يتربع بنيامين نتنياهو على كرسي رئاسة الحكومة في إسرائيل منذ آذار 2009، وشكل خلال هذه الفترة أربع حكومات (الحكومة الـ32 – 35 الحالية). وشهدت هذه الحكومات ائتلافات متنوعة، تبدلت مكوناتها الحزبية، بخروج أحزاب وانضمام أخرى ونشوء واختفاء غيرها. اللافت للنظر أن أبرز الشركاء الذين دخلوا في هذه الائتلافات ثم خرجوا منها، لم يعودوا بعدها (حتى الأسابيع الأخيرة) قادرين على منافسة نتنياهو، وكأنه أدخلهم في حكوماته، وحرق صورتهم أمام الناخبين ثم تركهم ليواجهوا تراجعا كبيرا في تأييد الشارع الإسرائيلي لهم لاحقا، بعد فشلهم في تحقيق تعهداتهم التي قدموها للناخبين وانتقدوا فيها نتنياهو قبيل الشراكة معه.
يائير لبيد.. من دعم الطبقة الوسطى إلى الطرد من الحكومة
دخل يائير لبيد معترك السياسة العام 2012 بعد تركه عمله الصحافي، وتأسيسه حزب "يوجد مستقبل – برئاسة يائير لبيد"، المعروف باسم "يوجد مستقبل" أو (يش عتيد). وخاض انتخابات الكنيست التاسع عشر العام 2013، وحصل على 19 مقعدا، ليكون ضمن شركاء الليكود (31 معقدا) في الائتلاف الحكومي برئاسة نتنياهو. وتولى لبيد وزارة المالية، إلى جانب أربعة وزراء آخرين من حزبه في الحكومة.
سعى لبيد إلى دعم الطبقة الوسطى، كما نقلت عنه صحيفة "كالكاليست" العام 2012، في مقابلة مع الصحافي ميكي بيلد، انتقد فيها سياسة نتنياهو ووزير ماليته آنذاك يوفال شتاينيتس، وقال لبيد حينها "إن النمو في السوق الإسرائيلية لن يأتي من الشركات الكبرى أو المؤتمرات، بل من النجار في أوفاكيم، أو من صاحبة صالون التجميل في العفولة، ومن سائق التاكسي في الخضيرة الذي يسعى إلى فتح مطعم مع والدته، أو من خبراء البرمجة الذي أنهوا خدمتهم العسكرية ويسعون إلى تطوير شركات تكنولوجية خاصة بهم، في قبو منزلهم في ريشون لتسيون".
اصطدم لبيد مع مسؤولي وزارة المالية بسبب طموحه لدعم الطبقة الوسطى، ما أدى إلى استقالة كبير الاقتصاديين في الوزارة د. ميخال شرئيل بعد قرار لبيد إعفاء من يشتري شقة جديدة من ضريبة القيمة المضافة.
وتطورت التوترات بين الليكود ولبيد خاصة مع نتنياهو بعد انتقادات وجهها لبيد، ما دفع نتنياهو إلى إقالته من وزارة المالية والإعلان عن الذهاب لانتخابات جديدة، بدعوى أنه لا يمكن تحمل توجيه انتقادات للحكومة من داخلها.
كشف لبيد بعد ثلاث سنوات من إقالته، في منشور مطول على فيسبوك، أن السبب الحقيقي لإقالته كان دعمه لقانون "يسرائيل هيوم"، الذي كان يسعى إلى منع توزيع هذه الصحيفة مجانا، لحماية الصحافة المطبوعة في إسرائيل. ولكون الصحيفة المملوكة لرجل الأعمال اليهودي الأميركي شيلدون إدلسون مقربة جدا من نتنياهو، اعتبر الأخير أن التصويت على منع توزيع الصحيفة مجانا "عمل معيب".
وحسب يائير لبيد فإن الإنجازات التي حققها في وزارة المالية باتت مصدر قلق لنتنياهو الذي يريد استغلال الوزارة لمصالحه السياسية، فأقاله وانتزع الوزارة منه.
تحالف نتنياهو في الانتخابات التالية العام 2013، مع الأحزاب الحريدية التي رفض لبيد أن تكون جزءا من الائتلاف الحكومي الذي انضم له. ولم يشارك لبيد في أي حكومة لاحقة، بذلك تمكن نتنياهو من شل حضور لبيد في الحكومة الإسرائيلية، ليبقى في صفوف المعارضة التي يقودها الآن.
أفيغدور ليبرمان
شارك أفيغدور ليبرمان في عدة حكومات في ظل نتنياهو، لكن أبرز منصبين تولاهما، كانا في الحكومة الثانية والثلاثين وزيرا للخارجية، وفي الحكومة الرابعة والثلاثين وزيرا للدفاع.
وسبب ليبرمان قلقا لنتنياهو بسبب تصريحاته المحرجة لإسرائيل دبلوماسيا. ففي العام 2010 زار إسرائيل وزيرا الخارجية السابقان لكل من فرنسا برنارد كوشنير وإسبانيا ميغيل أنخيل موراتينوس، وبعد لقاء ودي مع نتنياهو أكد فيه لهما أنه يسعى إلى السلام، تسبب ليبرمان بصفته وزيرا للخارجية بإحراج كبير لنتنياهو عندما هاجم جهود السلام الأوروبية خلال لقائه كوشنير وموراتينوس مطالبا إياهما بحل الخلافات الأوروبية الداخلية، أو النزاعات في الصومال والسودان وكوريا الشمالية بدل الانشغال بإسرائيل.
جاء هذا الموقف بعد شهر فقط من خطاب لليبرمان في الأمم المتحدة قال فيه إنه لا توجد فرصة للسلام مع الفلسطينيين، وعرض فكرة التخلص من فلسطينيي 48 عبر نقلهم مع المناطق التي يسكنون فيها ضمن اتفاق انتقالي بعيد المدى إلى الحكم الفلسطيني، لتعذر التوصل لتسوية نهائية مع الفلسطينيين، مقابل ضم المستوطنات إلى إسرائيل.
هذا الخطاب دفع نتنياهو إلى إصدار بيان تنصل فيه من تصريحات ليبرمان معتبرا أنها لا تمثل موقف إسرائيل من عملية السلام، حسبما نقل موقع "واللا" عن مكتب نتنياهو.
استقال ليبرمان من حكومة نتنياهو في شهر أيار 2015 معلنا انضمامه للمعارضة. ووجه انتقادات شديدة لنتنياهو متهما إياه في ذلك الوقت بنيته ضم "المعسكر الصهيوني" للائتلاف الحكومي، وبالتنازل عن قانون القومية.
كما انتقد بشدة حكومة نتنياهو خاصة في تعاملها مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وقال ليبرمان إنه سعى دائما للقضاء على حكم حركة حماس في القطاع، لكن نتنياهو هو الذي كان يرفض شن عملية عسكرية شاملة لتحقيق ذلك، حسبما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن ليبرمان في العام 2015.
وفي شهر نيسان 2016 قال ليبرمان في انتقاد لنتنياهو إنه "لو كان وزيرا للدفاع لكان قضى على زعيم حركة حماس إسماعيل هنية خلال 48 ساعة، إن لم يقم بتسليم الإسرائيليين وجثث الجنود المحتجزة في القطاع". بعد نحو شهر من هذا التصريح فتح نتنياهو الباب لليبرمان للانضمام لحكومته وزيرا للدفاع، لكنه لم يحقق تعهده باغتيال هنية، بل على العكس، اضطر إلى اتباع سياسة "ضبط النفس" وعدم التصعيد التي كان يتبعها نتنياهو مع القطاع، بعد حرب 2014، ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن ليبرمان في شهر تشرين الأول تصريحات مخالفة تماما لما كان يصرح به قبل تسلمه وزارة الدفاع، قال فيها إنه "لا يجب شن حرب على قطاع غزة، لكن إسرائيل لن تتحمل استمرار إطلاق الصواريخ عليها". وتعرض ليبرمان لانتقادات شديدة وساخرة بسبب تراجعه عن تعهداته السابقة.
ومع انطلاق مسيرات العودة في آذار 2018، استمر ليبرمان بالانصياع لرغبات نتنياهو بتجنب التصعيد ضد القطاع.
نفتالي بينيت يستفز ليبرمان
صعّد نفتالي بينيت، وزير التعليم وزعيم حزب "البيت اليهودي" (يمينا حاليا)، في تلك الفترة، من انتقاداته لسياسة ليبرمان كوزير للدفاع تجاه قطاع غزة، ونقلت صحيفة "كيكار هشبات" عن بينيت قوله "سياسات ليبرمان تجاه حماس ضعيفة ويسارية، حماس باتت أكثر جرأة، وآن الأوان لانتهاج سياسة حديدية يمينية".
كما نقلت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت" قوله إن "استسلام ليبرمان لحركة حماس سيجر إلى مواجهة ستفرض حماس شروطها لإنهائها"، كما قال إن "دعوة ليبرمان سكان القطاع لإسقاط حكم حماس، هو مجرد هراء وانعدام للمسؤولية".
وانعكست تصريحات بينيت كما يبدو في استطلاعات الرأي، فصعد حسب استطلاع لصحيفة "ماكور ريشون" في شهر حزيران من ثمانية إلى عشرة مقاعد تاركا ليبرمان خلفه بستة مقاعد، الأمر الذي دفع ليبرمان لاحقا إلى تبني خطاب بينيت التصعيدي في محاولة منه لاستعادة بعض تأييد الإسرائيليين له عبر الادعاء أن نتنياهو هو الذي يمنعه من الرد بشدة على مسيرات العودة وإطلاق البالونات الحارقة من القطاع.
وبعد العملية الاستخبارية الفاشلة التي وقعت في القطاع بتاريخ 11 تشرين الثاني 2018 في إثر اعتراض مقاتلين من حماس وحدة إسرائيلية خاصة، قتلت سبعة مقاومين ولقي قائدها مصرعه في الاشتباكات، شهد القطاع تصعيدا عسكريا مع إسرائيل أطلقت الأجنحة العسكرية الفلسطينية خلاله نحو 500 صاروخ خلال يومين، ورغم ذلك سارع نتنياهو إلى الموافقة على وقف لإطلاق النار ضمن سعيه لتجنب مواجهة لن تكون نتائجها لصالحه انتخابيا، الأمر الذي دفع ليبرمان إلى الاستقالة من وزارة الدفاع والانسحاب من الائتلاف الحكومي في 14 تشرين الثاني 2018 أي فور الإعلان عن الهدنة.
واتهم ليبرمان نتنياهو بأنه "استسلم للإرهاب" داعيا إلى "الذهاب للانتخابات"، حسبما نقلت عنه صحيفة "كالكاليست". وحصل في الانتخابات الأخيرة على 7 مقاعد فقط.
بينيت على طريق ليبرمان
تولى نتنياهو وزارة الدفاع بعد استقالة ليبرمان، وبعد عام، أي في تشرين الثاني 2019، تخلى عن الوزارة لصالح نفتالي بينيت بعد تشكيل الأخير حزبا جديدا باسم "اليمين الجديد"، ودخوله في شراكة مع الليكود في الحكومة الانتقالية. وتكرر السيناريو ذاته الذي خاضه ليبرمان مع بينيت، إذ وجد نفسه عاجزا عن اتخاذ أية قرارات حاسمة تجاه قطاع غزة. وقال في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" بعد أربعة أشهر على توليه منصب وزير الدفاع، إنه يسعى إلى الحفاظ على التهدئة مع حركة حماس.
"يديعوت أحرونوت" أشارت في المقابلة ذاتها إلى الانتقادات السابقة التي وجهها بينيت إلى ليبرمان.
ووجد نفتالي بينيت نفسه يتعامل مع الواقع في قطاع غزة بالأسلوب الذي أملاه عليه نتنياهو، ما أظهره بأنه تراجع عن كل تعهداته السابقة بإنهاء حكم حماس في القطاع، وقال لـ"يديعوت أحرونوت": "هل تتوقعون أن أنهي في عشرة أسابيع مشاكل لم يتم حلها في عشرين عاما... وإن كان تجنب المواجهة العسكرية ممكنا، فهذا ما أفضله".
بذلك أيضا وضع نتنياهو حدا لانتقادات نفتالي بينيت لسياسته تجاه قطاع غزة، تحديدا عبر وضعه في مواجهة الأمر الواقع، تماما كما فعل مع ليبرمان.
غانتس من الندّية إلى التبعية
برز بيني غانتس كمنافس وبديل لنتنياهو، وحقق نتائج موازية لحزب الليكود في الانتخابات الأخيرة، لكنه فشل في تشكيل ائتلاف حكومي بسبب خلافات داخل "أزرق أبيض" على الحصول على دعم القائمة المشتركة حتى من خارج الحكومة الضيقة عبر تشكيلها شبكة أمان للحكومة. كما أن رفض ليبرمان الانضمام إلى ائتلاف الوسط- يسار، ترك غانتس بعد ثلاث جولات انتخابية غير حاسمة أمام خيار الذهاب لانتخابات رابعة بعد إعلان فشله في تشكيل ائتلاف حكومي.
ركز نتنياهو في هذه الفترة في تصريحات على تحميل غانتس مسؤولية الذهاب لانتخابات جديدة لرفضه تشكيل "حكومة طوارئ" تجمع "أزرق أبيض" وأحزاب كتلة اليمين كلها، الأمر الذي رفضه شريكا غانتس، يائير لبيد وموشيه يعلون في الحزب، فرضخ غانتس بشكل مفاجئ لضغوط نتنياهو وشق حزب "أزرق أبيض" مع غابي أشكنازي، معلنا موافقته على تشكيل حكومة طوارئ مع نتنياهو حتى قبل أن يفاوضه على الأقل على شروط تشكيل هذه الحكومة، ففرض نتنياهو شروطه على غانتس فيها بشكل عام، مثل تولي نتنياهو الحكم في المناوبة الأولى لمدة عام ونصف العام، وتنصل لاحقا من إقرار موازنة مزدوجة تضمنها الاتفاق الائتلافي بينهما، بالمقابل قدم غانتس سلسلة تنازلات لنتنياهو، فتحت شهية الليكود للضغط على غانتس للتخلي أيضا عن اتفاق التناوب على رئاسة الحكومة عبر إغرائه بدعم ترشحه لمنصب رئيس الدولة في إسرائيل.
يبدو أن غانتس في ظل هذه التنازلات وللحفاظ على ماء وجهه قرر التمسك باتفاق الموازنة المزدوجة، ما فجر الأزمة الحالية التي قد تؤدي إلى حل الكنيست إما تلقائيا في 23 كانون الأول الحالي إن لم يتم إقرار الموازنة العامة، سواء لعام أو لعامين، أو بالتصويت بالقراءات الثلاث على مشروع قانون حل الكنيست بعد إقرار ذلك بالقراءة التمهيدية الأسبوع الماضي، أو أن يستسلم غانتس لنتنياهو من جديد بالتنازل عن اتفاق الموازنة المزدوجة ما يعني تقدمه خطوة أخرى باتجاه الانتحار السياسي على مذبح نتنياهو.
وعمليا، حقق نتنياهو مراده بتفكيك "أزرق أبيض"، وبشطب غانتس من قائمة المنافسين عبر سياسة التهميش وجره إلى المربع الذي أراده له، تماما كما فعل مع بينيت وليبرمان.
جدعون ساعر.. من المنافسة إلى التهميش.. ولكن!
برز جدعون ساعر في مرحلة ما كمنافس لنتنياهو على زعامة حزب الليكود، ووجه انتقادات شديدة لنتنياهو وقيادته للحزب، كما كان الوحيد الذي دعا لإجراء انتخابات على زعامة الليكود. وسعيا من نتنياهو لتقزيم ساعر وافق على إجراء انتخابات على زعامة الحزب، ليحقق نتنياهو فوزا ساحقا بـ71.5 في المئة من الأصوات مقابل 28.5 في المئة لصالح ساعر، الذي سارع إلى الاستسلام لنتنياهو، بتغريدة كتب فيها "أهنئ رئيس الحكومة بالفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب. سنقف أنا وزملائي في الحزب خلفه في الحملة الانتخابية لخوض الانتخابات العامة وتحقيق فوز".
حينها ظن نتنياهو أنه همش ساعر كمنافس له، لكن الرياح لم تجر بما تشتهيه سفن نتنياهو لاحقا. فبعد تمكن نتنياهو من تهميش منافسيه، يبدو أن الكرة قد ترتد إليه. أزمة كورونا ببعديها الصحي والاقتصادي ساهمت بشكل كبير في صعود نفتالي بينيت من جديد، ليضع نفسه في منافسة نتنياهو حسب استطلاعات الرأي التي تمنحه ما بين 20 إلى 23 مقعدا، ثم جاء انشقاق جدعون ساعر مؤخرا عن الليكود وإعلانه أنه سيخوض الانتخابات على رأس حزب سياسي جديد منحته استطلاعات الرأي من 17 مقعدا إذا قاد الحزب منفردا، وإمكانية حصوله على 22 مقعدا إذا انضم له رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوت. وبعض النظر عن السيناريوهات المتعددة للقائمة التي قد يخوض بها ساعر الانتخابات المقبلة إلا أنه انتزع حصة الأسد في المقاعد التي قد يحصل عليها من عدة أحزاب خاصة "يمينا" بزعامة بينيت، و"يوجد مستقبل" بزعامة لبيد، وبعض المقاعد من الليكود أيضا، لذلك وجد نتنياهو نفسه الآن تحت رحمة غانتس بعد أن دفعه إلى خيار الانتخابات. وباتت مصلحة نتنياهو في تجنبها الآن لأنها تشكل تحديا ليس لصالحه. وقد يضطر نتنياهو لتسديد الحساب بشكل مضاعف لبعض منافسيه الذين همشهم ودخل في مواجهة معهم، خاصة شريكه الحالي بيني غانتس.
المصطلحات المستخدمة:
ريشون لتسيون, الخضيرة, يديعوت أحرونوت, يسرائيل هيوم, قانون حل الكنيست, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, يائير لبيد