الانتخابات، 7 لحزب العمل و6 لحزب ميرتس.

وواضح في كل هذا الاستعراض الموجز أن القصد ليس مجرد أرقام وإحصائيات، بل توجهات سياسية في الشارع الإسرائيلي باتت أكثر وضوحا في هذه الانتخابات، بعد فض تحالفات ليست منسجمة كليا، مثل التحالف السابق لـ "أزرق أبيض"، ويتضح أكثر أن جمهور اليمين الاستيطاني يتزايد باستمرار.

وملاحظة أخيرة في هذا السياق، هي أن ارتفاع عدد مقاعد اليمين الاستيطاني، ساهم فيه بشكل ملحوظ تراجع عدد المصوتين العرب، فلو مارس قرابة 210 آلاف عربي إضافي حقهم في التصويت، كما فعلوا في آذار 2020، لكان توزيع المقاعد اختلف بشكل ملحوظ، ولتعمّقت أزمة الحكم أكثر، برغم الزيادة العددية في أصوات اليمين الاستيطاني. وهذه الفرضية قائمة على أساس أن من بقي في البيت من العرب كانوا سيصوتون بنسبة تفوق 90% للقائمتين اللتين خاضتا الانتخابات في المجتمع العربي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات