أكدت تحليلات إسرائيلية متطابقة أن مسارعة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للبدء بإجراءات ضم مناطق من الضفة الغربية إلى ما تسمى "السيادة الإسرائيلية"، لم تكن منذ البداية نابعة فقط من رغبته في تحقيق ما يعدّه إنجازا سياسيا له قبل الغوص في محاكمته في قضايا الفساد، بل أيضا من حاجته إلى تحقيق هذا "الإنجاز" قبل أن تغرق الحلبة الأميركية في الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وكما يظهر الآن فإن التعقيدات في الولايات المتحدة تتراكم، وباتت متشعبة في وجه الرئيس الحالي دونالد ترامب، ورغم استطلاعات الرأي التي تتحدث عن تقدم واضح لمنافسه من الحزب الديمقراطي جون بايدن، إلا أن الأمور قد تنقلب، ولكن نتنياهو يتخذ الحسابات الأسوأ بالنسبة له، وهي خسارة ترامب، ولهذا فإنه من الصعب رؤية أن يجمد نتنياهو الإجراءات إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.
وما يجري في الحزبين الأميركيين بات الشغل الشاغل للمحللين والكتّاب في الصحافة الأميركية. فمن الواضح أن نتنياهو قلب كل معادلات العلاقة السياسية بين حكومات إسرائيل والجهاز الحزبي الأميركي، حينما اصطف بشكل واضح وفظ إلى جانب الحزب الجمهوري منذ انتخابات العام 2012، في محاولة لإسقاط الرئيس من الحزب الديمقراطي باراك أوباما، وأيضا في الانتخابات التشريعية في العام 2014، ثم في الانتخابات الرئاسية في العام 2016.
وتعددت التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن أن الحزب الديمقراطي سيجري حسابا عسيرا مع بنيامين نتنياهو واليمين المؤازر له. وهذا لا يعني انقلابا في الموقف الأميركي تجاه إسرائيل، في حال فاز الحزب الديمقراطي ومرشحه بايدن، ولكن كما يظهر فإن الحزب لن يتساوق مع مخططات نتنياهو بشأن فرض ما تسمى "السيادة" على المستوطنات ومناطق شاسعة من الضفة المحتلة.
والموقف من سياسة نتنياهو في الحزب الديمقراطي بلغ حد قيام المجموعة الأكثر تأييدا وحماسة لإسرائيل وسياساتها في الحزب الديمقراطي بمعارضة هذه السياسة. ففي الأيام الأخيرة قالت صحيفة "هآرتس" إن ثلاثة أعضاء كبار في مجلس الشيوخ الأميركي (السينات) المحسوبين على الجناح الإسرائيلي في الحزب الديمقراطي، أعلنوا معارضتهم لمخطط الضم، وهم تشاك شومر وبوب ميناندز وبن كاردين، وقالوا في بيان مشترك إن هذه الخطوة ستضر بالأمن والاستقرار في المنطقة. وحسب وصف الصحيفة فإن هذا البيان لاقى دهشة بسبب هوية أصحابه.
وجاء في البيان على لسان هؤلاء الأعضاء ""بصفتنا مؤيدين أقوياء ومخلصين للعلاقة بين اسرائيل وأميركا، نحن ملزمون بالتعبير عن معارضتنا لاقتراح ضم أجزاء من الضفة الغربية بصورة أحادية الجانب". وأضافوا أنهم يعارضون الضم لنفس السبب الذي عارضوا بسببه لسنوات خطوات أحادية الجانب من قبل الفلسطينيين، وأكدوا أن "الدبلوماسية والمفاوضات هما الطريق الوحيدة للتوصل إلى سلام في المنطقة. وهذا هو السبب في أن الكونغرس عارض طوال سنوات فكرة الضم".
وهذا البيان من شأنه أن يثير جهات في إسرائيل، لأنه يدل على عمق الأزمة التي خلقها نتنياهو مع الحزب الديمقراطي، فهذه الشخصيات الثلاث أقنعها نتنياهو في العام 2015 بالتمرد على رئيس حزبها، الرئيس الأميركي باراك أوباما في حينه، وصوتوا ضد الاتفاق الدولي مع إيران. وهذا يعني أن الحديث في الحزب لم يعد يقتصر على القيادة الأولى ولا على مرشح الرئاسة عن الحزب الديمقراطي بايدن، بل وصل الأمر إلى حد المجموعات المؤيدة لإسرائيل في الحزب.
ونشير هنا إلى أنه وفق كل التقارير التي تظهر تباعا على مدى السنين، فإن ما بين 67% إلى 70% من الأميركان اليهود يصوتون تقليديا للحزب الديمقراطي ومرشحه للرئاسة، و25% فقط يصوتون للحزب الجمهوري.
وتستعرض وسائل الإعلام الإسرائيلية في تقارير متتالية أسماء بارزة معروفة بتأييدها لإسرائيل، حتى في الحزب الجمهوري، تعلن معارضتها لمخطط الضم. ولكن ليس هذا وحده، بل بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تبرز حراكا عربيا في الساحة الأميركية للضغط على إسرائيل ومنعها من الشروع بإجراءات الضم. فقد انشغلت إسرائيل لعدة أيام بمقال سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، يوسف العتيبة، الذي نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ويحذر فيه من أن الضم سيعرقل "جهود التقارب" في المنطقة.
ولكن الدور الأبرز كان للملك الأردني عبد الله الثاني، إذ أبرزت صحيفة "هآرتس" في موقعها الإلكتروني في نهاية الأسبوع، أن الملك يجري اتصالات مكثفة مع أسماء بارزة في مجلس الشيوخ والكونغرس الأميركيين، ليوضح لهم مدى خطورة المخطط الإسرائيلي على المنطقة. وحسب الوصف، فإن الملك كرّس 36 ساعة لمحادثات عبر وسائل الاتصال الإلكتروني الحديثة، في سبع محادثات، جرت في الأسبوع الماضي. وحسب ما ورد، فإن الرسالة الأساسية التي سيطرت على هذه المحادثات، هي رسالة قصيرة ومباشرة: "الضم هو فكرة خطيرة تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة". واضافت الصحيفة أنه بالنسبة للعديد من المشرعين، الذين كانوا مشغولين حصريًا في الأسابيع الأخيرة في أزمة كورونا والاحتجاجات الضخمة في شوارع الولايات المتحدة، هذه هي المرة الأولى التي يتعرضون فيها لعمق قلق الأردن بشأن الضم. وأحد الأشخاص المقربين من الملك عبد الله في مجال معاهد الأبحاث في واشنطن هو روبرت ساتلوف من "معهد واشنطن" المؤيد لإسرائيل، أوضح هذا الأسبوع لصحيفة هآرتس أن الملك عبد الله استخدم المحادثات الأخيرة في الكونغرس لتوضيح أن الأردن قلق حقًا وفعلًا بشأن الضم، وأن موقف الأردن هذا ليس مجرد موقف مخصص للاستهلاك السياسي الداخلي الإعلامي.
ونشر المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم بارنياع، أمس، مقالا يحذر فيه من الاعتماد على الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه، رغم أن غالبية حكومات إسرائيل اعتمدت على الإدارات الأميركية، خاصة في العقود الخمس الأخيرة.
وتوقف بارنياع عند ما تسمى "صفقة القرن" وكتب: "انضم جاريد كوشنير، صهر ترامب، إلى طابور طويل من الأميركيين اليهود الذين يعتقدون أنهم قادرون على حل الصراع. في السنوات الثلاث الأخيرة استثمر جهودا في صياغة وتسويق الصفقة المسجلة على اسم والد زوجته. حتى وقت قريب كان يفعل ذلك بتشجيع من نتنياهو. ومثل المبعوثين الأميركيين قبله، كان كوشنير يعتقد أن إسرائيل نتنياهو تسعى إلى صفقة، حل وسط، اتفاق. ولكنه لم يفهم نتنياهو ولم يفهم (محمود) عباس. إذا كانت تقارير واشنطن صحيحة، فإن كوشنير يطالب حكومة نتنياهو بالتوصل أولاً إلى اتفاق داخلي حول نطاق الضم. وعندها فقط سيوافق على منح هذه الخطوة اعترافاً أميركياً".