المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 879
  • برهوم جرايسي

عاد الحديث في الحلبة الإسرائيلية، وفي وسائل الإعلام، عن احتمال أن لا تصمد حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة الجديدة لأكثر من عام، وقد تجد إسرائيل نفسها أمام انتخابات رابعة. وفي حين تقول تقديرات إن نتنياهو قد يختلق أسبابا وذرائع لحل الحكومة، وأن في خلفية هذا قد تكون مجريات محاكمته، وعدم رغبته بنقل رئاسة الحكومة لبيني غانتس، فإن تقديرات أخرى تقول إن كتلة "أزرق أبيض" برئاسة غانتس هي من ستبادر لحل الحكومة، ولكن هذه الكتلة ولأسباب شخصية أكثر منها سياسية هي أضعف من أن تبادر لتفكيك الائتلاف.

فحتى قبل عرض الحكومة نهائيا على الكنيست للحصول على الثقة، كانت المراهنات تتزايد حول أن نتنياهو لن يسمح بأن تدوم هذه الحكومة إلى الموعد الذي سيتوجب عليه فيه نقل رئاسة الحكومة إلى بيني غانتس، يوم 21 تشرين الأول من العام المقبل 2021. وفي هذه التقديرات، ليس فقط أن نتنياهو لا يريد التخلي عن رئاسة الحكومة، بل قد تنشأ حسابات شخصية له، على مسار المحاكمة التي يواجهها في قضايا الفساد، تجعله يفضّل التوجه إلى انتخابات جديدة، من أن يستمر في الحكومة إلى موعدها المحدد، ربيع العام 2023، قابلة للتمديد لعام إضافي، إذا رغب الشريكان الأكبران للحكومة على أن تكون السنة الإضافية مناصفة في رئاسة الحكومة، بين نتنياهو وغانتس. ونتنياهو قادر بالفعل على أن يحسم مصير الحكومة في أي وقت يشاء، على ضوء استطلاعات الرأي التي "تبشره" بزيادة قوة حزبه الليكود، على حساب غالبية الكتل البرلمانية الدائرة في فلك الحكم، لا بل تقول الاستطلاعات إن التحالف السابق لـ"أزرق أبيض" سيشهد ضربة في قوته الإجمالية، حينما سيخوض انتخابات افتراضية كهذه بقائمتين. وقدرة نتنياهو نابعة من أنه يرتكز على حزب بات تحت سطوته المطلقة، وهو لا يعمل حسابا لأي من شخصيات الحزب وهيئاته، وليس في وارده أن يتجرأ أحد على منافسته على رئاسة الحزب، إضافة إلى أنه يتصرف كما لو أن المحكمة ليست قائمة، أو أنه مطمئن لحكمها، الذي قد يصل إلى خط النهاية بعد لا أقل من ثلاث سنوات من الآن.

في هذا السياق نشير، كعبارة اعتراضية، إلى أن النائب جدعون ساعر، الذي حلّ في قائمة الليكود في المرتبة الخامسة، ولم يحظ بأي منصب حكومي أو برلماني، شرع في الأيام الأخيرة في حملة لتجنيد أعضاء لحزب الليكود، وكما يبدو كخطوة تحد جديدة لبنيامين نتنياهو، رغم أن ساعر مُني بضربة قاصمة حينما نافس نتنياهو على رئاسة الليكود في الشهر الأخير من العام الماضي 2019، وحصل على 28% من الأصوات، مقابل 72% لنتنياهو. ولكن قد يكون ساعر يستعد لفترة ما بعد نتنياهو، إذا جاءت هذه الفترة حقا.

هل "أزرق أبيض" قادر؟

الجواب ورد في الفقرة الأولى من هذه المقالة، فكتلة "أزرق أبيض"، أضعف بكثير من أن تبادر لحل الحكومة، لأسباب عديدة، هي بالأساس شخصية، أما الدوافع السياسية فهي ضعيفة، أمام حالة التماهي المتزايدة بين "أزرق أبيض" وأجندة اليمين الاستيطاني.

وبادئ ذي بدء، نشير إلى أن كل استطلاعات الرأي التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة، تُجمع على أن القائمة التي سيقودها بيني غانتس، ولها حاليا 15 مقعدا، ستفقد عددا من هذه المقاعد، في حال جرت الانتخابات في هذه المرحلة؛ لأنها نقضت كل وعودها لجمهور ناخبيها في جميع النواحي. ولكن المفارقة أن القائمة الأخرى، التي كانت جزءا من "أزرق أبيض"، ولها 16 مقعدا، وتضم حزبي "يوجد مستقبل" و"تلم"، ستخسر هي أيضا مقاعد أكثر، وفق الاستطلاعات ذاتها، رغم أنها التزمت بوعودها وبقيت في المعارضة.

ونشير إلى أنه على الرغم من مرور عام ونصف العام على تأسيس حزب "مناعة لإسرائيل" الذي أسسه بيني غانتس، قبل أن يضم الشريكين الآخرين في تحالف "أزرق أبيض"، الذي تم تفكيكه، فما زال مجرد قائمة انتخابية، وهو ليس حزبا بمفهوم الأحزاب، بل قائمة انتخابية تجند من حولها ناشطين عابرين برواتب، لغاية العمل الانتخابي. ما يعني أن هذا الحزب ليست له قاعدة شعبية ثابتة واضحة المعالم، قادرة على حمل الحزب إلى انتخابات جديدة، وأن تكون قوة تهدد الأغلبية المطلقة التي يسعى لها نتنياهو مع شركائه الفوريين. لذا فإن قرار الخروج من الائتلاف مع الليكود خاضع لقرار من الكتلة البرلمانية. "وهذا هو مربط الفرس"، بحسب المقولة الشعبية.

وجميع النواب الـ 15 في كتلة "أزرق أبيض"، بمعنى حزب "مناعة لإسرائيل"، باستثناء نائبة واحدة، انتقلت إليهم من حزب "يوجد مستقبل"، دخلوا إلى الكنيست لأول مرّة في حياتهم بعد انتخابات نيسان 2019، ولم يزاولوا عملهم البرلماني بشكل حقيقي، إلا بعد مرور عام وشهر، أي بعد انتخابات آذار 2020، الثالثة التي جرت في غضون 11 شهرا، وثبات الولاية البرلمانية، التي نشأت عنها حكومة. فجأة وجد 13 نائبا من هؤلاء أنفسهم وزراء، في مناصب لم تكن غالبيتهم الساحقة تحلم بها في حياتها، غالبيتهم جاءت من أماكن عمل مهنية عادية، وقلة منهم جاؤوا من فترة تقاعد مبكر، مثل الجنرالين الكبيرين بيني غانتس وغابي أشكنازي، رئيسي الأركان الأسبقين، وآخر ترك رئاسة اتحاد النقابات "الهستدروت" لغرض الدخول للكنيست، ولا أمل له بالعودة إلى منصبه السابق. لذا من المرجّح ألا تقبل غالبيتهم الساحقة جدا بالخروج المبكر من الحكومة، تاركين مناصبهم. وحتى ولو ظهر منهم من قناعاته السياسية أقوى من إغراء البقاء حول طاولة الحكومة، فإن قسما آخر منهم قادر على شق الكتلة بسهولة، للبقاء في الحكومة، وبذلك يواصل نتنياهو حكومته مع أغلبية واضحة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل نرى اختلافا سياسيا جوهريا بين كتلة "أزرق أبيض" واليمين الاستيطاني؟ ليس صعبا الاجابة بالنفي. فإذا ما ظهر خلاف ما، فإنه يدور حول التوقيت، والإطار المناسب. ونقصد هنا مسألة فرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات ومناطق شاسعة في الضفة المحتلة. فالضم قائم في البرنامج السياسي لتحالف "أزرق أبيض"، منذ تأسيسه لأول مرّة في شهر شباط من العام الماضي 2019، وهو يقول بشكل واضح إن الكتل الاستيطانية، بما فيها غور الأردن، "ستكون جزءا من إسرائيل"، ولكن في إطار حل شامل إقليمي، كما أن البرنامج ذاته غيّب كليا مصطلح "دولة فلسطينية"؛ وكل هذا، في الوقت الذي وصفت الحلبة السياسية ووسائل الإعلام هذا التحالف على أنه "وسط". كذلك نذكر أن بيني غانتس وشركاءه السابقين في تحالف "أزرق أبيض"، "رحّبوا" بما تسمى "صفقة القرن"، في لحظة الإعلان عنها.

وخلال الحملة الانتخابية الأخيرة، التي جرت هذا العام، انخرط قادة "أزرق أبيض" في مسار سياسي انتخابي فرضه عليهم بنيامين نتنياهو، وهو مسألة الضم، أكثر من قضايا الفساد التي تطارد نتنياهو. ولم يمر أسبوع واحد، خلال الحملة الانتخابية، إلا وأكد قادة تحالف "أزرق أبيض" عدم تخليهم عن المستوطنات.

في اتفاقية الائتلاف للحكومة القائمة، فرض غانتس بندا (رقم 28 في الاتفاقية بين الليكود و"أزرق أبيض")، يقول إن على إسرائيل أن تحافظ على مصالحها وعلاقاتها الاستراتيجية في المنطقة، وعلى "اتفاقيتي السلام مع الأردن ومصر". بزعم أن مثل هذا البند، قد يُفرغ البند التالي (29) من مضمونه، وفيه أن إجراءات الضم تبدأ يوم الأول من تموز، وأن نتنياهو يتشاور مع غانتس، ولكن موقف غانتس لن يكون عائقا أمام بدء الإجراءات، في حال اعترض الأخير.

حتى الآن ليس واضحا، ما الذي سيكون في الأول من تموز، وفي الأسابيع اللاحقة، ولكن ما هو واضح منذ الآن أن غانتس وفريقه لا يهددان بالانسحاب من الحكومة، في حال بدأت إجراءات الضم، رغم ما يريانه من اعتراض دولي وإقليمي، ومن موقف ضبابي في البيت الأبيض.

وأكثر من هذا، في باب التماهي السياسي بين الفريقين، فالمحكمة العليا الإسرائيلية ألغت قبل أيام ما يسمى "قانون التسوية"، وهو قانون سلب ونهب الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة في الضفة المحتلة، التي استولت عليها عصابات المستوطنين، وأيضا سلطات الاحتلال، وأقامت عليها بؤرا استيطانية، وحتى أحياء استيطانية [طالع ص 2]. هذا القرار جاء بعد ثلاث سنوات من سن القانون، وهذه المماطلة ليست بريئة، استنادا لتجارب عشرات السنين مع قرارات هذه المحكمة. فهذا القانون يُعد جريمة حرب، وفي حال وصل إلى المحكمة الدولية، فإنها ستنقضه، لذا فإن المحكمة العليا الإسرائيلية، تبحث عن فرص في محاولة لكسب شرعية لقراراتها، التي ولا مرّة نقضت جوهر السياسة الإسرائيلية. وهذا القرار ظهر في أجواء الحديث عن فرض "السيادة" على المستوطنات، بمعنى أن هذه الأراضي المسلوبة، ستخضع لكتاب القوانين الإسرائيلي مباشرة، من بينها "قانون أملاك الغائبين"، وعندها سيكون "قانون التسوية" ممكن الاستغناء عنه.

فور صدور القرار، رحّب غانتس، بما وصفه "استقلالية القضاء"، وانتقد القانون إياه، ولكن لم يمر يومان، حتى انتشرت أنباء في وسائل الإعلام الإسرائيلية تقول إن وزير الدفاع بيني غانتس، ووزير العدل آفي نيسانكورن، والثاني أيضا من كتلة "أزرق أبيض"، طلبا من الطواقم المهنية في وزارتيهما، البحث عن مسارات أخرى لتثبيت لا أقل من ألف بيت استيطاني، من أصل ألفي بيت استيطاني، يعترف الاحتلال بأنها قائمة على أراض فلسطينية بملكية خاصة. ما يعني أن غانتس ينتقد قانونا قائما على السلب والنهب، ثم يذهب للبحث عن مسارات لتطبيق أهداف القانون الأساسية، ولكن بأنظمة وإجراءات أخرى.

لربما يعتقد غانتس أنه يسير بين النقاط، ولا ينتبه إلى أن المطر شديد فوق رأسه، فهو يريد الوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة، ظنا منه أنه في تلك الساعة ستختلف وضعيته، وسيكون في موقع أقوى. وهذا وهمٌ، ووهمٌ كبير لا يمكن تصوّر أن من كان قائدا لأحد أقوى جيوش العالم، يغرق فيه، لأنه سيجد نفسه رئيس حكومة لا يقوى على أن يقر بنفسه خطا مختلفا لو أراد، إذ سيكون أقلية في الائتلاف الذي سيترأسه. كما أنه بموجب الاتفاق، فإنه في حال انتهت محكمة نتنياهو، قبل أن يُنهي ولايته الأولى في الحكومة، أو حتى بعد أن يتسلم رئاسة الحكومة غانتس، وكان الحُكم ضد نتنياهو بمستوى يمنعه من الاستمرار في الحكومة، فإنه سيتم حل الحكومة والتوجه إلى انتخابات برلمانية جديدة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات