شر مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، في أواسط أيلول الجاري، ملخص بحث صدر عن قسم رقابة الميزانية فيه، يشمل معطيات عن التشغيل والأجور في المجتمع العربي وبالتشديد على قطاع التقنيات الدقيقة (الهايتك). جرى إعداد هذا التقرير قبيل جلسة خاصة في لجنة العلوم والتكنولوجيا التابعة للكنيست تحت العنوان: "تشجيع مجال الهايتك في المجتمع العربي". ورقة البحث استعرضت معطيات مختلفة حول التشغيل، الأجور والفقر كسياق واسع لمسألة التشغيل في قطاعات "الهايتك" داخل المجتمع العربي.
وقالت لجنة العلوم والتكنولوجيا في بيان لها، إنها اجتمعت بناءً على طلب عضو الكنيست يوسف جبارين (القائمة المشتركة) لإجراء مناقشة سريعة حول تشجيع قطاع "الهايتك" في المجتمع العربي ودور الحكومة في تعزيز خطة قطرية للنمو وتشجيع هذا القطاع في المجتمع العربي. وأقرّت أن نسبة العاملين العرب في مجال "الهايتك" منخفضة للغاية مقارنة بحصتهم في سوق العمل، إذ أظهرت دراسات مختلفة أن نسبة العمال العرب في وظائف تطوير "الهايتك" منخفضة، على الرغم من زيادة الطلاب الجامعيين العرب في هذا المجال من 6.2% عام 2012 إلى 10% في عام 2017. وأكدت اللجنة البرلمانية أن الحكومة تتخلّف منذ سنتين عن إكمال تمويل ميزانية خاصة بالموضوع أقرّتها بشكل رسمي. النائب جبارين قال إن القرار الحكومي (رقم 3780) من العام 2018 القاضي بإقامة حديقتي "هايتك" حكوميتين في بلدات عربية لا يزال حبراً على ورق، وطالب ممثلي الوزارات المعنية بتطبيق القرار بشكل فوري.
سياق المعطيات: فقر وبطالة وتمييز
يقول التقرير الصادر عن معهد الكنيست: يتميز المجتمع العربي بنسبة تشغيل وأجور منخفضة مقارنة بالمعدل القطري في البلاد. وقدّر بحث صادر عن عالم الاقتصاد الرئيسي في وزارة المالية أن جسر الفجوات في مجال التشغيل والأجور في المجتمع العربي واليهودي الحريدي حتى العام 2065، سيزيد من الناتج للفرد بنحو الثلث مقارنة بوضع تظل فيه الفجوات على حالها. ويستدل من معطيات تناولت نسبة المشاركة في قوة العمل في المجتمع العربي، مقارنة بالمعدل العام للفترة ما بين الفصل الأول من 2017 وصولا إلى الفصل الأول من 2020، أن نسبة مشاركة الرجال عموما في سوق العمل في مطلع 2017 كانت 86% بينما كانت نسبة مشاركة الرجال العرب نحو 78.8%. ومطلع هذا العام تراجعت نسبة مشاركة الرجال عموما إلى 84.4% في حين هبطت في صفوف الرجال العرب إلى 72.8%.
أما في صفوف النساء فإن النسبة العامة مطلع 2017 كانت 75.7%، بفارق هائل بالنسبة للنساء العربيات اللاتي لم تتعدّ مشاركتهن في سوق العمل 35.3%. أما مطلع هذا العام فقد ارتفعت نسبة مشاركة النساء إلى 77% ولدى النساء العربيات وصلت 39.5% فقط.
ويستخلص التقرير من هذه المعطيات التي رصدت كل محطات الفترة الزمنية المشار إليها أعلاه ما يلي:
(*) نسبة مشاركة الرجال العرب في القوى العاملة أقل من نسبة مشاركة الرجال عموما وقد اتسعت الفجوة أكثر فأكثر في الفترة الأخيرة.
(*) نسبة مشاركة النساء العربيات في قوة العمل أقل بشكل ملحوظ من نسبة مشاركة عموم النساء، على الرغم من ملاحظة تقلص معتدل في الفجوة.
فوارق هائلة فيما يخص النساء العربيات
توقف التقرير أيضا عند معطيات نسب البطالة وفقا للمجموعة السكانية. وهو يورد جدولا يعرض نسب البطالة في المجتمع العربي وفي المعدل العام وفقا للجندر، يتناول الفترة الممتدة بين الربع الأول من 2017 حتى الربع الأول من العام الجاري.
هنا تبرز بوضوح الفوارق الهائلة فيما يخص النساء العربيات. وإذا كان التقرير يدعي أن نسبة البطالة بين المواطنين العرب الرجال كانت في عديد من المحطات أقل من المعدل العام (يبدو أن هذا بسبب عدم مشاركة عدد كبير من الرجال الحريديم في سوق العمل، الذين يتم إدخالهم للإحصائيات)، وقد تراوحت ما بين 3-4% في المعدل العام، فإن الصورة أكثر إشكالية في نسب البطالة بين النساء العربيات. ونستدرك مسبقا هنا للقول إن النسب التي يتحدث عنها التقرير بخصوص النساء يتناول من سبقت لهن المشاركة الرسمية والمسجلة في سوق العمل، وليس نسبة المحرومات من العمل من مجمل النساء العربيات. وهكذا نجد التقرير يتحدث عن نسبة بطالة بين النساء وصلت أقصاها خلال الفترة المشار اليها الى 6.3% وقد انخفضت في المعدل العام إلى 3.7% في مطلع 2017 لتصل في مطلع العام الجاري إلى أرقام متقاربة للنساء العربيات وكذلك لمجمل النساء حيث تراوحت ما بين 3.2% و3.4%.
لا يتطرق التقرير إلى سائر أرقام البطالة وعدم توفير فرص العمل لنساء لم تُتح لهن المشاركة في العمل المسجل في أية مرة، لكنه يشير إلى أن نسبة البطالة بين النساء العربيات أعلى من المعدل العام للنساء. وإذا كانت نسبة مشاركة الرجال العرب في سوق العمل أقل بقليل من النسبة العامة للرجال فإن نسبة مشاركة النساء العربيات في قوة العمل منخفضة بشكل جدي لدى النساء عموما.
في باب الأجور يورد التقرير معطيات وفقا للمجتمع أو المجموعة السكانية. وهو يستعرض معطيات الأجور للأعوام 2014-2018. ويبيّن أن المعدل العام للأجور في مطلع 2014 كان 12773 شيكلا بينما كان معدل الأجور بين الرجال العرب 7994 شيكلا فقط. وفي ختام 2018 ارتفع معدل الأجور العام إلى 14206 شيكلا لكن بين الرجال العرب ارتفع معدل أجورهم إلى 8829 شيكلا فقط.
والصورة مشابهة بالنسبة للنساء أيضا، مع الإشارة إلى أن عموم النساء يتقاضين أجورا أقل من الرجال بشكل منهجي وهذا يشكل جزءا من المشهد العام للتمييز ضد النساء في الاقتصاد الإسرائيلي. فقد كان معدل أجور النساء في مطلع 2014 عموما 8453 شيكلا ولدى النساء العربيات 5670 شيكلا. أما في 2018 فقد وصل المعدل العام لأجور النساء 9679 شيكلا وبين النساء العربيات 6296 شيكلا. أي أنه بين الأعوام 2014-2018 ارتفع معدل أجور الرجال عموما بـ11.2% بينما ارتفع معدل أجور الرجال العرب بـ10.4%. بالنسبة للنساء عموما ارتفعت الأجور بـ14.5% وكان الارتفاع في صفوف النساء العربيات نحو 11% فقط.
فقر العائلات العربية مقابل اليهودية: عالمان مختلفان
يستعرض التقرير في جدول آخر نسب الفقر لدى العائلات وفقا للمجتمع والمجموعة السكانية بين العامين 2014-2018. في العام 2014 كانت نسبة الفقر بين العائلات العربيات 62.6% ولدى العائلات اليهودية 13.6%، أي بفارق 39%.
العام 2015 كانت نسبة الفقر بين العائلات العربية 53.5% ولدى اليهود 13.8% أي بفارق وصل 39.7%.
العام 2016 نسبة الفقر بين العائلات العربية كانت 49.2% وبين العائلات اليهودية 13.2% أي بفارق 36%.
العام 2017 نسبة الفقر بين العائلات العربية كانت 47.1% وبين العائلات اليهودية 13.4% أي بفارق 33.7%.
العام 2018 نسبة الفقر بين العائلات العربية كانت 45.3% وبين العائلات اليهودية 13.4% أي بفارق 31.9%.
كانت الصورة في المجمل العام لمشاركة العرب في قطاعات العمل المختلفة كالتالي: أعلى نسبة لمشاركة العرب في سوق العمل تقع على الأغلب بين الأشغال التي تعود على عمالها بأكثر الأجور انخفاضا بالمعدل. مثلا: مشاركة العرب في قطاع البناء وصلت إلى 17.1% مقابل مشاركة عامة في البلاد في نسبة 5.3%. في مجالات التربية والتعليم كانت مشاركة العرب 14.4% مقابل مشاركة عامة في نسبة 12.9%. في مجال التجارة بالجملة والمفرق نسبة مشاركة العرب 14.2% مقابل معدل 11% لعموم البلاد. خدمات المواصلات، المخازن والبريد نسبة مشاركة العرب 7.2% مقابل مشاركة عامة 4.4%.
في المقابل فإن مشاركة العرب في القطاعات التي تعود على العاملين فيها بأجور عالية هي بنسبة منخفضة. مثلا في مجالات الإدارة المحلية والإدارة العامة والأمن والتأمين الوطني تبلغ المشاركة العامة للعاملين في هذه القطاعات 10.4% مقابل مشاركة اختصرت على 3.4% للعرب. في خدمات مهنية علمية وتكنولوجية مختلفة نسبة المشاركة العامة هي 7.6% مقابل 3.8% للعرب. في خدمات مالية وخدمات تأمين تبلغ المشاركة العامة 3.4% مقابل 1.2% فقط للعرب. وفي مجال المعلومات والإعلام كانت مشاركة العاملين العامة 5.3% مقابل 1.1% للعرب. يشار إلى أن معدلات الأجور في القطاعات المذكورة هي كالتالي: التعليم 8097 شيكلا، التجارة بالجملة والمفرق 9324 شيكلا، البناء 10175 شيكلا، الخدمات المهنية والعلمية والتقنية 15459 شيكلا، الإدارة المحلية والعامة والأمن والتأمين الوطني 15917 شيكلا، الخدمات المالية والتأمين 19016 شيكلا، المعلومات والإعلام 23477 شيكلا.
العرب في "الهايتك": نسبة ضئيلة وقوة كامنة هائلة
في ضوء الوارد أعلاه يورد تقرير مركز أبحاث ومعلومات الكنيست معطيات عن المجالات الاقتصادية الواقعة ضمن قطاع "الهايتك" في إسرائيل بما يشمل الصناعة: إنتاج أدوية، إنتاج حواسيب، تجهيزات إلكترونية وبصرية، إنتاج معدات طيران، معدات فضائية وما يرافقها من تقنيات، قطاع الخدمات، خدمات إعلام، برمجة حواسيب، استشارة في مجال الحواسيب وخدمات مرافقة، إدارة المعلومات تخزينها والخدمات المرافقة لها، برمجة إنترنت، مراكز أبحاث وتطوير.
في العام 2019 كان عدد الأجيرين في قطاعات "الهايتك" نحو 321 ألف عامل شكلوا 9.2% من مجمل الأجيرين في الاقتصاد. كذلك طرأ تلك السنة ازدياد على عدد الأجيرين في قطاعات "الهايتك" بنسبة 8.4%. في الأعوام 2012-2019 طرأ ارتفاع تراكمي على عدد العاملين في "الهايتك" بنسبة 48.6%.
كان معدل أجور قطاعات "الهايتك" في حزيران 2020 نحو 24.3 ألف شيكل مقابل معدل عام في جميع قطاعات الاقتصاد بلغ حوالي 12 ألف شيكل. أي أن الأجور في قطاع "الهايتك" أكبر بما يزيد عن ضعفين من المعدل العام.
في إطار القرار رقم 2292 للحكومة في خصوص خطة قومية لزيادة قوة العمل الخبيرة في صناعات "الهايتك"، تقرر إقامة طاقم مهني يبادر لبرامج تهدف لزيادة القوى العاملة في هذا القطاع، وزيادة عدد الطلاب في مجالات "الهايتك"، وبلورة خطة تشجع على التأهيل خارج النطاق الأكاديمي لصناعات "الهايتك". تقرر كذلك في إطار البحث أنه يجب دمج مجموعات سكانية ذات تمثيل منخفض في صناعات "الهايتك" مع التأكيد على النساء، اليهود الحريديم والعرب.
نص القرار على وجوب إطلاق برنامج لدمج العرب في صناعات "الهايتك" من قبل وزارة العمل، الرفاه والخدمات الاجتماعية بحيث تصل ميزانيتها العام 2017 إلى 4.83 مليون شيكل. وبحيث تتواصل هذه الخطة في الأعوام 2018-2020 ومصدر تمويلها هو وزارة العمل، الرفاه والخدمات الاجتماعية.
لم يطبق من القرار الحكومي سوى نصفه
في إطار القرار الحكومي رقم 3780 تقرر تخصيص 20 مليون شيكل لتشجيع إقامة مبانٍ (تسمى أيضاً حدائق) مخصصة للتأجير في قطاع "الهايتك" في البلدات العربية، منها 10 ملايين شيكل العام 2018 من ميزانية وزارتي المالية والاقتصاد و10 ملايين شيكل إضافية العام 2019 من ميزانية وزارة المساواة الاجتماعية.
أما على أرض الواقع فلم يطبق من القرار سوى نصفه. فقد خصصت وزارة الاقتصاد والصناعة 10 ملايين شيكل بموجب قرار المدير العام وقد خُصص المبلغ كله لإقامة مبنى في تسيبوري في مدينة الناصرة.
تدعي وزارة الاقتصاد والصناعة أنها عملت على تخصيص ميزانية لمبنى مشابه أيضا في كفر قاسم لكن الاقتراح الذي قدم لم يستوفِ ما نص عليه أمر المدير العام، ولذلك لم يتم تخصيص هذه الميزانية. وهناك 10 ملايين شيكل إضافية كان من المفترض ان تخصص للمشروع من قبل الحكومة لم تحولها وزارة المساواة الاجتماعية.
لقد بلغت نسبة مشاركة العرب رجالا ونساء في قطاع "الهايتك" العام 2018 2.1% فقط وهي نسبة أقل أيضاً من الحريديات والحريديم التي بلغت 2.8%. والأرقام التي يوردها التقرير عن ارتفاع عدد العرب في قطاعات الهايتك من العام 2012 إلى العام 2018 لا تغير من الصورة القاتمة جدا لنسبة العرب الضئيلة – رغم القدرات - في هذا القطاع الرائد والربحي والمؤثر.
تعود أسباب هذا العدد القليل للعربيات والعرب في قطاع "الهايتك" إلى سياسة عميقة. هذا ما يقوله عمليا بحث أجرته وزارة المالية، وأوردها بحث معهد أبحاث ومعلومات الكنيست. والأسباب التي يعددها البحث لقلة وزن الأجيرين العرب في هذا القطاع تتعدد ما بين فجوات في نسبة استحقاق شهادة إنهاء الدراسة الثانوية (البجروت وما يعرف بالدبلوم في أماكن أخرى)، نتائج امتحان القبول البسيخومتري، التجربة السابقة (التي تدعمها بشكل قاطع الخدمة في الجيش الإسرائيلي)، فجوات في معرفة اللغتين الإنكليزية والعبرية، الموقع الجغرافي الذي يقطن فيه العاملون والذي تقع فيه أماكن العمل، وكذلك الآراء المسبقة والتمييز الواضح من قبل المشغلين. بل إن بحث وزارة المالية يشير بوضوح إلى أن الثقافة السائدة في قطاع "الهايتك" تشمل التجنيد للعمل بواسطة أسلوب "صديق يجلب صديقا"، أي الاعتماد على العلاقات الشخصية والمعرفة المسبقة للعاملين في هذا القطاع. وهو ما يمكن أن يفسر قسما جدياً من الفجوة القائمة في غير صالح العرب ضمن هذا القطاع الرائد.
تعاون بين منظمة غير ربحية وسلطات محلية عربية
صحيح أن التقرير يقول إن هناك ارتفاعاً في عدد العرب في الأعوام الأخيرة ولكن ما زال حجم مشاركتهم بعيدا جداً عن القوة الكامنة لديهم، سواء من حيث عدد الطلاب الجامعيين في قطاع "الهايتك" أو عدد العاملين فيه، أو رغبة الشباب العربي بالعمل والانسجام في هذه الصناعة الهامة.
نقل تقرير لموقع "تايمز أوف إزرائيل" مؤخراً عن تعاون بين منظمة "تسوفن" غير الربحية التي تهدف إلى زيادة مشاركة العرب في قطاع التكنولوجيا، مع رؤساء سلطات محلية عربية، في وضع خطة خمسية بقيمة 800 مليون شيكل. وتقول المنظمة إن الاستراتيجية التي تم وضعها مع شركة استشارية، سيتم تقديمها إلى الحكومة في الأسابيع المقبلة، بهدف تعزيز صناعة وخلق مناطق نمو حول المدن العربية ومساحات عمل يهودية عربية مشتركة.
وتضيف أنه إذا وافقت الحكومة على تمويل المشروع، كما هو مأمول، فإن الاستثمار يمكن أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي العام بحوالي 5 مليارات شيكل، لأنه سيستفيد من المواطنين العرب الذين يعانون من تمثيل ضئيل حاليا في قطاع "الهايتك". وتتلخص الفكرة في أن تقوم الحكومة بجمع الأموال وأن تكون السلطات المحلية، إلى جانب الوزارات والمدارس والجامعات ذات الصلة، مسؤولة عن تحقيق النتائج المرجوة.
ويعتمد البرنامج على عدد من الركائز الأساسية: تطوير الموارد البشرية المناسبة لتلبية احتياجات قطاع التكنولوجيا، وبالتالي زيادة المعروض من الموظفين المؤهلين تأهيلا عاليا للقطاع؛ تعزيز اندماج السكان العرب في مشهد "الهايتك" وتعزيز ريادة الأعمال من خلال إنشاء نظام بيئي يعزز التواصل والبنية التحتية والإبداع؛ العمل عن كثب مع السلطات المحلية العربية.